- تطهير النجاسة واجب من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه .
ويجوز تطهير النجاسة بالماء وبكل مائع طاهر يمكن إزالتها به كالحل وماء الورد .
وإذا أصابت الخف نجاسة ولها جرم فجفت فدلكه بالأرض جاز .
والمني نجس يجب غسل رطبه فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك .
والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفي بمسحهما .
وإذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس وذهبت أثرها جازت الصلاة بمكانها ولا يجوز التيمم منها .
ومن أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والغائط والخمر مقدار الدرهم فما دونه جازت الصلاة معه فإن زاد لم تجز وإن أصابته نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه جازت الصلاة معه ما لم يبلغ ربع الثوب .
وتطهير النجاسة التي يجب غسلها على وجهين : فما كان له منها عين مرئية فطهارتها زوال عينها إلا أن يبقى من أثرها ما يشق إزالته وما ليس له عين مرئية فطهارتها أن يغسل حتى يغلب على ظن الغاسل أنه قد طهر .
والاستنجاء سنة يجزئ فيها الحجر وما يقوم مقامه يمسحه حتى ينقيه وليس فيه عدد مسنون وغسله بالماء أفضل فإن تجاوزت النجاسة مخرجها لم يجز فيه إلا الماء . ولا يستنجي بعظم ولا بروث ولا بطعام ولا بيمينه .
_________ .
باب الأنجاس .
لما فرغ من بيان النجاسة الحكمية والطهارة عنها شرع في بيان الحقيقة ومزيلها وتقسيمها ومقدار المعفو عنه منها وكيفية تطهير محلها وقدمت الأولى لأنها أقوى . إذ بقاء القليل منها يمنع جواز الصلاة بالاتفاق .
والأنجاس : جمع نجس بكسر الجيم - كما ذكره تاج الشريعة لا جمع نجس بفتحتين كما وقع لكثير لأنه لا يجمع قال في العباب : النجس ضد الطاهر والنجاسة ضد الطهارة وقد نجس ينجس كسمع يسمع وكرم يكرم وإذا قلت : رجل نجس - بكسر الجيم - ثنيت وجمعت وبفتحها لم تثن ولم تجمع وتقول : رجل ورجلان ورجال وامرأة ونساء نجس اه . وتمامه في شرح الهداية للعيني .
( تطهير النجاسة ) : أي محلها ( واجب ) : أي لازم ( من بدن المصلي وثوبه والمكان الذي يصلي عليه ) لقوله تعالى : { وثيابك فطهر } وإذا وجب تطهير الثوب وجب في البدن والمكان لأن استعمال في حال الصلاة يشمل الكل ( 1 ) .
( ويجوز تطهير النجاسة بالماء وبكل مانع ) أي سائل ( طاهر ) قالع للنجاسة كما عبر عنه بقوله ( يمكن إزالتها به ) بأن ينعصر بالعصر وذلك ( كالخل وماء الورد ) والماء المستعمل ونحو ذلك كالمستخرج من البقول لأنه قالع ومزيل والطهورية بالقلع والإزالة للنجاسة الجاورة فإذا انتهت أجزاء النجاسة يبقى طاهرا بخلاف نحو لبن وزيت لأنه غير قالع .
( وإذا أصابت الخف ) ونحوه كنعل ( نجاسة لها جرم ) بالكسر - الجسد والمراد به كل ما يرى بعد الجفاف كالروث والعذرة والمنى ولو من غيرها كخمر وبول أصابه تراب به يفتي . در ( فجفت ) النجاسة ( فدلكه ) : أي الخف ونحوه ( بالأرض ) ونحوها ( جاز ) لأن الجلد لصلابته لا تتداخله أجزاء النجاسة إلا قليل ثم يحتذبه الجرم إذا جف فإذا زال زال ما قام به . وفي الرطب لا يجوز حتى يغسله لأن المسح بالأرض يكثر ولا يطهره هداية .
( والمني نجس ) نجاسة مغلظة ( يجب غسل رطبه وإذا جف على الثوب ) ولو جديدا مبطنا وكذا البدن في ظاهر الرواية ( أجزأ فيه الفرك ) لقوله A لعائشة : " فاغسليه إن كان رطبا وافركيه إن كان يابسا " .
( والنجاسة إذا أصابت المرآة أو السيف اكتفي بمسحهما ) بما يزول به أثرها ومثلهما كل ثقيل لا مسام له كزجاج وعظم وآنية مدهونة وظفر لأنه لا يداخله النجاسة وما على ظاهره يزول بالمسح .
( وإذا أصابت الأرض نجاسة فجفت بالشمس ) أو نحوها قال في الجوهرة : التقييد بالشمس ليس بشرط بل لو جفت بالظل فالحكم كذلك . اه . ( وذهب أثرها ) الأثر : اللون والطعم والرائحة ( جازت الصلاة على مكانها و ) لكن ( لا يجوز التيمم منها ) لأن المشروط للصلاة الطهارة وللتيمم الطهورية وحكم آجر مفروش وشجر وكلا قائمين في الأرض كذلك فيطهر بالجفاف .
( ومن أصابه من النجاسة المغلظة كالدم والبول ) من غير مأكول اللحم ولو من صغير لم يطعم ( والغائط والخمر ) وخرء الطير لا يزرق في الهواء كذجاج وبط وإوز ( مقدار الدرهم فما دونه جازت الصلاة معه : لأن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل عفوا وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء ( فإن زاد ) عن الدرهم ( لم تجز ) الصلاة ثم يروى اعتبار الدرهم من حيث المساحة وهو قدر عرض الكف في الصحيح ويروى من حيث الوزن وهو الدرهم الكبير المثقال وقيل في التوفيق بينهما : إن الأولى في الرقيق والثانية في الكثيف وفي الينابيع : وهذا القول أصح وفي الزاهدي قيل : هو الأصح واختاره جماعة وهو أولى لما فيه من إعمال الروايتين مع مناسبة التوزيع ( وإن أصابته نجاسة مخففة كبول ما يؤكل لحمه ) ومنه الفرس وقيد بالبول لأن نجاسة البعر والروث والخشى غليظ عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : خفيفة قال الشرنبلالي : وهو الأظهر لعموم البلوى بامتلاء الطرق بها وطهرها محمد آخرا وقال : لا يمنع الروث وإن فحش لما رأى من بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها لما دخل الري مع الخليفة وقاس المشايخ عليه طين بخارى لأن ممشى الناس والدواب واحد . اه . ( جازت الصلاة معه ما لم يبلغ ربع ) جميع ( الثوب ) يروى ذلك عن أبي حنيفة لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش والربع ملحق بالكل في حق بعض الأحكام هداية . وصححه في المبسوط وهو ظاهر ما مشى عليه أصحاب المتون وقيل : ربع الموضع الذي أصابه كالذيل والكم والدخريص إن كان المصاب ثوبا . وربع العضو المصاب كاليد والرجل إن كان بدنا وصححه في التحفة والمحيط والمجتبى والسراج وفي الحقائق : وعليه الفتوى وقيل : ربع أدنى ثوب تجوز فيه الصلاة كالمئزر قال الأقطع : وهذا أصح ما روى فيه اه . فقد اختلف التصحيح كما ترى لكن ترجح الثاني بأن الفتوى عليه وهو الأحوط فتنبه قال في الفتح : وقوله - يعني صاحب الهداية - لأن التقدير فيه بالكثير الفاحش يفيد أن أصل المروي عن أبي حنيفة ذلك على ما هو دأبه في مثله من عدم التقدير فما عد فاحشا منع وما لا فلا اه . وإنما عدلوا عن التعبير بالكثير الفاحش إلى التقدير بالربع تيسيرا على الناس سيما من لا رأي له من العوام كما مر على نظيره الكلام وبه ظهر الجواب عما إذا أصاب الثوب أو البدن من النجس المخفف المتجسد مقدار كثير إلا أنه لتراكمه لا يبلغ الربع فهل يمنع ؟ وما القدر المانع ؟ ولا شك أنه إذا كان كثيرا فاحشا يمنع وإن لم يبلغ الربع لتراكمه لما علمت أنه أصل المروي عن الإمام ويحد القدر المانع فيه تيسيرا بأنه إن كان بحيث لو كان مائعا بلغ الربع منع وإلا فلا .
( وتطهير ) محل ( النجاسة التي يجب غسلها على وجهين ) لأن النجاسة إما أن تكون لها عين مرئية أو لا ( فما كان له منها عين مرئية ) كالدم ( فطهارتها ) أي النجاسة والمراد محلها ( زوال عينها ) ولو بمرة على الصحيح وعن الفقيه أبي جعفر أنه يغسل مرتين بعد زوال العين إلحاقا لها بغير مرئية غسلت مرة ( إلا أن يبقى من أثرها ) كلون أو ريح ( ما يشق إزالته ) فلا يضر بقاؤه ويغسل إلى أن يصفو الماء على الراجح والمشقة : أن يحتاج في إزالته إلى غير الماء القراح كحرض أو صابون أو ماء حار ( وما ليس له عين مرئية ) كالبول ( فطهارتها أن يغسل ) : أي محل النجاسة ( حتى يغلب على ظن الغاسل أنه ) أي المحل ( قد طهر ) لأن الكرار لابد منه للاستخراج ولا يقطع بزواله فاعتبر غالب الظن كما في أمر القبلة وإنما قدروا بالثلاث لأن غالب الظن يحصل عنده فأقيم السبب الظاهر مقامه تيسيرا ويتأيد ذلك بحديث المستيقظ من منامه ثم لابد من الصر في كل مرة في ظاهر الرواية لأنه هو المستخرج . هداية ( 2 ) .
( والاستنجاء سنة ) مؤكدة للرجال والنساء ( يجزئ فيه ) لإقامة السنة ( الحجر وما قام مقامه ) من كل عين طاهرة قالعة غير محترمة ولا متقومة كمدر ( يمسحه ) أي المخرج ( حتى ينقيه ) لأن المقصود هو الإنقاء فيعتبر ما هو المقصود ( وليس فيه ) أي الاستنجاء ( عدد مسنون ) بل مستحب فيستحب الثلاث إن حصل التنظيف بما دونها وإلا جعلها وترا ( وغسله ) أي المخرج ( بالماء ) بعد الإنقاء بالحجر أولا ( أفضل ) إذا كان بلا كشف عورة عند من يراه أما معه فيتركه لأنه حرام يفسق به فلا يرتكبه لإقامة الفضيلة ( فإن تجاوزت النجاسة مخرجها ) وكان المتجاوز بانفراده لسقوط اعتبار ذلك الموضع أكثر من الدرهم ( لم يجز فيه ) أي في طهارته ( إلا الماء ) أو المائع ولا يطهر بالحجر لأنه من باب إزالة النجاسة الحقيقية عن البدن ( ولا يستنجي بعظم ولا بروث ) لورود النهي عنه ( ولا بطعام ) لآدمي أو بهيمة لأنه إتلاف وإهانة ( ولا بيمينه ) لورود النهي عنه أيضا إلا من عذر باليسرى يمنع الاستنجاء بها .
_________ .
( 1 ) المقرر في الفقه أن وجوب إزالة النجاسة بشروط بالأمكان أولا وبألا يستلزم ارتكاب محظور أشد . ثانيا : كما إذا لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس فإنه في هذه الحال يصلي بالنجاسة لأن كشف العورة أشد فلو أبدأها للإزالة فسق راجع فتح القدير وهناك دليل من السنة لإزالة النجاسة على سبيل الوجوب وهو حديث صحيح أن امرأة جاءت إلى النبي A تسأله عن دم الحيض في ثوب المرأة فقال : " تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه " وفي رواية أبي داود حكيه بطلع واغسليه بماء وسدر .
( 2 ) هذا في يعصر وقال أبو يوسف إزار الحمام إذا صب عليه ماء كثير وهو عليه يطهر بلا عصر حتى قال الحلواني لو كانت النجاسة دما أو بولا وصب عليه ماء كفاه على قياس قول أبي يوسف وقالوا في البساط النجس إذا جعل في نهر ليلة طهر