- الموات : ما لا ينتفع به من الأرض لانقطاع الماء عنه أو لغلبة الماء عليه أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة فما كان منها عاديا لا مالك له أو كان مملوكا في الإسلام لا يعرف له مالك بعينه وهو بعيد من القربة بحيث إذا وقف إنسان في أقصى العامر فصاح لم يسمع الصوت فيه فهو موات : من أحياه بإذن الإمام ملكه وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة .
وقال أبو يوسف ومحمد : يملكه .
ويملك الذمي بالإحياء كما يملك المسلم .
ومن حجر أرضا ولم يعمرها ثلاث سنين أخذها الإمام ودفعها إلى غيره .
ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم .
ومن حفر بئرا في برية فله حريمها فإن كانت البئر للعطن فحريمها أربعون ذراعا وإن كانت للناضح فستون ذراعا وإن كانت عينا فحريمها ثلاثائة ذراع ومن أراد أن يحفر في حريمها منع منه .
وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل عنه فإن كان يجوز عوده إليه لم يجز إحياؤه وإن كان لا يجوز أن يعود إليه فهو كالموات إذا لم يكن حريما لعامر يملكه من أحياه بإذن الإمام عند الإمام .
ومن كان له نهر في أرض غيره فليس له حريمه عند أبي حنيفة إلا أن يقيم بينة على ذلك . وقال أبو يوسف ومحمد : له مسناة ( 1 ) يمشي عليها ويلقي عليها طينه .
_________ .
( 1 ) المسناة - بضم الميم وفتح السين وتشديد النون - ما يبنى في وجه السيل لحبس الماء وفي أساس البلاغة للزمخشري " عقدوا مسناة ومسنيات لحبس الماء " . اه . ويراد من المسناة هنا ما يكون كالجسر للنهر : يمشي عليه المالك ويلقى عليه طينه عند الكرى ( أي الحفر ) .
_________ .
كتاب إحياء الموات .
مناسبته للآبق من حيث الإحياء في كل منهما لما مر أن رد الآبق إحياء له .
والإحياء لغة : جعل الشيء حيا أي ذا قوة حساسة أو نامية . وشرعا : إصلاح الأرض الموات بالبناء أو الغرس أو الكراب أو غير ذلك كما في القهستاني .
و ( المارت ) كسحاب وغراب - ما لا روح فيه أو أرض لا مالك لها . قاموس .
وفي المغرب : هو الأرض الخراب خلافه العامر . اه وشرعا : ( ما لا ينتفع به من الأرض لانقطاع الماء عنه ) بارتفاعه عنه أو ارتدام مجراه أو غير ذلك ( أو لغلبة الماء عليه أو ما أشبه ذلك مما يمنع الزراعة ) كغلبة الرمال أو الأحجار أو صيرورتها سبخة سميت به تشبيها بالحيوان إذا مات ولم يبق منتفعا به ( فما كان منها ) : أي الأرض ( عاديا ) : أي قديم الخراب بحيث لم يملك في الإسلام كما أشار إليه بقوله ( لا مالك له ) : أي في الإسلام فكأنها خربت من عهد عاد بدليل المقابلة بقوله ( أو كان مملوكا في الإسلام ) ولكن لطول تركه وعدم الانتفاع به ( لا يعرف له مالك بعينه وهو بعيد من القرية بحيث إذا وقف إنسان ) جهوري الصوت ( في أقصى العامر ) من دور القرية كما في القهستاني عن التجنيس ( فصاح ) بأعلى صوته ( لم يسمع الصوت فيه ) : أي في المكان الغير المنتفع به ( فهو موات ) عند أبي يوسف وعند محمد : إن ملكت في الإسلام لا تكون مواتا وإذا لم يعرف مالكها تكون لجماعة المسلمين واعتبر في غير المملوكة عدم الارتفاق سواء قربت أو بعدت وهي ظاهر الرواية وبها يفتي كما في القهستاني عن الكبرى والبرجندي عن المنصورية عن قاضيخان كذا في الدرر وقال الزيلعي : وجعل القدوري المملوك في الإسلام إذا لم يعرف مالكه من الموات لأن حكمه كالموات حيث يتصرف فيه الإمام كما يتصرف في الموات لا أنه موات حقيقة . اه . وظاهره عدم الخلاف في الحقيقة تأمل .
ثم ( من أحياه ) أي الموات ( بإذن الإمام ملكه ) اتفاقا ( وإن أحياه بغير إذنه لم يملكه عند أبي حنيفة ) لأنه مغنوم للمسلمين لوصوله إلى يدهم بإيجاف الخيل والركاب فليس لأحد أن يختص به دون الإمام كما في سائر الغنائم ( وقالا : يملكه ) ولو بدون إذن الإمام لأنه مباح سبقت إليه يده فيملكه كما في الحطب والصيد قال في التصحيح : واختار قول الإمام البرهاني والنسفي وغيرهما . اه .
وفي الجوهرة : ثم إذا لم يملكها عند أبي حنيفة بالإحياء وملكه إياها الإمام تصير ملكا له والأولى للإمام أن يجعلها له ولا يستردها منه وهذا إذا ترك الاستئذان جهلا أما إذا تركه تهاونا بالإمام كان له أن يستردها زجرا له اه . وفي الهداية : ويجب فيه العشر لأن ابتداء توظيف الخراج على المسلم لا يجوز إلا إذا سقاه بماء الخراج لأنه حينئذ يكون إبقاء الخراج على المسلم على اعتبار الماء فلو أحياها ثم تركها فزرعها غيره فقد قيل : الثاني أحق بها لأن الأول ملك استغلالها لا رقبتها فإذا تركها كان الثاني أحق بها والأصح أن الأول ينزعها من الثاني لأنه ملكها بالإحياء كما نطق به الحديث اه .
( ويملك الذمي ) الموات ( بالإحياء كما يملك المسلم ) لأن الإحياء سبب الملك فيستويان فيه كسائر الأسباب إلا أنه لا يملكه بدون إذن الإام اتفاقا كما في القهستاني قيد بالذمي لأن المستأمن لا يملكه مطلقا اتفاقا كما في النظم .
( ومن حجر أرضا ) : أي علمها بوضع الأحجار حولها أو منع غيره منها بوضع علامة من حجر أو غيره ( ولم يعمرها ) : أي لم يحيها ( ثلاث سنين أخذها الإمام ) من المحجر ( ودفعها إلى غيره ) لأن التحجير ليس بالإحياء ولأن الإمام إنما دفعها له لتحصل المنفعة للمسلمين من حيث العشر أو الخراج فإذا لم يحصل يدفعها إلى غيره تحصيلا للمقصود .
( ولا يجوز إحياء ما قرب من العامر ) لأنه تبع له لأنه من مرافقه كما صرح به بقوله : ( ويترك مرعى لأهل القرية ومطرحا لحصائدهم ) لتحقق حاجتهم إليها فلا يكون مواتا لتعلق حقهم بها بمنزلة الطريق والنهر وعلى هذا قالوا : لا يجوز أن يقطع الإمام ما لا غنى للمسلمين عنه كالملح والآبار التي يستقي الناس منها لما ذكرناه هداية . وإذا أحاط الإحياء بجوانب ما أحياه الأربعة على التعاقب فطريقه في الرابعة كما في الدرر وغيرها .
( ومن حفر بئرا في برية ) بإذن الإمام عنده ومطلقا عندهما على ما مر لأن حفر البئر إحياء ( فله حريمها ) من جوانبها الأربع لأن تمام الانتفاع لا يكون إلا به ( فإن كانت البئر للعطن ) : أي مناخ الإبل وهي التي يناخ حولها الإبل ويستقي لها باليد ( فحريمها أربعون ذراعا ) ثم قيل : الأربعون من كل الجوانب والصحيح أنه من كل جانب لأن في الأراضي رخوة يتحول الماء إلى ما حفر دونها هداية ( وإن كانت ) البئر ( للناضح ) وهي التي يستخرج ماؤها بسير الإبل ونحوها ( فستون ذراعا ) وهذا عندهما وعند أبي حنيفة أربعون أيضا ورجح دليله واعتمده واختاره المحبوبي والنسفي وغيرهما كذا في التصحيح .
وفيه عن مختارات النوازل : من حفر بئرا في برية موات فله حريمها على قدر الحاجة من كل الجوانب وهو الصحيح . اه . ( وإن كانت ) المستخرجة بالحفر ( عينا ) جارية ( فحريمها ثلاثمائة ذراع ) من كل جانب قال في الينابيع : وذكر الطحاوي خمسمائة ذراع وهذا التقدير ليس بلازم بل هو موكول إلى رأي الناس واجتهادهم اه . وفي الهداية : والأصح أنه خمسمائة ذراع من كل جانب اه .
ثم قال : وقيل : إن التقدير في العين والبئر بما ذكرنا في أراضيهم لصلابتها وفي أرضينا رخاوة فيزداد كيلا يتحول الماء إلى الثاني فيتعطل الأول اه . ثم المراد بالذراع ذراع العامة وهي ست قبضات ويعبر عنها بالمكسرة لأن ذراع الملك كان سبع قبضات فكسر منه قبضة ( فمن أراد أن يحفر في حريمها ) أي حريم المذكورات ( منع منه ) كيلا يؤدي إلى تفويت حقه أو الإخلال به لأنه بالحفر ملك الحريم ضرورة تمكنه من الانتفاع به فليس لغيره أن يتصرف في ملكه فإن احتفر آخر بئرا في حريم الأول فللأول كبسه ( 1 ) أو تضمينه وتمامه في الهداية .
( وما ترك الفرات أو الدجلة وعدل ) ماؤه ( عنه ) : أي عن المتروك ( و ) لكن ( يجوز عوده ) : أي الماء ( إليه ) : أي إلى ذلك المكان الذي تركه ( لم يجز إحياؤه ) ولو بإذن الإمام لحاجة العامة إلى مونه نهرا ( وإن كان لا يجوز ) : أي غير محتمل ( أن يعود إليه فهو كالموات ) : أي لأنه ليس في ملك أحد وهذا ( إذا لم يكن حريما ل ) محل ( عامر ) فإن كان حريما لعامر كان تبعا له لأنه من مرافقه وإذا لم يكن حريما لعامر فإنه ( يملكه من أحياه ) إن كان ( بإذن الإمام عند الإمام ) وإلا فلا خلافا لهما كما تقدم .
( ومن كان له نهر ) يجري ( في أرض غيره فليس له ) أي لصاحب النهر ( حريمه ) بمجرد دعواه أنه له ( عند أبي حنيفة ) لأن الظاهر لا يشهد له بل لصاحب الأرض لأنه من جنس أرضه والقول لمن يشهد له الظاهر ( إلا أن يقيم البينة على ذلك ) لأنها لإثبات خلاف الظاهر ( وقالا : له مسناة ( 1 ) يمشي عليها ويلقي عليها طينه ) لأن النهر لابد له من ذلك فكان الظاهر أنه له قال في التصحيح : واختار قول الإمام المحبوبي والنسفي قال : وهذا إذا لم تكن مشغولة بغرس لأحدهما أو طين فإن كان فهي لصاحب الشغل بالاتفاق . اه .
وفي الهداية : ولو كان عليه غرس لا يدري من غرسه فهو من مواضع الخلاف أيضا وثمرة الخلاف أن ولاية الغرس لصاحب الأرض عنده وعندهما لصاحب النهر اه .
_________ .
( 1 ) كبسه : أراد ردمه