قال - C - : ذكر عن يزيد بن عبدالله بن قصيط قال ابتعت أمة فأبت بعض القبائل فانتمت إلى بعض قبائل العرب فتزوجها رجل من بني عذرة فنثرت له ذا بطنها ثم جاء مولاها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب - Bه - فقضى بها لمولاها وقضى على أن الوالد أن يفدي الأولاد الغلام بالغلام والجارية بالجارية .
وفي هذا دليل أن ولد المغرور يكون حرا بعوض يأخذه المستحق من المغرور فأخذ بعض العلماء - رحمهم الله - بظاهره فقالوا : مضمون بالمثل الغلام بالغلام والجارية بالجارية وعندنا هو مضمون بالقيمة وتأويل الحديث ( الغلام بقيمة الغلام والجارية بقيمة الجارية ) والمراد المماثلة في المالية لا في الصورة فإنه ثبت بالنص أن الحيوان لا يكون مضمونا بالمثل كما قال - A - ( في العبد بين اثنين يعتقه أحدهما إن كان موسرا ضمن نصف قيمته نصيب شريكه ) .
وهكذا روي عن عمر - Bه - وهو تأويل حديث علي - Bه - الذي ذكره بعد هذا عن الشعبي - C - ( أن رجلا اشترى جارية فولدت منه فاستحقها رجل ورفع ذلك إلى علي - Bه - فقضى بالجارية لمولاها وقضى للمشتري على البائع أن يفيك ولده بما عز وهان ولم يرد بقوله قضي بأولادها لمولاها أن يسلم الأولاد إليه ) وإنما المراد جعل الأولاد في حقهم كأنهم مملوكين له حيث أوجب له القيمة على المغرور وأضاف ذلك إلى البائع بطريق أن وقد الضمان عليه فإن المشتري يرجع على البائع بما غرم من قيمة الأولاد ومعنى قوله بما عز وهان بالقيمة بالغة ما بلغت وهو الأصل عندنا وفي ولد المغرور فإنه في حق المغرور هو حر الأصل وفي حق المستحق كأنه رقيق مملوك له بملك الأصل وهو الجارية لأنه لا وجه لإيجاب الضمان له إلا هذا فإن الماء غير متقوم ليضمن بالإتلاف وإنما يضمن الملوك بالمنع فيصير المغرور مانعا للولد بما ثبت فيه من الحرية حقا له وهذا لأن النظر من الجانبين واجب والنظر في جانب المغرور في حرية الولد لأنه لم يرض برق مائه والنظر في جانب المستحق في رق الولد لكنه لا يبطل ملكه عما هو جزء من ملكه فيجب ضمان المالية على المغرور يمنعه بعد الطلب ولهذا اعتبر قيمته وقت الخصومة حتى أن من مات من الأولاد قبل الخصومة لم يضمن من قيمته شيئا لأن المنع إنما يتحقق بعد الطلب إذا عرفنا هذا فنقول أمة غرت رجلا فأخبرته أنها حرة فتزوجها على ذلك فولدت ولدا ثم أقام مولاها البينة أنها أمته وقضي بها له فإنه يقضي بالولد أيضا لمولى الجارية لأن استحقاق الأصل سبب لاستحقاق المتولد منه فإنه في حكم الجزء له وقد ظهر هذا السبب عند القاضي ولم يظهر ما يوجب حرية الولد وهو الغرور إلا أن يقيم الزوج بينة أنه تزوجها على أنها حرة .
فإن أقام البينة على هذا فقد أثبت حرية الأولاد فكان الولد حرا لا سبيل عليه وعلى أبيه قيمته وادعى ماله حالا وقت القضاء به دون مال الولد لأن السبب هو المنع وجد من الأب دون الولد ولا ولاء للمستحق على الولد لأنه علق جزء الأصل وإنما قدرنا الرق فيه لضرورة القضاء بالقيمة والثابت بالضرورة لا يعد وموضع الضرورة .
وإن مات الولد قبل الخصومة فليس على الأب شيء من قيمته لأن الولد لو كان مملوكا على الحقيقة لم يكن مضمونا فإن ولد الغصب أمانة عندنا فإن لم يكن مملوكا أولى أن لا يكون مضمونا وإن قبل الابن فأخذ الجارية فعليه قيمته للمستحق الدية بدل نفسه ومنع البدل كمنع الأصل فيتحقق به السبب الموجب للضمان وإن قضي له بالدية فلم يقبضها لم يوجد بالقيمة لأن المنع لا يتحقق فيما لم يصل إلى يده من البدل .
فإن قبض من الدية قد قيمة المقبول قضي عليه بالقيمة للمستحق لأن المنع تحقق بوصول يده إلى البدل ويكون منعه قدر قيمة الولد كمنع الولد في القضاء للمستحق عليه بالقيمة .
فلو كان للولد ولد يحرز ميراثه وديته فخرج من الدية أو دونها قضيت على الأب بمثل ذلك لتحقق المنع في البدل ولا يقضي به في الدية ولا في تركة الابن لأن هذا الضمان مستحق على الأب يمنعه الولد بالحرية وإنما يقضي من تركة الابن ما يقرر دينا على الابن فإن كان الأب ميتا قضي به في تركته لأنه دين على الأب فيستوفي من تركته .
وإن كان على الأب دين خاص مستحق للغرماء بقيمة الولد لأن دينه مثل دينهم .
وإن لم يكن للأب بينة أنه تزوجها على حرة فطلب يمين المستحق على علمه حلفته على ذلك لأنه يدعي ما لو أقر به لزمه فإذا أنكر يستحلف عليه ولكنه استحلاف على فعل الغير وكان على العلم لاعلى البنات .
قال : ( ولو استولدها على شراء أو هبة أو صدقة أو وصية أخذ المستحق الجارية وقيمة الولد ) لأن الموجب للغرور ملك مطلق للاستيلاد له في الظاهر وهو موجود وما هو الظاهر ولو كان حيقة كان الولد حرا فباعتبار الظاهر يثبت حرية الولد أيضا ويرجع الأب على البائع بالثمن وقيمة الولد لأن المبيع لم يسلم له وبعقد المعاوضة استحق سلامتها له سليمة عن العيب ولا عيب فوق الاستحقاق فيكون له أن يرجع بما يغرم بهذا السبب على البائع .
ولا يرجع عليه بالعقر عندنا وعند الشافعي يرجع بالعقر كما يرجع عليه بقيمة الولد لأنه ضمان لزمه بسبب فوت السلامة المستحقة له بالعقد .
ولكنا نقول إنما لزمه العقر عوضا عما استوفى من منافع البضع فلو رجع به سلم المستوفي له مجانا والوطء في ملك الغير لا يجوز أن يسلم للواطئ مجانا ولا يرجع على الواهب والمتصدق والوصي بشيء من قيمة الأولاد عندنا وعند الشافعي له ذلك لأنه الغرور قد تحقق منه بإيجابه الملك له في المحل واختار أنها مملوكته سواء كان بعوض أو بغير عوض .
ولكنا نقول : مجرد الغرور لا يكفي لإثبات حق الرجوع فإن من أخبر إنسانا أن هذا الطريق آمن وسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه لم يرجع على المخبر وإنما ثبوت حق الرجوع باعتبار عقد المعاوضة لأن صفة السلامة تصير مستحقة به فأما بعقد التبرع لا تصير صفة السلامة مستحقة به ولهذا لا يثبت فيه حق الرد بالعيب فلم يكن له أن يرجع على المتبرع بقيمة الأولاد وهذا لأن عقد التبرع لا يكون سببا لوجوب الضمان على المتبرع للمتبرع عليه .
( ألا ترى ) أن الملك لا يحصل به قبل التسليم .
قال : ( وإن كان المشتري باعها من غيره فولدت منه ثم استحقها رجل يرجع المشتري الثاني على بائعه بقيمة الولد وللمشتري الأول أن يرجع على بائعه بالثمن وليس له أن يرجع بقيمة الولد عند أبي حنيفة ) وعند أبي يوسف ومحمد أن يرجع بقيمة الولد على بائعه .
حجتهما في ذلك أن المشتري الأول أوجب الملك فيها للغير فيجعل الاستيلاد على من أوجب له الملك فيها بمنزلة استيلاده بنفسه وهذا لأن الرجوع يفوت صفة السلامة الذي صار مستحقا بالعقد وهذا كما تقرر بين المشتري الأول والثاني فقد تقرر بين المشتري الأول والبائع .
( ألا ترى ) أن المشتري الأول والثاني لو ردها بالعيب كان للمشتري الأول أن يردها على بائعه فكذلك إذا رجع عليه بقيمته وأبو حنيفة - C - يقول أن المشتري الأول إن شاء بإيجابه الملك فيها لغيره بالبيع فرجوع المشتري عليه بما أنشأه من الغرور لا بالغرور الذي سبق من البائع فصار ما أنشأه من الغرور ناسخا لغرور البائع الأول وهو نظير من حفر بئرا على قارعة الطريق فألقي إنسان غيره فيه كان الضمان على الملقي ولا يرجع به على الحافر فهذا مثله .
يوضحه : أن الرجوع بقيمة الولد بمنزلة الخصومة في العيب والمشتري إنما يخاصم البائع في العيب إذا كان المستفاد من قبله فإنما له وهنا قد انفسخ ذلك الملك بملك المشتري الثاني ولم يعد إليه بالرجوع بقيمة الولد عليه بخلاف ما إذا رد عليه بالعيب لأن الملك المستفاد له من جهة البائع قد عاد إليه ونظير هذه المسألة ما ذكر في آخر الصلح أن المشتري الثاني إذا وجد بالمبيع عيبا وقد تعذر رده بعيب حديث عنده ورجع على بائعه بنقصان العيب لم يكن لبائعه أن يرجع بالنقصان على البائع في قول أبي حنيفة لأن المستفاد له من قبله لم يعد إليه وعندهما يرجع على البائع الأول بما غرم للمشتري الثاني من نقصان العيب لأن الرجوع بالنقصان عند تعذر رد العين بمنزلة الرد بالعيب عند الإمكان .
قال : ( رجلان اشتريا جارية فوهب أحدهما نصيبه من شريكه فولدت ثم استحقها رجل فإنه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها ولم يرجع الأب بنصف الثمن ونصف قيمة الولد على البائع ) لأنه يملك نصفها من جهته بحكم المعاوضة والجزء معتبر بالكل ولا يرجع على الواهب بشيء من قيمة الولد لأنه يملك النصف من جهته بعقد التبرع ولكن الواهب يرجع بنصف الثمن على البائع لأن استحقاقها على من استفاد الملك فيها من جهة الواهب يكون استحقاقا على الواهب فيرجع بثمن ما استحق عليه على البائع ولم يغرم الواهب من قيمة الولد شيئا ليرجع به على البائع .
قال : ( ولو كانت أمة بين رجلين فولدت فادعاه أحدهما وغرم نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه ثم استحقها رجل قضي له بها وبقيمة الولد والعقر للمستحق ) لأن الغرور يتحقق بقيام الملك له في نصفها ظاهرا فإن الاستيلاد باعتبار هذا القدر صحيح في إثبات حرية الأصل للولد ثم يرجع على البائع بنصف الثمن ونصف قيمة الولد لما بينا ويرجع على شريكه بما أعطاه من نصف قيمتها ونصف عقرها لأنه تبين أنه لم يتملك على شريكه نصيبه ولم يحصل وطؤه في ملكه ولا يرجع على شريكه بشيء من قيمة الولد لأنه ما كان مغرورا من جهة شريكه فإن تملكه على شريكه ما كان باختيار منه ويرجع الشريك على بائعه بنصف الثمن لاستحقاق المبيع عليه .
قال : ( وإذا تزوج المكاتب أو العبد امرأة حرة بإذن مولاه فولدت له ثم استحقت وقضي بها للمستحق فالولد رقيق في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر ) وفي قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد - رحمهما الله - حر بالقيمة وهي مسألة كتاب النكاح أن العتق بسبب الغرور عند محمد وذلك متحقق في حق العبد كما هو في حق الحر .
وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - المخلوق من ماء رقيقين لا يكون حرا وقد بينا بعض هذا فيما سبق .
قال وكذلك إذا صار المكاتب مغرورا بالشراء فهو على هذا الخلاف إلا أن عند محمد هناك الولد يكون حرا وهنا يكون بمنزلة أبيه مكاتبا .
قال : ( رجل اشترى أم ولد لرجل أو مكاتبة أو مدبرة من أجنبي فوطئها فولدت ثم استحقها مولاها قضي له بها وعلى أب الولد قيمة الولد لمولى المدبرة وأم الولد بسبب الغرور ولا يقال ولد أم الولد لا مالية فيه عند أبي حنيفة - C - كأمه فكيف يضمن بالغرور ) لأن هذا بعد ثبوت أمية الولد ولم يثبت في الولد لأنه علق حر الأصل فلهذا كان مضمونا بالقيمة على الأب قيمة الولد للمكاتبة .
قال : لأن الذي غره منها وإنما أراد به أنه إذا كان الغرور منها لا يستوجب قيمة الولد وفيه قولان لأبي يوسف معروف في كتاب العتاق فأما إذا كان الغرور من غيرها وجب على الأب قيمة الولد ويكون ذلك للمكاتبة لأنها كانت أحق بولدها لكونه جزءا منها فكذلك ببدل ولدها .
قال : ( ولو ادعت أمة أن ولدها من مولاها وأنه أقر بذلك وأرادت يمينه فلا يمين على المولى في ذلك في قول أبي حنيفة - C - ) وعندهما عليه اليمين وهذه من المسائل المعدودة فإن أبا حنيفة - C - لا يرى الاستحلاف في النكاح والنسب والرجعة والنفئ ؟ ؟ في الإيلاء والرق والولاء لأن النكول عنده بمنزلة البدل فما لا يعمل فيه البدل لا يجري فيه الاستحلاف .
قال : ( ولو ادعت أمة أن ولدها من مولاها وأنه أقر بذلك وأرادت يمينه فلا يمين على المولى في ذلك في قول أبي حنيفة - C - ) وعندهما عليه اليمين وهذه من المسائل المعدودة فإن أبا حنيفة - C - لا يرى الاستحلاف في النكاح والنسب والرجعة والنفئ ؟ ؟ في الإيلاء والرق والولاء لأن النكول عنده بمنزلة البدل فما لا يعمل فيه البدل لا يجري فيه الاستحلاف .
وعندهما النكول بمنزلة الإقرار ولكن فيه ضرب شبهة فكل ما يثبت بالشبهات يجري فيه الاستحلاف والقضاء بالنكول وهي مسألة كتاب النكاح وهنا دعواه على المولى دعوى النسب فلهذ قال أبو حنيفة : لا يستحلف وكذلك لو ادعت أنها أسقطت من المولى سقطا مستبين الخلق لأن حق أمية الولد لها تبع لنسب الولد فكما لا يستحلف المولى عند دعوى النسب فكذلك في دعوى أمية الولد عنده وعندهما يستحلف في ذلك كله لأنه مما يثبت مع الشبهات .
قال : ( ولو ادعت أمة أن ولدها من مولاها وأنه أقر بذلك وأرادت يمينه فلا يمين على المولى في ذلك في قول أبي حنيفة - C - ) وعندهما عليه اليمين وهذه من المسائل المعدودة فإن أبا حنيفة - C - لا يرى الاستحلاف في النكاح والنسب والرجعة والنفئ ؟ ؟ في الإيلاء والرق والولاء لأن النكول عنده بمنزلة البدل فما لا يعمل فيه البدل لا يجري فيه الاستحلاف .
قال : ( مكاتب أو عبد مأذون باع أمة فاستولدها المشتري ثم استحقت رجع أب الولد بقيمة الولد على بائعه ) لأن الرجوع بقيمة الولد لاستحقاق صفة السلامة له بعقد المعاوضة على البائع والمكاتب والمأذون في هذا كالحر لأن ضمان التجارة بمنزلة الرد بالعيب والرجوع بنقصان العيب عند تعذر الرد عليه .
قال : ( رجل ورث أمة من أبيه فاستولدها ثم استحقت كان الولد حرا بالقيمة ) لتحقق الغرور في حق الوارث فإنما استولدها على أنها مملوكة إذا لم يكن عالما بكونها مستحقة ثم يرجع بالثمن وبقيمة الولد على الذي كان باعها من المورث لأنه يخلف المورث في ملكه فإنما يصل إليه الملك الذي كان لمورثه لا أن يكون ذلك ملكا جديدا له .
( ألا ترى ) أنه يرده بالعيب ويكون فيه كالمورث فكذلك الرجوع بسبب الغرور وهذا بخلاف الموصي له ثم استولدها ثم استحقت لا يرجع على بائع الموصي له بعقد متجدد وذلك الملك غير الملك المستفاد من البائع ببيعه ولهذا لا يرده عليه بالعيب فكذلك لا يرجع عليه بضمان الغرور .
قال : ( رجل أقر في مرضه أن هذه الجارية وديعة عنده لفلان وعليه دين يحيط بماله أو ليس عليه دين فاستولدها الوارث بعد موته وقد علم بإقرار الأب ثم استحقت ببينة فإنه يقضي للمستحق بها وبولدها مملوكين له ) لأن الوارث غير مغرور هنا فإنه أقدم على استيلادها مع علمه أنها غير مملوكة له لأنها لم تكن مملوكة لمورثه فصار راضيا برق مائه وكان الوالد ملكا للمستحق .
وإن لم يقر المريض بها لغيره وكان عليه دين يحيط بماله فاستولدها لوارث قيمة الولد والعقر لأنه بمنزلة المغرور فيها فإن الاختلاف بين العلماء - رحمهم الله - ظاهر في وقوع الملك للوارث في التركة المستغرقة بالدين فمن يقول لا يملك يقول سبب الملك له فيها تام حتى يملك استخلاصها لنفسه بقضاء الدين من موضع آخر ولو أعتقها ثم سقط الدين نفذ عتقه .
ولو كانت أمه فتزوجها لم يصح النكاح فعرفنا أن الغرور قد تحقق فكان ولده حرا بالقيمة وتباع الأمة في الدين أن استغرقت التركة بالدين ينع عتق الوارث فيها فكذلك يمنع ثبوت حق الحرية من جهة الوارث فيها ووجوب العقر عليه لأن هذا وطء حصل في غير ملكه وقد سقط الحد لشبهة فيغرم العقر .
فإن أقام رجل البينة أنها له قضيت بها له وبقيمة الولد والعقر لما بينا ولو كانت الأمة للميت وعليه دين لا يحيط بقيمتها فوطئها الوارث فولدت منه وضمن قيمتها وعقرها لأن الدين إذا لم يكن محيطا بالتركة لا يمنع ملك الوارث فيصح استيلاده فيها ولكن حق الغريم مقدم على حقه ويغرم قيمتها لحق الغريم لأنه صار مستهلكا لماليتها على الغريم بالاستيلاد قال ويغرم عقرها .
قال عيسى - C - : هذا غلط فإن الاستيلاد حصل في ملكه فلا يكون موجبا للعقر عليه إذا كان في قيمتها وفاء بالدين وزيادة فلم يغرم العقر ولماذا يغرم .
ولكنا نقول : تأويل المسألة أن الورثة كانوا عددا فكان هذا استيلاد الشركاء للجارية المشتركة وهو موجب للعقر والقيمة باعتبار ملك الشركاء وفي بعض الروايات وهو قول بشر يقدر الدين ولا يصير ملكا للوارث أيضا فلهذا لزمه قيمتها وعقرها يقضي من ذلك الدين أولا وما بقي فهو ميراث بين الورثة يسقط عنه من ذلك بقدر حصته ولا يضمن قيمة الولد هنا لأنها بمنزلة الجارية المشتركة وقد بينا أن أحد الشركاء إذا استولد الجارية المشتركة لم يغرم من قيمة الولد شيئا .
قال : ( رجل اشترى جارية مغصوبة وهو يعلم أن البائع غاصب أو تزوج امرأة أخبرته أنها حرة وهو يعلم أنها كاذبة فاستولدها كان الولد رقيقا ) لانعدام الغرور حين كان عالما بحقيقة الحال ولأنه رضي برق مائه حين استولدها مع علمه أنها مملوكة لغيره .
ولو اشتراها من رجل وهو يعلم أنها لغيره فقال البائع أن صاحبها وكلني ببيعها أو مات وقد أوصى إلي فاستولدها ثم جاء صاحبها وأنكر الوكالة والوصايا فإنه يأخذها جاريته لأن ملكه فيها معلوم وإذنه في بيعها لم يصح حين أنكره ويأخذ عقرها وقيمة ولدها لأن الغرور قد تحقق بما أخبره البائع به فإن ما أخبر به لو كان حقا كانت هي مملوكة للمشتري فهذا وقوله أنها ملكي سواء في أنه يلتزم سلامتها له .
فإذا غرم قيمة الولد رجع به على البائع مع الثمن لأنه لم يسلم له ما التزم ولو اشترى الوكيل لموكله جارية فاستولدها الموكل ثم استحقت أخذها الموكل المستحق وعقرها وقيمة ولدها من المستولد ويرجع بالثمن وقيمة الولد على البائع والوكيل هو الذي يلي خصومته في ذلك لأن البائع التزم بالعقد صفة السلامة والوكيل له اليد .
( ألا ترى ) أن الخصومة في العيب للبائع دون الموكل فكذلك الخصومة في الرجوع بالثمن وقيمة الولد على الوكيل .
فإن قال البائع لم أبع من أب الولد شيئا أو قال لم أشتر هذا مني له فأقام الوكيل البينة أنه اشتراها لفلان بأمره فالثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم .
وإن لم يشهدوا بأمره ولكن شهدوا على إقرار المشتري أنه اشتراها لفلان بماله فإن كان إقراره بهذا قبل الشراء وشهد الشهود بذلك فهو وما سبق سواء لأنا لو سمعنا إقراره في ذلك الوقت كان الشراء موجبا الملك للموكل فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة وإن شهدوا أنه أقر بذلك بعد الشراء قبل أن تلد وبعده لم يصدق على البائع لأن شراءه موجب الملك له فكل أحد عامل لنفسه بتصرفه حتى يقوم الدليل على أنه يعمل لغيره بإقراره بعد ذلك في حق البائع بمنزلة الإيجاب المبتدأ لأنه غير مصدق في هذا الإقرار في حقه .
ولو ملكه ابتداء من هذا المستولد لم يكن له خصومة مع البائع في الرجوع بقيمة الولد عليه بعد ذلك فكذلك هنا .
ولو استولد جاريته فاستحقها رجل فقال المستولد اشتريتها من فلان بكذا وصدقه فلان وكذبهما المستحق فالقول قول المستحق لأن سبب ملك الولد ظاهر وهو استحقاق الجارية والآخران يريدان إبطال ملكه في الولد بقولهما فلا يصدقان على ذلك ولكن يحلف المستحق بالله ما يعلم أنه اشتراها منه لأنه لو أقر بذلك كان الولد حرا .
فإذا أنكر يستحلف عليه ولو أنكر البائع وصدقه المستحق فالولد حر لإقرار المستحق بحريته على الأب قيمته لإقراره على نفسه بالقيمة للمستحق ولا رجوع لهما على البائع لأن قولهما ليس بحجة عليه .
ولو أنكر البائع والمشتري وأقر به المستحق عتق الولد بإقراره لأنه ملكه في الظاهر ولا قيمة له على الأب لأنه مدع لنفسه عليه بالقيمة فلا يستحقه إلا بحجة .
قال : ( رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوي ألفي درهم فاستولدها المضارب ثم استحقت فالولد حر بالقيمة ) لأن المضارب كان مالكا نصفها في الظاهر قدر حصته من الربح فيتحقق الغرور بسبب ثم يرجع المضارب على البائع بالثمن فيكون على المضاربة كما كان ويرجع عليه أيضا بربع قيمة الولد لأن رجوعه باعتبار ملكه الظاهر وذلك كان بقدر الربع فيرجع به على البائع ويكون ذلك له خاصة ولا يكون على المضاربة لأنه عوض عما أدى والمؤدي لم يكن من مال المضاربة .
ولو لم يكن في الأم فصل أحد المستحق الولد مع الأم ولم يثبت نسبه من المضارب لأنه استولدها ويعلم له أنه لا يملك شيئا منها فكان لا يثبت به النسب والولد رقيق لانعدام التوارث حين كان عالما بحالها .
وإن كان هو الذي استولدها فإن لم يكن فيها فصل كان الولد حرا وعليه قيمته للمستحق لأنها مملوكة لرب المال في الظاهر والمضارب اشتراها له بأمره فهذا وفصل الوكيل سواء فيكون الولد حرا بالقيمة ويرجع على البائع بالثمن وقيمة الولد والذي يلي خصومة البائع في ذلك المضارب فيكون الثمن على المضاربة وقيمة الولد على رب المال .
وإن كانت الجارية تساوي ألفين فالرجوع على البائع بثلاثة أرباع قيمة الولد لأن المملوك للمستولد من جهته كان هذا المقدر وهو قدر رأس المال وحصته من الربح فإنما يرجع بهذا القدر من قيمة الولد فيكون لرب المال خاصة ويرجع بالثمن فيكون على المضاربة .
قال : ( رجلان اشتريا من وصي يتيم أمة فاستولدها أحدهما ثم استحقت قضي له بها وبقيمة الولد على الأب ويرجع الأب بنصف تلك القيمة على الوصي ) لأنه يملك نصفها من جهة الوصي ببيعه فبقدره يرجع عليه من قيمة ولدها ثم يرجع به الوصي في مال اليتيم لأنه كان عاملا لليتيم في ذلك فإذا لحقه عهدة يرجع به عليه وكذلك لو كان البائع أب الصبي فهو والوصي في حكم الرجوع سواء .
وكذلك لو كان البائع وكيلا أو مضاربا إذا كان في المضاربة فصل لم يرجع على رب المال من قيمة الولد إلا بقدر رأس المال وحصته من الربح لأن في ذلك القدر عامل له وفي حصة نفسه من الربح عامل لنفسه فلا رجوع به له على رب المال .
قال : ( ولو كفل رجل للمشتري بما أدركه من درك لم يرجع المشتري على الكفيل بقيمة الولد ) لأن هذا ليس بدرك في الجارية إنما يفوت بهذا ما التزم بصفة السلامة فكان بمنزلة عيب يجده بها فيردها وهناك لا يرجع على الكفيل بشيء كذلك هنا لا يرجع على الكفيل بشيء من قيمة الولد .
قال : ( وإذا غرت الأمة من نفسها رجلا أخبرته أنها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه واستولدها ثم استحقت رجع أب الولد بالثمن وقيمة الولد على البائع دون الأمة ) لأن الرجوع باعتبار التزام صفة السلامة بعقد المعاوضة والبائع هو الذي التزم ذلك للمشتري دون الأمة إنما الأمة أخبرته بخبر كذب ومجرد هذا الخبر لا يلزمه ضمان قيمة الولد كما بيناه .
قال : ( حرة ولدت ولدين في بطن واحد وكبرا واكتسبا مالا ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم جاء رجل وادعى أنه زوج المرأة وأنهما إبناه فأقرت المرأة بذلك جحد الابن الباقي وابن الابن فإن الرجل والمرأة يصدقان على أنفسهما دون غيرهما فيثبت النكاح بينهما بتصادقهما ويدخل في نصيب المرأة من الميراث ) لإقرارهما أنهما يستويان في ذلك فإن من ترك أبوين وابنا فللابوين السدسان فلهذا قسم ما في يدها بينهما نصفان فإن أقر ابن المرأة بدعوة الرجل ثبت نسبه بإقراره ومن ضرورة ثبوت نسبه ثبوت نسب الآخر لأنهما توأم فيثبت نسبهما ولكنه لا يرث بهذا مع ابن الميت شيئا لأن الابن الباقي غير مستحق لشيء من ميراث الميت فتصديقه في حكم الميراث وتكذيبه سواء لأن الميراث مال ينفصل عن النسب في الاستحقاق ثبوتا وسقوطا .
( ألا ترى ) أن عبد الرق واختلاف الدين والنسب ثابت ولا ميراث .
وإذا أقر أحد الأخوين بأخ آخر فالشركة في الميراث ثابتة ولا نسب وما كان طريق ثبوته الضرورة فالمعتبر فيه الجملة فإذا كان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر في الجملة لم يستحق الميراث بإقراره وإن ثبت نسبه .
وإن أقر ابن الميت بدعوة الرجل وقد احتلم ثبت نسبهما جميعا منه لأنه في هذا التصديق قائم مقام أبيه وثبوت نسب أخيه يقضتي ثبوت نسب الآخر ضرورة ويرث معه الرجل لأن الحق في الميراث له وقد أقر بأن سدسا من الميراث وهو خمس ما في يده للأب فيؤمر بتسليمه إليه .
قال : ( ولو أن أمة ولدت ولدين في بطن واحد فاشترى رجل أحدهما وأعتقه ثم مات المعتق فورثه مولاه ثم اشترى رجل آخر الابن الباقي مع أمه فادعى أنه ابنه ثبت نسبه منه وإن كان كبيرا لا يقر بذلك إلا عبد له فلا حاجة إلى تصديقه في إثبات النسب منه ويثبت نسب ولد الميت أيضا منه ولا يكون له الميراث الذي أخذه المولى ) لما بينا أنه ليس من ضرورة ثبوت النسب استحقاق المال وإنما أورد هذا الفصل إيضاحا لما سبق فإنا لو قلنا يستحق المال على المولى بهذا الطريق كان يقدر كواحد على إبطال حق المولى عن الميراث المستحق له بأن يشتري الابن الآخر فيدعي نسبه وهذا بعيد وفيه من الضرورة ما لا يخفى فقلنا لا يستحق المال وإن ثبت نسب الآخر منه ضرورة والله أعلم بالصواب .
( قال ) الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي - C - إملاء : اعلم بأن الإقرار خير متمثل متردد بين الصدق والكذب فكان محتملا باعتبار ظاهره والمحتمل لا يكون حجة ولكنه جعل حجة بدليل معقول وهو أنه ظهر رجحان جانب الصدق على جانب الكذب فيه لأنه غير متهم فيما يقر به على نفسه ففي حق الغير ربما تحمله النفس الامارة بالسوء على الإقرار به كاذبا وربما يمنعه عن الاقرار بالصدق وفي حق نفسه النفس الامارة بالسوء على الإقرار به كاذبا وربما ينفعه عن الإقرار بالصدق وفي حق نفسه النفس الإمارة بالسوء لا تحمله على الإقرار بالكذب وربما يمنعه على الإقرار بالصدق فلظهور دليل الصدق فيما يقر به على نفسه جعل إقراره حجة وإليه أشار الله تعالى في قوله : { بل الإنسان على نفسه بصيرة } ( القيامة : 14 ) قال ابن عباس - Bهما - أي شاهد بالحق وادليل على أنه حجة شرعا قوله تعالى : { وليملل الذي عليه الحق } ( البقرة : 282 ) فأمر من عليه الحق بالإقرار بما عليه دليل واضح على أنه حجة والنهي عن الكتمان في قوله تعالى : { وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا } ( البقرة : 282 ) دليل على أن إراره حجة كما أن الله تعالى لما نهى عن كتمان الشهادة كان ذلك دليلا على أن الشهادة حجة في الأحكام ورجم رسول الله - A - ماعزا - Bه - حين أقر على نفسه بالزنى وقال A في حديث العسف : ( واغد يا أنيس إلى امرأة هذه فإن اعترفت فارجمها ) فيكون الإقرار حجة في الحدود التي تندرئ بالشبهات دليل على أنه حجة فيميا لا يندرئ بالشبهات بالطريق الأولى ثم الإقرار صحيح بالمعلوم والمجهول بعد أن يكون المعلوم لأنه إظهار لما عليه من الحق وقد يكون ما عليه مجهولا فيصح إظهار بالمجهول كالمعدوم بخلاف الشهادة فإن أداء الشهادة لا تكون إلا بعد العلم بالمشهود به . قال الله تعالى : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } ( الزخرف : 86 ) وقال A للشاهد ( إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع ) فمع الجهل لا حجة إلى الشهادة بل هو ممنوع عن أدائها فأما من عليه الحق محتاج إلى إظهار ما عليه بإقراره معلوما كان عنده أو مجهولا فقد يعلم أصلب الوجوب ويجله قدر الواجب وصفته ولهذا صح إقراره بالمجهول ولأن الشهادة لا توجب حقا إلا بانضمام القضاء إليها والقاضي لا يتمكن من القضاء إلا بالمعلوم فأما الإقرار موجب بنفسه قبل اتصال القضاء به وإذا احتمل بالمجهول أمكن إزالة الجهالة بالإجبار على البيان فلهذا صح الإقرار ولهذا لا يعمل بالرجوع عن الإقرار ويعمل بالرجوع عن الشهادة قبل اتصال القضاء بها .
إذا عرفنا هذا فنقول : رجل قال غصبت من فلان شيئا فالإقرار صحيح ويلزمه ما بينة ولا بد من تبيين أي شيء هو لأن الشيء حقيقة اسم لما هو موجود مالا كان أو غيره إلا أن لفظ الغصب دليل على المالية فيه فالغصب لا يرد إلا على ما هو مال وما ثبت بدلالة اللفظ فهو كالملفوظ كقوله اشتريت من فلان شيئا يكون إقرارا بشراء ما هو مال لأن الشراء لا يتحقق إلا فيه .
ولا بد من أن يبين ما لا يجري فيه التمانع بين الناس حتى لو فسره بحبة حنطة لم يقبل ذلك منه لأن إقراره بالغصب دليل على أنه كان ممنوعا منه من صاحبه حتى غلب عليه فغصبه وهذا مما يجري فيه التمانه فإذا تبين شيئا بهذه الصفة قبل بيانه لأن هذا بيان مقرر لأصل كلامه .
وبيان التقرير صحيح موصولا أو مفصولا فإن ساعده المقر على ما بينه أخذ وإن ادعى غيره فالقول قول المقر مع يمينه لأنه حرج عن موجب إقراره بما بين فإذا كذبه المقر له فيه صار رادا إقراره بنفي دعواه شيئا آخر عليه وهو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه ويستوي إن بين شيئا يضمن بالغصب أو يضمن بعد أن يكون بحيث يجري فيه التمانع حتى المغصوب فالقول قوله مع يمينه وكذلك إن بين أن المغصوب دار فالقول قوله .
وإن كانت الدار لا يضمن بالغصب عند أبي حنيفة - C - واختلف المشايخ - رحمهم الله - فيما إذا بين المغصوب زوجته أو ولده الصغير .
فمنهم من يقول : بيانه مقبول لأنه موافق لمبهم كلامه فإن لفظ الغصب يطلق على الزوج والولد عادة والتمانع فيه يجري بين الناس أكثر مما يجري في الأموال وأكثرهم على أنه لا يقبل بيانه بهذا لأن حكم الغصب لا يتحقق إلا فيما هو مال فبيانه ما ليس بمال يكون إنكار الحكم الغصب بعد إقراره بسببه وذلك غير صحيح منه وفرق بين هذا وبين الخلع فإن من خالع امرأته على ما في بيتها من شيء فإنه ليس في البيت شيء كالخلع مجازا وله أن يجعل تسمية الشيء فيه دليلا على المالية بخلاف تسيمة المتاع لأن الخلع من أسباب الفرقة والفرقة قد تكون بغير بدل في العادة فلا يكون فيما صرح دليلا على المالية في الشيء المذكور فأما الغصب لا يطلق في العادة إلا فيما هو مال ولا يثبت حكمه شرعا إلا فيما هو مال فالتنصيص عليه دليل على المالية في الشيء المذكور والعصر قبل الخمر كان مالا فسد تقومه بالتخمر شرعا وصار المسلم ممنوعا من تموله من غير انعدام أصل المالية فيه .
( ألا ترى ) أنه بالتخلل يصير مالا متقوما وهو ذلك الغير فلهذا صح بيانه ثم الخمر محل لحكم الغصب ولهذا كان غاصب الخمر من الذمي ضامنا لهذا قبل بيانه .
وكذلك لو أقر أنه غصب عبدا فهذه الجهالة دون الأول لأن جنس المقر به صار معلوما هنا ثم التوسع في الإقرار أكثر منه في الخلع والصلح عن دم العمد والنكاح وتسمية العبد مطلقا صحيح في هذه العقود ففي الإقرار الأول أن في هذه العقود ينصرف إلى الوسط لأنه عقد معاوضة فيجب النظر فيه من الجانبين وذلك بتعين الوسط الذي هو فوق الوكس ودون الشطط والإقرار لا يقابله شيء فلا يتعين فيه الوسط بل يكون المقر فيه مقبولا إذا لم يخالف ما يلفظ به سواء بين الرديء أو المعيب فاسم العبد أولى .
توضيح الفرق أن الغصب فعل يستدعي محلا هو مفعول به ولأن يستدعي صفة السلامة فيه ومن حيث العادة أيضا ليس للغاصبين اختيار الوسط والتسليم وإنما يغصب الغاصب ما يقدر عليه فأما في عقود المعاوضات لها موجب شرعا في اقتضاء صفة السلامة وكذلك للناس عادة في إيراد عقد المعاوضة على التسليم دون المعيب فلهذا يصرف مطلف العقد فيه إلى التسليم فإن كان العبد الذي بعينه منصوبا في يده قائما رده وإن كان هالكا فعليه قيمته لأن ضمان الأصل في الغصب رد العين قال A : ( على اليد ما أخذت حتى ترد ) وإنما يصار إلى القيمة عند عدم رد العين ليكون خلفا عن الضمان الأصلي وسميت قيمة لقيامها مقام العين فإن وقعت المنازعة بينهما في مقدار القيمة فالقول قول المقر لإنكاره الزيادة مع يمينه .
وكذلك لو أقر بغصب شاة أو بقرة أو ثوب أو عرض وكذلك لو أقر أنه غصبه دار فالقول قوله في تعيينها سواء عينها في هذه البلدة أو في بلدة أخرى لأن الدار اسم لما أدير عليه الحائط وذاك لا يختلف باختلاف البلدان فكان بيانه مطابقا للفظه ولو قال هي هذه الدار التي في يد هذا الرجل وذو اليد منكر يقول الدار داري فالقول في تلك الدار قول ذي اليد لأن دعوى المقر أنها لغيره كدعواه أنها له فلا يصدق في ذلك بغير حجة لكنه خارج عن عهدة إقراره بما بين فإن بيانه مطابق للفظه لأن ما في يد الغير مال محل للغصب ثم لا يضمن المقر شيئا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر وفي قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد - C - يصير ضامنا لقيمتها لأنه أقر ببعضها ومن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر أن العقار لا يضمن بالغصب وهي مسألة معروفة في كتاب الغصب .
ولو قال غصبته هذه الأمة أو هذا العبد فادعاهما جميعا المقر له فإنه يقال للغاصب قر بأيهما شئت وتخلفت عن الآخر لأنه أدخل حرف أو في موضع الإثبات فيتناول بعض المذكورين .
فإذا أقر بأحدهما خرج به عن عهدة ذلك الإقرار وقد صدقه المقر له في ذلك حين ادعاهما جميعا فيأخذ المقر له ذلك الشيء عينه وتبقي دعواه الآخر في يده فيكون القول الآخر قول المنكر مع يمينه .
وإن ادعى المقر له أحدهما بعينه لم يستحق ذلك إذا زعم المقر أن المغصوب هو الآخر لأنه أقر بغصب في منكر ولأن ادعاء المقر له معين والمعين عند المنكر فلم يتناول إقراره هذا المحل بعينه فلا يستحق به ثم هو بالتعيين قصد إبطال حق البيان الثابت للمقر فإنه هو المبهم ومن أبهم شيئا فإليه بيانه وهو لا يملك إبطال الحق الثابت له .
فإن بين المقر الآخر صح بيانه لأنه موافق لمبهم كلامه ولكن المقر له كذبه في ذلك والإقرار يرتد بالرد فيبطل إقراره به بنفي دعوى المقر له الآخر عليه وهو جاحد فالقول قوله مع يمينه .
ولو أقر أنه غصب هذا العبد من هذا أو من هذا وكل واحد منهما يدعيه .
فإن اصطلحا على أخذه أخذه وإن لم يصطلحا استحلف كل واحد منهما أو لا نقول فرق بين هذا والأول فقال هناك يقال له قر بأيهما شئت واحلف على الآخر وهو لا يقال له قر لأيهما شئت وأحلف للآخر لأن هناك الإقرار صحيح ملزم فإن المستحق معلوم إنما الجهالة في المستحق فيمكن إجباره على البيان لما صح إقراره وهنا إقرار غير صحيح لأن المقر له مجهول وجهالة المقر له تمنع صحة الإقرار لأن الحق لا يثبت للمجهول ولأن المغصوب عند الغصب قد بينه حاله على الغاصب أنه عبد أو أمة ولكن المغصوب منه لا يشتبه عليه عداة فلم يكن إقراره للمجهول حجة تامة في الاستحقاق حتى يجبر على البيان .
ولكنهما إن اصطلحا على أن يأخذه أمر بالتسليم إليهما لأن المغصوب جهالة من يجب عليه تسليمه إليه وقد يزال ذلك باصطلاحهما فإن أحدهما مالك والآخر نائب عنه وكما يؤمر الغاصب بالرد على نائبه ولأنه كان مقرا أنه لا حق له في العبد منهما فإن الحق فيه لا يعدوهما وإنما لم يصح إقراره في التزام التسليم إلى أحدهما بعينه فلا يجبر على البيان لأن ذلك غير ثابت بإقراره فإذا اصطلحا فقد ثبت بإقراره أن المستحق منهما يأمره بالتسليم إليه .
فإن لم يصطلحا استحلف لكل واحد منهما بعينه لأن كل واحد منهما يدعي الحق لنفسه عينا وهو لم يقر بذلك وإنما أقر لمنكر منهما والمنكر في حق المعين كالمعدوم وللقاضي الخيار في البداية بالاستحلاف لأيهما شاء .
وقيل : هذا بالاستحلاف لمن سبق بالدعوى .
وقيل : يقرع بينهما تطمينا لقلوبهما فإن نكل عن اليمين أحدهما يأمره بالتسليم إليه ما لم يحلفه الآخر بخلاف ما إذا أقر لأحدهما بعينه فإنه يأمره بالتسليم إليه لأن الإقرار موجب الحق لنفسه فأما النكول لا يوجب الحق إلا بقضاء القاضي والقاضي لا يقضي إلا بعد النظر لكل قسم ومن حجة الآخر أن يقول القاضي إنما نكل له لأنك بدأت بالاستحلاف له .
ولو بدأت بالاستحلاف لي لكان ينكل لي وفي الإقرار لا يمكن الآخر أن يحتج بمثل هذا وقد زعم أن المقر له أحق بالعين منه فيأمره بالتسليم إليه فإن حلف لأحدهما ونكل للآخر قضى القاضي به للذي يحل له لأنه حق من حلف له وقد انتفى يمينه ما لم يأت بحجة ولا حجة له ونكوله في حق الآخر قائم مقام إقراره فيأمره بالتسليم إليه .
وإن نكل لهما قضي القاضي بالعبد بينهما وبقيمته أيضا بينهما لأن بنكوله صار عقرا له وغصب من كل واحد منهما جميعه وما لو قدر إلا على النصف يرده على كل واحد منهما وليس أحدهما أولى به من الآخر فيلزمه رد نصف القيمة على كل واحد منهما اعتبارا للجزء بالكل إذا تعذر رده .
ولو حلف لهما لم يكن لهما عليه شيء لأن حق كل واحد منهما قد انتفى يمينه إلى أن يجد الحجة فإن أراد أن يصطلحا بعد ذلك لم يكن لهما ذلك في قول أبي يوسف - C - الآخر .
وكان يقول أولا : لهما ذلك وهو قول محمد - C .
وجه قوله الأول : أن حق الأخذ عند الاصطلاح ثبت لهما بهذا الإقرار بدليل أنهما لو اصطلحا قبل الاستحلاف فإن لهما أن يأخذاه والحق الثابت بالإقرار لا يبطل باليمين والمعنى الذي فات لهما أن يأخذاه قبل الاستحلاف إذا اصطلحا على أن أحدهما مالك والآخر نائب عنه وهذا موجود بالاستحلاف ولأن الاستحلاف هو غير محل للإقرار لأن الإقرار كان لأحدهما بغير عينه والاستحلاف كان استحقاق كل واحد منهما بعينه فلا يتغير به حكم ذلك الإقرار فالقاضي يتيقن أنه صادق في يمينه أو كاذب ولا تأخير لليمين الكاذبة في إبطال الاستحقاق .
وجه قول أبي يوسف الآخر - C - أن يمين المقر يبطل حق من حلف له كما لو حلف لأحدهما يبطل حقه ومزاحمته ثم التفقه فيه من وجهين : .
أحدهما : أن أصل الإقرار وقع فاسدا لجهالة المقر له لما بينا أن الغصب يوجب رد العين والمستحق للرد عليه بهذا الإقرار غير معلوم أو كان الإقرار فاسدا ولكن أراد منعه العباد برفع المفسد بالاصطلاح ممكن فإن أزال ذلك قبل تقرر لفساد صح الإقرار وأمر بالتسليم إليهما .
وإن تقرر الفساد بقضاء القاضي لا يمكن إزالته بعد ذلك برفع كالبيع الفساد بخيار مجهول أو بعمل مجهول إذا تقررت صفة الفساد بالقضاء وهنا لما استخلفه القاضي لكل واحد منهما فقد حكم بفساد ذلك الإقرار فلا ينقلب صحيحا بعد ذلك باصطلاحهما .
( الثاني ) : أن لكل واحد منهما لما طلب يمينه فقد عاملة المنكرين فصار راد الإقرار يرتد برد المقر له فلم يبق لهما حق الاصطلاح بعد ذلك بخلاف ما قبل الاستحلاف والثابت بالإقرار أحد الأمرين إما الاصطلاح أو الاستحلاف فكما لو أقر على الاصطلاح كانا قابلين لإقراره فلا يبقى لهما حق الاستحلاف بعد ذلك .
فكذلك لو أقر على الاستحلاف كانا رادين لإقراره فلا يبقى لهما حق الاصطلاح بعد ذلك وقوله الاستحلاف في غير محل لإقراره قلنا محل الإقرار لا يعدوهما فإذا وجد الاستحلاف منهما فقد تيقن بوجوده ممن وقع الإقرار له فكان ذلك مبطلا لحق الإقرار .
ولو قال غصبت العبد من هذا لا بل من هذا فهو للأول وللآخر قيمته لأن كلمة لا بل للاستدراك بالرجوع عن الأول وإقامة الثاني مقامه إثبات والرجوع عما أقر به للأول باطل وإثبات ما أقر به للأول في حق الثاني صحيح فيبقى العبد مستحقا للأول بصدر كلامه وقد صار مقرا ببعضه من الثاني وهو عاجز عن رد عينه حين سلمه إلى الأول بحكم الحاكم فكان عليه للثاني قيمته .
والدليل على أنه كلمة ( لا بل ) موضوعة لما قلنا مثل قول الرجل جاءني زيد لا بل عمر ويفهم منه الأخبار بمجيء زيد وهو بخلاف ما لو قال هذا العبد لفلان بل لفلان حيث يؤمر بتسليمه إلى الأول ولا شيء للثاني عليه لأنه ما أقر على نفسه بفعل موجب للضمان في حق الثاني إنما شهد له بالملك فيما صار مملوكا لغيره بصدر كلامه والشاهد بال