قال - C - ( رجل أقر لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالإقرار جائز والخيار باطل أما جواز الإقرار فلوجود الصيغة الملزمة بقوله علي أو عبدي لفلان وأما الخيار فباطل ) لأن الإقرار باطل إن اختار ولا يليق به الخيار لأن الخبر إن كان صادقا فصدق اختاره أو لم يختره .
وإن كان كذبا لم يتعين باختياره وعدم اختياره وإنما ما يبر يشترط الخيار في العقود بالشرط ليتغير به صفة العقد ويتخير من له بين فسخه وإمضائه ولأن الخيار في معنى التعليق بالشرط فما دخل عليه وهو حكم العقد والإقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فكذلك لا يحتمل اشتراط الخيار إلا أن التعليق يدخل على أصل السبب فمنع كون الكلام إقرارا والخيار يدخل على حكم السبب فإذا لغى بقي حكم الإقرار وهو اللزوم ثانيا وهذا كما أن التعليق بالشرط يمنع وقوع الطلاق واشتراط الخيار لا يمنعه ويستوي إن صدقه صاحبه في الخيار أو كذبه وهذا بخلاف ما إذا أقر بدين من ثمن بيع على أنه فيه بالخيار ثلاثة أيام فإن هناك يثبت الخيار إذا صدقه صاحبه لأن سبب الوجوب عقد يقبل الخيار فإذا تصادقا عليه صار ذلك كالمعاين في حقهما .
وإن كذبه صاحبه لم يثبت الخيار لأن مقتضى مطلق البيع اللزوم فمن ادعى عدوة معتبرة باشتراط الخيار فيه لا يقبل قوله إلا بحجة فأما ما سبب وجوب المال فعلا من فرض أو غصب أو استهلاك وذلك لا يليق به الخيار ولو عاين اشتراط الخيار فيه كان لغوا فلهذا لم يثبت وإن تصادقا عليه .
وإن أقر بالدين من كفالة على شرط مدة معلومة طويلة أو قصيرة فإن صدقه المقر له فهو كما قال والخيار ثابت له إلى آخر المدة لأن الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه فيجعل ما تصادقا عليه كالمعاين في حقهما وفرق أبو حنيفة - C - بين البيع وبين الكفالة فقال في البيع لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من ثلاثة أيام وفي الكفالة يجوز ذلك وإن طالت المدة ولا الكفالة عقد مبين على التوسع .
( ألا ترى ) أنه يحتمل التعليق ببعض الأخطار نحو قوله ما ذاب لك عن فلان فهو علي ونحو الكفالة بالدرك فإنه تعليق بخطر الاستحقاق فإذا كان هو محتملا للتعليق كان الخيار ملائما له بأصله فيجوز اشتراطه مدة معلومة قصرت أو طالت فأما البيع مبني على العتق حتى لا يحتمل التعليق بالشرط أصلا فلم يكن الخيار ملائما له باعتبار أصله فقلنا لا يجوز اشتراطه إلا بقدر ما ورد به الشرع بخلاف القياس وذلك ثلاثة أيام .
وإن كذبه صاحبه بالخيار لزمه المال ولم تصدق على شرط الخيار لأن مقتضى عقد الكفالة اللزوم كما هو مقتضى مطلق البيع وهذا بخلاف الأجل فإنه إذا ادعى الكفالة بالمال إلى أجل فالقول قوله وإن لم يصدقه صاحبه لأن الأجل من مقتضيات الكفالة .
( ألا ترى ) أن من كفل بمال موجد مطلقا يثبت الأجل في حق الكفيل وكذلك الكفالة توجب المال للكفيل على الأصيل إذا كان يأمره كما يوجب للطالب على الكفيل وما يكون للكفيل على الأصيل مؤجل أن يؤديه عنه فلما كان الأصل من مقتضيات الكفالة جعل القول فيه قول من يدعيه بخلاف الخيار فإنه ليس من مقتضيات الكفالة فلا يقبل قول من يدعيه إلا بحجة وإقرار الصبي التاجر جائز في جميع تجاراته لأن الإقرار من صيغ التجار وهو مما لا يستغنى التاجر عنه فإنه يتعذر على من يعامله إشهاد الشاهدين عليه كل معاملة فإذا علم أن إقراره له لا يكون صحيحا يتحذر عن المعاملة معه فلهذا جوزنا إقراره وبخلاف إقرار الأب والوصي عليه فإنه لا يكون صحيحا لعدم التصور فإن الإقرار ما يقر المرء به على نفسه فأما ما يقر به على غيره يكون شهادة فمن الأب لا يتحقق الإقرار على الصبي ويتحقق من الصبي المأذون الإقرار على نفسه ويستوي إن أقر دين أو عين مما اكتسبه بتجارته أو كان موروثا له عن أبيه لأن إقراره فيه باعتبار ملكه والكل في حكم الملك سواء .
( ألا ترى ) أن سائر تصرفاته يجوز فيهما فكذلك إقراره وذكر في المجرد عن أبي حنيفة - C - أن إقراره فيما يرثه من أبيه لا يكون صحيحا . لأن صحة إقراره فيما اكتسبه بتجارته لوقوع الحاجة إليه وذلك غير موجود فيما ورثه عن أبيه .
والأصح ما ذكره في الكتاب لأن انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالإذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه فيما هو من جملة التجارة بالإذن بمنزلة انفكاك الحجر عنه بالبلوغ وقد بينا أن الإقرار من التجارة وكذلك لو أقر الصبي المأذون على أبيه بدين جاز إقراره لأنه في حكم جواز الإقرار فصار انفكاك الحجر عنه بالإذن كانفكاك الحجر عنه بالبلوغ .
ولو أقر بدين أبيه بعد البلوغ صح إقراره واستوفى في جميع الدين من نصيبه إن أنكر شركاؤه فكذلك إذا أقر به بعد الإذن ولو أقر على نفسه بالمهر وأرش الجناية ودين الكفالة لم يصح إقراره بشيء من ذلك لأن هذه الأسباب ليست بتجارة وقد نفى الحجر عليه بقيام الصغر فيما ليس بتجارة .
( ألا ترى ) أن أحد المتفاوضين لو أقر بالمهر وأرش الجناية يؤاخذ به شريكه بخلاف ما إذا أقر بالدين مطلقا فهذا مثله فالكفالة في حق الصبي بمنزلة المهر وأرش الجناية لأنه ينزع ابتداء بخلاف المفاوض على ما بينا والله أعلم بالصواب