( تابع . . . 1 ) : - الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به فريق من الناس سقط عن .
( فإن ) رجع بعد ذلك قبل تمام السنة إلى وطنه فلا سبيل عليه وإن ( أقام ) تمام السنة ( أخذت منه الجزية وصار ذميا ) لالتزامه ذلك ( ولم يترك ) بعدها ( أن يرجع إلى دار الحرب ) لأن عقد الذمة لا ينقض . وللإمام أن يوقت في ذلك ما دون السنة كالشهر والشهرين كما في الهداية .
( وإن عاد ) المستأمن ( إلى دار الحرب ) ولو إلى غير داره ( وترك وديعة عند ) معصوم ( مسلم أو ذمي أو ) ترك ( دينا في ذمتهم فقد صار دمه مباحا بالعود ) لبطلان أمانه ( وما ) كان ( في دار الإسلام من ماله ) فهو ( على خطر ) أي موقوف لأن يد المعصوم عليه باقية ( فإن أسر أو قيل سقطت ديونه ) لأن يد من عليه الدين أسبق إليه من يد العامة فيختص به فيسقط ( وصارت الوديعة ) وما عند شريكه ومضاربه وما في بيته في دارنا ( فيئا ) لأنها في يده حكما لأن يد المودع والشريك والمضارب كيده فيصير فيئا تبعا لنفسه .
( وما أوجف عليه المسلمون ) أي أسرعوا إلى أخذه ( من أموال أهل الحرب بغير قتال يصرف ) جميعه ( في مصالح المسلمين كما يصرف الخراج ) والجزية لأنه حصل بقوة المسلمين من غير قتال فكان كالخراج والجزية .
ولما أنهى الكلام على بيان ما يصير الحربي به ذميا أخذ في بيان ما يؤخذ منه وبيان العشر تتميما للوظائف المالية وقدم بيان العشر لما فيه من معنى العبادة فقال : .
( وأرض العرب كلها عشر ) لأن الخراج لا يجب ابتداء إلا بعقد الذمة وعقد الذمة من مشرك العرب لا يصح ( وهي ) أي أرض العرب أي حدها ( ما بين العذيب ) بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة - قرية من قرى الكوفة ( إلى أقصى ) أي آخر ( حجر ) بفتحتين - واحد الأحجار بمعنى الصخرة كما وقع التحديد به في غير موضع ( باليمن بمهرة ) بفتح الميم وسكون الهاء - اسم موضع باليمن يسمى [ باسم ] مهرة بن حيدان أبي قبيلة تنسب إليه الإبل المهرية فيكون قوله : " بمهرة " بدلا من قوله : " باليمن " كما في النهاية ( إلى حد الشام ) وفي المغرب عن أبي يوسف في الأمالي : حدود أرض العرب ما وراء حدود أرض الكوفة إلى أقصى صخرة باليمن - وهو مهرة - وقال الكرخي : هي أرض الحجاز وتهامة ومكة والطائف والبرية - يعني : البادية - وقال محمد : أرض العرب من العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بمهرة اه باختصار . وهذه العبارات متقاربة يفسر بعضها بعضا وعدن : بفتحتين - بلدة باليمن تضاف إلى بانيها فيقال : عدن أبين كما في المصباح .
( والسواد ) : أي سواد العراق سمى سوادا لخضرة أشجاره وزروعه وهو الذي فتح على عهد سيدنا عمر فأقر أهله عليه ووضع على رقابهم الجزية وعلى أراضيهم الخراج ( أرض الخراج ) لأنه وظيفة أرض الكفار ( وهي ) أي أرض السواد حدها عرضا ( ما بين العذيب ) المتقدمة ( إلى عقبة حلوان ) بضم الحاء المهملة وسكون اللام - اسم بلدة مشهورة بينها وبين بغداد نحو خمس مراحل وهي طرف العراق من الشرق سميت باسم بانيها وهو حلوان بن عمران بن الحارث كما في المصباح ( و ) حدها طولا ( من العلث ) بفتح العين المهملة وسكون اللام وآخره ثاء مثلثة - قرية موقفة على العلوية على شرق دجلة ( إلى عبادان ) بتشديد الباء الموحدة - حصن صغير على شط البحر وقال في المغرب : حده طولا من حديثة الموصل إلى عبادان وعرضا من العذيب إلى حلوان اه . وقال في باب الحاء : حديثة الموصل : قرية وهي أول حد السواد طولا وحديثة الفرات : موضع آخر وقال في باب الثاء : الثعلبية : من منازل البادية ووصعها موضع العلث في حد السواد خطأ اه . والظاهر من كلامه : أن كلا من العلث وحديثة الموصل حد للسواد لكونهما متحاذيين : وأما التحديد بالثعلبية كما في بعض الكتب فخطأ والله أعلم .
( وأرض السواد مملوكة لأهلها : يجوز بيعها لهم وتصرفهم فيها ) لأن الإمام إذا فتح أرضا عنوة وقهرا كان بالخيار بين أن يقسمها بين الغانمين وبين أن يمتن بها على أهلها ويضع عليهم الجزية والخراج جباية للمسلمين كما مر .
( وكل أرض أسلم أهلها ) قبل أن يقدر عليها ( أو فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين فهي أرض عشر ) لأنها وظيفة أرض المسلمين لما فيه من معنى العبادة .
( وكل أرض فتحت عنوة وأقر أهلها عليها ) وكذا إذا صالحهم الإمام ( فهي أرض خراج ) لما مر أنه وظيفة أرض الكفار لما فيه من معنى العقوبة قال في الهداية : ومكة مخصوصة من هذا فإن رسول الله A فتحها عنوة وتركها لأهلها ولم يوظف الخراج اه .
( ومن أحيا ) من المسلمين ( أرضا مواتا ) أي غير منتفع بها ( فهي عند أبي يوسف معتبرة بحيزها ) أي بما يقرب منها ( فإن كانت من حيز أرض الخراج فهي خراجية وإن كانت من حيز أرض العشر فهي عشرية ) لأن ما قارب الشيء يعطى حكمه ( كفناء الدار له حكم الدار حتى يجوز لصاحبها الانتفاع به ( والبصرة عنده ) أي عنده أبي يوسف ( عشرية بإجماع الصحابة ) وكانت القياس أن تكون عنده خراجية لأنها بحيز أرض الخراج إلا أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وظفوا عليهم العشر فترك القياس لإجماعهم هداية ( وقال محمد ) تعتبر بشربها إذ هو السبب للنماء ( إن أحياها ) بماء السماء أو ( ببئر حفرها أو عين استخرجها أو ماء دجلة أو الفرات أو الأنهار العظام التي لا يملكها أحد ) كسيحون وجيحون ( فهي عشرية ) لأنها مياه العشر ( وإن أحياها بماء الأنهار التي احتفرها ) أي شقها ( الأعاجم ) وذلك ( مثل نهر الملك ) كسرى أنوشروان وهو نهر على طريق الكوفة من بغداد وهو يستقي من الفرات ومغرب ( ونهر يزدجرد ) بوزن بستعيب اسم ملك من ملوك العجم ( فهي خراجية ) قال في التصحيح : واختار قول أبي يوسف الإمام المحبوبي والنسفي وصدر الشريعة اه .
( والخراج الذي وضعه ) أمير المؤمنين ( عمر بن الخطاب ) Bه ( على السواد ) هو ( من كل جريب ) بفتح الجيم التحتية وكسر الراء - قطعة أرض طولها ستون ذراعا وعرضها كذلك قالوا : والأصل فيه المكيال ثم سمي به المبذر مغرب ( يبلغه الماء ) ويصلح للزراعة ( قفيز هاشمي ) مما يزرع فيها كما في شرح الطحاوي وقال الإمام ظهير الدين : من حنطة أو شعير ( وهو ) أي القفيز الهاشمي ( الصاع ) النبوي ( ودرهم ) عطف على " قفيز " من أجود النقود زيلعي ( ومن جريب الرطبة ) بفتح الراء - قال العيني : هي البرسيم ومثلها البقول ( خمسة دراهم ومن جريب الكرم ) شجر العنب ومثله غيره ( المتصل ) بعضه ببعض بحيث تكون الأرض مشغولة به ( والنخل المتصل ) كذلك ( عشرة دراهم ) هذا هو المنقول عن عمر Bه فإنه بعث عثمان بن حنيف Bه حتى مسح سواد العراق وجعل حذيفة عليه مشرفا فبلغ ستا وثلاثين ألف ألف جريب ووضع ذلك على ما قلنا وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم من غير نكير فكان ذلك إجماعا منهم ولأن المؤن متفاوتة والكرم أخفها مؤنة والمزارع أكثرها مؤنة ولرطاب بينهما والوظيفة تتفاوت بتفاوتها فجعل الواجب في الكرم أعلاها وفي الزرع أدناها وفي الرطبة أوساطها هداية . قيد بالاتصال لأنها إذا كانت متفرقة بجوانب الأرض ووسطها مزروع لا شيء فيها وكذا لو غرس أشجارا غير مثمرة كما في البحر ( وما سوى ذلك من ) بقية ( الأصناف ) مما ليس فيه توظيف الإمام عمر Bه كالبستان - وهو كل أرض يحوطها حائط وفيها أشجار متفرقة يمكن الزرع تحتها - فلو ملتفة أي : متصلة لا يمكن زراعة أرضها فهو كرم كما في الدر ( يوضع عليها بحسب الطاقة ) لأن الإمام رضي الله تعالى عنه إنما اعتبر فيما وظف الطاقة فنعتبرها فيما لا توظيف فيه وغاية الطاقة نصف الخارج لأن التنصيف عين الإنصاف فلا يزاد عليه و إن أطاقت وتمامه في الكافي ( فإن لم تطق ما وضع عليها ) بأن لم يبلغ الخارج ضعف الخراج ( نقصهم الإمام ) إلى قدر الطاقة وجوبا وينبغي أن لا يزاد على النصف ولا ينقص عن الخمس كما في الدر عن الحدادي .
( وإن غلب الماء على أرض الخراج ) حتى منع زراعتها ( أو انقطع ) الماء ( عنها أو اصطلم ) أي استأصل ( الزرع آفة ) سماوية لا يمكن الاحتراز عنها كغرق وحرق وشدة برد ( فلا خراج عليهم ) لقوات التمكن من الزراعة وهو النماء التقديري المعتبر في الخراج حتى لو بقي من السنة ما يمكن الزرع فيه ثانيا وجب لوجود التمكن . قيدنا الآفة بالسماوية التي لا يمكن الاحتراز عنها لأنها إذا كانت غير سماوية ويمكن الاحتراز عنها كأكل القردة والسباع و الأنعام لا يسقط وقيد الاصطلام للزرع لأنه لو كان بعد الحصاد لا يسقط وتمامه في البحر ( وإن عطلها صاحبها ) مع إمكان زراعتها ( فعليه الخراج ) لوجود التمكن وهذا إذا كان الخراج موظفا أما إذا كان خراج مقاسمة فإنه لا يجب عليه شيء كما في الجوهرة عن الفوائد .
( ومن أسلم من أهل الخراج أخذ منه الخراج على حاله ) لأن الأرض قد اتصفت بالخراج فلا تتغير بتغير المسالك .
( ويجوز أن يشتري المسلم أرض الخراج من الذمي ) اعتبارا بسائر أملاكه ( ويؤخذ منه ) أي المسلم ( الخراج ) الذي عليها لالتزامه ذلك دلالة قال في الهداية : وقد صح أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اشتروا أراضي الخراج وكانوا يؤدون خراجها فدل ذلك على جواز الشراء وأخذ الخراج وأدائه للمسلم من غير كراهة اه .
( ولا عشر في الخارج من أرض الخراج ) لأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا والعشر في أرض أسلم أهلها طوعا والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة وسبب الحقين واحد - وهو الأرض النامية - إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا وفي الخراج تقديرا ولهذا يضافان إلى الأرض وتمامه في الهداية .
( والجزية ) بالكسر - وهي : اسم لما يؤخذ من أهل الذمة لأنها تجزئ من القتل : أي تعصم والجمع جزى كلحية ولحى ( على ضربين ) الضرب الأول ( جزية توضع بالتراضي والصلح ) قبل قهرهم والاستيلاء عليهم ( فتقدر بحسب ) أي بقدر ( ما يقع عليه الاتفاق ) لأن الموجب هو التراضي فلا يجوز التعدي إلى غيره تحرزا عن الغدر بهم ( و ) الضرب الثاني ( جزية يبتدئ الإمام وضعها إذا غلب ) الإمام ( على الكفار ) واستولى عليهم ( وأقرهم على أملاكهم ) لما مر أنه مخير في عقارهم ( فيضع على الغني الظاهر الغنى ) وهو من يملك عشرة آلاف درهم فصاعدا ( في كل سنة ثمانية وأربعين درهما ) منجمة على الأشهر ( يأخذ في كل شهر أربعة دراهم ) وهذا لأجل التسهيل عليه لا بيان للوجوب لأنه بأول الحول كما في البحر عن الهداية ( و ) يضع ( على المتوسط الحال ) وهو من يملك مائتي درهم فصاعدا ( أربعة وعشرين درهما ) منجمة أيضا ( في كل درهمين و ) يضع ( على الفقير ) وهو من يملك ما دون المائتين أو لا يملك شيئا ( المعتمل اثني عشر درهما ) منجمة أيضا ( في كل شهر درهما ) قال في البحر : وظاهر كلامهم أن حد الغنى والتوسط والفقر لم يذكر في ظاهر الرواية ولذا اختلف المشايخ فيه وأحسن الأقوال ما اختاره في شرح الطحاوي ثم ذكر عبارته بمثل ما ذكرناه .
( وتوضع الجزية على أهل الكتاب ) شامل اليهودي والنصراني ويدخل في اليهود السامرية لأنهم يدينون بشريعة موسى E إلا أنهم يخالفونهم في فروع ويدخل في النصارى الفرنج والأرمن وفي الخانية : وتؤخذ الجزية من الصابئة عند أبي حنيفة خلافا لهما بحر ( والمجوس ) ولو من العرب لوضعه A على مجوس هجر والمجوس : جمع مجوسي وهو من يعبد النار ( وعبدة الأوثان ) جمع وثن وهو الصنم إذا كانوا ( من العجم ) لجواز استرقاقهم فجاز ضرب الجزية عليهم .
( ولا توضع على عبدة الأوثان من العرب ) لأنه A نشأ بين أظهرهم ونزل القرآن بلغتهم فكانت المعجزة أظهر في حقهم فلم يعذروا في كفرهم ( ولا ) على ( المرتدين ) لكفرهم بعد الهداية للإسلام فلا يقبل منهما إلا الإسلام أو الحسام وإذا ظهرنا عليهم فنساؤهم وذراريهم فئ لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه استرق نسوان بني حنيفة وصبيانهم لما ارتدوا وقسمهم بين الغانمين هداية .
( ولا جزية على امرأة ولا صبي ) ولا مجنون ولا معتوه ( ولا زمن ولا أعمى ) ولا مفلوج ولا شيخ كبير لأنها وجبت بدلا عن القتال وهم لا يقتلون ولا يقاتلون لعدم الأهلية ( ولا فقير غير معتمل ) أي مكتسب ولو بالسؤال لعدم الطاقة فلو قدر على ذلك وضع عليه قهستاني ( ولا على الرهبان الذين لا يخالطون الناس ) لأنهم إذا لم يخالطوا الناس لا قتل عليهم والأصل في ذلك : أن الجزية لإسقاط القتل فمن لا يجب عليه القتل لا توضع عليه الجزية وتمامه في الاختيار ( قال في الاختيار : " ولا جزية على الرهبان المنعزلين ولا على فقير غير معتمل والمراد الرهبان الذين لا يقدرون على العمل والسياحين ونحوهم . أما إذا كانوا يقدرون على العمل فيجب عليهم وإن اعتزلوا وتركوا العمل لأنهم يقدرون على العمل فصاروا كالمعتملين إذا تركوا العمل فتؤخذ منهم الجزية ونظيره تعطيل أرض الخراج " اه . ) ولا توضع على المملوك ولا المكاتب ولا المدبر ولا أم الولد لعدم الملك ولا يؤدى عنهم مواليهم لتحملهم الزيادة بسببهم . والعبرة في الأهلية وعدمها وقت وضع الإمام فمن أفاق أو أعتق أو بلغ أو برأ بعد وضع الإمام لم توضع عليه حتى تمضي تلك السنة كما في الاختيار ( قال : " ولو أدرك الصبي أو أفاق المجنون أو عتق العبد أو برأ المريض قبل وضع الإمام الجزية وضع عليهم ولو بعد وضع الجزية لا توضع عليهم لأن المعتبر أهليتهم عند الوضع لأن الإمام يحرج ( يناله الحرج ) في تعرف حالهم في كل وقت ولم يكونوا أهلا وقت الوضع بخلاف الفقير إذا أيسر بعد الوضع حيث يوضع عليه لأن الفقير أهل الجزية وإنما سقطت عنه للعجز وقد زال " اه . ) .
( ومن أسلم وعليه جزية ) ولو بعد تمام الحول ( سقطت عنه ) لأنها تجب على وجه العقوبة فتسقط بالإسلام كالقتل وكذا إذا مات لأن شرع العقوبة في الدنيا لا يكون إلا لدفع الشر وقد اندفع بالموت وتمامه في الهداية ( وإن اجتمع عليه ) أي الذمي ( حولان ) فأكثر ( تداخلت الجزية ) لأنها عقوبة والعقوبات إذا اجتمعت تداخلت كالحدود ( تداخل الجزية - بحيث إذا اجتمع على من وجبت عليه جزية سنتين لم تؤخذ إلا لسنة واحدة - وهو مذهب أبي حنيفة C وقال أبو يوسف ومحمد : تجب لجميع ما مضى لأن مضي المدة لا تأثير له في إسقاط الواجب كالديون ولأبي حنيفة ما أشار إليه الشارح وحاصله أن الجزية عقوبة على الكفر والأصل في العقوبات التداخل كالحدود وأيضا فإنما شرعت الجزية لزجر الكفار ولا يتصور الزجر عن الزمن الماضي .
وقيل : خراج الأرض على هذا الخلاف هداية . ) ( ولا يجوز إحداث بيعة ) بكسر الباء ( ولا كنيسة ) ولا صومعة ولا بيت نار ولا مقبرة ( في دار الإسلام ) قال في النهاية : يقال كنيسة اليهود والنصارى لمتعبدهم وكذلك البيعة كان مطلقا في الأصل ثم غلب استعمال الكنيسة لمتعبد اليهود والبيعة لمتعبد النصارى اه قال في الفتح : وفي ديار مصر لا يستعمل لفظ البيعة بل الكنيسة لمتعبد الفريقين ولفظ الدير للنصارى خاصة اه . ومثله في الديار الشامية ثم إطلاق دار الإسلام يشمل الأمصار والقرى وهو المختار كما في الفتح ( وإذا انهدمت الكنائس والبيع القديمة أعادوها ) حكم ما كانت من غير زيادة على البناء الأول ولا يعدل عن النقض الأول إن كفى وتمامه في شرح الوهبانية لأن الأبنية لا تبقى دائما ولما أقرهم الإمام فقد عهد إليهم الإعادة إلا أنهم لا يمكنون من نقلها لأنها إحداث في الحقيقة هداية .
( ويؤخذ أهل الذمة ) : أي يكلفون ويلزمون ( بالتميز عن المسلمين في زيهم ) بكسر أوله - لباسهم وهيآتهم ( ومراكبها وسروجهم وقلانسهم ) ولا يهانون ولا يبدءون بالسلام ويضيق عليهم الطريق فلو لم يكن له علامة مميزة فلعله يعامل معاملة المسلمين وذلك لا يجوز ( ولا يركبون الخيل ولا يحملون ) وفي بعض النسخ يتجملون ( السلاح ) أي لا يمكنون من ذلك لأن في ذلك توسعة عليهم وتقوية لشوكتهم وهو خلاف اللازم عليهم ويمنعون من لبس العمائم وزنار الإبريسم والثياب الفاخرة والمختصة بأهل العلم والشرف ويظهرون الكستيجات - بضم الكاف - جمع كستيج فارسي معرب : الزنار من صوف أو شعر بحيث يكون في غلظ أصبع فوق الثياب ويجب أن تميز نساؤهم عن نسائنا في الطرقات والحمامات ويجعل على دورهم علامات وتمامه في الأشباه في أحكام الذمي .
( ومن امتنع ) من أهل الذمة ( من أداء الجزية أو قتل مسلما ) أو فتنة عن دينه أو قطع الطريق ( أو سب النبي A ) أو القرآن أو دين الإسلام ( أو زنى بمسلمة لم ينقض عهده ) لأن كفره المقارن لم يمنع العهد فالطارئ لا يرفعه فتؤخذ منه الجزية جبرا إذا امتنع من أداء الجزية ويستوفي منه القصاص إذا قتل ويقام عليه الحد إذا زنى ويؤدب ويعاقب على السبل حاوي وغيره . واختار بعض المتأخرين قتله وتبعه ابن الهمام وأفتى به الخير الرملي قال في الدر : ورأيت في معروضات المفتي أبي السعود أنه ورد أمر سلطاني بالعمل بقول أئمتنا القائلين بقتله إن ظهر أنه معتاده وبه أفتى وتمامه فيه ( ولا ينتقض العهد ) أي : عهد أهل الذمة ( إلا بأن يلحق ) أحدهم ( بدار الحرب أو يغلبوا على موضع فيحاربونا ) لأنهم صاروا حربا علينا فيعرى عقد الذمة عن الإفادة وهو دفع شر الحراب فينقض عهدهم ويصيرون كالمرتدين إلا أنه أسر واحد منهم يسترق والمرتد يقتل ولا يجبر على قبول الذمة والمرتد يجبر على الإسلام .
ولما أنهى الكلام على الذمي أخذ في بيان أحكام المرتد وهو الراجع عن الإسلام فقال : .
( وإذا ارتد المسلم عن الإسلام ) والعياذ بالله تعالى ( عرض عليه الإسلام ) استحبابا على المذهب لبلوغه الدعوة در ( فإن كانت له شبهة كشفت له ) بيان لثمرة العرض إذ الظاهر أنه لا يرتد إلا من له شبهة ( ويحبس ثلاثة أيام ) ندبا وقيل : إن استمهل وجوبا وإلا ندبا ويعرض عليه الإسلام في كل يوم ( فإن أسلم ) فيها وكذا لو ارتد ثانيا لكنه يضرب فإن عاد يضرب ويحبس حتى تظهر عليه التوبة فإن عاد فكذلك تتارخانية قال في الهداية : وكيفية توبته أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى الإسلام ولو تبرأ عما انتقل إليه كفاه لحصول المقصود اه ( وإلا ) أي : وإن لم يسلم ( قتل ) لحديث : ( من ترك دينه فاقتلوه ) ( فإن قتله قاتل قبل عرض الإسلام عليه كره له ذلك ) تنزيها أو تحريما على ما مر من حكم العرض ( ولا شيء على القاتل ) لقتله مباح الدم .
( وأما المرأة إذا ارتدت فلا تقتل ) لنهيه A عن قتل النساء من غير تفرقة بين الكافرة الأصلية والمرتدة ( ولكن تحبس حتى تسلم ) لإمتناعها عن إيفاء حق الله تعالى بعد الإقرار فتجبر على الإيفاء بالحبس كما في حقوق العباد هداية .
( ويزول ملك المرتد عن أمواله بردته ) لزوال عصمة دمه فكذا عصمة ماله . قال جمال الإسلام : وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : لا يزول والصحيح قول الإمام وعليه مشى الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما تصحيح . وإنما يزول ملكه عند أبي حنيفة ( زوالا مراعى ) أي موقوفا إلى أن يتبين حاله لأن حاله متردد بين أن يسلم فيعود إلى العصمة . وبين أن يثبت على ردته فيقتل ( فإن أسلم عادت ) حرمة أمواله ( على حالها ) السابق وصار كأنه لم يرتد ( وإن مات أو قتل على ردته ) أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه ( انتقل ما كان اكتسبه في حال إسلامه إلى ورثته المسلمين ) لوجوده قبل الردة فيستند الإرث إلى آخر جزء من أجزاء إسلامه لأن ردته بمنزلة موته فيكون توريث المسلم من المسلم ( وكان ما اكتسبه في حال ردته فيئا ) للمسلمين فيوضع في بيت المال لأن كسبه حال ردته كسب مباح الدم ليس فيه حق لأحد فكان فيئا كمال الحربي . قال الزاهدي : وهذا عند أبي حنيفة وقالا : كلاهما لورثته والصحيح قول الإمام واختار قوله البرهاني والنسفي وصدر الشريعة تصحيح .
( وإن لحق بدار الإسلام مرتدا وحكم الحاكم بلحاقه عتق مدبروه ) من ثلث ماله ( وأمهات أولاده ) من كل ماله وأما مكاتبه فيؤدي مال الكتابة إلى ورثته ويكون ولاؤه للمرتد كما يكون للميت جوهرة ( وحلت الديون التي عليه ونقل ما ) كان ( اكتسبه في حال الإسلام إلى ورثته المسلمين ) لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام المسلمين لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلابد من القضاء وإذا تقرر موته ثبتت الأحكام المتعلقة به وهي ما ذكرناها في الموت الحقيقي ثم يعتبر كونه وارثا عند لحاقه في قول محمد لأن اللحاق هو السبب والقضاء لتقرره يقطع الاحتمال وقال أبو يوسف : وقت القضاء لأنه يصير موتا بالقضاء والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا هداية .
( وتقضى الديون التي لزمته في حال الإسلام مما اكتسبه في حال الإسلام وما لزمه من الديون في حال ردته ) يقضى ( مما اكتسبه في حال ردته ) قال في الجوهرة : وهذه رواية عن أبي حنيفة وهي قول زفر وعن أبي حنيفة : أن ديونه كلها فيما اكتسبه في حال الردة خاصة فإن لم يف به كان الباقي فيما اكتسبه في حال الإسلام لأن كسب الإسلام حق الورثة وكسب الردة خالص حقه فكان قضاء الدين منه أولى إلا إذا تعذر بأن يف به فحينئذ تقضي من كسب الإسلام تقديما لحقه هداية .
( وما باعه ) المرتد ( أو اشتراه ) أو أعتقه أو رهنه ( أو تصرف فيه من أمواله في حال ردته ) فهو ( موقوف ) إلى أن يتبين حاله ( فإن أسلم صحت عقوده ) لما مر أنه يصير كأنه لم يرتد ( وإن مات أو قتل ) على ردته ( أو لحق بدار الحرب ) وحكم بلحقاقه ( بطلت ) عقوده كلها لأن بطلان عصمته أوجب خللا في الأهلية وهذا عند أبي حنيفة وقالا : يجوز ما صنع في الوجهين لوجود الأهلية لكونه مخاطبا والملك لقيامه قبل موته والصحيح قول الإمام كما سبق .
قال في الهداية : واعلم أن تصرفات المرتد على أقسام نافذ بالاتفاق كالاستيلاد والطلاق لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وتمام الولاية وباطل بالاتفاق كالنكاح والذبيحة لأنه يعتمد الملة ولا ملة له وموقوف بالاتفاق كالمفاوضة لأنها تعتمد المساواة ولا مساواة بين المسلم والمرتد ما لم يسلم ومختلف في توقفه وهو ما عددناه . اه .
( وإن عاد المرتد بعد أن حكم بلحاقه إلى دار الإسلام مسلما فما وجده في يد ورثته ) أو في بيت المال ( من ماله بعينه أخذه ) لأن الوارث أو بيت المال إنما يخلفه لاستغنائه فإذا عاد مسلما احتاج إليه فيقدم عليه لأنه ملك عليه بغير عوض فصار كالهبة قيد بما بعد الحكم لأنه إذا عاد قبله فكأنه لم يرتد كما مر وبالمال لأن أمهات أولاده ومدبريه لا يعودون إلى الرق وبوجوده بعينه لأن الوارث إذا أزاله عن ملكه لا يرجع عليه لأن القضاء قد صح بدليل مصحح فلا ينقض كما في الهداية .
( والمرتدة إذا تصرفت في مالها في حال ردتها جاز تصرفها ) لأن ردتها لا تزيل عصمتها في حق الدم ففي حق المال بالأولى .
( ونصارى بني تغلب ) بن وائل من العرب من ربيعة تنصروا في الجاهلية وصاروا ذمة للمسلمين ( يؤخذ من أموالهم ضعف ما يؤخذ من المسلمين من الزكاة ) لأن الصلح وقع كذلك ( ويؤخذ من نسائهم ولا يؤخذ من صبيانهم ) لأن الصلح على الصدقة المضاعفة والصدقة تجب عليهن دون الصبيان فكذا المضاعف .
( وما جباه الإمام من الخراج ومن أموال بني تغلب ) لأنه جزية ( وما أهداه أهل الحرب إلى الإمام والجزية ) وما أخذ منهم من غير حرب ومنه تركة ذمي ( تصرف في مصالح المسلمين ) العامة ( فتسد منها الثغور ) جمع ثغر - كفلس - وهو موضع المخافة من فروج البلدان صحاح ( وتبنى ) منها ( القناطر ) جمع قنطرة : ما يعبر عليها النهر ولا ترفع ( والجسور ) جمع جسر - بكسر الجيم وفتحها - ما يعبر عليه ويرفع كما في البحر عن العناية ( ويعطى قضاة المسلمين وعمالهم ) كمفت ومحتسب ومرابط ( وعلماؤهم منه ما يكفيهم ) وذراريهم ( ويدفع منه ) أيضا ( أرزاق المقاتلة وذراريهم ) لأن هذه الأموال حصلت بقوة المسلمين من غير قتال فكانت لهم معدة لمصالحهم العامة وهؤلاء عملتهم ونفقة الذراري على الآباء فلو لم يعطوا كفايتهم لاحتاجوا إلى الاكتساب فلا يتفرغون لتلك الأعمال .
ولما أنهى الكلام عن أحكام المرتدين أخذ في الكلام على أحكام البغاة .
والبغاة : جمع باغ من بغى على الناس ظلم واعتدى وفي عرف الفقهاء : الخارج عن طاعة الإمام الحق بغير حق كما في التنوير