بسم الله الرحمن الرحيم .
- البيع ينعقد بالإيجاب والقبول إذا كانا بلفظ الماضي .
وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار : إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رده وأيهما قام من المجلس قبل القبول بطل الإيجاب . وإذ حصل الإيجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحد منهما إلا من عيب أو عدم رؤية . والأعواض المشار إليها لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع والأثمان المطلقة لا تصح إلا أن تكون معروفة القدر والصفة ويجوز البيع بثمن حال ومؤجل إذا كان الأجل معلوما ومن أطلق الثمن في البيع كان على غالب نقد البلد فإن كانت النقود مختلفة فالبيع فاسد إلا أن يبين أحدها ويجوز بيع الطعام والحبوب مكايلة ومجازفة وبإناء بعينه لا يعرف مقداره . وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عند أبي حنيفة إلا أن يسمى جملة قفزاتها ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم فالبيع فاسد في جميعها وكذلك من باع ثوبا مذارعة كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان .
ومن ابتاع صبرة على أنها مائة قفيز بمائة درهم فوجدها أقل كان المشتري بالخيار : إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن وإن شاء فسخ البيع وإن وجدها أكثر فالزيادة للبائع ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم أو أرضا على أنها مائة ذراع بمائة درهم فوجدها أقل فالمشتري بالخيار : إن شاء أخذها بجملة الثمن وإن شاء تركها وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه فهو للمشتري ولا خيار للبائع وإن قال " بعتكها على أنها مائة ذراع بمائة درهم كل ذراع بدرهم " فوجدها ناقصة فهو بالخيار : إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وإن شاء تركها وإن وجدها زائدة فالمشتري بالخيار : إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم وإن شاء فسخ البيع ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه ومن باع أرضا دخل ما فيها وإن لم يسمه ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمر فثمرته للبائع إلا أن يشترطها المبتاع .
ويقال للبائع : اقطعها وسلم المبيع ومن باع ثمرة لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع ووجب على المشتري قطعها في الحال فإن شرط تركها على النخل فسد البيع ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشرها ومن باع دارا دخل في المبيع مفاتيح أغلاقها وأجرة الكيال وناقد الثمن على البائع وأجرة وزان الثمن على المشتري ومن باع سلعة بثمن قيل للمشتري : ادفع الثمن أولا فإذا دفع قيل للبائع : سلم المبيع ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن قيل لهما : سلما معا .
_________ .
كتاب البيوع .
عقب البيع للعبادات وأخر النكاح لأن الاحتياج إلى البيع أعم لأنه يعم الصغير والكبير وبه قيام المعيشة التي هي قوام الأجسام وبعض المصنفين قدم النكاح لأنه عبادة ثم البيع مصدر وقد يراد به المفعول فيجمع باعتباره كما يجمع المبيع وقد يراد به المعنى - وهو الأصل - فجمعه باعتبار أنواعه فتح .
( البيع ) لغة : مبادلة شيء بشيء مالا أولا بدليل { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم } ( 1 ) وهو من الأضداد ويستعمل متعديا لمفعولين يقال : بعتك الشيء وقد تدخل " من " على المفعول الأول على وجه التأكيد فيقال بعت من زيد الدار . وربما دخلت اللام فيقال : بعت لك الشيء فهي زائدة و " ابتاع الدار ) بمعنى اشتراها وباع عليه القاضي : أي من غير رضاه بحر عن ابن القطاع . وشرعا : مبادلة مال بمال بالتراضي .
و ( ينعقد بالإيجاب ) وهو : ما يذكر أولا من كلام أحد العاقدين ( والقبول ) وهو : ما يذكر ثانيا ( إذا كانا بلفظ الماضي ) كبعت واشتريت لأن البيع إنشاء تصرف والإنشاء يعرف بالشرع وهو قد استعمل الموضوع للإخبار في الإنشاء فينعقد به ولا ينعقد بلفظين أحدهما مستقبل بخلاف النكاح كما سيأتي وقوله رضيت أو أعطيتك بكذا أو أخذته بكذا في معنى قوله : بعت واشتريت لأنه يؤدي معناه والمعنى هو المعتبر في هذه العقود ولهذا ينعقد بالتعاطي في النفيس والخسيس وهو الصحيح لتحقق المراضاة هداية .
( وإذا أوجب أحد المتعاقدين ) بائعا كان أو مشتريا ( البيع فالآخر بالخيار : إن شاء قبل ) كل المبيع بكل الثمن ( في المجلس ) لأن خيار القبول مقيد به ( وإن شاء رده ) لأنه لو لم يثبت له الخيار يلزمه حكم العقد من غير رضاه وللموجب الرجوع ما لم يقبل الآخر لخلوه عن إبطال حق الغير وإنما يمتد إلى آخر المجلس لأنه جامع للمتفرقات فاعتبر ساعاته ساعة واحدة دفعا للعسر وتحقيقا لليسر والكتاب كالخطاب وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب وأداء الرسالة . وقيدنا القبول لكل المبيع بكل الثمن لأنه ليس له أن يقبل المبيع أو بعضه ببعض الثمن لعدم رضاء الآخر بأقل مما أوجب أو بتفرق الصفقة إلا إذا بين ثمن كل واحد لأنه صفقات معنى ( وأيهما قام من المجلس ) وإن لم يذهب عنه نهر وابن كمال ( قبل القبول ) من الآخر ( بطل الإيجاب ) لأن القيام دليل الإعراض والرجوع وتقدم أن له ذلك وكذلك كل ما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر فتح .
( وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم البيع ) وإن لم يقبض ( ولا خيار لواحد منهما ) لأن في الفسخ إبطال حق الآخر فلا يجوز والحديث محمول على خيار القبول ( 2 ) وفي الحديث إشارة إليه فإنهما متبايعان حقيقة حالة المباشرة لا بعده وإن احتمله باعتبار ما كان فحمله على حالة مباشرته أولى عملا بالحقيقة والتفرق محمول على تفرق الأقول ( إلا من عيب ) أو شرط ( أو عدم رؤية ) كما يأتي .
( والأعواض المشار إليها ) من مبيع أو ثمن ( لا يحتاج إلى معرفة مقدارها في جواز البيع ) لنفي الجهالة بالإشارة ما لم يكن ربويا قوبل بجنسه ( والأثمان المطلقة ) : أي غير المشار إليها بدليل المقابلة ( لا يصح ) البيع بها ( إلا أن تكون معروفة القدر والصفة ) لأن التسليم واجب بالعقد وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز وهذا هو الأصل هداية . وهذا حيث اختلف نقد البلد مالية واستوى رواجا بدليل ما بعده .
( ويجوز البيع بثمن حال ) وهو الأصل ( ومؤجل إذا كان الأجل معلوما ) لئلا يفضي إلى المنازعة وهذا إذا بيع بخلاف جنسه ولم يجمعهما قدر لما فيه من ربا النساء كما سيجئ وابتداء الأجل من وقت التسليم ولو فيه خيار فمنذ سقوطه عنده خانية ويبطل الأجل بموت المديون لا الدائن .
( ومن أطلق الثممن في البيع ) عند التقييد بالوصف : بأن ذكر القدر دون الصفة ( كان ) الثمن المقدر محمولا ( على غالب نقد البلد ) لأنه المتعارف وفيه التحري للجواز فيصرف إليه هداية ( فإن كانت النقود مختلفة ) في النقد والمالية ( فالبيع فاسد ) للجهالة ( إلا أن يبين أحدها ) في المجلس لارتفاع الجهالة قبل تقرر الفساد وهذا إذا استوت رواجا أما إذا اختلفت في الرواج ولو مع الاختلاف في المالية وذلك كالذهب الغازي والعدلي في زماننا فيصح وينصرف إلى الأروج وكذا يصح لو استوت مالية ورواجا ويخير المشتري بين أن يؤدي أيها شاء قال في البحر : فلو طلب البائع أحدها للمشتري دفع غيره لأن امتناع البائع من قبول ما دفعه ولا فضل تعنت اه . قال شيخنا : يعلم من قولهم " يصح لو استوت مالية ورواجا " حكم ما تعورف في زماننا من الشراء بالقروش فإنها في حكم المستوية في المالية فإن القرش في الأصل قطعة مضروبة من الفضة تقوم بأربعين قطعة من القطع المصرية المسماة في مصر نصفا ثم إن أنواع العملة المضروبة تقوم بالقرش فمنها ما يساوي عشرة ومنها أقل ومنها أكثر وإذا اشترى بمائة قرش فالعادة أنه يدفع ما أراد من القروش أو مما يساويها من بقية أنواع العملة ولا يفهم أحد أن الشراء وقع بنفس القطعة المسماة قرشا وقدمنا أن المشتري يخير فيما يساوى مالية ورواجا في دفع أيها شاء . ثم قال : بقي ما إذا اشترى بالقروش المذكورة ثم رخص بعض أنواعها أو كلها واختلفت في الرخص كما وقع ذلك في زماننا مرارا وكثر السؤال عنه والذي تحرر أنه يؤمر المشتري بدفع المتوسط رخصا حتى لا يلزم الضرر بهما وهذا إذا رخص الجميع أما لو بقي منها نوع على حاله فينبغي أن يلزم المشتري بالدفع منه لأن اختياره دفع غيره يكون تعنتا وقصدا لإضرار البائع مع إمكان غيره وتمتم ذلك في رسالته .
( ويجوز بيع الطعام ) وهي الحنطة ودقيقها خاصة في العرف الماضي فتح ( و ) جميع ( الحبوب ) كالشعير والذرة ونحوهما ( مكايلة ) بمكيال معروف ( ومجازفة ) وهي كما في المغرب : البيع والشراء بلا كيل ولا وزن ( وبإناء بعينه لا يعرف مقداره وبوزن حجر بعينه لا يعرف مقداره ) والظاهر أنه من المجازفة وعطفه عليها لأنه صورة كيل ووزن وليس به حقيقة وهذا إذا كان بخلاف جنسه ولم يكن رأس مال سلم لشرطية معرفته كما سيجئ ( ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم جاز البيع في قفيز واحد عن أبي حنيفة ) لتعذر الصرف إلى كلها لجهالة المبيع والثمن فيصرف إلى الأقل وهو معلوم ( إلا أن ) تزول الجهالة بأن ( يسمى جملة قفزاتها ) أو بالكيل في المجلس ثم إذا جاز في قفيز للمشتري الخيار لتفرق الصفقة عليه وقالا : يجوز في الوجهين وبه يفتي شرنبلالية عن البرهان وفي النهر من عيون المذهب : وبه يفتي تيسيرا وفي البحر : وظاهر الهداية ترجيح قولهما لتأخير دليلهما كما هو عادته اه . قال شيخنا : لكن رجح في الفتح قوله وقوى دليله على دليلهما ونقل ترجيحه العلامة قاسم عن الكافي والمحبوبي والنسفي وصدر الشريعة . ولعله من حيث قوة الدليل فلا ينافي ترجيح قولهما من حيث التيسير ثم رأيته في شرح الملتقى أفاد ذلك اه . والفتوى على قوله .
( ومن باع قطيع غنم كل شاة بدرهم فالبيع فاسد في جميعها ) وإن علم عددها بعد العقد ولو في المجلس على الأصح سراج عن الحلواني للجهالة وقت العقد وكذا في الواحدة لأن بيع شاة من قطيع لا يصح للتفاوت بين الشياه بخلاف بيع قفيز من صبرة فإنه يصح لعدم التفاوت .
( وكذلك من باع ثوبا ) يضره التبعض ( مذارعة كل ذراع بدرهم ولم يسم جملة الذرعان ) وكذلك كل معدود متفاوت كإبل وعبيد ونحوهما ( ومن ابتاع ) : أي اشترى ( صبرة طعام على أنها مائة قفيز بمائة درهم ) مثلا ( فوجدها أقل ) مما سمى له ( كان المشتري بالخيار : إن شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن وإن شاء فسخ البيع ) لتفرق الصفقة عليه وكذا كل مكيل وموزون ليس في تبعيضه ضرر ( وإن وجدها أكثر من ذلك فالزيادة للبائع ) لأن البيع وقع على مقدار معين ( ومن اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع بعشرة دراهم ) مثلا ( أو أرضا على أنها مائة ذراع بمائة درهم فوجدها أقل ) مما سمى له ( فالمشتري بالخيار : إن شاء أخذها بجملة الثمن ) المسمى ( وإن شاء تركها ) لأن الذرع وصف في الثوب بخلاف الأول فإنه مقدار يقابله الثمن والوصف لا يقابله شيء من الثمن إلا أنه يخير لفوات الوصف المذكور ( وإن وجدها أكثر من الذراع الذي سماه ) البائع ( فهو ) : أي الزائد ( للمشتري ولا خيار للبائع ) لما ذكرنا أنه صفة فكان بمنزلة ما إذا باعه معيبا فإذا هو سليم وهذا حيث لم يكن الذرع مقصودا كما أفاده بقوله : ( وإن قال بعتكها ) : أي الأرض المتقدم ذكرها ( على أنها مائة ذراع بمائة درهم ) مثلا ( كل ذراع بدرهم فوجدها ناقصة فهو بالخيار : إن شاء أخذها بحصتها من الثمن ) لأن الوصف وإن كان تابعا لكنه صار أصلا بانفراده بذكر الثمن فينزل كل ذراع منزلة ثوب وهذا لأنه لو أخذه بكل الثمن لم يكن آخذا كل ذراع بذرهم هداية ( وإن شاء تركها ) لتفرق الصفقة ( وإن وجدها زائدة كان المشتري بالخيار : إن شاء أخذ الجميع كل ذراع بدرهم وإن شاء فسخ البيع ) لدفع ضرر التزام الزائد .
( ومن باع دارا دخل بناؤها في البيع وإن لم يسمه ) : أي البناء في عقد البيع لأن اسم الدار يتناول العرصة والبناء في العرف وهو متصل به اتصال قرار فيدخل تبعا له والأصل في جنس هذا : أن كل ما كان اسم المبيع متناولا له عرفا أو كان متصلا به اتصال قرار - وهو ما وضع لا ليفصل - دخل من غير ذكر ( ومن باع أرضا ) ذات نخل وشجر ( دخل ما فيها ) من النخل والشجر في البيع أيضا ( وإن لم يسمه ) لأنه متصل به اتصال قرار فأشبه البناء قال قاضيخان : هذا في المثمرة واختلفوا في غير المثمرة والصحيح أنها تدخل صغيرا كان أو كبيرا تصحيح ( ولا يدخل الزرع في بيع الأرض إلا بالتسمية ) لأنه متصل بها للفصل وله غاية ينتهي إليها بخلاف الأول ( ومن باع نخلا أو شجرا فيه ثمرة ) سواء كانت له قيمة أو لا في الصحيح هداية . ( فثمرته للبائع ) لأن الاتصال وإن كان خلقة فهو للقطع لا للبقاء فأشبه الزرع ( إلا أن يشترطها ) أي الثمرة ( المبتاع ) : أي المشتري لأنه حينئذ يكون من المبيع وعبر هنا بالشرط وثمة بالتسمية إشارة لعدم الفرق بينهما وأن هذا الشرط غير مفسد .
( ويقال للبائع : اقطعها ) أي الثمرة وإن لم يظهر صلاحها ( وسلم المبيع ) وكذا إذا كان في الأرض زرع لأن ملك المشتري مشغول بملك البائع فكان عليه تفريغه وتسليمه كما إذا كان فيه متاع ( ومن باع ثمرة ) بارزة ( لم يبد صلاحها أو قد بدا جاز البيع ) لأنه مال متقوم : إما لكونه منتفعا به في الحال أو في الثاني وقد قيل : لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها والأول أصح هداية وقيدنا الثمرة بكونها بارزة لأن بيعها قبل الظهور لا يصح اتفاقا ولو برز بعضها دون بعض لا يصح في ظاهر المذهب وصححه السرخسي وأفتى الحلواني بالجواز لو الخارج أكثر ويجعل المعدوم تبعا للموجود استحسانا لتعامل الناس للضرورة زيلعي وظاهر الفتح الميل إلى هذا وقواه شيخنا ( ووجب على المشتري قطعها في الحال ) بطلب البائع تفريغا لملكه وهذا إذا اشتراها مطلقا أو بشرط القطع ( فإن ) كان ( شرط تركها على النخل ) حتى تتناهى ( فسد البيع ) لأنه شرط لا يقتضيه العقد وهو شغل مال الغير ولو اشتراها مطلقا وتركها بإذن البائع طاب له الفضل وإن تركها بغير إذنه تصدق بما زاد في ذاته ( 3 ) لحصوله بجهة محظورة هداية .
( ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة ) لأن الباقي بعد الاستثناء مجهول بخلاف ما إذا استثنى نخلا معينا لأن الباقي معلوم بالمشاهدة هداية ومشى عليه المختار وبرهان الشريعة وصدر الشريعة وقال في الاختيار : وهو الصحيح وقيل : يجوز وخالفه النسفي تبعا للهداية حيث قال - بعد ذكره في الكتاب - قالوا : هذه رواية الحسن وهو قول الطحاوي أما على ظاهر الرواية فينبغي أن يجوز لأن الأصل أن ما يجوز إيراد العقد عليه بانفراده يجوز استثناؤه من العقد وبيع قفيز من صبرة جائز فكذا استثناؤه اه تصحيح .
قال في الفتح : وعدم الجواز أقيس بمذهب الإمام اه ( ويجوز بيع الحنطة ) بانفرادها حالة كونها ( في سنبلها والباقلاء في قشرها ) وكذا الأرز والسمسم ونحوهما وعلى البائع إخراجه وللمشتري الخيار فتح وهذا إذا باع بخلاف جنسه وإلا لا لاحتمال الربا وإنما بطل بيع ما في تمر وقطن وضرع وما على حنطة من نوى وحب ولبن وتبن لأنه معدوم عرفا ( ومن باع دارا دخل في البيع مفاتيح أغلاقها ) لأنه يدخل فيه الأغلاق لأنها مركبة فيها للبقاء والمفتاح يدخل في بيع الغلق لأنه بمنزلة بعضه إذ لا ينتفع به بدونه هداية .
( وأجرة الكيال ) والوزان والعداد والذراع للمبيع ( وناقد الثمن على البائع ) أما الكيل والوزن والعدد والذرع فلابد منه للتسليم وهو على البائع وأما النقد فالمذكور رواية ابن رستم عن محمد لأن النقد يكون بعد التسليم وفي رواية ابن سماعة عنه على المشتري لأنه يحتاج إلى تسليم الجيد المقدر والجودة تعرف بالنقد كما يعرف القدر بالوزن فيكون عليه هداية وفي التصحيح قال في المحيط : وأجرة الناقد ووزن الثمن على المشتري وهو الصحيح وقال قاضيخان : والصحيح أنه يكون على المشتري على كل حال واعتمده النسفي اه ( وأجرة وزان الثمن على المشتري ) لما بينا أنه هو المحتاج إلى تسليم الثمن وبالوزن يتحقق التسليم هداية .
( ومن باع سلعة ) حاضرة غير مشغولة ( بثمن ) حال ( قيل للمشتري : ادفع الثمن أولا ) لأن حق المشتري تعين في المبيع فيتقدم دفع الثمن ليتعين حق البائع بالقبض لأن الثمن لا يتعين بالتعيين قبل القبض . قيدنا السلعة بالحاضرة وغير مشغولة لأنه إذا كانت غائبة أو مشغولة لا يؤمر بدفع الثمن حتى يحضر السلعة أو يفرغها كما في الفيض وقيد الثمن بالحال لأنه إذا كان مؤجلا لا يملك البائع منع السلعة لقبضه لأن ابتداء الأجل من قبض السلعة كما مر ( فإذا دفع ) المشتري الثمن ( قيل للبائع : سلم المبيع ) لأنه ملك الثمن بالقبض فلزمه تسليم المبيع وإن سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن ليس له أن يسترده ( ومن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن قيل لهما : سلما معا ) لاستوائهما في التعيين ثم التسليم يكون بالتخلية على وجه يتمكن من القبض بلا مانع ولا حائل لأن التخلية قبض حكما لو مع القدرة عليه بلا كلفة . وتمامه في حاشية شيخنا .
_________ .
( 1 ) صدر الآية 111 من سورة التوبة .
( 2 ) اعلم أولا أن جميع علماء الشريعة الإسلامية أثبتوا في البيع أربعة أنواع من الخيار : أولها خيار القبول وثانيها خيار العيب وثالثهما خيار الرؤية ورابعها خيار الشرط فأما خيار القبول فقد ذكره المصنف هنا بقوله " وإذا أوجب أحد المتعاقدين البيع فالآخر بالخيار : إن شاء قبل في المجلس وإن شاء رده " وحاصل هذا أن البائع لو قال : بعتك هذا الثوب بعشرة دراهم لا يتم البيع بهذه العبارة ويكون المشتري مخيرا بين أن يقبل وأن يرفض . وكذلك لو قال المشتري ابتداء : اشتريت منك هذا الثوب بعشرة دراهم كان البائع مخيرا بين أن يقبل وأن يرفض . وأما خيار العيب وخيار الشرط وخيار الرؤية فسيأتي الكلام عليها . وقد اختلفوا في نوع الخيار سماه بعضهم خيار المجلس وأنكره بعضهم وحاصله أنه إذا قال البائع : بعتك وقال المشتري : قبلت وتم الإيجاب والقبول لكن بقي البائع والمشتري في المجلس الذي حدث فيه العقد فهل لكل واحد منهما أن يرجع فيما أبرماه ؟ وكلهم متفقون على أنهما إذا قاما من مجلس العقد لم يثبت لأحدهما هذا الخيار قال أبو حنيفة : متى تمت الصيغة بالإيجاب والقبول فليس لواحد منهما أن ينقض البيع إلا بالعيب أو بالشرط أو برؤية ما لم يكن رآه على التفصيل الذي ستقف عليه . وقال الشافعي : إنه يثبت لكل واحد من المتعاقدين بعد الإيجاب والقبول خيار آخر غير هذه الثلاثة اسمه خيار المجلس وشرطه أن يكونا باقيين في مجلس العقد واستدل على ذلك بقوله E : ( المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا ) ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن المراد عنده بالتفرق التفرق بالأبدان وذلك يكون بترك المجلس وقد جعل النبي A لكل واحد منهما الخيار إلى أن يثبت هذا التفرق فينقطع الخيار . والجواب على هذا الكلام أنا لا نسلم أن المراد التفرق بالأبدان كما ذكرتم بل المراد التفرق في الأقوال وذلك أن يوجب أحدهما البيع ويرفضه الآخر فيكون الحديث مثبتا لخيار القبول الذي بيناه أولا لا لخيار المجلس والذي يقول هذا أمران : أحدهما أنه E سماهما " متبايعان " أي موصوفين بالتبايع وهما إنما يسميان بذلك في حال البيع نعني الوقت الذي يجريان فيه الصيغة فأما بعد ذلك فلا يسميان بهذا الاسم إلا مجازا لأن اسم الفاعل وغيره من الصفات إنما يصدق على وجه الحقيقة على من يكون متلبسا بالحدث ولا يعدل عن الحقيقة إلا المجاز إلا لضرورة ولا ضرورة ههنا والأمر الثاني : أن في . إثبات هذا الخيار - بعد أن تم العقد بالإيجاب والقبول ووجد ركنه وجميع شرائطه - إضرارا بالآخر وإبطالا لحقه الذي ثبت له والضرر منفي في هذه الشريعة السمحة فهذا توضيح ما أشار الشارح إليه .
( 3 ) وتعرف الزيادة بأن يقومها يوم البيع ويقومها يوم الإدراك فما بين القيمتين هو الزيادة التي يتصدق بها