قال - C - ( دار في يد رجل ادعى رجل أن أباه مات وتركها ميراثا له منذ سنة جاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها من ذي اليد منذ سنتين لم تقبل هذه البينة ) لأن شرط قبول البينة تقديم الدعوى فإن حقوق العباد إنما يجب بقاؤها عند طلب صاحب الحق أو من يقوم مقامه وما شهد به شهوده لم يتقدم الدعوى به منه ولا يتمكن من أن يدعيه لأن دعواه الأول يناقض دعواه الثاني فإن بما ورثه عن أبيه منذ سنة لا يتصور أن يكون مشتريا له من ذي اليد منذ سنتين والتناقض يعدم ميراثا قد أكذب شهوده على الشراء فلهذا لا تقبل شهادتهم له وكذلك لو شهدوا بهبة أو صدقة له من ذي اليد منذ سنتين .
ولو كان المدعي ادعى أن ذي اليد تصدق بها عليه منذ سنة وشهد الشهود على الشراء منذ سنتين لم تقبل أيضا لأن بعد دعواه الأولى لا يمكنه دعوى الشراء منذ سنتين فلانعدام الدعوى أولا كذلك شهوده تمنع العمل بشهادتهم .
وكذلك لو ادعى الشراء أولا منذ سنة ثم أقام البينة على الصدقة منذ سنتين ولو ادعى الصدقة منذ سنة ثم أقام البينة على الشراء منذ شهر لم تقبل إلا أن يوفق فيقول جحدني الصدقة فاشتريتها منه فحينئذ يقضي بها له لأن من حيث الظاهر الشهادة مخالفة للدعوى إلا أن التوفيق ممكن فقد يجحد المتصدق الصدقة فيشتريها منه المتصدق عليه بعد ذلك فتقبل البينة عند التوفيق كما لو ادعى ألفا وشهد له الشهود بألف وخمسمائة لم تقبل إلا أن يوفق المدعي فيقول كان حقي ألفا وخمسمائة ولكني استوفيت منه خمسمائة ولم يعلم به الشهود بخلاف ما تقدم فإن هناك لا يمكنه أن يوفق فيقول جحدني الصدقة منذ سنة فاشتريتها منه منذ سنتين وكذلك لو ادعى الشراء منذ سنة ثم أقام البينة على الصدقة من شهر وقال جحدني الشراء فسألته فتصدق علي بها بعد ذلك فهذا توفيق صحيح ينعدم به التناقض وإكذاب الشهود وكذلك لو ادعى الميراث من أبيه منذ سنة وشهد الشهود على شرائها من ذي اليد منذ شهر فقال جحدني ذلك ولم يكن له بينة فاشتريتها منه منذ شهر فهذا توفيق صحيح .
وكذلك لو ادعى أمة في يدي رجل فقال اشتريتها منه بعبدي هذا منذ سنة ثم جاء بالبينة أنه اشتراها منذ سنة وجاء بشاهدين فشهدا أنه اشتراها منه بألف درهم مطلقا أو منذ شهر تقبل الشهادة إذا وفق أو قال حين جحدني الشراء بالعبد فاشتريها بألف درهم بعد ما قمنا من مجلسك أيها القاضي والبيع الثاني ينقض البيع الأول فيتمكن القاضي من القضاء بالعقد الذي شهدوا به عند هذا التوفيق ولو شهدوا أنه اشتراها بألف درهم منذ سنة أو أكثر لم أقبل شهادتهما لأن اختلاف اليد يوجب اختلاف العقد فالتوفيق غير ممكن أن شهدوا بالشراء منه منذ سنة لأنه لا تاريخ بين العقد المدعا والمشهود به .
وإن شهدوا بالشراء بألف منذ أكثر من سنة لا يتمكن القاضي من القضاء بالعقد الذي شهدوا به لأن العقد المدعا كان بعده بزعم المدعي وهو ينقض العقد الأول فلا يمكنه القضاء بالعقد المدعا لأن الحجة لم تقم به فلهذا لا تقبل الشهادة .
قال : ( فإن ادعى عينا في يد رجل أنه له وشهد شهوده أنه اشتراه من ذي اليد ونقده الثمن أو وهبه ذو اليد أو تصدق به عليه أو أنه ورثه من أبيه قبلت الشهادة ) لأن المعتبر الموافقة بين الدعوى والشهادة معنى لا لفظا .
( ألا ترى ) أن المدعي يقول ادعى عليه كذا والشاهد يقول أشهد عليه بكذا والموافقة معنى موجود هنا لأنه ادعى الملك وقد شهدوا له بالملك مع بيان سببه ولا بد للملك من سبب فبيان سبب الملك من الشهود في الشهادة إن لم يؤكد شهادتهم بالملك لا تندفع بها وهذا بخلاف ما إذا ادعى الشراء من ذي اليد وشهد له الشهود بالملك مطلقا لأن الشهادة هناك أزيد من الدعوى فإن الملك بالشراء حادث والشهادة على الملك المطلق تثبت الاستحقاق من الأصل حتى يرجع الباعة بعضهم على بعض بالثمن .
فأما إذا ادعى ملكا مطلقا وشهد الشهود بالشراء فالملك به دون المدعا فذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو ادعى ألفا وشهد له الشهود بخمسمائة تقبل ولو ادعى خمسمائة وشهد له الشهود بألف لا تقبل وكذلك لو ادعى أنه له ثم ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة فيه وأقام البينة على ذلك تقبل بينته لأنه لا منافاة بين الدعوتين فالوكيل بالخصومة قد نصف العين إلى نفسه على معنى أن له حق المطالب به فيتمكن القاضي من القضاء بما شهد به الشهود بعد دعواه الأول .
ولو ادعى أول مرة أنه لفلان وكله بالخصومة فيه ثم أقام البينة أنه له لم أقبل بينته لأن ما هو مملوك له لا يضاف إلى غيره عند الخصومة فلا يتمكن القاضي من القضاء بالمشهود به وهو الملك له بعد ما أقر أنه وكيل فيه بالخصومة بما ادعاه الأول ولا يتمكن من القضاء بالملك لأن الشهود لم يشهدوا به .
وكذلك إن أقام البينة أنه لفلان آخر وكله بالخصومة فيه لا أقبل ذلك منه لأن الوكيل بالخصومة في العين من جهة زيد لا بصفة إلا غيره فيتمكن من التناقض بين الدعوتين على وجه لا يمكن التوفيق بينهما .
قال : ( ولو ادعاه لرجل زعم أنه وكله فيه بالخصومة ثم قال بعد ذلك أنه باعه من فلان وهو يملكه وكلني فلان المشتري بالخصومة وجاء بالبينة على ذلك قبلت بينته وقضيت به للموكل الآخر ) لأنه وفق بين الدعوتين بتوفيق ممكن لو عاينا ذلك صححنا دعواه الثانية فكذلك إذا وفق بتلك الصفة ويقضي به للموكل الآخر وتأويل هذا إذا شهدوا الشهود بالملك بالشراء فأما إذا شهدوا بالملك المطلق لا تقبل الشهادة .
قال : ( ولو ادعى القاضي في صك جاء باسمه ثم جاء بالبينة أن ذلك المال لغيره وأنه قد وكله بالخصومة فيه قبلت ذلك منه ) لما بينا أن الوكيل بالخصومة قد يضيف المال إلى نفسه على معنى أن له حق المطالبة به فيتمكن القاضي من القضاء بالشهادة والله أعلم بالصواب