{ باب الكنايات } .
قوله : رجل قال لامرأته إلخ هذه المسئلة في ما إذا نوى الزوج بقوله : اختاري لأنه يحتمل أن يختار نفسها أو إياه وهذا استحسان والقياس أن لا تطلق لأنه يحتمل الوعد فلا يصير جوابا مع الاحتمال كما إذا قال لها : طلقي نفسك فقالت : أنا أطلق نفسي لا يقع كذا هذا وجه الاستحسان أن هذا جعل جوابا وإيجابا في الشرع فإنه لما نزل قوله ( تعالى ) : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما } [ نادى رسول الله A عائشة ( Bها ) فقال : يا عائشة إني أخيرك في أمر فلا تجيبيني حتى تستأمري أبويك فأخبرها بنزول الآية فقالت : أفي هذا أستأمر أبوي ؟ لا بل أختار الله ( تعالى ) ورسوله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ] وأرادت بهذا الاختيار الجواب في الحال وجعل رسول الله A هذا الكلام منها إيجابا للحال .
قوله : في قول أبي حنيفة إلخ ولا يحتاج عنده إلى نية الزوج وإنما لم يحتج لأن هذا الكلام لا يذكر على وجه التكرار إلا في حق الطلاق لأن الاختيار في حق الطلاق يتكرر أما في حق أمر آخر فلا لهما أن الأولى والوسطى والأخيرة غير مفيد في حق الترتيب لكن مفيد في حق الانفراد لأن قصده يحتمل الترتيب فيعتبر في ما يفيد ولأبي حنيفة أن المرأة إنما تتصرف بحكم الملك لأن الزوج ملك التصرف ولا ترتيب في ما ملكته ولأن المجتمع في الملك كالمجتمع في المكان وذلك لا يحتمل الترتيب فإن القوم المجتمعين في مكان لا يقال : هذا جاء أولا وهذا جاء آخرا فيكون الترتيب في مجيئها لا في ذاتها فإذا لم يكن في المملوك ترتيب لغا قولها : الأولى أو الوسطى أو الأخيرة فبقي قولها : اخترته ولو قالت : اخترت وسكتت وقع الثلاث فكذا هذا .
قوله : ثلاثا أما مذهب أبي حنيفة فكما ذكر عن الحسن بن أبي مطيع أنه احتج فقال : الاختيار مذكر والمرأة أخرجت الكلام مخرج التأنيث حيث قالت : الأولى ولم تقل : الأول فبطل قولها : الأولى وبقي قولها : اخترت وذكر عن ابن سلام أنه احتج لأبي حنيفة فقال : لأن الزوج جمع الخيارات وأتبع بعضها بعضا فصار قبول البعض بمنزلة قبول الكل ألا يرى أنها لو ردت البعض يرد الكل فكذلك إذا قبلت البعض .
قوله : في قولهم جميعا لأن قولها : اختيارة يذكر للمرة فيكون معناه اخترت بمرة والاختيار بمرة إنما يتحقق إذا اختارت نفسها بالثلاث .
قوله : فهي واحدة لا يملك الرجعة لأن الموجود من جانب الزوج ليس بصريح الطلاق وهي إنما تملك بحسب ما يملك الزوج والزوج ملكها بلفظة الاختيار وهي لا تعقب الرجعة وإن أتت بصريح الطلاق كذا ذكر في الجامع الكبير وذكر في بعض النسخ من هذا الكتاب : أنه تقع واحدة رجعية وهذا غلط من الكاتب .
قوله : فهي واحدة يملك الرجعة لأنه جعل لها أن يختار نفسها لكن بتطليقة والتطليقة معقبة للرجعة .
قوله : وإن قال لها إلخ الكنايات ثلاثة أقسام في هذا الباب : منها ما يصلح جوابا لا غير وذلك ثلاث : أمرك بيدك واختاري واعتدي ومنها ما يصلح جوابا وردا لا غير فسبعة ألفاظ : أخرجي واذهبي واغربي وقومي وتقنعي واستتري وتخمري ومنها ما يصلح جوابا وردا وسبا وذلك خمسة : خلية وبرية بائن بتة حرام وروي عن أبي يوسف أنه ألحق بالقسم الأول خمسة أخرى وهو قوله : خليت سبيلك وسرحتك ولا ملك لي عليك ولا سبيل لي عليك وألحقي بأهلك .
والأحوال ثلاثة : حالة مطلقة وهي حالة الرضا وحالة مذاكرة الطلاق وهي أن تسأل هي طلاقها أو غيرها طلاقها وحالة الغضب أما في الحالة المطلقة لا يعتبر شئ من الأقسام الثلاثة طلاقا إلا بالنية والقول قول الزوج في ترك النية لأنها محتملة للأشياء ولا دلالة على الحال وفي حال مذاكرة الطلاق لا يصدق في شئ من الأقسام الثلاثة قضاء إلا في ما يصلح جوابا وردا لأنه يحتمل الإجابة والرد فيثبت الأدنى وهو الرد فأما في حالة الغضب يصدق في الأقسام الثلاثة إلا في ما يصلح جوابا لا غير لأنه يصلح الطلاق الذي يدل عليه الغضب فيجعل طلاقا .
قوله : لم تعتق المسئلة معروفة وهي أن صريح الطلاق وكنايته إذا نوى بهما العتق عندنا لا تعتق وقال الشافعي : تعتق .
قوله : دين في القضاء لأن الإنسان بعد الطلاق يأمر امرأته بالاعتداد .
قوله : فهي ثلاث لأنهما ذكرنا بعد مذاكرة الطلاق فتعينتا بدلالة الحال .
قوله : دخل الليل في ذلك حتى لو ردت الأمر في يومها لم يبق الأمر في يدها في الغد لأن في الفصل الأول جعل الأمر في يدها في وقتين منفصلين فلا يصح أن يجعلا كوقت واحد لتخلل ما يوجب الفصل وهو اليوم والليلة وعند اختلاف الوقت لا يمكن القول باتحاد الأمر فإبطال أحدهما لا يتعدى إلى الآخر ولا يدخل الليل في الأمر لأن كل واحد من الأمرين ذكره منفردا وفي الفصل الثاني الأمر متحد لأن تخلل الليل في يومين لا يجعلهما مدتين لأن القوم قد يجلسون للمشورة فيبقى المجلس إلى الغد فإذا ردت الأمر في اليوم لا يبقى الأمر في يدها في الغد .
قوله : ولو قال : في اليوم إلخ هذا يوافق ما تقدم وهو قوله : أنت طالق غدا أو أنت طالق في الغد .
قوله : حنث لأن الشرع جعل اليوم في النكاح واقعا على الوقت المطلق وفي الأمر باليد يقع على بياض النهار لأن اليوم يطلق على مطلق الوقت ويستعمل لبياض النهار قال الله ( تعالى ) : { ومن يولهم يومئذ دبره } وأراد به مطلق الوقت وقال الله ( تعالى ) : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة } وأراد به بياض النهار والليل لا يستعمل إلا للسواد خاصة والنهار لا يستعمل إلا للبياض خاصة فإذا كان كذلك وجب العمل بما يوجب ترجيح أحد الوجهين على الآخر فينظر فيه إن أضيف إلى أمر يمتد علم أنه أراد به بما يوجب بياض النهار لأنه أدنى ما يمتد ليجعل ذلك معيارا له وإن أضيف إلى فعل لا يمتد علم أنه أراد به مطلق الوقت والتزوج مما لا يمتد فحمل على مطلق الوقت فدخل الليل في ذلك ففي أي وقت تزوج تطلق فإذا قدم فلان وهي لا تعلم بقدومه حتى مضى النهار فلا خيار لها لأنها علمت بعد انقضاء الأمر والجهل لا يكون عذرا في مثل هذا .
قوله : ما لم تأخذ في عمل آخر فإن أخذت في عمل آخر خرج الأمر من يدها لأن هذا تمليك الطلاق وليس بإنابة لأن المتصرف في الإنابة عامل لغيره لا لنفسه وهي عاملة لنفسها لا لغيرها فدل أن هذا تمليك يقتصر على المجلس .
قوله : فهي على خيارها لأن قعود القائم دليل الإقبال دون الإعراض لأن هذا عادة من يستجمع الرأي وأما قعود المتكىء فلأنه دليل الإقبال دون الإعراض واتكاء القاعد كذلك وكذلك دعاء الشهود لأنه دليل التأمل دون الأعراض وكذلك إن لبست ثيابها .
قوله : بمنزلة البيت لأن سير السفينة لا يضاف إلى راكبها لأنها لا تساق ولكنها تجري بالماء والريح وليس الماء والريح في يد أحد .
قوله : فهي ثلاث لأن الاختيار يصلح جوابا للأمر باليد لأنه جعل جوابا للتمليك بالإجماع وهذا تمليك وقولها : اخترت نفسي بواحدة أي بمرة واحدة .
قوله : فهي واحدة بائنة لأنه نعت فرد فيقتضى مصدرا محذوفا فوجب إثبات المصدر على موافقة الفعل .
قوله : فهي واحدة يملك الرجعة لأنه نوى ما يحتمل كلامه لأن واحدة يحتمل أن يكون نعتا لمصدر محذوف كما يصلح وصفا لشخصها لأن حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه أمر سائغ في اللغة حتى قال بعض أصحابنا : إذا أعرب الواحدة بالرفع لم يقع شئ وإن نوى لأنها صفة شخصها وإن أعرب بالنصب يقع من غير نية لأنه نعت مصدر محذوف وإن سكن ولم يتحرك بإعراب فيحتاج إلى النية وقال عامة مشايخنا : لا بل الكل على الاختلاف لأن العامة لا يميزون بين وجوه الإعراب فلا يصح عليه بناء حكم يرجع إلى العامة على هذا وهو الصحيح