- إذا قذف رجل رجلا محصنا أو امرأة محصنة بصريح الزنا وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطا إن كان حرا يفرق على أعضائه ولا يجرد عن ثيابه غير أنه ينزع عنه الفرو والحشو وإن كان عبدا جلده أربعين .
والإحصان : أن يكون المقذوف حرا عاقلا بالغا مسلما عفيفا عن فعل الزنا .
ومن نفى نسب غيره فقال ( لست لأبيك ) أو ( يا ابن الزانية ) وأمه ميتة محصنة وطالب الابن بالحد حد القاذف ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه وإن كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد .
وليس للعبد أن يطالب مولاه بقذف أمه الحرة .
وإن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه .
ومن قال لعربي " يا نبطي " لم يحد ومن قال لرجل " يا ابن ماء السماء " فليس بقاذف وإذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فليس بقاذف .
ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه لم يحد قاذفه والملاعنة بولد لا يحد قاذفها .
ومن قذف عبدا أو أمة أو كافرا بالزنا أو قذف مسلما بغير الزنا فقال : يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث عزر وإن قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزر .
والتعزير : أكثره تسعة وثلاثون سوطا وأقله ثلاث جلدات .
وقال أبو يوسف : يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطا فإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل .
وأشد الضرب التعزير ثم حد الزنا ثم حد الشرب ثم حد القذف .
ومن حده الإمام أو عزره فمات فدمه هدر وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته وإن تاب وإن حد الكافر في القذف ثم أسلم قبلت شهادته والله أعلم .
_________ .
باب حد القذف .
هو لغة : الرمي وشرعا : الرمي بالزنا وهو من الكبائر بالإجماع فتح .
( إذا قذف رجل ) أو امرأة ( رجلا محصنا أو امرأة محصنة ) بصريح الزنا كزنيت أو يا زانية ( وطالب المقذوف بالحد حده الحاكم ثمانين سوطا إن كان ) القاذف ( حرا ) لقوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } والمراد الرمي بالزنا بالإجماع . هداية . قيد بمطالبة المقذوف لأن فيه حقه من حيث دفع العار عنه وبإصحانه لما تلونا وبالحر لأن العبد على النصف كما يأتي ( يفرق ) ذلك الضرب ( على أعضائه ) كما سبق ( ولا يجرد من ثيابه ) لأنه أخف الحدود لأن سببه غير مقطوع به لاحتمال صدقه ( غير أنه ينزع عنه الحشو والفرو ) لأنه يمنع إيصال الألم إليه ( وإن كان ) القاذف ( عبدا جلده ) الحاكم ( أربعين سوطا ) لمكان الرق كما سبق .
ولما كان معنى الإحصان هنا مغايرا لمعنى الإحصان في الزنا فسره بقوله : ( والإحصان أن يكون المقذوف حرا ) لإطلاق اسم الإحصان عليه في قوله تعالى : { فعليهن نصف ما على المحصنات } أي الحرائر ( عاقلا بالغا ) لأن المحنون والصبي لا يلحقهما عار لعدم تحقق فعل الزنا منهما ( مسلما ) لقوله A : ( من أشرك بالله فليس بمحصن ) ( عفيفا عن فعل الزنا ) لأن غير العفيف لا يلحقه العار والقاذف صادق فيه .
( ومن نفى نسب غيره فقال : لست ) بابن ( لأبيك ) فإنه يحد وهذا إذا كانت أمه محصنة لأنه في الحقيقة قذف لأمه لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره ( أو ) قال له ( يا ابن الزانية وأمه ميتة محصنة وطالب الابن بالحد حد القاذف ) لأنه قذف محصنة بعد موتها فلكل من يقع القدح في نسبه المطالبة كما صرح به بقوله : .
( ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح في نسبه بقذفه ) وهو الوالد والولد : أي الأصول والفروع لأن العار يلتحق بهم لمكان الجزئية فيكون القذف متناولا لهم معنى قيد بموت الأم إذا كانت حية فالمطالبة لها وكذا لو كانت غائبة لجواز أن تصدقه والتقييد بالأم اتفاقي فإنه لو قذف رجلا ميتا فلأصله وفرعه المطالبة ولذا أطلقه فيما بعده حيث قال : ( ولا يطالب بحد القذف للميت إلخ ) ( وإذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه ) ولو غير محصن كابنه ( الكافر أو العبد أن يطلب بالحد ) " لأنه عيره بقذف محصن وهو من أهل الاستحقاق لأن عدم الإحصان لا ينافي أهلية الاستحقاق .
( وليس للعبد أن يطالب مولاه ) ولا للابن أن يطالب أباه ( بقذف أمه الحرة ) المحصنة لأن المولى لا يعاقب بسبب عبده وكذا الأب بسبب ابنه ولهذا لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده .
( وإن أقر بالقذف ثم رجع لم يقبل رجوعه ) لأن للمقذوف فيه حقا فيكذبه في الرجوع بخلاف ما هو خالص حق الله تعالى لأنه لا مكذب له فيه .
( ومن قال لعربي يا نبطي ) نسبة إلى النبط - بفتحتين - جيل من العرب ينزلون البطائح في سواد العراق ( لم يحد ) لأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة وكذا إذا قال ( لست بعربي ) لما قلنا هداية ( ومن قال لرجل يا ابن ماء السماء فليس بقاذف ) لأنه يحتمل المدح بحسن الخلق والكرم والصفاء لأن ابن ماء السماء لقب لجد النعمان بن المنذر لقب به لصفائه وسخائه كما في الجوهرة ( وإذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فليس بقاذف ) لأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا : أما الأول فلقوله تعالى : { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } وإسماعيل كان عما له والثاني بقوله A : ( الخال أب ) والثالث للتربية هداية .
( ومن وطئ وطئا حراما في غير ملكه ) ولو بشبهة كالوطء بنكاح فاسد ( لم يحد قاذفه ) لعدم الإحصان ( والملاعنة بولد لا يحد قاذفها ) لأن ولدها غير ثابت النسب وهو أمارة الزنا فسقط إحصانها وإن كانت الملاعنة بغير ولد حد قاذفها .
ومن قذف أمة أو عبدا أو كافرا ) أو صغيرا ( بالزنا ) عزر لأنه آذاه وألحق به الشين ولا يحد به لعدم إحصانه ولا مدخل للقياس في الحدود فوجب التعزير إلا أنه يبلغ بع غايته لأنه من جنس ما يجب فيه الحد وكذا لو قذف من ذكر ( أو قذف مسلما ) محصنا ( بغير الزنا فقال ) له ( يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث ) أو يا سارق أو يا فاجر أو يا آكل الربا أو نحو ذلك ( عزر ) لما قلنا إلا أن هذا أخف من الأول لأنه ليس من جنس ما يجب فيه الحد فالرأي فيه للإمام كما في الهداية ( وإن قال ) له ( يا حمار أو يا خنزير ) أو يا كلب أو يا تس ( لم يعزر ) لأنه ما ألحق به الشين للتيقن بنفيه وقيل : في عرفنا يعزر لأنه تلحقهم الوحشة بذلك وإن كان من العامة لا يعزر وهو الأحسن هداية .
( والتعزير ) لغة : التأديب وشرعا : تأديب دون الحد كما أشار إليه بقوله ( أكثره تسعة وثلاثون سوطا وأقله ثلاث جلدات ) لأن حد الرقيق في القذف أربعون فينقص منه سوطا لئلا يبلغ الحد وهذا عند أبي حنيفة ومحمد ( وقال أبو يوسف : يبلغ بالتعزير خمسة وسبعين سوطا ) قال في الهداية : والأصل فيه قوله A : ( من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين ) فأبو حنيفة ومحمد نظرا إلى أن أدنى الحد وهو حد العبد في القذف أربعون فنقصا منه سوطا وأبو يوسف اعتبر أقل الحد في الأحرار إذ الأصل هو الحرية ثم نقص سوطا في رواية عنه وهو قول زفر وهو القياس وفي هذه الرواية نقص خمسة وهو مأثور عن علي Bه فقلده ثم قدر الأدنى في الكتاب بثلاث جلدات لأن ما دونها لا يقع به الزجر وذكر مشايخنا أن أدناه على ما يراه الإمام يقدره بقدر ما يعلم أنه ينزجر لأنه يختلف باختلاف الناس هداية . وفي المجتبى : ويكون بالحبس وبالصفع على العنق وفرك الأذن وبالكلام العنيف وبنظر القاضي له بوجه عبوس ويشتم غير القذف ثم قال : وعن السرخسي لا يباح بالصفع لأنه من أعلى ما يكون من الاستخفاف فيصان عنه أهل القبلة اه ( وإن رأى الإمام أن يضم إلى الضرب في التعزير الحبس فعل ) لأن المقصود الزجر والتأديب فإذا رأى الإمام حصوله بالضرب اكتفى به وإلا ضم إليه ما يراه من الحبس والنفي كما مر .
( وأشد الضرب التعزير ) لأنه خفف من حيث العدد فيغلظ من حيث الوصف لئلا يؤدي إلى فوت المقصود ولهذا لم يخفف من حيث التفريق على الأعضاء كما في الهداية ( ثم حد الزنا ) لأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم ( ثم حد الشرب ) لأن سببه متيقن ( ثم حد القذف ) لأن سببه محتمل لاحتمال صدقه .
( ومن حده الإمام أو عزره فمات ) منه ( فدمه هدر ) لأنه فعل ما فعل بأمر الشرع وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لأنه مطلق فيه والإطرقات تتقيد بشرط السلامة كالمرور في الطريق هداية .
( وإذا حد المسلم في القذف سقطت شهادته وإن تاب ) لقوله تعالى : { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا } والاستثناء في الآية عائد إلى ما يليه وتمامه في الهداية في الشهادات ( وإن حد الكافر في القذف ثم أسلم قبلت شهادته ) لأن هذه الشهادة استفادها بعد الإسلام فلم تدخل تحت الرد بخلاف العبد إذا حد حد القذف ثم أعتق لا تقبل شهادته لأنه لا شهادة له أصلا في حال الرق فكان رد شهادته بعد العتق من تمام حده هداية