- إذا اطلع المشتري على عيب في المبيع فهو بالخيار : إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب والإباق والبول في الفراش والسرقة عيب في الصغير ما لم يبلغ فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ . والبخر والدفر عيب في الجارية وليس بعيب في الغلام إلا أن يكون من داء والزنا وولد الزنا عيب في الجارية دون الغلام وإذا حدث عند المشتري عيب ثم اطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب ولا يرد المبيع إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه وإن قطع المشتري الثوب فوجد به عيبا رجع بالعيب وإن خاطه أو صبغه أولت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه وليس للبائع أن يأخذه ومن اشترى عبدا فأعتقه أو مات ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه فإن قتل المشتري العبد أو كان طعاما فأكله لم يرجع عليه بشيء في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد : يرجع .
ومن باع عبدا فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب فإن قبله بقضاء القاضي فله أن يرده على بائعه وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده ومن اشترى عبدا وشرط البراءة من كل عيب فليس له أن يرده بعيب وإن لم يسم العيوب ولم يعدها .
_________ .
باب خيار العيب .
من إضافة الشيء إلى سببه .
والعيب لغة : ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة مما يعد به ناقصا فتح . وشرعا : ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار كما يذكره المصنف ( إذا اطلع المشتري على عيب في المبيع ) كان عند البائع ولم يره المشتري عند البيع ولا عند القبض لأن ذلك رضا به هداية ( فهو بالخيار : إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء رده ) لأن مطلق العقد يقتضي وصف السلامة فعند فواته يتخير كيلا يتضرر بلزوم ما لا يرضى به ( وليس له أن يمسكه ويأخذ النقصان ) لما مر أن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن والبائع لم يرض بزواله بأقل من المسمى فيتضرر ودفع الضرر عن المشتري ممكن بالرد ( وكل ما أوجب نقصان الثمن في عادة التجار فهو عيب ) لأن التضرر بنقصان المالية وذلك بانتقاص القيمة والمرجع في معرفته أهله سواء كان فاحشا أو يسيرا بعد أن يكون مما يعده أهل تلك الصنعة عيبا فيه جوهرة ( والإباق ) إلى غير سيده الأول ( والبول في الفراش والسرقة ) من المولى وغيره ( عيب في الصغير ) المميز الذي ينكر عليه مثل ذلك ( ما لم يبلغ ) عند المشتري فإن وجد شيء منها بعد ما بلغ عنده لم يرده لأنه عيب حدث عنده لأن هذه الأشياء تختلف صغرا وكبرا ( فإذا بلغ فليس ذلك بعيب حتى يعاوده بعد البلوغ ) قال في الهداية : ومعناه إذا ظهرت عند البائع في صغره ثم حدثت عند المشتري في صغره يرده لأنه عين ذلك وإن حدثت بعد بلوغه لم يرده لأنه غيره وهذا لأن سبب هذه الأشياء يختلف بالصغر والكبر فالبول في الفراش في الصغر لضعف المثانة وبعد الكبر لداء في الباطن والإباق في الصغر لحب اللعب والسرقة لقلة المبالاة وهما بعد الكبر لخبث في الباطن اه قال في الفتح : فإذا اختلف سببها بعد البلوغ وقبله كان الموجود منها بعده غير الموجود منها قبله وإذا كان غيره يرد به لأنه عيب حادث عنده بخلاف ما إذا ظهرت عند البائع والمشتري في الصغر أو ظهرت عندهما بعد البلوغ فإن له أن يرده بها وإذا عرف في الحكم وجب أن يقرر اللفظ المذكور في المختصر وهو قوله " فإذا بلغ فليس ذلك " الذي كان قبله عند البائع " بعيب " إذا وجد بعده عند المشتري " حتى يعاوده بعد البلوغ " عند المشتري بعد ما وجد عند البائع واكتفى بلفظ المعاودة لأن المعاودة لا تكون حقيقة إلا إذا اتحد الأمر اه . ( والبخر ) نتن الفم ( والدفر ) بالدال المهملة - نتن الإبط وكذا الأنف در عن البزازية ( عيب في الجارية ) مطلقا لأن المقصود منها قد يكون الاستفراش وهما يخلان به ( وليس بعيب في الغلام ) لأن المقصود هو الاستخدام ولا يخلان به ( إلا أن يكون من داء ) أو يفحش بحيث يمنع القرب من المولى ( والزنا وولد الزنا عيب في الجارية ) لأنه يخل بالمقصود وهو الاستفراش وطلب الولد ( دون الغلام ) لأنه لا يخل بالمقصود وهو الاستخدام إلا أن يكون له عادة لأنه يخل بالخدمة .
( وإذا حدث عند المشتري عيب ) في مشريه ( ثم اطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بنقصان العيب ولا يرد المبيع ) لأن في الرد إضرارا بالبائع لأنه خرج من ملكه سالما وصار معيبا فامتنع ولكن لابد من دفع الضرر عنه فتعين الرجوع بالنقصان ( إلا أن يرضى البائع أن يأخذه بعيبه ) لأنه أسقط حقه ( وإن قطع المشتري الثوب فوجد به عيبا رجع بالعيب ) لامتناع الرد بالقطع إلا أن يقبله البائع كذلك كما مر ( وإن خاطه أو صبغه ) بأي صبغ كان ( أولت السويق بسمن ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه ) لامتناع الرد بالزيادة ( وليس للبائع أن يأخذه ) لأنه لا وجه للفسخ بدونها لأنها لا تنفك عنه ولا معها لحصول الربا لأنها زيادة بلا مقابل ثم الأصل : أن كل موضع للبائع أخذه معيبا لا يرجع بإخراجه عن ملكه وإلا رجع اختيار .
( ومن اشترى عبدا فأعتقه ) مجانا ( أو مات ) عنده ( ثم اطلع على عيب رجع بنقصانه ) أما الموت فلأن الملك ينتهي به والامتناع منه حكمي لا بفعله و أما الإعتاق فالقياس فيه أن لا يرجع لأن الامتناع بفعله فصار كالقتل وفي الاستحسان يرجع لأن العتق انتهاء الملك فكان كالموت وهذا لأن الشيء يتقرر بانتهائه فيجعل كأن الملك باق والرد متعذر هداية . وقيدنا العتق بكونه مجانا لأنه لو أعتقه على مال لم يرجع بشيء ( فإن قتل المشتري العبد ) المشترى ( أو كان طعاما فأكله ) أو ثوبا فلبسه حتى تخرق ثم اطلع على عيب ( لم يرجع عليه بشيء في قول أبي حنيفة ) لتعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فأشبه البيع والقتل ( وقال أبو يوسف ومحمد : يرجع ) استحسانا وعليه الفتوى بحر . ومثله في النهاية وفي الجوهرة : والخلاف إنما هو في الأكل لا غير أما القتل فلا خلاف أنه لا يرجع إلا في رواية عن أبي يوسف اه فإن أكل بعض الطعام ثم علم بالعيب فكذا الجواب عنده وعندهما يرجع بنقصان العيب في الكل وعنهما أنه يرد ما بقي ويرجع بنقصان ما أكل ونقل الروايتين عنهما المصنف في التقريب ومثله في الهداية وذكر في شرح الطحاوي أن الأولى قول أبي يوسف والثانية قول محمد كما في الفتح والفتوى على قول محمد كما في البحر عن الاختيار والخلاصة ومثله في النهاية وغاية البيان والمجتبى والخانية وجامع الفصولين وإن باع بعض الطعام ففي الذخيرة أن عندهما لا يرد ما بقي ولا يرجع بشيء وعن محمد يرد ما بقي ولا يرجع بنقصان ما باع كذا في الأصل اه .
قال في التصحيح : وكان الفقيه أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقا بالناس واختاره الصدر الشهيد اه وفي جامع الفصولين عن الخانية : وعن محمد لا يرجع بنقصان ما باع ويرد الباقي بحصته من الثمن وعليه الفتوى اه . ومثله في الولوالجية والمجتبى والمواهب . والحاصل أن المفتى به أنه لو باع البعض أو أكله يرد الباقي ويرجع بنقص ما أكل لا ما باع . فإن قيل : إن المصرح به في المتون أنه لو وجد ببعض المكيل أو الموزون عيبا له رده كله أو أخذه ومفهومه أنه ليس له رد المعيب وحده . أجيب بأن ذلك حيث كان كله باقيا في ملكه بقرينة قولهم : " له رده كله " أو هو مبنى على قول غير محمد .
( ومن باع عبدا ) أو غيره ( فباعه المشتري ثم رد عليه بعيب فإن قبله بقضاء القاضي ) ببينة أو إباء أو إقرار هداية ( فله ) أي البائع الثاني ( أن يرده على بائعه ) الأول لأنه فسخ من الأصل فجعل البيع كأن لم يكن ( وإن قبله بغير قضاء القاضي فليس له أن يرده ) لأنه بيع جديد في حق ثالث وإن كان فسخا في حقهما والأول ثالثهما هداية .
( ومن اشترى عبدا ) مثلا ( وشرط البراءة من كل عيب فليس له أن يرده بعيب ) مطلقا موجود وقت العقد أو حادث قبل القبض ( وإن لم يسم العيوب ولم يعدها ) لأن البراءة عن الحقوق المجهولة صحيحة لعدم إفضائها إلى المنازعة