قال - C - ( أمة ادعت أنها ولدت من مولاها وأقامت البينة وأقام آخر البينة أنه اشتراها من مولاها أخذ بينة الولادة ) لأن فيه إثبات حق الحرية لها وحق الحرية كحقيقة الحرية فإذا اقترن بالشراء منع صحة الشراء وإن كان المشتري قد قبضها فالجواب كذلك لأن بينة الولادة سابقة معنى فإن ثبوت أمية الولد لها من وقت العلوق وذلك كان سابقا على الشراء والقبض ولأن في هذه البينة زيادة إثبات نسب الولد وحريته وإن وقتت بينة المشتري وقتا للشراء قبل الحبل بثلاث سنين أجزت الشراء وأبطلت النسب لأنه ثبت الملك فيها للمشتري من وقت الذي أرخ شهوده فتبين أنه استولد مالا يملكه فلهذا لا يثبت النسب وكذلك الوقت في البيع والعتق والتدبير يؤخذ بالوقت الأول لأنه لا مزاحمة للآخر معه في ذلك الوقت .
قال : ( وإذا أقام عبد البينة أن فلانا أعتقه فلان ينكر أو يقر وأقام آخر البينة أنه عبده قضيت به للذي أقام البينة أنه عبده ) لأن شهود العبد ما شهدوا بالملك للمعتق إنما شهدوا بالعتق فقط والعتق يتحقق من المالك وغير المالك ولكن لا عتق فيما لا يملكه ابن آدم .
( ألا ترى ) أن هذه البينة لا تعارض يد ذي اليد فإن من ادعى عبدا في يد إنسان أنه أعتقه وأقام البينة على ذلك لا يقضي له بشيء فلئلا يكون معارضة لبينة الملك كان أولى وكذلك لو شهدوا أنه أعتقه وهو في يديه إذ ليس في هذه الشهادة ما يوجب نفوذ العتق لأن نفوذه بملك المحل لا باليد وكذلك لو شهدوا أنه كان في يده أمس لم تقبل هذه الشهادة لما ذكرنا ولو شهد أنه أعتقه وهو يملكه يومئذ أخذت ببينة العتق لأن البينتين استوتا في إثبات الملك وفي أحدهما زيادة العتق فكان أولى .
قال : ( ولو كان العبد في يد رجل فادعى آخر أنه له وأقام العبد البينة أن فلانا كاتبه وهو يملكه وفلان جاحد لذلك أو مقر به فإنه يقضي به للذي أقام البينة أنه عبده ) لأن بينته تثبت الملك لنفسه والعبد إنما يثبت الملك لغيره ومن يثبت الملك لنفسه فبينته أولى بالقبول .
فإن ( قيل ) : العبد يثبت حق العتق لنفسه بإثبات الكتابة .
( قلنا ) : لا كذلك فعقد الكتابة عندنا لا يوجب حق العتق للمكاتب ولهذا جاز عتق المكاتب عن الكفارة ولهذا احتمل عقد الكتابة الفسخ وإنما الثابت للمكاتب بعقد الكتابة ملك اليد والبينة التي تثبت ملك اليد لا تعارض البينة التي تثبت ملك الرقبة .
قال : ( وإن أقام الخارج البينة أنه عبده غصبه منه ذو اليد وأقام ذو اليد البينة أنه عبده دبره أو أعتقه وهو يملكه فإنه يقضي به عبدا للمدعي ) لأن في بينة المدعي ما يدفع بينة ذي اليد وهو إثبات كونه غاصبا لا مالكا والإعتاق والتدبير من الغاصب لا يكون صحيحا وبينة ذي اليد على أصل الملك لا تكون معارضة لبينة المدعي وكذلك لو كان المدعي أقام البينة أنه عارية له في يد ذي اليد أو وديعة أو إجارة أو رهن قضي بالملك له لما بينا .
قال : ( عبد في يدي رجل أقام آخر البينة أنه عبده أعتقه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه فبينة المدعي أولى ) لأنها تثبت الحرية وبينة ذي اليد ثبت الرق فالمثبت للحرية من البينتين أولى .
( ألا ترى ) أنه لو ادعى الخارج أنه ابنه ترجحت بينته لما فيها من إثبات النسب والحرية فكذلك هنا تترجح بينة لما فيها من إثبات الولاء الذي هو مشبه بالنسب مع الحرية وكذلك لو أقام الخارج البينة أنه له ودبره فهو أولى لما في بينته من إثبات حق الحرية وقد ذكر قبل هذا بخلاف هذا وقد بينا وجه الروايتين ثمة .
ولو كان شهود ذي اليد شهدوا أنه أعتقه وهو يملكه فهو أولى من بينة الخارج على العتق لأن المقصود هنا إثبات الولاء على العبد والولاء كالنسب وإنما يثبت كل واحد منهما على العبد فلما استوت البينات في الإثبات ترجح جانب ذي اليد بيده وإن شهد شهود ذي اليد بالتدبير وشهود المدعي بالعتق الثابت قضيت بالعتق الثابت لأن فيها إبطال الرق والملك في الحال ويترجح أرأيت لو كان أمة لكانت توطأ مع قيام البينة على حريتها وكذلك لو أقام أحد الخارجين البينة على العتق الثاني والآخر على التدبير فبينة العتق أولى بالقبول لما بينا .
ولو أقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أن الأمة له كاتبها قضيت بها بينهما نصفان لأن المكاتبة ليست في يد واحد منهما بل هي في يد نفسها فتحققت المساواة بين البينتين فقضي بها بينهما .
فإن ( قيل ) : كان ينبغي أن يرجع إلى قولها .
( قلنا ) : المكاتبة أمة ولا قول للأمة في تعيين مالكها بعد ما أقرت بالرق وإن شهد شهود أحدهما أنه دبرها وهو يملكها وشهود الآخر أنه كاتبها ويملكها فالتدبير أولى لأنه يثبت حق الحرية وهو لازم لا يحتمل الفسخ بخلاف الكتابة .
قال : ( ولو ادعت أمة أن ولدها من مولاها وأنه أقر بذلك وأرادت يمينه فلا يمين على المولى في ذلك في قول أبي حنيفة - C - ) وعندهما عليه اليمين وهذه من المسائل المعدودة فإن أبا حنيفة - C - لا يرى الاستحلاف في النكاح والنسب والرجعة والنفئ ؟ ؟ في الإيلاء والرق والولاء لأن النكول عنده بمنزلة البدل فما لا يعمل فيه البدل لا يجري فيه الاستحلاف .
وعندهما النكول بمنزلة الإقرار ولكن فيه ضرب شبهة فكل ما يثبت بالشبهات يجري فيه الاستحلاف والقضاء بالنكول وهي مسألة كتاب النكاح وهنا دعواه على المولى دعوى النسب فلهذ قال أبو حنيفة : لا يستحلف وكذلك لو ادعت أنها أسقطت من المولى سقطا مستبين الخلق لأن حق أمية الولد لها تبع لنسب الولد فكما لا يستحلف المولى عند دعوى النسب فكذلك في دعوى أمية الولد عنده وعندهما يستحلف في ذلك كله لأنه مما يثبت مع الشبهات .
ولو أقر المولى بذلك لزمه فيستحلف فيه إذا أنكر وكذلك لو جاءت الزوجة بصبي فادعت أنها ولدته وأنكر الزوج ففي استحلافه خلاف كما بينا .
وكذلك لو أن المولى أو الزوج جاء بصبي والدعى أنها ولدته منه وأراد استحلافها فلا يمين عليها عنده .
وكذلك لو كان الابن هو الذي ادعى النسب على الأب أو الأب على الابن وطلب يمين المنكر فلا يمين في الوجهين . إلا أن يدعي بذلك ميراثا قبل صاحبه فحينئذ يستحلف على الميراث دون النسب لأن المال مما يعمل فيه البدل فيجوز القضاء فيه بالنكول بخلاف النسب وإذا استحلفه فنكل قضي بالمال دون النسب لأن أحد الحكمين ينفصل عن الآخر وعند النكول إنما يقضي بما جرى فيه الاستحلاف .
( ألا ترى ) أنه لو ادعى سرقة مال على رجل فاستحلف فنكل يقتضي بالمال دون القطع فهذا مثله وكذلك لو ادعى ميراثا بالولاء فهو ودعواه الميراث بالنسب سواء فيما ذكرناه .
قال : ( ولو أن رجلا ورث دارا من أبيه فادعى آخر أنه أخوه لأبيه قد ورث أباه معه هذه الدار وجحد ذو اليد ذلك لم يستحلف على النسب هنا بالاتفاق ) أما عند أبي حنيفة لا يشكل وأما عندهما كل نسب لو أقر به لم يصح لا يستحلف على ذلك إذا أنكره لما بينا أن النكول عندهما قائم مقام الإقرار والأخوة لا تثبت بإقراره لو أقر بها فكذلك لا يستحلف عليه بخلاف الأبوة والبنوة ولكنه يستحلف بالله العظيم ما يعلم له في هذه الدار نصيبا كما يدعي المال والاستحلاف يجري في المال إلا أنه استحلاف على فعل الغير لأنه يدعي الإرث من الميت بسبب بينهما والاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم لا على الثبات .
قال : ( جارية بين رجلين ولدت ولدين في بطنين فادعى أحدهما الأكبر ثم ادعى الآخر الأصغر لم تجز دعوة صاحب الأصغر ) لأن العلوق بهما حصل في ملكهما فحين ادعى أحدهما الأكبر صارت الجارية أم ولد له من حين علقت بالأكبر ثم الأصغر ولد أم ولده والشريك أجنبي عنه ومن ادعى ولد أم ولد الغير لم تصح دعوته .
ولو كان صاحب الأصغر ادعى الأصغر أولا يثبت نسبه منه لأنها مشتركة بينهما مع الولدين حين ادعى مدعي الأصغر وما ادعاه يحتاج إلى النسب فيثبت نسب الأصغر منه وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه وتصح دعوة مدعي الأكبر للأكبر لأنه نفي مشترك بينهما فإن أمية الولد لها إنما يثبت من حين علقت بالأصغر والأكبر منفصل عنها قبل ذلك فلهذا بقي مشتركا بينهما .
فإن ادعاه مدعي الأكبر وهو محتاج إلى النسب ثبت نسبه منه وضمن نصف قيمته لشريكه إن كان موسرا لأنه مقصود بالدعوة والإتلاف فتكون دعوته إياه بمنزلة إعتاقه ولم يذكر أن مدعي الأكبر هل يغرم شيئا من العقر وينبغي أن يغرم نصف العقر لأنه أقر بوطء الأمة حال ما كانت مشتركة بينهما فيغرم نصف العقر لشريكه وإن لم يثبت أمية الولد لها من جهته .
قال : ( ولو كانت الدعوى منهما معا وهي أم ولد المدعي الأكبر ) لأنه سابق بالدعوة معنى فإن العلوق بالأكبر كان سابقا فصارت أم ولد له من حين علقت بالأكبر وفي القياس لا تصح دعوة مدعي الأصغر لأنه ادعى ولد أم ولد الغير كما في الفصل الأول .
ولكنه استحسن فقال : بينة الأصغر من مدعي الأصغر لأن وقت الدعوة كان الأصغر مشتركا بينهما في الظاهر محتاجا إلى النسب وكذلك الجارية حين علقت بالأصغر كانت مشتركة بينهما في الظاهر فبعد ذلك أنها كانت أم ولد لمدعي الأكبر صار مدعي الأصغر بمنزلة المغرور وولد المغرور حر بالقيمة فكان جميع قيمة الأصغر لمدعي الأكبر وذكر في بعض النسخ أن عليه جميع قيمة الأصغر لمدعي الأكبر وذكر في بعض النسخ أن عليه نصف العقر وليس بينهما اختلاف ولكن حيث قال عليه نصف العقر إنما أجاب بالحاصل فإن نصف القعر بنصف العقر قصاص وإنما يبقى في الحاصل نصف العقر على مدعي الأصغر لمدعي الأكبر .
قال : ( رجل مات وترك ابنين وجارية فظهر بها حبل فادعى أحدهما أن الحبل من أبيه وادعى الآخر أن الحبل منه وكانت الدعوة منهما معا فالحبل من الذي ادعاه لنفسه ) لأنه يحمل نسب الولد على نفسه وأخوه إنما يحمل نسب الولد على أبيه ومجرد قوله ليس بحجة في إثبات النسب من أبيه فلهذا كان الذي ادعاه لنفسه أولى .
فإن ( قيل ) : الذي ادعى الحبل من أبيه كلامه أسبق معنى فينبغي أن يترجح بالسبق .
( قلنا ) : هذا إن لو كان قوله حجة في إثبات العلوق من أبيه في حياته وقوله ليس بحجة في ذلك ويغرم الذي ادعاه لنفسه نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه لأنه يملكها بالاستيلاد على شريكه .
فإن ( قيل ) : كيف يضمن لشريكه وقد أقر الشريك أنها حرة من قبل الميت .
( قلنا ) : لأن القاضي كذبه في هذا الإقرار حين جعلها أم ولد للآخر والمكذب في إقراره حكما لا يبقى إقراره حجة عليه كالمشتري إذا أقر بالملك للبائع ثم استحق من يده رجع عليه بالثمن .
وكذلك إن كان الذي ادعاه لنفسه سبق بالدعوة وإن كان الذي ادعى الحبل للأب بدا بالإقرار لم يثبت من الأب بقوله ولكن يعتق عليه نصيبه من الأم ومما في بطنها لإقراره بحريتها ويجوز دعوة الآخر ويثبت نسب الولد منه لأنه محتاج إلى النسب والنصف منه باق على ملكه فإن إقرار الأول ليس بحجة في إبطال ملكه وأكثر ما فيه أنه صار كالمستسعى عند أبي حنيفة - C - فتصح دعوته فيه ولا يضمن من قيمة الأم شيئا . لأنه لا يتملك على شريكه نصيبه من الأم فقد عتق نصيبه من الأم بالإقرار السابق ويضمن نصف عقر ها إن طلب ذلك أخوه لأنه أقر بوطئها سابقا على إقرار أخيه وهي مشتركة بينهما في ذلك الوقت فيكون مقرا بنصف العقر . لأخيه بسبب لم يبطل ذلك السبب بإقرار أخيه فكان له أن يصدقه فيستوفي ذلك منه إن شاء .
قال : ( عبد صغير بين رجلين أعتقه أحدهما ثم ادعاه الآخر فهو ابنه في قول أبي حنيفة - C - ) لأن عنده العتق يتجزأ قضيت للآخر بادعاء ملكه فلهذا صحت دعوته ونصف ولاءه للمعتق بإعتاقه فإن ثبوت نسبه من الآخر لا ينتفي ما صار مستحقا من الولاء للأول ويستوي إن كان ولد عندهما أو لم يولد وإن كان الغلام كبير فأقر بذلك فهو ثابت النسب من المدعي فإذا ادعاه الذي أعتقه الآخر فإن جحد ذلك لم يجز دعوة الذي لم يعتقه لأن نصيبه باق على ملكه وهو بمنزلة المكاتب له .
فإما عند أبي يوسف ومحمد - رحمهم الله - العتق لا يتجزأ فلا يجوز دعوة واحد منهما إلا بتصديق الغلام له في ذلك قال وإذا تصادق الرجل والمرأة الحرة في يد أحدهما أنه ابنهما والمرأة امرأة الرجل لأن مطلق إقرارهما بنسب الولد محمول على ولد صحيح بينهما شرعا وهو النكاح فكان تصادقهما على نسب الولد تصادقا منهما على النكاح بينهما ومطلقة ينصرف إلى النكاح الصحيح .
فإن كانت المرأة لا تعرف أنها حرة فقالت أنا أم ولد لك وهذا ابني منك وقال الرجل هو ابني منك وأنت امرأتي فهو ابنهما لتصادقهما على نسب الولد ولكنها أقرت له بالرق وهو كذبها في ذلك فلم يثبت الرق عليها وهو قد ادعى عليها النكاح وهي قد كذبته فلا يكون بينهما نكاح ولكن بتكاذبهما في السبب المثبت للفراش لا يمنع العمل بما تصادقا عليه مما هو حكم الفراش وهو ثبوت نسب الولد منهما .
وكذلك لو ادعت أنها زوجته وقال الرجل هي أم ولدي فهذا والأول سواء لما بينا .
ولو قال الرجل هذا ابني منك من نكاح وقالت صدقت هو من نكاح فاسد لا يقبل قولها في ذلك لأن حقيقة الاختلاف بينهما في دعوى صحة النكاح وفساده وتصادقهما على أصل النكاح يكون إقرارا منهما بصحته فلا يقبل قول من يدعي الفساد بعد ذلك لكونه مناقضا .
ولو قال الزوج هو من نكاح فاسد وقالت المرأة هو من نكاح صحيح فنسب الولد ثابت وسئل الزوج عن الفساد ما هو فإذا أخبر بوجه من وجوه الفساد فرق بينهما بإقراره بأنها محرمة عليه في الحال وجعل ذلك بمنزلة إيقاعه الطلاق البائن حتى يكون لها نفقة العدة لأن قوله في فساد أصل العقد غير مقبول لما بينا ولكنه متمكن من أن يفارقها فيجعل إقراره بذلك كإنشاء التفريق والله أعلم بالصواب