قال - C - : ذكر عن شريح : .
( أن عمر بن الخطاب - Bه - كتب إليه إذا أقر الرجل بولده لم يكن له أن ينفيه وهكذا عن علي - Bه - وبقولهما نأخذ أنه متى ثبت النسب بإقراره لم يكن له أن ينفيه بعد ذلك ) لأن النسب لا يحتمل النقض والنسخ ولا يتصور تحويله من شخص إلى شخص وبإقراره ثبت منه لكون الإقرار حجة عليه .
فإن ( قيل ) : أليس أن النسب يثبت من الزوج بفراش النكاح ثم يملك نفيه باللعان .
( قلنا ) : لأن ثبوته هناك بحكم الفراش على احتمال أن لا يكون منه فيتصور نفيه أما هنا بثبوت النسب منه بتنصيصه على أنه مخلوق من مائه فلا يبقى بعده احتمال النفي كالمشتري إذا أقر بالملك للبائع ثم استحق من يده ورجع بالثمن لم يبطل إقراره حتى إذا عاد إلى يده يوما يؤمر بتسليمه إلى البائع بخلاف ما إذا اشتراه ولم يقر له بالملك لأن نفس الشراء .
وإن كان إقرار بالملك فالاحتمال فيه باق بخلاف الإقرار به نصا .
وعن جابر - رضي الله تعالى - عنه ( قال : قر عمر - Bه - على جارية تسقي مع رجل من بئر فقال لمن هذه فقالوا لفلان قال ولعله يطأها قالوا نعم قال أما أنها لو ولدت ألزمته ولدها ) وبظاهره يأخذ الشافعي - C - فيقول الأمة تصير فراشا بنفس الوطء ولا حجة له فيه لأن عنده الفراش إنما يثبت بإقرار المولى وهنا الإقرار في الأجانب وبه لا يثبت الفراش فأما أن يحمله على أنه عرف أنها أم ولده أو يحمل على أن مراده من ذلك حث الناس على تحصين الجواري ومنعهن عن الاختلاط بالرجال فقد ظهر أن عمر - Bه - ما يخالف هذا على ما روي عن عمر - Bه - ( أنه كان له جارية وكان يطأها فجاءت بولد ونفاه وقال اللهم لا يلحق بآل عمر من لا يشبههم فأقرت أنه من فلان الراعي ) . وعن زيد بن ثابت - Bه - أنه كان يطأ جاريته فجاءت بولد فنفاه فقال كنت أطأها ولا أبغي ولدها أي أعزل عنها ) وهكذا ( نقل عن ابن عباس وابن عمر ) - Bهما .
والذي ذكر في الكتاب عن ابن عمر - Bهما - أن عمر - Bه - قال من وطئ وليدة له فضيعها فالولد منه والضياع عليه لا حجة فيه للخصم ) لأن الوليدة اسم لأم الولد فإنه فعيل بمعين فاعل أي والده وذكر عن عمر - Bه - ( قال حصنوهن أو لا تحصنوهن إنما رجل وطئ جارية فجاءت بولد ألزمته إياه ) وإنما قال ذلك على سبيل الحث للناس على تحصين السراري ومنعهن عن الخروج .
ثم لا خلاف بين العلماء - رحمهما الله - أن النسب يثبت بالفراش والفراش تارة يثبت بالنكاح وتارة يثبت بتلك اليمين فأما الفراش في النكاح الصحيح يثبت بنفسه إذا جاءت بالولد لمدة يتوهم أن العلوق بعد النكاح ثبت النسب على وجه لا ينتفي إلا باللعان إذا كان من أهل اللعان .
وكذلك النسب يثبت بشبهة النكاح إذا اتصل به الدخول وهذه الشبهة تثبت بالنكاح الفاسد تارة وبإخبار المخبر أنها امرأته تارة لأن الشبهة تعمل عمل الحقيقة فيما هو مبني على الاحتياط وأمر النسب مبني على الاحتياط .
( ألا ترى ) أن في حق وجوب المهر والعدة جعلت الشبهة بمنزلة حقيقة النكاح فكذلك في النسب ومتى ثبت النسب بالشبهة لا يمكن نفيه بحال لأن نفي النسب بعد ثبوته لا يكون إلا باللعان ولا يجري اللعان في النكاح الفاسد والوطء بالشبهة وأما بملك اليمين لا خلاف أن لنسب لا يثبت بنفس الملك ولا بالوطء بشبهة الملك بدون الدعوة وإنما الخلاف في أن بنفس الوطء بملك اليمين لا خلاف أن النسب لا يثبت بنفس الملك ولا بالوطء بشبهة الملك بدون الدعوة وإنما الخلاف في أن بنفس الوطء بملك اليمين هل يصير فراشا حتى لا يثبت النسب به عندنا إلا أن يقر المولى بالنسب وعند الشافعي يثبت بنفس الوطء ولكن إذا كان المولى يطأها ويمنعها من الخروج فالأولى له أن يدعي ولدها ولا ينفيه فإن الميرة في هذا ولكن لا يلزمه حكما إلا بالدعوة .
واحتج الشافعي بما روي عن عبدالله بن زمعة وسعد بن أبي وقاص - Bهما - ( اختصما بين يدي رسول الله - A - في ولد ولدته زمعة فقال عبد ولد أبي ولد على فراش أبي وقال سعد - Bه - ابن أخي عهد إلي فيه أخي وامرأتي أن أضمه إلى نفسي فقال A هو لك يا عبد ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) . فقد أثبت النسب من زمعة بإقرار من يخلفه بوطئه إياها ولم يسبق من زمعة دعوى النسب فدل أن الفراش يثبت بنفس الوطء والمعنى فيه أنه وضع ماءه حيث له وضعه فيثبت النسب منه كما في فراش النكاح وهذا لأن الوطء بملك اليمين ينزل منزلة عقد النكاح .
( ألا ترى ) أنه تثبت به حرمة المصاهرة كما يثبت بالنكاح بل أقوى فحرمة الربيبة تثبت بالوطء ولا يثبت بنفس النكاح وكذلك يحرم الجمع بين الأختين وطئا بملك اليمين كما يحرم الجمع بينهما نكاحا ثم الفراش في حق النسب يثبت بالنكاح فكذلك بالوطء بملك اليمين ولنا أن وطء الأمة كملكها وبملكها لا يثبت الفراش لأنه محتمل قد يكون لبيعها وقد يكون لوطئها فكذلك وطئه إياها محتمل قد يكون للاستفراش وقد يكون لقضاء الشهوة وتحقيق ذلك بالعزل عنها عادة وينفرد بذلك شرعا والمحتمل لا يكون حجة فلا يثبت النسب منه إلا بالدعوة التي لا يبقى بعدها احتمال بخلاف النكاح فإنه لا يكون إلا للفراش عادة .
( ألا ترى ) أن التمكن من الوطء هناك جعل بمنزلة حقيقة الوطء وهنا بالتمكن من الوطء لا يثبت النسب بالاتفاق للاحتمال فكذلك بحقيقة الوطء ولأن هناك لا يبطل بثبوت النسب ملكا باتا للزوج وهنا يبطل ملك المالية والتصرف فيها بثبوت نسب ولدها والمحتمل لا يكون حجة في إبطال الملك المتحقق به وبه فارق حرمة المصاهرة فليس في إثباتها إبطال الملك بل باب الحرمة مبني على الاحتياط فيجوز إثباته مع الاحتمال ولأن ثبوته باعتبار الاتحاد بين الواطئين حسا حتى تصير أمهاتها وبناتها كأمهاته وبناته وذلك حاصل بملك اليمين .
( ألا ترى ) أن الرضاع في إثبات الحرمة جعل كالنسب ولم يجعل كهو في إبطال الملك به يعني بالعتق عليه وكذلك حرمة الجمع بين الأختين نكاحا للتحرز عن قطيعة الرحم بينهما وذلك يحصل بالوطء بملك اليمين فأما حديث عبد فقد ذكر أبو يوسف - C - في الأمالي أن وليده زمعة كانت أم ولد له وفي بعض الروايات في الحديث زيادة ( قال : ولد أبي ولد على فراش أبي لأني أقربه أبي وعندنا إذا أقر المولى بالنسب يثبت النسب منه على أن قوله A هو لك يا عبد ليس بقضاء بالنسب بل هو قضاء بالملك له لكونه ولد أمة أبيه ثم أعتقه عليه بإقراره بنسبه ) .
( ألا ترى ) أنه E قال لسودة : ( فأما أنت يا سودة فاحتجبي منه فإنه ليس بأخ لك ) والمراد من قوله A ( الولد للفراش ) تأكيد نفي النسب عن عتبة بن أبي وقاص - Bه - لأنه كان عاهرا لا إلحاق النسب بزمعة .
قال : ( وإذا حبلت الأمة عند رجل ثم باعها وقبض ثمنها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر فادعاه البائع ثبت النسب منه وقضي بأنها أم ولد له ولدها حر الأصل وعليه رد الثمن على المشتري عندنا استحسانا .
وفي القياس : لا يثبت النسب منه ما لم يصدقه المشتري وبه أخذ زفر والشافعي - رحمهما الله .
وجه القياس : في ذلك أن البائع مناقض في كلامه ساع في نقض ما قد تم به وهو البيع فلا يقبل قوله كما لو قال كنت أعتقتها أو دبرتها قبل أن أبيعه وهذا لأن إقدامه على بيعها إقرار منه أنها ليست بأم ولد له .
ولنا أنا تيقنا بحصول العلوق في ملكه وذلك ينزل منزلة البينة في إبطال حق الغير عنها كالمريض إذا جاءت جاريته بولد في ملكه فادعى نسبه نزل ذلك منزلة البينة في إبطال حق الغرماء والورثة عنها وعن ولدها وتفسير الوصف أن أدنى مدة الحبل ستة أشهر فإذا جاءت بولد من ذلك فقد تيقنا بحصول العلوق قبل البيع وتأثيره وهو أن بحصول العلوق في ملكه يثبت له حق استلحاق النسب بالدعوة وذلك لا يحتمل الإبطال وإنما يبطل البيع ما كان محتملا للإبطال فأما فيما لا يحتمل إلا إبطال الحال بعد البيع وقبله سواء .
فإذا بقي حق استلحاق النسب له بقي ما كان ثابتا وهو التفرد به من غير حاجة إلى تصديق المشتري وخفاء أمر العلوق يكون عذرا له في إسقاط اعتبار التناقض وقبول قوله في إبطال البيع كما أن الزوج إذا كذب نفسه بعد قضاء القاضي بنفي النسب ثبت منه وبطل حكم الحاكم ولا ينظر إلى التناقض وهذا لأن الإنسان قد يعلم تدينا أن العلوق ليس منه ثم يتبين له أنه منه ولا يوجد مثل هذا في دعوى العتق والتدبير فلهذا لا يقبل قول البائع فيه فإن ادعاه المشتري بعد ذلك فعلى طريق القياس يثبت النسب منه لأن دعوة البائع لم تصح وعلى طريقة الاستحسان لما ثبت النسب من البائع لا تصح دعوة المشتري لأن البيع قد انتقض فصار هو كأجنبي آخر ولأن الولد قد استغنى عن النسب بثبوت نسبه من البائع وإن كان المشتري ادعاه أولا ثبت النسب منه لأنها مملوكته في الحال يملك إعتاقها وإعتاق ولدها فتصح دعوته أيضا لحاجة الولد إلى النسب والحرية ويثبت لها أمية الولد بإقراره ثم لا تصح دعوة البائع بعد ذلك لأن الولد قد استغنى عن النسب حين ثبت نسبه من المشتري ولأنه قد يثبت فيه ما لا يحتمل الإبطال وهو حقيقة النسب فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان ثابتا للبائع ضرورة .
فإن ادعياه معا ثبت النسب من البائع عندنا وقال إبراهيم النخعي - C - يثبت النسب من المشتري لأن للمشتري حقيقة الملك فيها وفي ولدها وللبائع حق والحق لا يعارض الحقيقة كما لو جاءت جارية رجل بولد فادعاه هو وأبوه معا ثبت النسب من المولى لأن له حقيقة الملك فيها وللأب حق فيسقط اعتبار الحق في مقابلة الحقيقة .
ولنا أن دعوة البائع دعوة استيلاء لأن أصل العلوق في ملكه ودعوة المشتري دعوة تجويز فإن أصل العلوق لم يكن في ملكه ولا يعارض دعوة التجويز دعوة الاستيلاد كما لا يعارض نفس الإعتاق دعوة الاستيلاد بمعنى أن دعوة الاستيلاد لا تقتصر على الحال بل تستند إلى وقت العلوق ودعوة التحرير تقتصر على الحال فدعوة البائع سابقة معنى فكأنها سبقت صورة بخلاف دعوة المولى مع أبيه فإن شرط صحة دعوة الأب بملك الجارية من وقت العلوق إذ ليس له في مال ولده ملك ولا حق الملك فاقتران دعوة المولى بدعوة الأب يمنع تحصيل هذا الشرط فلهذا أثبتنا النسب من المولى دون أبيه .
ولو أن المشتري أعتق الأم أو استولدها أو دبرها ثم ادعى البائع الولد ثبت نسبه منه لأن الولد يحتاج إلى النسب بعد عتق الأم وهو مقصود بالدعوة وحق الاستيلاد في الأم يثبت تبعا فلا يمتنع ثبوت الأصل بامتناع ثبوت البيع إذ ليس من ضرورة ثبوت نسب الولد ثبوت أمية الولد للأم كما في ولد المغرور يثبت نسب الولد ولا تصير الأم أم ولد للمغرور ثم يرد البائع حصة الولد منا لثمن دون الأم لأنه تعذر فسخ البيع في الأم لما جرى فيها من عتق المشتري فإنه لا يجوز أن يرد أمه توطأ بالملك بعد ما نفذ العتق فيها ولم يتعذر الفسخ في الولد وقد صار الولد مقصودا بهذا الاسترداد فتصير له حصة من الثمن فلهذا يسترد المشتري حصة الولد من الثمن .
ولو ماتت الأم ثم ادعى البائع نسب الولد صحت دعوته لما بينا ويرد البائع جميع الثمن في قول أبي حنيفة - C .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يمسك حصة الأم من الثمن لأنه تعذر فسخ البيع فيها بالموت كما في الفصل الأول وهذه المسألة في الحقيقة تنبني على المسألة الخلافية المعروفة بين أبي حنيفة وصاحبيه - رحمهم الله - في مالية أم الولد فعند أبي حنيفة - C - لا قيمة لرقها حتى لا يضمن بالغصب فكذلك لا يكون لها حصة من الثمن وقدزعم البائع أنها أم ولد وزعمه حجة عليه وعلى قولهما لرقها قيمة حتى يضمن بالغصب فيمسك حصتها من الثمن .
ثم الفرق لأبي حنيفة - C - بين هذا والأول أن هناك القاضي كذب البائع فيما زعم حين جعلها معتقة من جهة المشتري أو مدبرة أو أم ولد فلم يبق لزعمه غيره فأما هنا بموتها لم يجز الحكم بخلاف ما زعم البائع فبقي زعمه معتبرا في حقه فلهذا رد جميع الثمن .
ولو كان المشتري باع الأم أو وهبها أو رهنها أو أجرها أو كاتبها أبطلت جميع ذلك ورددتها على البائع لأن هذا التصرفات محتملة للنقض كالبيع الأول فكما يجوز نقض البيع الأول بدعوة الاستيلاء من البائع فكذلك يجوز نقض هذه التصرفات .
ولو كان المشتري أعتق الولد أو دبره ثم ادعى البائع نسبه لم يصدق في ذلك إذا أكذبه المشتري لأن الولد مقصود بالدعوة وقد ثبت المشتري فيه ما لا يحتمل النقض وهو الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان للبائع لأن الولاء كالنسب وقد بينا أنه لو ثبت النسب من المشتري لم يكن للبائع حق الدعوة بعد ذلك فكذلك إذا ثبت الولاء له .
وكذلك لو قبل الولد عنده وأخذ قيمته ثم ادعاه البائع لم تصح دعوته كما لو مات الولد وهذا لأنه بالموت أو القتل قد استغنى عن النسب وصحة دعوة البائع لحاجة الولد إلى النسب ثم لا يرد الأم على البائع لأن حقها تبع لحق الولد في النسب ولم يثبت ما هو الأصل فلا يثبت ما هو بيع لأنه لو ثبت كان مقصودا لا تبعا ولو قطعت يد الولد فأخذ المشتري نصف قيمته ثم ادعاه البائع صحت دعوته لأن الولد إلا قطع محتاج إلى النسب محل لانتقاص البيع فيه ولكن الأرش يبقى سالما للمشتري لأن إبانة اليد كانت على حكم ملكه ودعوة البائع إنما تعمل في القائم دون اليد المبانة وليس من ضرورة ثبوت نسب الولد بطلان حق المشتري عن الأرش لأنه ينفصل عنه في الجملة لأن الأرش مال ليس من النسب في شيء فيرد الجارية مع ولدها على البائع بجميع الثمن إلا حصة اليد فقد احتبس بدلها عند المشتري فلا يسلم له مجانا ولكن حصته من الثمن تسلم للبائع كما ذكرنا فيما إذا احتبست الأم عنده وكذلك لو كان القطع في الأم لأن المعنى الذي أشرنا إليه يجمع الكل ولو فقأ رجل عيني الولد فدفعه المشتري إلى الجاني وأخذ قيمته ثم ادعى البائع نسبه صحت دعوته لأن المفقوءة عيناه يحتاج إلى النسب ودفعه بالجناية محتمل للنقض فلا يمنع صحة دعوة البائع فيرد الأم والولد على البائع ويرد جميع الثمن على المشتري عند أبي حنيفة - C - لأن من أصله أن الجاني يرجع على المشتري بجميع القيمة فإن الجثة العمياء إذا لم تسلم للجاني لا يلزمه شيء عند أبي حنيفة - C - حتى لو أعاد المولى إمساك الجثة والرجوع بنقصان القيمة لم يكن له ذلك عنده فإذا لم يسلم للمشتري شيء من بدل العينين رد البائع جميع الثمن وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - المشتري يرجع على الجاني بنقصان العينين لأن في الابتداء لو أراد إمساك الجثة والرجوع بنقصان العينين كان له ذلك فكذلك في الانتهاء وإذا كان للمشتري نقصان العينين رد البائع عليه جميع الثمن إلا حصة النقصان وكذلك لو فقئت عينا الأم فهو على ما بينا .
قال : ( ولو ادعى البائع نسب الولد وقد جاءت به لأقل من ستة أشهر وكذبه المشتري ثم قتل الولد بعد ذلك أو قطعت يده فعلى الجاني من ذلك ما عليه بالجناية على لأحرار ) لأن بمجرد الدعوى ثبت النسب وصار الولد حرا فإنه لا عبرة لتكذيب المشتري فإنما حصلت الجناية بعد ذلك على حر وإن كانت الجناية على الأم كان عليه ما في جناية أم الولد لأن حق أمية الولد قد ثبت له بثبوت نسب الولد وحاصل هذا أنه لا حاجة إلى قضاء القاضي في إبطال هذا البيع وعودهما إلى البائع لأنه قد ثبت فيها وفي ولدها بنفس الدعوة ما هو مناف للبيع وإن جني الولد كانت جنايته كجناية الحر وجناية أمه كجناية أم الولد لثبوت ذلك فيها بنفس الدعوة وإن كانت الجناية منهما قبل الدعوة فهو على البائع دون المشتري لأن البائع بالدعوة قد صار مبطلا ملك المشتري فيهما بغير صنع من المشتري فليس على المشتري من موجب جنايتهما شيء ولكن البائع مختار إن كان عالما بالجناية لأنه بالدعوة أثبت الحرية للولد وحق الحرية للأم فيكون كالمنشئ لذلك بعد الجناية فلهذا صار مختارا ولو كانت الجارية لم تلد بعد فادعى البائع أن حبلها منه وقال المشتري ليس بها حبل وأرادها النساء فقلنا هي حبلى أو قال المشتري بها حبل ولكنه ليس منك فالبائع لا يصدق في الدعوة حتى تضع لأنه لا طريق لمعرفة الحبل حقيقة فإنه مما استأثر الله تعالى بعلمه لقوله تعالى : { ويعلم ما في الأرحام } ( لقمان : 34 ) لأن شرط صحة دعوة البائع أن تلد لأقل من ستة أشهر من وقت البيع حتى يعلم يقينا أن العلوق كان في ملكه ولا يدري أنها هل تضع لأقل من ستة أشهر أم لا فلعلها تسقط سقطا غير مستبين الخلق أو يضع الولد أكثر من ستة أشهر فلهذا لا تصح دعوة البائع فإن جاء به لأقل من ستة أشهر الآن تصح تلك الدعوة كما لو أنشأها بعد الوضع لأن تيقنا أن العلوق حصل في ملكه .
فلو جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر فأدعاه البائع وقال أصل الحبل كان عندي وقال المشتري لم يكن عندك إنما كان العلوق قبل شرائك فالقول قول البائع لأنهما تصادقا على اتصال العلوق بملك البائع فكان الظاهر شاهدا للبائع ولأن المشتري يدعي تاريخا سابقا في العلوق على ملك البائع فلا يصدق على ذلك .
فإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع لأنه يثبت تاريخا سابقا في ملكه على العلوق وملكه حقه فبينته على سبق التاريخ فيه مقبولة ولا شك في هذا عند أبي يوسف - C .
واختلف المشايخ على قول محمد - C - : منهم من يقول قوله هذا ومنهم من يقول البينة بينة المشتري عنده لأنه هو المحتاج إلى إقامة البينة وأصل هذا فيما إذا قال المشتري اشتريتها منك منذ سنة وقال البائع إنما بعتها منك منذ شهر فالقول قول البائع لأن المشتري يدعي زيادة تاريخ في شرائه فلا يصدق على ذلك إلا بحجة فإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة البائع عند أبي يوسف - C - لأنه يثبت بينته حصول العلوق في ملكه وثبوت حق استلحاق النسب له وعند محمد - C - البينة بينة المشتري لأنه هو المحتاج إلى إثبات التاريخ في شرائه بالبينة فيثبت بينته أن شراءه كان منذ سنة وذلك مانع من صحة دعوة البائع فلهذا قبلت بينته .
قال : ( وإن كانت ولدت الجارية المبيعة بنتا لأقل من ستة أشهر ثم ولدت ابنتها ابنا فأعتق المشتري الابن ثم ادعى البائع الابنة فهي ابنته ) لأن العلوق بها كان في ملكه ودعوته فيها دعوة استيلاد ويثبت حرية الأصل فيها ومن ضرورته إبطال عتق المشتري على ابنها لأن العتق يطرأ على الرق ومن ضرورة كونها حرة الأصل أن ينفصل الولد منها حرا وكذلك إن كانت الابنة ولدت ابنتا .
قال : ( ألا ترى ) أن رجلا لو ولدت جاريته عنده غلاما ثم ولد للغلام ابن فباع المولى ابن الولد الذي ولد عنده فأعتقه المشتري ثم ادعى الولد الذي كان العلوق به في ملكه صحت دعوته ويبطل بيع الابن وعتق المشتري إياه لأنه تبين بصحة دعوته حرية الأصل للأب وذلك يوجب حرية الابن لأن الابن مولود من أمة كانت لمدعي الأب فتبين أنه كان ملك ابن ابنه وعتق عليه قبل أن يبيعه وبطل به بيع المشتري وعتقه .
قال : ( وهذا بمنزلة التوأم ) وفي بعض النسخ ( التوأمين ) وكلاهما صحيح عند أهل اللغة منهم من قال التوأم أفصح كما يقال هما زوج .
ومنهم من قال : التوأمان أفصح كما يقال هما كفوان وأخوان وبيانه جارية ولدت ولدين في بطن واحد من علوق كان في ملك مولاها فباع المولى أحدهما وأعتقه المشتري ثم أن البائع ادعى نسب الذي عنده يثبت نسبهما منه لأنهما خلقا من ماء واحد فلا ينفصل أحدهما عن الآخر نسبا وقد كان العلوق بهما في ملكه فيثبت حرية الأصل للذي عند البائع ومن ضرورته ثبوت حرية الأصل للآخر وكان ذلك بمنزله إقامة البينة في إبطال عتق المشتري وشرائه في الآخر فكذلك فيما سبق .
وهذا بخلاف ما تقدم إذا أعتق المشتري الأم ثم ادعى البائع نسب الولد لم يبطل عتق المشتري في الأم لأنه ليس من ضرورية حرية الأصل للولد ثبوت أمية الولد للأم في ولد المغرور ولأن هناك لو أبطلنا عتق المشتري فيها رددناها من حالة الحرية إلى حالة الرق وذلك لا يجوز لأن العتق أسقط الرق والمسقط متلاشي لا يتصور عوده وهنا لو أبطلنا عتق المشتري رددناه إلى حال حرية الأصل وذلك مستقيم ولأن فيه إبطال الولاء الثابت للمشتري والولاء أثر من آثار الملك فلم يجز إسقاطه إلا عند قيام الحجة فلهذا أبطلنا عتق المشتري في هذه الفصول .
ولو لم يبع ابن الابن ولكنه باع الابن فأعتقه المشتري ثم ادعاه لم تجز دعوته لأن المقصود بالدعوة الابن وقد اتصل به من جهة المشتري ما لا يحتمل النقض وهو الولاء فيبطل به حق الاستلحاق الذي كان ثابتا للبائع فيه وعتق ابن الابن الذي في يده لأنه أقر له بالحرية حين زعم أنه ابن ابنه والإقرار بالنسب وإن لم يعمل في إثبات النسب لمانع كان عاملا في الحرية كما لو قال لعبده وهو معروف النسب من الغير هو إبني يعتق عليه وكذلك لو مات عند المشتري لأنه بالموت استغنى عن النسب وخرج البيع من أن يكون محتملا للنقض فيه فلم يعمل دعوة البائع في حقه وعتق ابن الابن بإقراره كما بينا .
ولو كان مكان الابن ابنة فماتت عند المشتري ثم ادعى البائع نسبها لم تصح دعوته في حقها ولا في حق ابنتها وهذا والملاعنة سواء في قول أبي حنيفة - C - إذا كان ولد الملاعنة ابنتا فولدت ابنا ثم ماتت الأم ثم أكذب الملاعن نفسه لم يعمل إكذابه في إثبات نسبها مع بقاء ابن يخلفها فكذلك هنا .
والمعنى فيهما سواء وهو أن ينسب الولد القائم إلى أبيه دون أمه فيجعل أمه كالميتة لا عن ولد .
وأبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يفرقان بين هذه وولد الملاعنة فإن عندهما هناك ولدا لابنه كولد الابن في قيامه مقام ولد الملاعنة حتى يصح إكذاب الملاعن نفسه ويثبت نسب ولد الملاعنة وإن كان ميتا لأن هناك أصل النسب كان ثابتا بالفراش فاستتر باللعان وبقي موقوفا على حقه حتى لو ادعاه غيره لم يصح فيجعل بقاء ولده كبقائه في صحة الإظهار بالدعوة وأما نسب ولد المبيعة ما كان ثابتا من البائع ولا موقوفا على حقه حتى لو ادعاه المشتري ثبت نسبه منه فلا تعمل دعوته في الإثبات ابتداء إلا في حال بقائه أو بقاء من ينسب إليه وولد الابن ينتسب إليه بالبنوة دون ولد الابنة فلهذا لا يثبت النسب بعد موت إلا بنت بالدعوة .
قال : ( وإذا حبلت الأمة فولدت في يد مولاها ثم باعها فزوجها المشتري من عبده فولدت له ولدا ثم مات العبد عنها فاستولدها المشتري ثم ادعى البائع الولد الذي عنده ثبت نسبه منه ) لأن العلوق به كان في ملكه فدعوته فيه دعوة استيلاد ويرد إليه ابن العبد بحصته من الثمن لأنه ولد أم ولد في حقه وهو ثابت النسب من غيره وولد أم الولد بمنزلة أمه ولو لم يستولد المشتري الأم كانا جميعا مردودين عليه فاستيلاده الأم يثبت فيها ما لا يحتمل النقض وهو حق العتق للمشتري فنزل ذلك منزلة حقيقة العتق وذلك لا يمنع رد الولد إليه لأن أحدهما ينفصل عن صاحبه .
فإن ( قيل ) : هذا الولد في حكم أمية الولد تبع للأم ولا يثبت البائع حق أمية الولد في الأم فكيف يثبت في ولدها .
( قلنا ) : لا كذلك بل هما جميعا بائعان للولد الذي عنده لأن الأم بيع ولا بيع للتبع فتعذر رد أحدهما عليه لا يمنع رد الآخر بحصته من الثمن ويعتبر في الانقسام قيمتها وقت البيع وقيمة الولد الثاني وقت الانفصال لأنه كما حدث فحق أمية الولد فيه ثابت للبائع إلا أنه لما صار متقوما عند الانفصال فيعتبر في الانقسام قيمته في ذلك الوقت ويعتق بموت البائع من جميع ماله لأنه ابن أم ولده فإن ادعى البائع ابن العبد أنه ابنه عتق عليه ولم يثبت نسبه منه لأنه يملكه ولكنه معروف النسب من الغير فدعوته إياه كإعتاقه .
قال : ( ولو باعها وهي حبلى فولدت عند المشتري بعد البيع بيوم ثم ولدت ولدا آخر بعد سنة من غير زوج فادعى البائع والمشتري الولدين معا فهما ابنا البائع ) أما الأكبر منهما فلأن العلوق به كان في ملك البائع يثبت نسبه منه ويبطل البيع فيه وفي أمه لأنه تبين أنها أم ولده من حين علقت والولد الثاني مردود عليه أيضا لأنه ابن أم ولده فهو إنما يدعي ملك نفسه والمشتري يدعي ملك الغير فلهذا كان دعوة البائع أولى فيهما ولو بدأ المشتري فادعى الولد الآخر أنه ابنه ثبت نسبه منه لأن العلوق به حصل في ملكه وهو محتاج إلى النسب وصارت الجارية أم ولد له .
( فإن ادعى البائع بعده الولد الأول ثبت نسبه منه بحصول العلوق به في ملكه ويرد إليه الولد خاصة بحصته من الثمن ) لأنه تعذر فسخ البيع في الأم لما ثبت للمشتري فيها من حق أمية الولد ولو لم يدع واحد منهما شيئا حتى لو ادعى البائع الولد الآخر لم يصدق لأن العلوق بالولد الآخر لم يكن في ملكه وهو للحال مملوك للمشتري فلا دعوة له فيه مقصودة .
وكذلك لو مات الأول ثم ادعاهما البائع لأن دعوته في الذي مات لم تصح لاستغنائه عن النسب فلو صح كان الآخر مقصودا والعلوق به لم يحصل في ملكه .
قال : ( وإن ولدت الأمة المبيعة ولدين في بطن واحد كلاهما أو أحدهما لأقل من ستة أشهر فجنى على أحد الولدين جناية وأخذ المشتري الأرش ثم ادعاهما البائع فدعوته جائزة فيهما ) لأنا تيقنا بحصول العلوق بهما في ملكه فإنهما خلق من ماء واحد والتي ولدت لأقل من ستة أشهر يتيقن أن العلوق كا ن في ملكه فيتبين أيضا أن العلوق الثاني كا ن في ملكه وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر فلهذا ثبت نسبهما وبطل البيع فيهما وفي الأم ولكن الأرش يبقى سالما للمشتري لما بينا في الولد الواحد أن الدعوة في اليد المبانة لا تعمل فيبقى الأرش للمشتري كما كان قبل الدعوة .
وكذلك إن اكتسب أحدهما كسبا فقد كان قبل الدعوة الكسب ملكا للمشتري وليس من ضرورة صحة الدعوة بطلان ملكه في الكسب فيبقى سالما له ولو كان قتل أحدهما ثم ادعاه البائع كان قيمة الموصول لورثة المقتول لأن بثبوت حرية الأصل لأحدهما يثبت مثله للآخر فيكون بدله لورثته ضرورة وهذا بخلاف الأرش والكسب لأن التوأم لا ينفصل أحدهما عن الآخر في النسب والحرية وأعمال ذلك في الأقطع ممكن فلا حاجة بنا إلى إعماله في إبطال ملك المشتري في الأرش والكسب فأما الواجب على القاتل بدل النفس ومن ضرورة إبطال البيع فيه عند بقاء ما يخلفه أنه لا يبقى للمشتري حقا في بدل نفسه فكان ذلك لورثة المقتول قال في بعض النسخ ويصدق البائع في بدل النفس وفي بعض النسخ قال لا يصدق في بدل النفس وليس هذا باختلاف الرواية ولكن حيث قال يصدق يعني في حق المشتري حتى يبطل حقه عن القيمة لأن من ضرورة ثبوت الحرية للمقتول في الأصل أن لا يملك بدل نفسه بملك الأصل وحيث قال لا يصدق يعني في حق الجاني حتى لا يجب عليه الدية بل يكون الواجب عليه القيمة كما كان لأنه ليس من ضرورة ثبوت الحرية فيه وجوب الدية على قاتله فكم من قتل غير موجب للدية وما كان ثبوته بطريق الضرورة تعتبر فيه الجملة دون الأحوال .
قال : ( ولو كان المشتري أعتق أحدهما ثم قتل وترك ميراثا وأخذ المشتري ديته وميراثه بالولاء ثم ادعى البائع الولدين ثبت نسبهما منه وأخذ الدية والميراث من المشتري ) لأن حرية الأصل قد ثبت للمقتول ضرورة ثبوتها في الآخر وذلك مناف لولاء المشتري فإنما أخذ ميراثه بالولاء فإذا ظهر المنافي للولاء وجب رده ولو أعادهما المشتري أولا فإنهما إبناه لأنهما مملوكان له محتاجان إلى النسب فإن ادعاهما البائع بعد ذلك لم يصدق لوقوع الاستغناء لهما عن النسب بثبوت نسبهما من المشتري .
قال : ( أمة حبلت في ملك رجل فولدت غلاما وكبر فزوجه المولى أمة له فولدت غلاما ثم باع الأسفل وأعتقه المشتري ثم ادعى البائع الابن الأول فهو ابنه ) لأن العلوق به كان في ملكه وينتقض بيع المشتري وعتقة في ابن الابن لأنه تبين أنه كان حرا قبل بيعه فإنه وإنما ولد من أمة المولى ومن ملك ابن ابنه فعتق عليه وكان ذلك سابقا على بيعه فيبطل به البيع وعتق المشتري إياه ضرورة وهو بمنزلة التوأم كما قررنا ولو لم يدع البائع الذي عنده ولكن ادعى الذي باع أنه ابنه كانت دعوته باطلة لأنه وإن حصل العلوق في ملكه فقد نفذ فيه من جهة المشتري ما لا يحتمل الإبطال وهو العتق فلهذا لا تصح دعوته فيها قال أمة ولدت ولدين في بطن واحد ولم يكن أصل الحبل عند هذا المولى فباع أحدهما وأعتقه المشتري ثم ادعاهما البائع فهما ابناه لأنه لما بقي أحد الولدين عنده فدعوته فيه صادفت ملكه فيثبت نسبه منه ومن ضرورة ثبوت نسب أحدهما ثبوت نسب الآخر ولكن لا ينتقض عتق المشتري ولا البيع لأن أصل العلوق بهما لم يكن في ملك البائع فدعوته دعوة التحرير فينزل منزلة الإعتاق والتوأمان ينفصل أحدهما عن الآخر في الإعتاق فليس من ضرورة عتق أحدهما بدعوة البائع إبطال البيع وعتق المشتري في الآخر بخلاف ما إذا كان العلوق بهما في ملك البائع فإن دعوته هناك دعوة استيلاد يستند إلى وقت العلوق فيثبت به حرية الأصل للذي بقي عنده ومن ضرورته حرية الأصل للآخر فلهذا بطل البيع والعتق .
( ألا ترى ) أن الجارية المشتركة بين اثنين إذا ولدت فادعاه أحدهما فإن كان أصل العلوق في ملكهما لم يضمن من قيمة الولد لشريكه شيئا وإن لم يكن أصل العلوق في ملكهما ضمن نصف قيمة الولد لشريكه إن كان موسرا لأن دعوته دعوة تحرير فيجعل بمنزلة إعتاقه الولد مقصودا .
قال : ( أمة في يد رجل وفي يده ولد لها وفي يد رجل آخر ولد لها فادعى الذي في يده الولد أن الولدين جميعا إبناه ولد من هذه الأمة في بطن واحد أو في بطنين وأن الأمة أمته وأقام البينة على ذلك وادعى الذي في يديه مثل ذلك وأقام البينة على ذلك فإنه يقضي بالأمة والولدين جميعا للذي الأمة في يديه ) لأن كل واحد منهما يدعي حق العتق فيها بسبب أمية الولد فكان دعواه حقيقة العتق فيها والبينة بينة ذي اليد لأن كل واحدة من البينتين قامت لإثبات الولاء والولاء بمنزلة النسب فيترجح بينة ذي اليد فإذا قضينا بالأمة له أثبتنا نسب الولدين منه لأنهما ولد أم ولده قد ادعاهما وأجنبي ادعى نسب ولد أم ولد الغير وهذا لأن استحقاق الأصل بالبينة توجب استحقاق الزوائد المنفصلة .
قال : ( ولو كانت أمة في يد رجل وفي يديه ولد لها فجاء آخر يدعيها ولا يدعي ولدها وفي يده ولد لها آخر يدعيه وأقام البينة على دعوا هو أقام الذي هو في يديه البينة أن الأمة أمته ولدت الابن الذي في يديه منه ولا يعرف أي الولدين أكبر وقد ولدتهما في بطنين قضيت بالأمة للذي في يديه لدعواه أمته الولد فيها وقضيت لكل واحد منهما بالابن الذي ادعاه وهو في يديه ) لأن كل واحد منهما يدعي نسب أحد الولدين وخصمه لا ينازعه في ذلك وكل واحد من الولدين محتاج إلى النسب وذلك كاف للقضاء بنسبه منه بمجرد الدعوة فكيف إذا أثبته بالبينة بخلاف ما سبق فإن المنازعة بينهما هناك في نسب الولدين فرجحنا المقضي له بالجارية لأن استحقاقه الأصل شاهد له فيما يدعي من نسب الولد ولأنا قضينا له بالفراش حين قضينا بأمية الولد من جهته في الأم وثبوت النسب باعتبار الفراش فإذا ادعاه كان أولى به وإذا نفاه ثبت من الذي ادعاه لإقامة البينة عليه واحتمال أن يكون لما ادعاه سببا صحيحا .
قال : ( أمة في يد رجل له منها ولد فادعى آخر أن الذي الأمة في يديه زوجها منه وولدت على فراشه هذا الولد وأقام الذي في يديه البينة الأمة أن الأمة لهذا المدعي وأنه زوجها منه وولدت على فراشه هذا الولد فالأمة بمنزلة أم موقوفة في يدعي الذي هي في يديه لا يطأها واحد منهما ) لأن كل واحد منهما أقر بولادتها منه والملك فيها لأحدهما فيثبت أمية الولد فيها ثم كل واحد منهما ينفيها عن نفسه ويقول أنها في ملك صاحبي وقد ادعى نسب ولدها فصارت بمنزلة أم الولد له فبقيت موقوفة لا يطأها واحد منهما كمن اشترى عبدا ثم أن البائع أعتقه وجحد البائع ذلك كان موقوفا الولاء فأيها مات عتقت هي لأن الحي منهما قد أقر بعتقها بموت صاحبه وصاحبه كان مقرا بأن إقرار الحي فيهما كان نافذا فلهذا تعتق بموت أحدهما والولد للذي في يديه لأن دعواهما فيه دعوى النسب وبينة ذي اليد في دعوى النسب تترجح على جانب الخارج .
قال : ( أمة في يدي رجل وفي يده ولد لها فادعى آخر أنه تزوجها بعد إذن مولاه فولدت له على فراشه هذا الولد الذي في يد مولاها وأقام البينة على ذلك وأقام المولى البينة أنه ابنه ولد على فراشه من أمته هذه فإني أقضي بالولد للزوج وأثبت نسبه منه ) لأن ثبوت النسب باعتبار الفراش وفراش النكاح أقوى في إثبات النسب من فراش الملك .
( ألا ترى ) أن النسب الذي يثبت بالنكاح لا ينتفي بمجرد النفي والذي يثبت بملك اليمين ينتفى بمجرد النفي والضعيف لا يظهر في مقابلة القوي فلهذا أثبتنا النسب من الزوج ولكنه يعتق بإقرار المولى لأنه قد أقر بحريته حين ادعى نسبه وكذلك الأمة بمنزلة أم الولد للمولى لأنه كما أقر للولد بالحرية فقد أقر لها بحق الحرية بسبب هو محتمل في نفسه فيثبت لها حق أمية الولد حتى إذا مات المولى عتقت وهذا لأنه إنما يمتنع العمل بإقراره في إبطال ما صار مستحقا لغيره وهو النسب فأما فيما ورا ذلك يجعل هو كالمقر بالحق لأنه ليس فيه إبطال حق لأحد .
قال : ( حرة ولدت ولدين في بطن واحد فكبرا واكتسبا مالا ثم مات أحدهما عن ابنين ثم ادعى رجل أنه تزوج المرأة وأنهما ابناه منها وأقرت المرأة وحدها بذلك فإنها لاتصدق على غيرها ) لأن الولد الثاني كبير يعبر عن نفسه فلا يثبت نسبه من الغير بدعواه إلا عند تصديقه وكذلك الميت منهما ابناه قائمان مقامه فلا يثبت نسبه بدعواه إلا بتصديقهما ولم يوجد وإقرار المرأة ليس بحجة على أحد منهم ولكنه حجة عليها فيشركها في نصيبها من ميراث ابنها لأنها زعمت أن الميت منهما خلف ابنين وأبوين فللابوين السدسان والباقي للابنين فقد أقرت بأن حق الأب وحقها في تركته سواء فيقسم ما في يدها بينهما نصفان وليس من ضرورة الشركة في الميراث في نصيب المقر ثبوت النسب فإن المال يستحق بأسباب وأصله في أحد الأخوين إذا أقر بأخ ثالث فإن أقر الابن الثاني بذلك ثبت نسبهما جميعا منه لأن نسب المقر قد ثبت بتصديقه ومن ضرورة ثبوت نسب الآخر فإنهما توأم .
وإن أقر ابن الميت بذلك وهو محتمل ثبت نسبهما منه لأن ابن الميت قائم مقام الميت وهو في حياته لو صدق ثبت نسبهما منه فكذلك إذا صدقه من يخلقه .
قال : ( أمة ولدت غلاما فأقر المولى أن هذا الولد من زوج حر أو عبد معروف فإن صدقه المقر له أو كان ميتا أو غائبا ثم ادعى المولى أنه ابنه عتق بدعواه لإقراره بحريته ولا يثبت نسبه منه ) لأنه ثابت من المقر له بحكم إقراره وعند التصديق غير مشكل وعند غيبته وهو موقوفا على حقه فلا يملك أن يدعيه على نفسه وإن كان المقر له حاضرا فكذبه ثم ادعاه المقر بعد ذلك لنفسه .
قال أبو حنيفة - C - لا يثبت نسبه منه .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يثبت نسبه منه لأن إقرار المقر قد بطل بتكذيب المقر له وبقي الولد محتاجا إلى النسب فإذا ادعاه المولى في حال حاجته وليس فيه إبطال حق غيره يثبت منه .
( ألا ترى ) أن المشتري للعبد إذا أقر بالولاء للبائع وكذبه البائع ثم ادعاه لنفسه ثبت الولاء منه والولاء بمنزلة النسب في أنه لا يحتمل الإبطال بعد ثبوته ثم هناك بالتكذيب يبطل إقراره لغيره ويصير كأن لم يكن فكذلك هنا .
وأبو حنيفة - C - يقول في كلامه الأول إقرار بشيئين : .
أحدهما : ثبوت النسب من الغير .
والآخر : خروجه من دعوى هذا النسب أصلا وبتكذيب المقر له إنما يبطل ما هو من حقه فأما ما لا حق له فيه لا يبطل الإقرار فيه بتكذيب وخروج المقر من دعوى هذا النسب ليس بحق للمقر له فيبقى الحال فيه بعد التكذيب على ما كان قبله والدليل عليه أن بتكذيبه لا يبطل الإقرار لأن النسب مما لا يحتمل الإبطال أصلا بل بقي موقوفا على حقه حتى لو ادعاه ثبت منه فلا يملك المولى دعواه لنفسه في حال توفقه على حق الغير كولد الملاعنة إذا ادعى غير الملاعن نسبه لا يثبت منه لأنه يبقى موقوفا على حق الملاعن فيمنع ذلك صحة دعوة غيره وهذا بخلاف الولاء فإنه أثر من أثر الملك وأصل الملك محتمل النقل من شخص إلى شخص فكذلك أثره إلا أنه إنما لا يحتمل الإبطال بعد تقرر سببه وهو العتق من واحد لعدم تصور ذلك السبب من غيره حتى لو تصور بأن كانت أمة فارتدت ولحقت بدار الحرب وسبيت فملكها رجل وأعتقها كان ولاؤها له دون الأول وهنا السبب كان موقوفا لم يتقرر للبائع ويحتمل تقرره من قبل المشتري بدعواه لنفسه فلهذا يثبت الولاء له بخلاف النسب ولو لم يقر المولى بشيء منه من ذلك ولكن أجنبي قال هذا الولد ابن المولى فأنكره المولى ثم اشتراه الأجنبي أو ورثه فادعى أنه ابنه عتق ولم يثبت نسبه منه في قول أبي حنيفة - C - وهذا والأول سواء لأن الإقرار بالنسب في حق المقر يعتبر فيما لا يتناول حق المقر مالكا كان أو أجنبيا وكذلك لو شهد شاهدين بنسب لغيره ثم ادعى لنفسه ثم لم يثبت نسبه في قول أبي حنيفة - C - لما بينا أن بشهادته لغيره قد أخرج نسبه من ذلك النسب فلا يمكنه أن يدعيه لنفسه بعد ذلك .
قال : ( ولو شهدت امرأة على صبي أنه ابن هذه المرأة ولم