قال - C - ( رجل له عبد في صحته وأقر في مرض موته أنه ابنه وليس له نسب معروف ومثله بولد لمثله فإنه ابنه يرثه ولا يسعى في شيء سواء كان أصل العلوق به في ملكه أو لم يكن في ملكه ) لأن النسب من حاجته وهو مقدم على حق ورثته في ماله فيثبت نسبه منه بالدعوة لكونه غير محجور عنه ويكون بمنزلة ابن معروف له ملكه في صحته فيكون عتقه من جميع المال لا بطريق الوصية فلهذا لا يسعى في شيء .
قال : ( وكذلك إن كان عليه دين يحيط بماله ) لأن حاجته مقدمة على حق غرمائه بدليل الجهاز والكفن ولأنه ليس في إثبات النسب إبطال حق الغرماء والورثة لأنه يلاقي محلا لا حق لهم فيه وإنما ذلك فيما ينبني عليه من الحكم والذي ينبني على هذا السبب عتق في صحته ولا حق للغرماء والورثة في ماله في صحته وكذلك لو كانت له جارية ولدت في صحته فأقر في مرضه أنه ابنه سواء كان أصل العلوق في ملكه أو لم يكن لأن الذي ينبني على دعوة النسب هنا حقيقة الحرية للولد في صحته وحق الحرية للأم ولا حق للغرماء والورثة فيهما في حالة الصحة .
فأما إذا كان ملكه في مرضه فادعاه قبل الملك أو بعده ثم مات فإن كان عليه دين محيط فعليه السعاية في جميع القيمة لأن الذي ينبني على دعوته هنا عتق في المرض وذلك يلاقي محلا مشغولا بحق الغرماء فلا يكون مصدقا في حقهم إلا أن الرق قد فسد بإقراره فعليه السعاية في جميع القيمة وإن لم يكن له مال سواهما ولا دين عليه كان عتقه من ثلثه وعليهما السعاية فيما زاد على الثلث من قيمته ولا يرثه الولد في قول أبي حنيفة لأن المستسعى في بعض قيمه عنده بمنزلة المكاتب والمكاتب لا يرث وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - المستسعى حر مديون فيكون من جملة الورثة ولا وصية للوارث ولكن عليه السعاية في قيمته ويرثه .
وإن كان للمولى ابنان بحيث تخرج رقبته من الثلث فعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - الجواب كذلك يسعى الولد في قيمته لأنه صار وارثا ولا وصية للوارث .
وأما عند أبي حنيفة - C - لا سعاية على الولد في شيء ويرثه فقد جمع له بين الوصية والميراث لضرورة الدور فإنه لو لم يجز الوصية له وألزمه السعاية في قيمته كان مكاتبا والمكاتب غير وارث فتصح الوصية له سقطت السعاية فصار وارثا فلا يزال يدور هكذا والسبيل في الدور أن يقطع فلهذا جمع بين الوصية والميراث وهو نظير ما قالوا في تنفيذ الوصية في خمسي المال في بعض مسائل الهبة لضرورة الدور .
وإن كانت الوصية لا تنفذ في أكثر من الثلث وهذا لأن مواضع الضرورة مستثنى في الأحكام الشرعية .
فأما أم الولد فلا سعاية عليها عندهم جميعا لأنه إذا كان معها ولد يثبت نسبه فهو شاهد لها بمنزلة إقامة البينة فلهذا لا يلزمه السعاية في شيء . وكذلك لو وهب للمريض ابنه المعروف ولا مال له غيره فإن كان عليه دين سعى في قيمته للغرماء وإن كان الدين أقل من قيمته سعى في الدين وفي ثلثي ما بقي للورثة وله الثلث وصية في قول أبي حنيفة .
وفي قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - سعى فيما بقي من قيمته بينه وبين الورثة ولا وصية له لأنه من جملة الورثة .
قال : ( ولو كان وهب للمريض أم ولد له معروفة عتقت ولم يسع في شيء ) لأن ثبوت نسب الولد شاهد لها وعتق أم الولد من حوائج الميت فيكون مقدما على حق الغرماء والورثة .
قال : ( ولو أن مريضا له ألف درهم اشترى به ابنه ثم مات ولا مال له غيره فعند أبي حنيفة - C - يسعى في قيمته للورثة والثلث وصية له ويسعى في جميع قيمته ) لأنه وارث فلا وصية له وإن كان عليه دين سعى في الدين وثلثي ما بقي في قول أبي حنيفة - C - وعندهما في جميع القيمة لما بينا .
قال : ( ولو كان اشترى أم ولد له معروفة لم يسع في شيء للغرماء ولا للورثة ) لأن نسب الولد شاهد لها وإن كان قد حابى البائع في شيء فإن كانت أقل من ألف فالمحاباة في المرض وصية فإن كان عليه دين فعلى البائع رد بيع الفضل وإن لم يكن عليه دين فعليه رد ثلثي الفضل على الورثة والثلث يسلم له بطريق الوصية .
قال : ( ولو أن صبيا وأمة مملوكان لرجل لا يعرف له نسب فاشتراهما رجلان أو ملكاهما بهبة أو صدقة أو ميراث أو وصية ثم ادعى أحدهما أن الولد ابنه وكذبه الآخر فهو ابنه ) لأن قيام الملك له في النصف كقيام الملك له في الكل في صحة الدعوة والولد محتاج إلى النسب ويضمنه حصة شريكه من قيمة الأم غنيا كان أو فقيرا لأنه صار متملكا لنصيبه عليه حين صارت أم ولد له .
قال : ( ويضمن حصة شريكه من قيمة الولد إن كان موسرا ويسعى الولد إن كان معسرا ) لأن دعوة التحرير بعد الملك بمنزلة الإعتاق إذا كذبه الشريك وكان أجنبيا وإن كان الشريك ذا رحم محرم من الولد فعند أبي حنيفة - C - لا سعاية عليه وعندهما يلزمه السعاية وقد بينا هذه الفصول في الباب المتقدم .
قال : ( ولو اشترى المكاتب ابنه مع رجل آخر صارت حصته مكاتبا معه ) لأنه لو ملك كله صار الكل مكاتبا معه فكذلك إذا ملك النصف اعتبارا للبعض بالكل .
فإذا ادعى المكاتب عتقا وسعى الولد لشريكه في نصف قيمته عند أبي حنيفة - C - ولا ضمان على الكاتب لأن من أصله أن الحر لو اشترى ابنه مع غيره لم يضمن لشريكه شيئا ولكن تجب السعاية على الولد فكذلك المكاتب .
وأما على قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - صار الولد كله مكاتبا مع ابنه لأن عندهما الكتابة تتجزأ ويضمن المكاتب نصف قيمة ابنه لشريكه لأنه صار متملكا عليه نصيبه فيضمن له قيمة نصيبه موسرا كان أو معسرا .
ولو كان مجهولا فادعاه المكاتب بعد ما ملكاه كان للشريك أن يضمنه نصف قيمته إن كان غنيا وإن شاء استسعى الابن وإن كان فقيرا استسعى الابن لأن المكاتب في الدعوة كالحر وكذلك في ضمان الإعتاق وهو بمنزلة الحر . وقد بينا أن هذه الدعوة عند تكذيب الشريك بمنزلة الإعتاق .
ولو كانت أمه معه ضمن المكاتب نصف قيمتها غنيا كان أو فقيرا لأنه تعذر بيعها بما ثبت للمكاتب من الملك فيها وصارت بمنزلة أم الولد فيضمن لشريكه نصف قيمتها لأنه صار متملكا على كل حال .
وإن كان الذي ملك مع المكاتب ذا رحم محرم من الصبي ونسب الصبي من المكاتب معروف عتق نصيب ذي الرحم المحرم بالقرابة عند أبي حنيفة - C - لأنه أثبت له حقيقة الملك وكان نصيب المكاتب موقوفا فإن عتق عتق معه .
وإن عجز سعى لمولاه فيه .
وعند أبي يوسف ومحمد يعتق الكل لأن عندهما العتق لا يتجزأ ولا ضمان لواحد منهما على صاحبه ولا سعاية على الولد لأن فيه تحصيل مقصود المكاتب فإنه إنما يسعى لتحصيل الحرية لنفسه ولولده فلهذا لا يجب الضمان له ولا السعاية والله أعلم