الفصل الثاني .
في ذكر فضائل الجامع الصغير الحميدة وصفاته الجليلة قد مر أنه من الطبقة الأولى من طبقات مصنفات الحنفيين وأن مؤلفه من ثاني طبقات المجتهدين وأول طبقات المقلدين وكفاك به فضلا وشرفا وقال شمس الأئمة أبو بكر محمد السرخسي في شرحه للجامع الصغير : كان سبب تأليف محمد أنه لما فرغ من تأليف الكتب طلب منه أبو يوسف أن يؤلف كتابا يجمع فيما حفظ عنه مما رواه له عن أبي حنيفة فجمع ثم عرضه عليه فقال : نعما حفظ إلا أنه أخطا في ثلاث مسائل فقال محمد : أنا ما أخطات ولكنك نسيت الرواية وذكر علي القمي : أن أبا يوسف مع جلالة قدره كان لا يفارق هذا الكتاب في حضر ولا في سفر وكان علي الرازي يقول : من فهم هذا الكتاب فهو أفهم أصحابنا ومن حفظ كان أحفظ أصحابنا وأن المتقدمين من مشايخنا كانوا لا يقلدون أحدا القضاء حتى يمتحنونه فإن حفظه قلدوه القضاء وإلا أمروه بحفظه وكان شيخنا الحلوائي يقول : إن أكثر مسائله مذكورة في المبسوط وهذا لأن مسائل هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام : قسم لا يوجد لها رواية إلا ههنا وقسم يوجد ذكرها في الكتب ولكن لم ينص فيها أن الجواب قول أبي حنيفة أم غيره وقد نص ههنا في جواب كل فصل على قول أبي حنيفة وقسم أعاده ههنا بلفظ آخر واستفيد من تغيير اللفظ فائدة لم تكن مستفادة باللفظ المذكور في الكتب ومراده بالقسم الثالث ما ذكره الفقيه أبو جعفر الهندواني في مصنف سماه كشف الغوامض انتهى .
وقال قاضيحان في شرحه : اختلفوا في مصنف الجامع الصغير قال بعضهم : من تأليف أبي يوسف ومحمد وقال بعضهم : هو من تأليف محمد فإنه حين فرغ من تصنيف المبسوط أمره أبو يوسف أن يصنف كتابا ويروي عنه فصنف ولم يرتب وإنما رتبه أبو عبد الله الحسن بن أحمد الزعفراني الفقيه الحنفي انتهى وقال فخر الإسلام البزدوي في شرحه : كان أبو يوسف يتوقع من محمد أن يروي كتابا عنه فصنف هذاه الكتاب وأسنده عن أبي يوسف عن أبي حنيفة فلما عرض على أبي يوسف استحسنه وقال : حفظ أبو عبد الله إلا في مسائل أخطأ في روايتها فلما بلغ ذلك محمدا قال : حفظتها ونسي وهي ست مسائل منها رجل صلى التطوع أربعا وقرأ في إحدى الأوليين وإحدى الآخريين لا غير روى محمد أنه يقضي أربعا وقال أبو يوسف : إنما رويت له ركعتين واعتمد مشايخنا رواية محمد انتهى .
وفي غاية البيان شرح الهداية لأمير كاتب الأتقاني في ( باب الأذان ) : ذكر محمد في الجامع الصغير أبا يوسف باسمه دون كنيته حتى لا يكون وهم التسوية في التعظيم بين الشيخين لأن الكنية للتعظيم وكان محمد مأمورا من جهة أبي يوسف بأن يذكره باسمه حيث يذكر أبا حنيفة فعن هذا قال مشايخنا ببخارا : من الأدب أن لا يدعو بعض الطلبة بعضهم بلفظ مولانا عند أستاذهم احترازا عن التسوية في التعظيم بين الأستاذ والتلميذ انتهى .
وفيه : إنما سمي المبسوط أصلا لأنه صنفه محمد أولا ثم صنف الجامع الصغير ثم الجامع الكبير ثم الزيادات انتهى وفي شرح شمس الأئمة السرخسي السير الكبير : إن آخر تصانيفه هو السير الكبير وقبله صنف السير الصغير .
* * *