- المدعي : من لا يجبر على الخصومة إذا تركها .
والمدعى عليه : من يجبر على الخصومة .
ولا تقبل الدعوى حتى يذكر شيئا معلوما في جنسه وقدره فإن كان عينا في يد المدعى عليه كلف إحضارها ليشير إليها بالدعوى وإن لم تكن حاضرة ذكر قيمتها .
وإن ادعى عقارا حدده وذكر أنه في يد المدعى عليه وأنه يطالبه به وإن كان حقا في الذمة ذكر أنه يطالبه به .
فإذا صحت الدعوى سأل القاضي المدعى عليه عنها فإن اعترف قضى عليه بها .
وإن أنكر سأل المدعي البينة فإن أحضرها قضى بها وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلف عليها .
فإن قال " لي بينة حاضرة " وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة .
ولا ترد اليمين على المدعي ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق .
وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضي عليه بالنكول ولزمه ما ادعى عليه .
وينبغي للقاضي أن يقول له : " إني أعرض اليمين عليك ثلاثا فإن حلفت وإلا قضيت عليك بما ادعاه " فإذا كرر العرض ثلاث مرات قضى عليه بالنكول .
وإن كانت الدعوى نكاحا لم يستحلف المنكر عند أبي حنيفة .
ولا يستحلف في النكاح والرجعة والفيء في الإيلاء والرق والاستيلاد والنسب والولاء والحدود .
وقال أبو يوسف ومحمد : يستحلف في ذلك كله إلا في الحدود والقصاص .
وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضى بها بينهما وإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة وأقاما البينة لم يقض بواحدة من البينتين ويرجع إلى تصديق المرأة لأحدهما .
وإن ادعى اثنان كل واحد منهما أنه اشترى منه هذا العبد وأقاما البينة فكل واحد منهما بالخيار : إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك فإن قضى القاضي بينهما به فقال أحدهما " لا أختار " لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه وإن ذكر كل واحد منهما تاريخا فهو للأول منهما وإن لم يذكرا ومع أحدهما قبض فهو أولى به .
وإن ادعى أحدهما شراء والآخر هبة وقبضا وأقاما البينة ولا تاريخ معهما فالشراء أولى .
وإن ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء .
وإن ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا فالرهن أولى وإن أقام الخارجان البينة على الملك والتاريخ فصاحب التاريخ الأبعد أولى وإن ادعيا الشراء من واحد وأقاما البينة على التاريخين فالأول أولى وإن أقام كل واحد منهما بينة على الشراء من آخر وذكرا تاريخا فهما سواء وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ وأقام صاحب اليد البينة على ملك أقدم تاريخا كان أولى وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج فصاحب اليد أولى .
وكذلك النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة واحدة وكل سبب في الملك لا يتكرر فهو كذلك وإن أقام الخارج البينة على الملك وصاحب اليد بينة على الشراء منه كان أولى وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان .
وإن قام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة فهما سواء .
ومن ادعى قصاصا على غيره فجحد استحلف فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص وإن نكل في النفس حبس حتى يقرأ أو يحلف وقال أبو يوسف ومحمد : يلزمه الأرش فيهما .
وإذا قال المدعي " لي بينة حاضرة " قيل لخصمه " أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام " .
فإن فعل وإلا أمر بملازمته إلا أن يكون غريبا على الطريق فيلازمه مقدار مجلس القاضي .
وإن قال المدعى عليه " هذا الشيء أودعنيه فلان الغائب أو رهنه عندي أو غصبته منه " وأقام بينة على ذلك فلا خصومة بينه وبين المدعي .
وإن قال " ابتعته من الغائب " فهو خصم .
وإن قال المدعي " سرق مني " وأقام البينة وقال صاحب اليد " أودعنيه فلان " وأقام البينة لم تندفع الخصومة وإن قال المدعي " ابتعته من فلان " وقال صاحب اليد " أودعنيه فلان ذلك " سقطت الخصومة بغير بينة .
واليمين بالله تعالى دون غيره ويؤكد بذكر أوصافه ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق ويستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى والمجوسي بالله الذي خلق النار .
ولا يحلفون في بيوت عباداتهم .
ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ولا بمكان .
ومن ادعى أنه ابتاع من هذا عبده بألف فجحد يستحلف بالله ما بينكما بيع قائم فيه ولا يستحلف بالله ما بعت ويستحلف في الغصب بالله ما يستحق عليك رده ولا يحلف بالله ما غصبت وفي النكاح بالله ما بينكما نكاح قائم في الحال وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت ولا يستحلف بالله ما طلقتها .
وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها اثنان أحدهما جميعها والآخر نصفها وأقاما البينة فلصاحب الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب النصف ربعها عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : هي بينهما أثلاثا ولو كانت في أيديهما سلمت لصاحب الجميع : نصفها على وجه القضاء ونصفها لا على وجه القضاء .
وإذا تنازعا في دابة وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت عنده وذكرا تاريخا وسن الدابة يوافق التاريخين فهو أولى وإن أشكل ذلك كانت بينهما .
وإذا تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى وكذلك إذا تنازعا بعيرا وعليه حمل لأحدهما فصاحب الحمل أولى وكذلك إذا تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى .
وإذا اختلف المتبايعان في البيع فادعى أحدهما ثمنا وادعى البائع أكثر منه أو اعترف البائع بقدر . من المبيع وادعى المشتري أكثر منه وأقام أحدهما البينة قضى له بها وإن أقام كل واحد منهما البينة كانت البينة المثبتة للزيادة أولى وإن لم تكن لكل واحد منهما بينة قيل للمشتري : إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع وقيل للبائع : إما أن تسلم ما ادعاه المشتري من المبيع وإلا فسخنا البيع فإن لم يتراضيا استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر : يبتدئ بيمين المشتري فإذا حلفا فسخ القاضي البيع بينهما وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر .
وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن فلا تحالف بينهما والقول قول من ينكر الخيار والأجل مع يمينه .
وإن هلك المبيع ثم اختلفا لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وجعل القول قول المشتري . وقال محمد : يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك .
وإن هلك أحد العبدين ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك وقال أبو يوسف : يتحالفان ويفسخ البيع في الحي وقيمة الهالك . وهو قول محمد .
وإذا اختلف الزوجان في المهر فادعى الزوج أنه تزوجها بألف وقالت " تزوجتني بألفين " فأيهما أقام البينة قبلت بينته وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة وإن لم تكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة ولم يفسخ النكاح ولكن يحكم مهر المثل فإن كان مثل ما اعترف به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر قضى بما ادعته المرأة وإن كان مهر المثل أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضى لها بمهر المثل .
وإذا اختلفا في الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا وإن اختلفا بعد الاستيفاء لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر .
وإن اختلفا بعد استيفاء بعض المعقود عليه تحالفا وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر .
وإذا اختلف المولى والمكاتب في مال الكتابة لم يتحالفا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : يتحالفان وتفسخ الكتابة .
وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة وما يصلح لهما فهو للرجل .
وإذا مات أحدهما واختلف ورثته مع الآخر فما يصلح للرجال والنساء فهو للباقي منهما وقال أبو يوسف : يدفع إلى المرأة ما يجهز به مثلها والباقي للزوج .
وإذا باع الرجل الجارية فجاءت بولد فادعاه البائع فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من يوم البيع فهو ابن البائع وأمه أم ولد له . فيفسخ البيع فيه ويرد الثمن وإن ادعاه المشتري مع دعوى البائع أو بعده فدعوى البائع أولى وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لم تقبل دعوى البائع فيه إلا أن يصدقه المشتري .
وإن مات الولد فادعاه البائع وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر لم يثبت الاستيلاد في الأم وإن ماتت الأم فادعى البائع الابن وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر يثبت النسب منه في الولد وأخذه البائع ويرد الثمن كله في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : يرد حصة الولد ولا يرد حصة الأم .
ومن ادعى نسب أحد التوأمين ثبت نسبهما منه والله أعلم .
_________ .
كتاب الدعوى .
كفتوى وألفها للتأنيث فلا تنون وجمعها دعاوى كفتاوى كما في الدرر وجزم في المصباح بكسرها على الأصل وبفتحها فيهما محافظة على ألف التأنيث .
وهي لغة : قول يقصد به الإنسان إيجاب حق على غيره . وشرعا : إخبار بحق له على غيره عند الحاكم .
ولما كانت مسائل الدعوى متوقفة على معرفة المدعى والمدعى عليه ومعرفة الفرق بينهما من أهم ما تبتنى عليه - بدأ المصنف بتعريفهما فقال : ( المدعى : من لا يجبر على الخصومة إذا تركها ) لأنه طالب ( والمدعى عليه : من يجبر على الخصومة ) لأنه مطلوب .
قال في الهداية : وقد اختلفت عبارات المشايخ في الفرق بين المدعى والمدعى عليه فمنها ما قال في الكتاب وهو حد تام صحيح وقيل : المدعي من لا يستحق إلا بحجة كالخارج والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير حجة كذي اليد وقيل : المدعي من يلتمس غير الظاهر والمدعى عليه من يتمسك بالظاهر وقال محمد في الأصل : المدعى عليه هو المنكر وهذا صحيح لكن الشأن في معرفته والترجيح بالفقه عند الحذاق من أصحابنا لأن الاعتبار للمعاني دون الصور فإن المودع إذا قال " رددت الوديعة " فالقول له مع اليمين وإن كان مدعيا للرد صورة لأنه ينكر الضمان اه .
( ولا تقبل الدعوى ) من المدعي ويلزم بها حضور المدعى عليه والمدعى به والجواب ( حتى يذكر ) المدعي ( شيئا معلوما في جنسه ) كبر أو شعير أو ذهب أو فضة ( وقدره ) ككذا قفيز أو مثقالا أو درهما لأن فائدة الدعوى الإلزام بواسطة إقامة الحجة والإلزام في المجهول لا يتحقق .
( فإن كان ) المدعى به ( عينا في يد المدعى عليه كلف ) المدعى عليه ( إحضارها ليشير إليها ) المدعي ( بالدعوى ) والشهود بالشهادة والمدعى عليه بالاستحلاف لأن الإعلام بأقصى ما يمكن شرط وذلك بالإشارة في المنقولات لأن النقل ممكن والإشارة أبلغ في التعريف ( وإن لم تكن ) العين ( حاضرة ) بأن كانت هالكة أو في نقلها مؤنة ( ذكر قيمتها ) ليصير المدعى به معلوما لأن القيمة تعرفها معنى هداية .
( وإن ادعى عقارا حدده ) لأنه تعذر التعريف بالإشارة لتعذر النقل فصار إلى التحديد فإن العقار يعرف به ويذكر الحدود الأربعة وأسماء أصحابها وأنسابهم ولابد من ذكر الجد في التصحيح إلا أن يكون صاحب الحد مشهورا فيكتفي بذكره لحصول المقصود . وإن ذكر ثلاثة من الحدود يكتفي بها عندنا خلافا لزفر بخلاف ما إذا غلط في الرابع لأنه يختلف به المدعي ولا كذلك بتركها وكما يشترط التحديد في الدعوى يشترط في الشهادة هداية . ( وذكر أنه في يد المدعى عليه ) لأنه إنما ينتصب خصما إذا كان في يده ولا يكفي تصديق المدعى عليه .
أنه في يده بل لا تثبت اليد فيه إلا بالبينة أو علم القاضي هو الصحيح نفيا لتهمة المواضعة إذ العقار عساه في يد غيرهما بخلاف المنقول لأن اليد فيه مشاهدة هداية ( وأنه يطالبه به ) لأن المطالبة حقه فلابد من طلبه ولأنه يحتمل أن يكون مرهونا في يده أو محبوسا بالثمن في يده هداية . وبالمطالبة يزول هذا الاحتمال وعن هذا قالوا في المنقول : يجب أن يقول " في يد بغير حق " هداية .
( وإن كان ) المدعى به ( حقا ) أي دينا ( في الذمة ذكر أنه يطالبه به ) لأن صاحب الذمة قد حضر فلم يبق إلا المطالبة .
( فإذا صحت الدعوى ) من المدعي ( سأل القاضي المدعى عليه عنها ) لينكشف له وجه الحكم ( فإن اعترف ) بدعواه ( قضى عليه بها ) لأنه غير متهم في حق نفسه ( وإن أنكر سأل المدعي البينة ) لإثبات ما ادعاه ( فإن أحضرها قضى بها ) لظهور صدقها ( وإن عجز عن ذلك وطلب يمين خصمه استحلف ) القاضي ( عليها ) ولابد من طلبه لأن اليمين حقه وأجمعوا على التحليف بلا طلب في دعوى الدين على الميت كما في الدر وغيره .
( فإن قال المدعي : لي بينة حاضرة ) يعني في المصر ( وطلب اليمين لم يستحلف عند أبي حنيفة ) وقال أبو يوسف : يستحلف لأن اليمين حقه فإذا طالبه به يجيبه . ولأبي حنيفة أن ثبوت الحق في اليمين مرتب على العجز عن إقامة البينة فلا يكون حقه دونه كما إذا كانت البينة حاضرة في المجلس ومحمد مع أبي يوسف فيما ذكر الخصاف ومع أبي حنيفة فيما ذكر الطحاوي كما في الهداية وفي التصحيح : قال جمال الإسلام : الصحيح قول أبي حنيفة وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما اه . قيد بحضورها لأنها لو كانت عائبة حلف اتفاقا وقدر الغيبة في المجتبى بمسيرة السفر .
( ولا ترد اليمين على المدعي ) لحديث : ( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ) وحديث الشاهد واليمين ضعيف بل رده ابن معين بل أنكره الراوي كما في الدر عن العيني .
( ولا تقبل بينة صاحب اليد في الملك المطلق ) لأنها لا تفيد أكثر مما تفيده اليد فلو أقام الخارج البينة كانت بينته أولى لأنها أكثر إثباتا لأنها تظهر الملك له بخلاف ذي اليد فإن ظاهر الملك ثابت له باليد فلم تثبت له شيئا زائدا . قيد بالملك المطلق احترازا عن المقيد بدعوى النتاج وعن المقيد بما إذا ادعيا تلقى الملك من واحد وأحدهما قابض أو ادعيا الشراء من اثنين وأرخا وتأريخ ذي اليد أسبق فإنه - في هذه الصور - تقبل بينة ذي اليد بالإجماع وتمامه في العناية .
( وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين قضى عليه بالنكول ولزمه ما ادعى عليه ) لأن النكول دل على كونه باذلا عنده أو مقرا عندهما إذ لولا ذلك لأقدم على اليمين إقامة للواجب ودفعا للضرر عن نفسه فيرجح هذا الجانب ( و ) لكن ( ينبغي للقاضي أن ) ينذر المدعى عليه بأن ( يقول له : إني أعرض عليك اليمين ثلاثا فإن حلفت ) فيها ( وإلا قضيت عليك بما ادعاه ) خصمك وهذا الإنذار لإعلامه بالحكم إذ هو موضع الخفاء ( فإذا كرر ) القاضي ( العرض ) عليه ( ثلاث مرات ) وهو على نكوله ( قضى عليه بالنكول ) قال في الهداية : وهذا التكرار ذكره الخصاف لزيادة الاحتياط والمبالغة في إبلاء العذر فأما المذهب فإنه لو قضى بالنكول بعد العرض مرة جاز لما قدمنا هو الصحيح والأول أولى ثم النكول قد يكون حقيقيا كقوله " لا أحلف " وقد يكون حكميا بأن يسكت وحكمه حكم الأول إذا علم أنه لا آفة به من طرش أو خرس وهو الصحيح اه .
( وإن كانت الدعوى نكاحا ) منه أو منها وأنكره الآخر ( لم يستحلف المنكر ) منهما ( عند أبي حنيفة ) لأن النكول عنده بذل والبذل لا يجري في هذه الأشياء المذكورة بقوله : ( ولا يستحلف في ) إنكار ( النكاح والرجعة ) بعد العدة ( والفيء في الإيلاء ) بعد المدة ( والرق والاستيلاد ) إذا أنكره السيد ولا يتأتى عكسه لثبوته بإقراره ( والولاء والنسب ) عتاقة أو موالاة ( والحدود وقالا : يستحلف ) المنكر ( في ذلك كله إلا في الحدود ) لأن النكول عندهما إقرار والإقرار يجري في هذه الأشياء لكنه إقرار فيه شبهة والحدود تندرئ بالشبهات والفتوى على قولهما كما نقله في التصحيح عن قاضيخان والفتاوى الكبرى والتتمة والخلاصة ومختارات النوازل والزوزني في شرح المفظومة وفخر الإسلام عن البزدوي والنسفي في الكنز والزيلعي في شرحه ثم قال : واختار المتأخرون من مشايخنا أن القاضي ينظر في حال المدعى عليه : فإن رآه متعنتا يحلفه آخذا بقولهما وإن رآه مظلوما لا يحلفه آخذا بقول الإمام وهو نظير ما اختاره شمس الأئمة في التوكيل بالخصومة من غير رضاء الخصم اه .
( وإذا ادعى اثنان عينا في يد آخر ) و ( كل واحد منهما يزعم أنها له وأقاما البينة قضى بها ) : أي بالعين المدعى بها ( بينهما ) نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق وقبول المحل الاشتراك .
( وإن ادعى كل واحد منهما نكاح امرأة ) حية ( وأقاما البينة ) على ذلك ( لم يقض بواحدة من البينتين ) لعدم أولوية إحداهما وتعذر الحكم بهما لعدم قبول المحل اشتراكهما ( ورجع إلى تصديق المرأة لأحدهما ) لأن النكاح مما يحكم به بتصادقهما قال في الهداية : وهذا إذا لم توقت البينتان فأما إذا وقتتا فصاحب الوقت الأول أولى وإن أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما فإن أقام الآخر البينة قضى بها لأن البينة أقوى من الإقرار ولو تفرد أحدهما بالدعوى والمرأة تجحد فأقام البينة وقضى بها القاضي ثم ادعى الآخر وأقام البينة على مثل ذلك لا يحكم بها لأن القضاء بالأول صح فلا ينقض بما هو مثله بل دونه إلا أن يوقت شهود الثاني سابقا لأنه ظهر الخطأ في الأول بيقين وكذا إذا كانت المرأة في يد الزوج ونكاحه ظاهر لا تقبل بينة الخارج إلا على وجه السبق اه . قيدنا بحياة المرأة لأنها إذا كانت ميتة قضى به بينهما لأن المقصود الميراث وهو يقبل الاشتراك وعلى كل واحد نصف المهر ويرثان ميراث زوج واحد وتمامه في الخلاصة .
( وإن ادعى اثنان ) على ثالث ذي يد ( كل واحد منهما أنه اشترى منه ( أي من ذي اليد ( هذا العبد ) مثلا ( وأقاما البينة ) على ذلك قبلتا وثبت لهما الخيار لأنه لم يسلم لكل منهما سوى النصف ( فكل واحد منهما بالخيار : إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك ) لتفريق الصفقة عليه ( فإن قضى به القاضي بينهما وقال أحدهما ) بعد القضاء له ( لا أختار ) ذلك وتركه ( لم يكن للآخر أن يأخذ جميعه ) لأنه بالقضاء انفسخ عقد كل واحد في نصفه فلا يعود إلا بعقد جديد قيدنا بما بعد القضاء لأنه لو كان قبل القضاء كان للآخر أن يأخذ جميعه لأنه يدعي الكل والحجة قامت به ولم ينفسخ سببه وزال المانع وهو مزاحمة الآخر كما في الهداية ( وإن ذكر كل واحد منهما تاريخا ) وكان تاريخ أحدهما أسبق ( فهو للأول منهما ) لأنه أثبت الشراء في زمان لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به ولو وقتت إحداهما ولم توقت الأخرى فهو لصاحب الوقت لثبوت ملكه في ذلك الوقت فاحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضي له بالشك هداية ( وإن لم يذكرا تاريخا ) أو ذكرا تاريخا واحدا أو أرخ أحدهما دون الآخر ( و ) كان ( مع أحدهما قبض فهو أولى به ) لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه ولأنه قد استويا في الإثبات فلا تزول اليد الثابتة بالشك .
( وإن ادعى ) اثنان على ثالث ذي يد ( أحدهما شراء ) منه ( والآخر هبة وقبضا وأقاما البينة ) على ذلك ( ولا تاريخ معهما فالشراء أولى ) لأنه أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ولأنه يثبت بنفسه بخلاف الهبة فإنه يتوقف على القبض .
( وإن ادعى أحدهما الشراء وادعت امرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء ) لاستوائهما في القوة لأن كلا منهما معاوضة من الجانبين ويثبت الملك بنفسه . ( وإن ادعى أحدهما رهنا وقبضا والآخر هبة وقبضا فالرهن أولى ) .
قال في الهداية : وهذا استحسان وفي القياس الهبة أولى لأنها تثبت الملك والرهن لا يثبته وجه الاستحسان أو المقبوض بحكم الرهن المضمون وبحكم الهبة غير مضمون وعقد الضمان أولى اه .
( وإن أقام ) المدعيان ( الخارجان البينة على الملك والتاريخ ) المختلف ( فصاحب التاريخ الأبعد ) أي الأسبق تاريخا ( أولى ) لأنه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق الآخر منه .
( وإن ادعيا الشراء من واحد ) أي غير ذي يد لئلا يتكرر مع ما سبق ( وأقاما البينة على التاريخين ) المختلفين ( فالأول أولى ) لما بينا أنه أثبته في وقت لا منازع له فيه .
( وإن أقام كل واحد منهما بينة على الشراء من آخر ) بأن قال أحدهما : اشتريت من زيد والآخر من عمرو ( وذكرا تاريخا ) متفقا أو مختلفا ( فهما سواء ) لأنهما يثبتان الملك لبائعهما فيصيران كأنهما أقاما البينة على الملك من غير تاريخ فيخير كل منهما بين أخذ النصف بنصف الثمن وبين الترك .
( وإن أقام الخارج البينة على ملك مؤرخ و ) أقام ( صاحب اليد البينة على ملك أقدم تاريخا كان ) ذو اليد ( أولى ) لأن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع قال في الهداية وشرح الزاهدي : وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وهو رواية عن محمد وعنه : لا تقبل بينة ذي اليد وعلى قولهما اعتمد المحبوبي والنسفي وغيرهما كما هو الرسم تصحيح .
( وإن أقام الخارج وصاحب اليد كل واحد منهما بينة بالنتاج ) من غير تاريخ أو أرخا تاريخا واحدا بدليل ما يأتي ( فصاحب اليد أولى ) لأن البينة قامت على ما لا تدل عليه اليد فاستويا وترجحت بينة ذي اليد فيقضي له ولو تلقى كل واحد منهما الملك من رجل وأقام البينة على النتاج عنده فهو بمنزلة إقامتها على النتاج في يد نفسه لما ذكرنا ولو أقام أحدهما البينة على الملك المطلق والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان لأن البينة قامت على أولية الملك فلا يثبت للآخر إلا بالتلقي من جهته وكذا إذا كانت الدعوى بين خارجين فبينة النتاج عنده أولى لما ذكرناه ولو قضى بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها دو اليد لأن الثالث لم يصر مقضيا عليه بتلك القضية وكذا المقضي عليه بالملك إذا أقام البينة على النتاج تقبل بينته وينقض القضاء لأنه بمنزلة النص هداية .
( وكذلك ) أي مثل النتاج ( النسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة واحدة ) كالكرباس ( و ) كذا ( كل سبب في الملك لا يتكرر ) كغزل القطن وحلب لبن وجز صوف ونحو ذلك لأنه في معنى النتاج فإن كان يتكرر كالبناء والغرس قضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق وإن أشكل يرجع به إلى أهل الخبرة فإن أشكل عليهم قضى به للخارج وتمامه في الهداية ( وإن أقام الخارج البينة على الملك ) المطلق ( وصاحب اليد بينة على الشراء منه كان ) صاحب اليد ( أولى ) لأنه أثبت تلقي الملك منه فصار كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه ( وإن أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من الآخر ولا تاريخ معهما تهاترت البينتان ) ويترك المدعى به في يد ذي اليد .
قال في الهداية : وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد : يقضي بالبينتين ويكون للخارج اه . قال في التصحيح : وعلى قولهما اعتمد المصححون وقد رجحوا دليلهما قولا واحدا اه .
( وإن أقام أحد المدعيين شاهدين و ) أقام ( الآخر أربعة ) أو أكثر ( فهما سواء ) لأن كل شهادة علة تامة وكذا لو كانت إحداهما أعدل من الأخرى لأن العبرة لأصل العدالة إذ لا حد للأعدلية كما في الدر .
( ومن ادعى قصاصا على غيره فجحده ) المدعى عليه ( استحلف ) إجماعا لأنه منكر ( فإن نكل عن اليمين فيما دون النفس لزمه القصاص وإن نكل في النفس حبس حتى يقرأ أو يحلف ) وهذا عند أبي حنيفة لأن النكول عنده بذل معنى والأطراف ملحقة بالأموال فيجري فيها البذل ولهذا تستباح بالإباحة كقلع السن عند وجعه وقطع الطرف عند وقوع الآكلة بخلاف النفس فإن أمرها أعظم ولا تستباح بحال ولهذا لو قال له " اقتلني " فقتله تجب الدية ( وقالا : يلزمه الأرش فيهما ) لأن النكول عندهما إقرار فيه شبهة فلا يثبت به القصاص ويثبت به الأرش قال في التصحيح : وعلى قول الإمام مشى المصححون .
( وإذا قال المدعي : لي بينة حاضرة ) في المصر ( قيل لخصمه : أعطه كفيلا بنفسك ثلاثة أيام ) لئلا يغيب نفسه فيضيع حقه والكفالة بالنفس جائزة عندنا وأخذ الكفيل لمجرد الدعوى استحسان عندنا لأن فيه نظرا للمدعي وليس فيه كثير ضرر بالمدعى عليه والتقدير بثلاثة أيام مروي عن أبي حنيفة وهو الصحيح ولا فرق في الظاهر بين الخامل والوجيه والحقير من المال والخطير كما في الهداية ( فإن فعل ) أي أعطى كفيلا بنفسه فيها ( وإلا أمر بملازمته ) لئلا يذهب حقه ( إلا أن يكون ) المدعى عليه ( غريبا ) مسافرا ( على الطريق فيلازمه مقدار مجلس القاضي ) فقط وكذا لا يكفل إلا إلى آخر المجلس فالاستثناء منصرف إليهما لأن في أخذ الكفيل والملازمة زيادة على ذلك إضرارا به يمنعه عن السفر ولا ضرر في هذا المقدار ظاهرا هداية .
( وإذا قال المدعى عليه ) في جواب مدعي الملك ( هذا الشيء ) المدعى به منقولا كان أو عقارا ( أودعنيه فلان الغائب ) أو أعارنيه أو أجرنيه ( أو رهنه عندي أو غصبته منه ) أي من الغائب ( وأقام بينة على ذلك ) وقال الشهود : نعرفه باسمه ونسبه أو بوجهه وشرط محمد معرفته بوجهه أيضا قال في البزازية : وتعويل الأئمة على قول محمد اه ( فلا خصومة بينه وبين المدعي ) لأنه أثبت ببينته أن يده ليست بيد خصومة وقال أبو يوسف : إن كان الرجل صالحا فالجواب كما قلنا وإن كان معروفا بالحيل لا تندفع عنه الخصومة قال في الدر : وبه يؤخذ واختاره في المختار وهذه مخمسة كتاب الدعوى لأن فيها أقوال خمسة علماء كما بسط في الدر أو لأن صورها خمس اه . قيدنا بدعوى الملك لأنه لو كان دعواه عليه الغصب أو السرقة لا تندفع الخصومة لأنه يصير خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده بخلاف دعوى الملك وتمامه في الهداية .
( وإن قال ابتعته من الغائب فهو خصم ) لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما .
( وإن قال المدعى سرق ) بالبناء للمجهول ( منى ) هذا الشيء ( وأقام البينة ) على دعواه ( وقال صاحب اليد أودعنيه فلان وأقام البينة ) على دعواه ( لم تندفع الخصومة ) قال في الهداية : وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف وهو استحسان وقال محمد : تندفع لأنه لم يدع الفعل عليه فصار كما إذا قال : غصب مني - على ما لم يسم فاعله - ولهما أن ذكر الفعل يستدعي الفاعل لا محالة والظاهر أنه هو الذي في يده إلا أنه لم يعينه درءا للحد عنه شفقة عليه و إقامة لحسبة الستر فصار كما إذا قال " سرقت " بخلاف الغصب لأنه لا حد فيه فلا يحترز عن كشفه اه . قال الإسبيجاني : والصحيح الاستحسان وعليه اعتمد الأئمة المصححون تصحيح .
( وإذا قال المدعي ابتعته من فلان ) الغائب ( وقال صاحب اليد أودعنيه فلان سقطت الخصومة ) عن المدعى عليه ( بغير بينة ) لتصادقهما على أن الملك لغير ذي اليد فلم تكن يده يد خصومة إلا أن يقيم المدعي البينة أن فلانا وكله بقبضه لإثباته كونه أحق بإمساكه .
( واليمين ) إنما هي ( بالله تعالى دون غيره ) لقوله A : ( من كان منكم حالفا فليحلف بالله أو ليذر ) .
( ويؤكد ) أي يغلظ اليمين ( بذكر أوصافه ) تعالى المرهبة كقوله قل : والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية وله أن يزيد على هذا أو ينقص إلا أنه يجتنب العطف كيلا يتكرر اليمين لأن المستحق عليه يمين واحدة والاختيار فيه إلى القاضي وقيل : لا يغلظ على المعروف بالصلاح ويغلظ على غيره وقيل : يغلظ في الخطير من المال دون الحقير كما في الهداية .
( ولا يستحلف بالطلاق ولا بالعتاق ) في ظاهر الرواية قال قاضيخان : وبعضهم جوز ذلك في زماننا والصحيح ظاهر الرواية تصحيح . فلو حلف به فنكل لا يقضي عليه بالنكول لنكوله عما هو منهي عنه شرعا .
( ولا يستحلف اليهودي بالله الذي أنزل التوراة على موسى والنصراني بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى والمجوسي بالله الذي خلق النار ) فيغلظ على كل بمعتقده فلو اكتفى بالله كفى كالمسلم اختيار . قال في الهداية : هكذا ذكر محمد في الأصل ويروى عن أبي حنيفة أنه لا يستحلف غير اليهودي والنصراني إلا بالله وهو اختيار بعض مشايخنا لأن في ذكر النار مع اسم الله تعالى تعظيمها وما ينبغي أن تعظم . بخلاف الكتابين لأن كتب الله تعالى معظمة والوثني لا يحلف إلا بالله تعالى لأن الكفرة بأسرهم يعتقدون الله قال الله تعالى : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } . اه .
( ولا يحلفون في بيوت عباداتهم ) لكراهة دخولها ولما فيه من إيهام تعظيمها .
( ولا يجب تغليظ اليمين على المسلم بزمان ) كيوم الجمعة بعد العصر ( ولا بمكان ) كبين الركن والمقام بمكة وعند منبر النبي A في المدينة لأن المقصود تعظيم المقسم به وهو حاصل بدون ذلك وفي إيجاب ذلك تكليف القاضي حضورها وهو مدفوع هداية .
( ومن ادعى أنه ابتاع ) أي اشترى ( من هذا ) الحاضر ( عبده بألف فجحده ) المدعى عليه ( استحلف بالله ) تعالى ( ما بينكما بيع قائم فيه ) : أي في هذا العبد ( ولا يستحلف بالله ما بعت ) هذا العبد لاحتمال أنه باع ثم فسخ أو أقال ( ويستحلف ) كذلك ( من الغصب ) بأن يقول له ( بالله ما يستحق عليك رده ولا يحلف بالله ما غصبت ) لاحتمال هبته أو أداء ضمانه ( و ) كذلك في النكاح بأن يقول له : ( بالله ما بينكما نكاح قائم في الحال ) لاحتمال الطلاق البائن ( وفي دعوى الطلاق بالله ما هي بائن منك الساعة بما ذكرت ) أي بالوجه الذي ذكرته المدعية ( ولا يستحلف بالله ما طلقتها ) لاحتمال تجدد النكاح بعد الإبانة فيحلف على الحاصل وهو صورة إنكار المنكر لأنه لو حلف على السبب يتضرر المدعى عليه وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف : يحلف في الجميع على السبب إلا إذا عرض بما ذكر فيحلف على الحاصل قال في الهداية : والحاصل هو الأصل عندهما إذا كان سببا يرتفع وإن كان لا يرتفع فالتحليف على السبب بالإجماع كالعبد المسلم إذا ادعى العتق على مولاه وتمامه فيها .
( وإذا كانت دار في يد رجل ادعاها ) عليه ( اثنان ) فادعى ( أحدهما جميعها ) وادعى ( الآخر نصفها وأقاما البينة ) على ذلك ( فلصاحب ) دعوى ( الجميع ثلاثة أرباعها ولصاحب ) دعوى ( النصف ربعها عند أبي حنيفة ) اعتبارا لطريق المنازعة فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له واستوت منازعتهما في النصف الآخر فيتنصف بينهما ( وقالا : هي بينهما أثلاثا ) اعتبارا لطريق العول لأن في المسألة كلا ونصفا فالمسألة من اثنين وتعول إلى ثلاثة فتقسم بينهما أثلاثا قال في التصحيح : واختار قوله البرهاني والنسفي وغيرهما ( ولو كانت ) الدار ( في أيديهما ) أي المدعيين والمسألة بحالها ( سلمت ) الدار كلها ( لصاحب ) دعوى ( الجميع ) ولكن يسلم له ( نصفها على وجه القضاء ونصفها ) الآخر ( لا على وجه القضاء ) لأنه خارج في النصف فيقضي ببينته والنصف الذي في يده لا يدعيه صاحبه لأن مدعاه النصف وهو في يده سالم له ولو لم تنصرف إليه دعواه كان ظالما في إمساكه ولا قضاء بدون الدعوى فيترك في يده هداية .
( وإذا تنازعا في دابة ) في يدهما أو في يد أحدهما أو غيرهما ( وأقام كل واحد منهما بينة أنها نتجت ) بالبناء للمجهول ( عنده وذكرا تاريخا ) مختلفا ( وسن الدابة يوافق أحد التاريخين فهو ) أي صاحب التاريخ الموافق لسنها ( أولى ) لأن الظاهر يشهد بصدق بينته فترجح ( وإن أشكل ذلك ) أي سنها ( كانت بينهما ) إن كانت في أيديهما أو في يد غيرهما وإن في يد أحدهما قضى له بها لأنه سقط التوقيت وصارا كأنهما لم يذكرا تاريخا وإن خالف سن الدابة الوقتين بطلت البينتان كذا ذكره الحاكم الشهيد لأنه ظهر كذب الفريقين فيترك في يد من كانت في يده هداية . قيد بذكر التاريخ لأنه لو لم يؤرخا قضى بها لذي اليد ولهما إن في أيديهما أو في يد ثالث .
( وإذا تنازعا دابة أحدهما راكبها والآخر متعلق بلجامها فالراكب أولى ) لأن تصرفه أظهر فإنه يختص بالملك وكذا إذا كان أحدهما راكبا في السرج والآخر رديفه فالراكب في السرج أولى لما ذكرنا بخلاف ما إذا كانا راكبين حيث يكون بينهما لاستوائهما في التصرف هداية .
( وكذلك ) الحكم ( إذا تنازعا بعيرا وعليه حمل لأحدهما ) والآخر قائد له ( فصاحب الحمل أولى ) من القائد لأنه هو المتصرف .
( وإذا تنازعا قميصا أحدهما لابسه والآخر متعلق بكمه فاللابس أولى ) لأنه أظهرهما تصرفا .
( وإذا اختلف المتبايعان في البيع ) أي في ثمن المبيع ( فادعى أحدهما ) أي المشتري ( ثمنا وادعى البائع أكثر منه أو ) في قدره بأن ( اعترف البائع بقدر من المبيع وادعى المشتري أكثر منه ) أي : بأكثر من القدر الذي اعترف به البائع ( وأقام أحدهما ) أي : البائع والمشتري ( البينة ) على دعواه ( قضى له بها ) لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى والبينة أقوى منها ( وإن أقام كل واحد منهما البينة ) على دعواه ( كانت البينة المثبتة للزيادة أولى ) لأنها أكثر بيانا وإثباتا فبينة البائع أولى لو الاختلاف في الثمن وبينة المشتري لو في قدر المبيع ولو اختلفا في الثمن والمبيع جميعا فبينة البائع أولى في الثمن وبينة المشتري في المبيع نظرا إلى زيادة الإثبات ( فإن لم يكن لكل واحد منهما بينة ) تثبت مدعاه ( قيل للمشتري : إما أن ترضى بالثمن الذي ادعاه البائع وإلا فسخنا البيع ) بينكما ( وقيل للبائع : إما أن تسلم ما ) أي القدر الذي ادعاه المشتري من البيع وإلا فسخنا البيع ) لأن المقصود قطع المنازعة وهذا جهة فيه لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ فإذا علما به يتراضيان ( فإن لم يتراضيا ) والمبيع قائم ( استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى الآخر ) لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه ( يبتدئ ) الحاكم ( بيمين المشتري ) قال في الهداية : وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا وهو رواية عن أبي حنيفة وهو الصحيح اه . وقال الإسبيجاني : يبدأ بيمين المشتري وفي رواية بيمين البائع وهكذا ذكر أبو الحسن في جامعه والصحيح الرواية الأولى وعليه مشى الأئمة المصححون تصحيح ( فإذا حلفا فسخ القاضي البيع بينهما ) لأنه إذا تحالفا بقي العقد بلا بدل معين فيفسد قال في الهداية : وهذا يدل على أنه لا ينفسخ بنفس التحالف لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة أو يقال : إذا لم يثبت البدل يبقى بيعا بلا بدل وهو فاسد ولابد من الفسخ في فاسد البيع اه ( وإن نكل أحدهما عن اليمين لزمه دعوى الآخر ) لأنه جعل باذلا فلم تبق دعواه معارضة لدعوى الاخر فلزمه القول بثبوته هداية .
( وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في استيفاء بعض الثمن - فلا تحالف بينهما ) لأن هذا اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء وهذا لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد بخلاف الاختلاف في وصف الثمن وجنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين وهو يعرف بالوصف ولا كذلك الأجل لأنه ليس بوصف ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه هداية ( والقول قول من ينكر الخيار والأجل ) والاستيفاء ( مع يمينه ) لأن القول قول المنكر .
( وإن هلك المبيع ) أي بعد القبض قبل نقد الثمن وكذا إذا خرج من ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب ( ثم اختلفا ) في ثمنه ( لم يتحالفا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ) لأن التحالف فيما إذا كانت السلعة قائمة عرف بالنص والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن بمعناه ( وجعل القول قول المشتري ) بيمينه لأنه منكر لزيادة الثمن ( وقال محمد : يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك ) لأنه اختلاف في ثمن عقد قائم بينهما فأشبه حال بقاء السلعة قال جمال الإسلام : والصحيح قولهما وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما كما هو الرسم تصحيح .
( وإن ) هلك بعض المبيع كأن ( هلك أحد العبدين ) أو الثوبين أو نحو ذلك ( ثم اختلفا في الثمن لم يتحالفا عند أبي حنيفة ) لما مر من أن التحالف ثبت على خلاف القياس حال قيام السلعة وهي اسم لجميع أجزائها فلا يبقى بفوات بعضها ( إلا أن يرضى البائع أن يترك حصة الهالك ) أصلا لأنه حينئذ يكون الثمن كله بمقابله القائم ويخرج الهالك عن العقد فيتحالفان . ( وقال أبو يوسف : يتحالفان ويفسخ البيع في الحي وقيمة الهالك ) لأن امتناع التحالف للهلاك فيتقدر بقدره ( وهو قول محمد ) .
قال الإسبيجاني : هكذا ذكر هنا وذكر في الجامع الصغير : أن القول قول المشتري في حصة الهالك ويتحالفان على الباقي عند أبي يوسف وعند محمد يتحالفان عليهما ويرد القائم وقيمة الهالك والصحيح قول أبي حنيفة وعليه مشى المحبوبي والنسفي وغيرهما تصحيح .
( وإن اختلف الزوجان في ) قدر ( المهر ) أو في جنسه ( فادعى الزوج أنه تزوجها بألف وقالت ) المرأة ( تزوجتني بألفين ) أو مائة مثقال ( فأيهما أقام البينة قبلت بينته ) لأنه نور دعواه بالحجة ( وإن أقاما البينة فالبينة بينة المرأة ) لأنها تثبت الزيادة . قال في الهداية : معناه إذا كان مهر مثلها أقل مما ادعته اه . أما إذا كان مهر مثلها مثل ما ادعته أو أكثر كانت بينة الزوج أولى لأنها تثبت الحط وبينتها لا تثبت شيئا لأن ما ادعته ثابت لها بشهادة المثل كما في الكفاية ( وإن لم تكن لهما بينة تحالفا عند أبي حنيفة ولم يفسخ النكاح ) لأن أثر التحالف في انعدام التسمية وهو لا يخل بصحة النكاح لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ ( ولكن ) حيث انعدمت التسمية ( يحكم مهر المثل فإن كان ) مهر مثلها ( مثل ما اعترف به الزوج أو أقل قضى بما قال الزوج ) لأن الظاهر شاهد له . ( وإن كان مثل ما ادعته المرأة أو أكثر قضى بما ادعته المرأة ) لأن الظاهر شاهد لها ( وإن كان مهر المثل ) بينهما بأن كان ( أكثر مما اعترف به الزوج وأقل مما ادعته المرأة قضي لها بمهر المثل ) لأنهما لما تحالفا لم تثبت الزيادة على مهر المثل ولا الحط عنه .
( وإذا اختلفا في الإجارة ) في البدل أو المبدل ( قبل استيفاء المعقود عليه تحالفا وترادا ) لأنه عقد معاوضة قابل للفسخ فكان بمنزلة البيع وبدأ بيمين المستأجر لو اختلفا في البدل والمؤجر لو في المدة وأن بر هنا فالبينة للمؤجر في البدل وللمستأجر في المدة كما في الدر ( وإن اختلفا بعد الاستيفاء ) لجميع المعقود عليه ( لم يتحالفا وكان القول قول المستأجر ) قال في الهداية : وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ظاهر لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما وكذا على أصل محمد لأن الهلاك إنما يمنع التحالف عنده في البيع لما أنه له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها ولو جرى التحالف ههنا وفسخ العقد فلا قيمة لأن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين حينئذ أنه لا عقد وإذا امتنع التحالف فالقول للمستأجر مع يمينه لأنه هو المستحق عليه اه .
( يتبع . . . )