قال C : ( وإذا أقر الرجل أن هذا الثوب أو هذه الدار عنده عارية بملك فلان أو بميراثه أو بحق فلان هذا كله إقرار ) لأن الباء في الأصل للإلصاق فقد جعل المقر به ملصقا بملك فلان وميرائه وحقه ولم يتحقق هذا الإلصاق إلا بعد أن يكون مما له وكالة وقد تكون الباء صلة كما في قوله تعالى { تنبت بالدهن } ( المؤمنون : 20 ) وإن حملناه على معنى الصلة هنا كان إقرارا أيضا لأنه يصير تقدير كلامه أنه ملك فلان أو ميراث فلان أو حق فلان وقد تكون الباء للتبعيض أيضا عند بعضهم كما في قوله تعالى { وامسحوا برؤسكم } ( المائدة : 6 ) اقتضى المسح ببعض الرأس وإذا حمل على هذا كان إقرارا أيضا لأنه جعل المقر به بعض ملكه وميراثه وحقه .
كذلك لو قال عارية عندي من ملك فلان أو من ميراثه أو من حقه لأن من في الأصل للتبعيض فذلك إقرار يكون المقر به بعض ملكه وقد تكون من صلة كما في قوله تعالى { يغفر لكم من ذنوبكم } ( نوح : 4 ) وقوله تعالى { فاجتنبوا الرجس من الاوثان } ( الحج : 30 ) وإذا كانت بمعنى الصلة فهو إقرارا أيضا وقد تكون بمعنى الباء قال الله تعالى { يحفظونه من أمر الله } ( الرعد : 11 ) يعني بأمر الله فعلى هذا المعنى هذا والأول سواء وقد تكون من للتمييز كما يقال سيف من حديد وخاتم من فضة وعلى هذا يكون إقرارا أيضا لأنه ميز المقر به عن سائر ما في يده بإقراره أنه للمقر ولو قال عارية عندي لملك فلان أو لميراثه كان إقرارا أيضا .
ولو قال والثوب والدابة عارية عندى لحق فلان لا يكون إقرار لأن اللام قد تكون للتأكيد وقد تكون للوقت كما في قوله تعالى { لدلوك الشمس } ( الأسراء : 78 ) وقوله تعالى { فطلقوهن لعدتهن } ( الطلاق : 1 ) وقد تكون للتمليك وقد تكون للتعليل فعلى هذه الوجوه حمل قوله لملك فلان . أو لميراث فلان إقرارا مؤكدا .
وأما إذا قال لحق فلان فنقول اللام قد تكون بمعنى المجازاة كقول الرجل لغيره أكرمتك لتكرمني وزرتك لتزورني .
وقد تكون لبيان الحرمة كالرجل يريدان يضرب عبده فنهاه الغير فيقول تركته لك أي لحرمتك وشفاعتك فهنا قوله لحق فلان معنى الشفاعة والحرمة يعنى لأجل شفاعته وحرمته إعادة صاحبه فهنا قوله مني فلما احتمل هذا المعنى لم يجعل إقرارا له بالشك بخلاف قوله لملك فلان أو لميراثه فإن ذلك لا يحتمل معنى الحرمة والشفاعة وكذلك لو قال هذا الألف مضاربة عندي لحق فلان لم يكن إقرارا لأنه محتمل لمعنى الحرمة والشفاعة أي إنما رفعها صاحبها إلى مضاربه لأجل شفاعة فلان وحرمته بخلاف مالو أقر بالقرض لحق فلان فإنه يكون إقرارا لأن القرض لا تجزئ فيه الشفاعة عادة إنما تجزئ فيه الكفالات فإذن انتفى معنى الشفاعة في القرض فبقى إقرار لملكه بخلاف العوارى والمضاربة فإنه تجزئ فيهما الشفاعات عادة .
ولو قال هذه الدراهم عندي عارية لحق فلان فهذا إقرار له بها لان العارية في الدراهم قرض فكان هذا والأقرار بالقرض سواء بخلاف الدابة والثوب ولو قال أخذت هذا الثوب منك عارية وقال المقر له بل أخذته مني بيعا فالقول قول الآخذ مع يمينه لأنهما تصادقا على أن الأخذ حصل بإذن المالك وذلك لا يكون سببا لوجوب الضمان على الآخذ باعتبار عقد الضمان وهو منكر له فكان القول قوله وهذا إذا لم يلبسه فإن لم لبسه فهلك كان ضامنا له لأن لبس ثوب الغير سبب لوجوب الضمان على اللابس إلا أن يكون بإذن من صاحبه واللابس وصاحبه منكران .
( فإن قيل ) : لا كذلك فإن بيع الثوب من الغير تسليط منه على لبسه فلما أقر صاحبه بالبيع فقد ثبت الإذن في اللبس فينبغي أن لا يضمن اللابس كما قلنا في الآخذ .
( قلنا ) : التسليط بإيجاب البيع من حيث التمليك ليلبس ملك نفسه فإذا لم يثبت تسليط صاحبه إياه على لبسه وهو في اللبس عامل لنفسه وذلك سبب موجب الضمان عليه في ملك الغير بخلاف الآخذ فقد يكون في بالأخذ عاملا للمأخوذ منه كالمودع في أخذ الوديعة ليحفظها فلا يتقرر الضمان عليه بالإقرار بالأخذ إذا لم ينكر صاحبه أصل الأذن .
ولو قال أقرضني ألف درهم فقال المقر له لا بل غصبني فالمقر ضامن لها لأنهما تصادقا على كون المال مضمونا عليه للمقر له .
وإن اختلفا في سببه والأسباب مطلوبة لأحكامها لا لأعيانها فعند التصادق على الحكم لا ينظر إلى اختلاف السبب وهذا لأن قول المقر له لابل غصبني لا يكون ردا لأصل الواجب إنما يكون ردا للسبب فيبقي إقراره معتبرا في وجوب المال لتصديق المقر له إياه أنه واجب .
وإن كانت الدراهم بعينها فللمقر له أن يأخذها لأنهما تصادقا على ملك العين للمقر له فبعد ذلك المقر بدعوى القرض يدعي ملكها عليه فلا يصدق إلا بحجة .
ولو قال هذه الدراهم في يدي عارية لفلان أو من فلان أي أو من قبل فلان فهذا إقرار له بها لما بينا أن العارية في الدراهم قرض فإن الانتفاع بها لا يتأتى فيما هو المقصود إلا باستهلاك عينها فكانت الإعارة فيها تسليطا بشرط ضمان الرد وذلك حكم القرض وإن قال هذه الدراهم عارية بيدي على يدي فلان فليس هذا بإقرار وذكر بعد هذا أنه إقرار .
وجه هذه الرواية : أن قوله على يدي فلان معناه أرسلها صاحبها إلى عارية على يدي فلان فإنما إقراره فلانا كان رسولا فيها فلا يصير مقرا بالملك له .
ووجه الرواية الأخرى : أنه أقر بأن وصولها إلى يده كان من يد فلان والمتعين إنما يلزمه الرد على من أخذ منه كما يلزم الرد المكاري الذي أخذ منه فوجب عليه بحكم هذا الإقرار ردها على فلان فلهذا كان منه إقرار لفلان