قال - C - ( دابة في يد رجل ادعاها آخر أنها دابته نتجها عنده وأقام البينة على ذلك وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضي بها لذي اليد استحسانا ) وفي القياس يقضي بها للخارج وهو قول ابن أبي ليلى - C - ووجهه أن مقصود كل واحد منهما إثبات الملك حتى لا يصير خصما إلا بدعوى الملك لنفسه وفيما هو المقصود بينة ذي اليد لا تعارض بينة الخارج كما بينا في دعوى الملك المطلق ولا فرق بينهما فإن إقامة البينة على الملك المطلق توجب الاستحقاق من الأصل كإقامة البينة على النتاج إلا أنا استحسنا للأثر وهو ما رواه أبو حنيفة - C - عن الهيثم عن رجل عن جابر بن عبدالله - Bه - أن رجلا ادعى ناقة بين يدي رسول الله - A - على رجل وأقام البينة أنها ناقته نتجها وأقام ذو اليد البينة أنها دابته نتجها فقضى رسول الله - A - بها للذي هي في يديه .
ولأن يد ذي البينة لا تدل على أولوية الملك فهو يثبت ببينته ما ليس بثابت فوجب بظاهر يده فوجب قبول البينة ثم تترجح بيده بخلاف الملك المطلق فإن هناك لا يثبت ببينته إلا ما هو ثابت له بظاهر يده فوجب قبول بينته ومعنى هذا الكلام وهو أن حاجة ذي اليد إلى دفع بينة الخارج وفي إقامته البينة على النتاج ما يدفع بينة الخارج لأن النتاج لا يتكرر .
فإذا أثبت أنه نتجها اندفع استحقاق الخارج ضرورة فأما في الملك المطلق فليس في بينته ما يدفع بينة الخارج لأن ملكه في الحال لا يبقى ملكا كان للخارج فيه من قبل فلهذا عملنا بينة الخارج هناك وكان عيسى بن إبان - C - يقول الطريق عندي في النتاج تهاتر البينتين لتيقن القاضي بكذب أحدهما إذ لا تصور لنتاج دابة من دابتين فإنما يقضي بها لذي اليد فصار ترك لتهاتر البينتين وهذا ليس بصحيح فقد ذكر في الخارجين أقام كل واحد منهما البينة على النتاج إنما يقضي بها بينهما نصفين ولو كان الطريق ما قال لكان يترك في يد ذي اليد .
وكذلك لو كانت الشاة المذبوحة في يد أحدهما وسقطها في يد الآخر وأقام كل واحد منهما البينة على النتاج فيما يقضي بها وبالسقط لمن في يده أصل الشاة ولو كان الطريق تهاتر البينتين لكان يترك في يد كل واحد منهما ما في يده ولا معنى لقوله بأن القاضي تيقن بكذب أحد الفريقين لأن الشهادة على النتاج ليس بمعاينة الانفصال في الأم بل بدونه الفصيل يتبع الناقة فكل واحد من الفريقين اعتمد سببا صحيحا لأداء الشهادة فيجب العمل بها ولا يصار إلى التهاتر بمنزلة شهادة الفريقين على الملكين .
وكذلك لو كانت الدعوى في العبد والأمة وأقام كل واحد منهما البينة على الولادة في ملكه فهذا والنتاج في الدابة سواء وكذلك إذا أقام كل واحد منهما البينة أنه ثوبه نسجه فإن النسج في الثوب يوجب أولوية الملك فيه وهو لا يتكرر كالنتاج في الدابة إلا أن يكون الثوب بحيث ينسج مرة بعد مرة كالخز ينسج ثم ينكث فيغزل ثانيا فحينئذ يقضي به للخارج والحاصل أن النتاج مخصوص من القياس بالسنة فلا يلحق به إلا ما في معناه من كل وجه فأما ما ليس في معناه إلا من بعض الوجوه لا يلحق به لأنه لو ألحق به كان بطريق القياس ولا يقاس على المخصوص من القياس لأن قياس الأصل يعارضه وكل قياس لا ينفك عما يعارضه فهو باطل إذا ثبت هذا فنقول ما لا يتكرر فهو في معنى النتاج من كل وجه فيلتحق به ويكون إثبات الحكم فيه بدلالة النص وما يتكرر ليس في معنى النتاج من كل وجه فيعاد فيه إلى أصل القياس .
قال : ( ولو ادعى الدابة خارجان أقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها عنده ويقضي بها بينهما نصفين ) لاستوائهما في سبب الاستحقاق فإن وقتت بينة أحدهما ولم توقت بينة الآخر وهي مشكلة السن قضي بها بينهما نصفين لأن الذي لم يوقت أثبت ملكه فيها من حين وجدت والملك لا يسبق الوجود فلم يكن التوقيت مفيدا شيئا في حق من وقته إذا كانت مشكلة السن فكان ذكره كعدم ذكره .
فإن كان السن على أحد الوقتين وقد وقتت بينة كل واحد منهما وقتا قضيت بها لمن وافق توقيته سن الدابة ولا عبرة بالأول والآخر لأن علامة الصدق ظهرت في شهادة من وافق سن الدابة توقيته وعلامة الكذب تظهر في شهادة الفريق الآخر فيقضي بالشهادة التي ظهر فيها علاة الصدق وإن كانت على غير الوقتين أو كانت مشكلة قضيت بها بينهما نصفين من مشايخنا - رحمهم الله - من قال : .
جمع في السؤال بين الفصلين ثم أجاب عن أحدهما وهو ما إذا كانت مشكلة .
فأما إذا كان سنها على غير الوقتين يعلم ذلك ظهر بطلان البينتين على قياس ما تقدم إذا كان المدعي واحدا ووقت شهوده الملك منذ عشر سنين وهي بنت ثلاثين سنة أن بينته باطلة فكذلك هنا إذا كان سنها على غير الوقتين فقد علم القاضي بمجازفة الفريقين وكذبهما في الشهادة وقد فعل محمد - C - مثل هذا في الكتب جمع بين السؤالين ثم أجاب عن أحدهما وترك الآخر في النكاح والإجارات وغيرهما أو يكون معنى قوله أو كانت مشكلة أو تأتي بمعنى الواو قال الله تعالى : { أو يزيدون } ( الصافات : 147 ) معناه ويزيدون فهنا أيضا معناه إذا كان على غير الوقتين وكانت مشكلة فحينئذ الجواب صحيح .
والأصح أن يقول جوابه صحيح للفصلين أما إذا كانت مشكلة فلا شك فيه وكذلك إذا كانت على غير الوقتين لأن اعتبار ذكر الوقت لحقهما وفي هذا الموضع في اعتباره إبطال حقهما فيسقط اعتبار ذكر الوقت أصلا وينظر إلى مقصودهما وهي إثبات الملك في الدابة وقد استويا في ذلك فوجب القضاء به بينهما نصفان لأنا لو اعتبرنا التوقيت بطلت البينتان وبقيت في يد ذي اليد وقد اتفق الفريقان على استحقاقهما على ذي اليد فكيف يترك في يده مع قيام حجة الاستحقاق عليه ( وإن أقام ذو اليد البينة على النسج والثياب والنتاج والملك له وأقام الخارج البينة على مثل ذلك قضيت بها لذي اليد على المدعي ) لأن البينتين استويا فيترجح ذو اليد بحكم يده وإن وقتت البينتان في الدابة وقتين فإن كانت الدابة على وقت بينة المدعي قضيت بها له لأن علامة الصدق ظهرت في شهادة شهوده وعلامة الكذب ظهرت في شهادة شهود ذي اليد وإن كانت الدابة على وقت بينة ذي اليد أو كانت مشكلة قضيت بها لذي اليد إما لظهور علامة الصدق في شهوده أو لسقوط اعتبار التوقيت إذا كانت مشكلة .
قال : ( وإذا كان الثوب في يد رجل فأقام خارج البينة أن ثوبه نسجه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فإن كان يعلم أن مثل هذا لا ينسج إلا مرة فهو لذي اليد وإن كان يعلم أنه ينسج مرة بعد مرة فهو للخارج ) لأن هذا ليس في معنى النتاج وإن كان مشكلا لا يستبين أنه ينسج مرة أو مرتين قضيت به للمدعي وهذا قول محمد - C - وفي بعض نسخ الأصل قال وهذا قول أبي حنيفة - C - ولا خلاف بينهم في الحاصل وكان المعنى فيه أنه ليس في معنى النتاح لأن النتاج يعلم أنه لا يكون إلا مرة فما يكون إلا مشكلا لا يكون في معنى ما هو معلوم حقيقة من كل وجه فيؤخذ فيه بأصل القياس ويقضي به للمدعي وكذلك إن كانت المنازعة في نصل سيف وأقام كل واحد منهما البينة أنه سيفه ضربه فإنه يسأل أهل العلم بذلك من الصياقلة لأن هذا مشكل على القاضي فيسأل عنه من له علم به لقوله تعالى : { فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ( النحل : 43 ) وقال النبي - A - ( لا تنازعوا الأمر أهله ) فإن قالوا لا يضرب إلا مرة يقضى به لذي اليد وإن قالوا يضرب مثله مرتين أو أشكل عليهم فلم يعرفوا يقضي به للمدعي لأن هذا ليس في معنى النتاج من كل وجه .
قال : ( ولو كانت الدعوى في غزل بين امرأتين يقضي به للذي هو في يديها ) لأن القطن لا يغزل إلا مرة فكان هذا في معنى النتاج وبهذه المسألة استدلوا على أن من غصب قطنا فغزله بملكه فإن المذكور في كتاب الغصب إذا غزله ونسجه ولم يذكر هذا الفصل ولما جعله هنا في معنى النتاج من كل وجه والنتاج سبب لأولية الملك في الدابة عرفنا أن الغزل سبب لا ولية الملك في المغزول للذي غزله وفي الشعر إذا كان مما ينقض ويغزل يقضي به للمدعي وكذلك المرعزي لأنه ليس في معنى النتاج وكذلك في الحلى يقضي به للمدعي لأنه يصاغ مرتين .
فإن أقاما البينة على خطة الدار قضيت بها للمدعي لأن الخطة قد تكون غير مرة فإنه عبارة عن قسمة الإمام عند الفتح يخط لكل واحد من الغانمين خطا في موضع معلوم يملكه ذلك بالقسمة فيكون خطه له وهذا وهذا قد يكون غير مرة بأن يرتد أهلها وتصير محكومة بأنها دار الشرك لوجود شرائطها ثم يظهر عليها المسلمون ثانية فيقسمها الإمام بالخط لكل واحد منهم كما بينا .
قال : ( وإن كانت الدعوى في صوف فأقام كل واحد منهما البينة أن له جزة من غنمه فإنه يقضي به لذي اليد ) لأن الجز لا يكون إلا مرة واحدة وكذلك المرغزي والجز والشعر فكان هذا في معنى النتاج .
فإن ( قيل ) : كيف يكون الجز في معنى النتاج وهو ليس بسبب لأولية الملك فإن الصوف وهو على ظهر الشاة كان مملوكا له فكان مالا ظاهرا قبل الجز .
( قلنا ) : نعم ولكن كان وصفا للشاة ولم يكن مالا مقصودا إلا بعد الجز ولهذا لا يجوز بيعه قبل الجز وأن ما تنازعا فيه مال مقصود .
قال : ( وإذا كانت الأرض والنخل في يد رجل فأقام آخر البينة أنه نخله وأرضه وأنه غرس هذا النخل فيها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضي بها للمدعي وكذلك الكروم والشجر ) لأن أصل المنازعة في ملك الأرض فإن النخل بمنزلة البيع للأرض حتى يدخل في بيع الأرض من غير ذكر وليس لواحد منهما في الأرض معين النتاج ولأن النخل يفرس غير مرة فقد يغرس الثالثة إنسان ثم يقلعها غيره ويغرسها فلم يكن في معنى النتاج .
وإن كانت الدعوى في الحنطة وأقام كل واحد منهما البينة أنها حنطة زرعها في أرضه قضيت بها للمدعي لأن الزرع قد يكون غير مرة فإن الحنطة قد تزرع في الأرض ثم يغربل التراب فيميز الحنطة ثم تزرع ثانية فلم يكن هذا في معنى النتاج .
وكذلك لو كانت أرض فيها زرع فأقام كل واحد منهما البينة أن الأرض والزرع له وأنه زرعها يقضي بها للمدعي لأن أصل المنازعة في ملك الأرض وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج .
وكذلك قطن أو كتان في يد رجل أقام هو مع خارج كل واحد منهما البينة أنه له زرعه في أرضه فإنه يقضي به للمدعي لما بينا أن الزرع قد يكون غير مرة وكذلك كل ما يزرع مما يكال أو يوزن .
قال : ( وهذا لا يشبه الصوف والمرعزي ) لأن الرجل قد يزرع في أرضه غيره ويكون للزارع ولا يستحقه رب الأرض بخروجه من أرضه وأما الصوف والمرعزي لا يكون إلا لصاحب الغنم فمن ضرورة كون الشاة التي في يد ذي اليد مملوكة له أن يكون الذي جز منها مملوكا له وليس من ضرورة كون الزرع في أرض هي مملوكة لذي اليد أن يكون الزرع مملوكا له ولأن الجز في معنى النتاج والزرع ليس في معناه لاحتمال التكرر فلهذا قضينا به للمدعي .
قال : ( ولو كان القطن شجرا ثابتا في أرض في يد رجل فأقام آخر البينة أنها أرضه وأنه زرع هذا القطن فيها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضي بها للمدعي ) لأن أصل المنازعة في الأرض وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج وكذلك لو كانت هذه المنازعة في دار وأقام كل واحد منهما البينة أنها داره بناها بماله يقضي بها للمدعي لأن البناء يكون مرة بعد مرة ولم يكن في معنى النتاج .
قال : ( ولو كانت أمة في يد رجل ادعاها آخر أنها أمته وأنها ولدت عنده في ملكه من أمته في يديه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضي بها لذي اليد ) لأن الولادة في بني آدم كالنتاج في البهائم ولو كان المدعي أقام البينة على أمها التي عند المدعى عليه أنها أمته وأنها ولدت هذه في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضيت بها وبأمها للمدعي لأن أصل الدعوى في الأم وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج فوجب القضاء بها للمدعي ثم الولد يملك بملك الأم وكان من ضرورة القضاء بالأم للمدعي القضاء بالولد له وكذلك لو كانت الدعوى في صوف فأقام المدعي البينة أنه جزة من شاته هذه وهي في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك من شاة أخرى في يده قضيت بها لذي اليد ولو أقام المدعي البينة على الشاة أنها في يد المدعى عليه أنها شاته وأنه جز هذا الصوف في ملكه منها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضيت بها للمدعي لأن الدعوى في أصل الشاة فإنما أثبت كل واحد منهما بالبينة الملك المطلق فيها فتترجح بينة المدعي ثم الصوف يملك بملك الأصل .
فإن ( قيل ) : قد يكون الوصف والولد لغير صاحب الأصل بأن يوصي بما في بطن جاريته للإنسان وبرقبتها لآخر أو يوصي بالشاة لإنسان وبصوفها لآخر .
( قلنا ) : لا كذلك فالولد والصوف يملك بملك الأصل إلا أن يملك غيره بسبب ينشئه مالك الأصل من وصية أو غيره .
قال : ( عبد في يدي رجل فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده هذا وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فإنه يقضي به للذي هو في يديه ) لإثباته أولية الملك لنفسه فيه فيكون ابن عبده وأمته دون ابن عبد الآخر وأمته لأن بينته لما ترجحت بالقضاء بالملك صارت البينة الأخرى مدفوعة لا يقضى بها بالنسب كما لا يقضى بها بالملك .
وإن أقام الخارج البينة أنه عبده اشتراه من فلان وأنه ولد في ملك بائعه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده اشتراه من فلان آخر وأنه ولد في ملكه قضي به لذي اليد لأن كل واحد منهما خصم في إثبات نتاج بائعه كما هوخصم في إثبات ملك بائعه .
ولو حضر البائعان وأقام البينة على النتاج كان ذو اليد أولى فهذا مثله وكذلك لو أقام الخارج البينة على نتاج بائعه وأقام ذو اليد البينة على النتاج في ملكه فبينة ذي اليد أولى لما بينا .
وكذلك لو أقام البينة على وراثة أو وصية أو هبة مقبوضة من رجل وأنه ولد في ملك ذلك الرجل لأنه يتلقى الملك من جهة مورثه وموصيه فيكون خصما عنه في إثبات نتاجه .
( ولو كان عبد في يدي رجل فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه ولم يسموا أمه وأقام آخر البينة أنه عبده ولد عنده من أمه هذه فإنه يقضي للذي أمه في يديه ) لأن البينات تترجح بزيادة الإثبات وفي بينة من عين أمه زيادة وهو إثبات نسبه من أمه فيترجح بذلك فإن شهد الشهود لذي اليد أنه له ولد في ملكه من أمته هذه لأمة أخرى قضي به لذي اليد لأن بينة الخارج في الولادة لا تعارض بينة ذي اليد سواء حصل من واحدة أو من اثنتين فأما أمه فإنه يقضى بها للذي العبد في يده الذي أقام البينة عليه لأنه لا مزاحم له في الأم بحجة يقيمها على إثبات الملك فيه فلهذا قضيت بها للذي العبد في يديه الذي أقام البينة .
قال : ( وإن كان عبد في يد رجل فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده هذا وأقام آخر البينة على مثل ذلك فإنه يقضي بها بينهما نصفان ) لاستوائهما في الحجة على الولادة في الملك ثم قال ويكون الابن من الأمتين والعبدين جميعا فأما ثبوت نسبه من العبدين فهو على قول علمائنا .
وعلى قول الشافعي - C - لا يثبت نسب الولد من رجلين بحال حرين كانا أو عبدين ادعيا لقيطا أو ولد جارية بينهما ولكنه يرجع إلى قول القائف فإن قال القائف أنه ابنه يثبت النسب منه .
وإن كان موضعا لا يوجد القائف فيه يقرع بينهما ويقضي بالنسب لمن خرجت قرعته .
واحتج في المنع من ثبوت النسب من اثنين أن ثبوت نسب المولود من الوالد بكونه مخلوقا من مائه ونحن نتيقن أنه غير مخلوق من ماء رجلين لأن كل واحد منهما أصل للولد كالأم بمنزلة البيض للفرخ والحب للحنطة فكما لا يتصور فرخ واحد من سنبلة واحدة من حبتين فكذلك لا يتصور ولد واحد من مائين وهذا لأن وصول المائين إلى الرحم في وقت واحد لا يتصور .
وإذا وصل أحد المائين في الرحم ينسد فم الرحم فلا يخلص إليه الماء الثاني فإذا تعذر القضاء بالنسب منهما جميعا يرجع إلى قول القائف لحديث عائشة - Bها - قالت : ( دخل على رسول الله - A - وأسارير وجهه تبرق من السرور وقال أما ترين يا عائشة أن مجزر المدلجي مر بأسامة وزيد وهما نائمان تحت لحاف واحد قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال هذه الأقدام بعضها من بعض ) فسرور رسول الله - A - بقول القائف دليل على أن قوله حجة في النسب ولأن القائف يعتبر الشبه وللشبه في الدعاوي عبرة كما قلتم في متاع البيت إذا اختصم فيه الزوجان فما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة .
وكذلك إذا اختلف الآجر والمستأجر في ملك لوح موضوع في الدار فإن كان تصاويره تشبه تصاوير ما في السقف وموضعه ظاهر فالقول قول الآجر وإن كان يخالف ذلك فالقول قول المستأجر وفي الموضع الذي لا يوجب القائف يسار إلى الإقراع كما هو مذهبه في جواز استعمال القرعة لتعيين المستحق عند الإقرار وقد استعمله علي - Bه - في دعوى النسب حين كان باليمن .
وحجتنا في إبطال المصير إلى قول القائف أن الله تعالى شرع حكم اللعان بين الزوجين عند نفي النسب ولم يأمر بالرجوع إلى قول القائف فلو كان قوله حجة لأمر بالمصير إليه عند الاشتباه ولأن قول القائف رجم بالغيب ودعوى لما استأثر الله D بعلمه وهو ما في الأرحام كما قال الله تعالى : { ويعلم ما في الأرحام } ( لقمان : 34 ) ولا برهان له على هذه الدعوى و عند انعدام البرهان كان في قوله قذف المحصنات ونسبة الأولاد إلى غير الآباء ومجرد الشبه غير معتبر فقد يشبه الولد أباه الأدنى وقد يشبه الأب الأعلى الذي باعتباره يصير منسوبا إلى الأجانب في الحال .
وإليه أشار رسول الله - A - حين أتاه رجل فقال : ( أنا أسود شديد السواد وقد ولدت امرأتي ولدا أبيض فليس مني فقال - A - هل لك من إبل فقال نعم فقال A ما لونها قال حمر فقال A هل فيها من أورق فقال نعم فقال A من ذاك فقال لعل عرق نزع أو فقال A ولعل هذا عرقا نزع ) فبين النبي - A - أنه لا عبرة للشبه وفي متاع البيت عندنا الترجيح بالاستعمال لا بالشبه وفي اللوح الترجيح بالظاهر لا بالشبه .
( ألا ترى ) أن إسكافا وعطارا لو تنازعا في أداة الأساكفة لا يترجح الإسكاف بالشبه وثبوت نسب أسامة - Bه - كان بالفراش لا بقول القائف إلا أن المشركين كانوا يطعنون في ذلك لاختلاف لونهما وكانوا يعتقدون أن عند القافة علم بذلك وإن بني المدلج هم المختصون بعمل القيافة ومجز ريشهم فلما قال ما قال كان قوله رد الطعن المشركين فإنما سر به رسول الله - A - لهذا لا لأن قول القائف حجة في النسب شرعا .
فأما الدليل على إثبات النسب منهما حديث عمر وعلي - Bهما ( حين قال في هذه الحادثة إن لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما وهو أبنهما يرثهما ويرثانه ) وهو للباقي منهما والمعنى فيه أنهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعي قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق .
وبيان ذلك أن ثبوت النسب من الرجل باعتبار الفراش لا بحقيقة انخلاقه من مائة لأن ذلك لا طريق إلى معرفته ولا باعتبار الوطء لأنه سر عن غير الواطئين فأقام الشرع الفراش مقامه تيسيرا فقال A : ( الولد للفراش ) وكل واحد من البينتين يعتمد على ما علم به من الفراش والحكم المطلوب من النسب الميراث والنفقة والحضانة والتربية وهو يحتمل الاشتراك فيقضي به بينهما وهو الجواب عن قوله أنه لا يتصور خلاق الولد من المائين فإن السبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الخفي تيسيرا سقط اعتبار معنى الباطن مع أن ذلك يتصور بأن يطأها أحدهما فلا يخلص الماء إلى أحدهما حتى يطأها الثاني فيخلص الماآن إلى الرحم معا ويختلط الماآن فيتخلق منهما الولد بخلاف البيضتين والحبتين لأنه لا تصور للاختلاط فيهما .
قال : ( وإن كان المدعي للنسب أكثر من اثنين فعلى قول أبي حنيفة - C - يثبت منهم وإن كثروا أخذا بالقياس كما قررنا وعند أبي يوسف - C - لا يثبت فيما زاد على المثني ) لأن ثبوته من اثنين بحديث عمر وعلي - Bهما - ففيما زاد على ذلك يوجد بأصل القياس الذي قرره الخصم لاستحالة إثبات نسب من عشرة أو أكثر ومحمد - C - يقول : يثبت من ثلاثة لأنها أدنى الجمع ولا نهاية للزيادة على الثلاثة فالقول به يؤدي إلى التفاحش فاعتبرت أدنى الجمع وقلت يثبت من ثلاثة ولا يثبت من أكثر من ذلك .
فأما في الأمتين يثبت النسب عند أبي حنيفة - C - وكذلك من الحرتين إذا ادعتا لقيطا وأقامتا البينة .
وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - لا يثبت النسب من المرأتين بحال وحجتهما في ذلك أن ثبوت النسب من المرأة بسبب انفصال الولد عنها ولهذا يثبت من الزانية وهذا سبب معاين يوقف عليه فيعتبر حقيقته ولا تصور لانفصال ولد واحد من المرأتين فيتيقن بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فتبطل البينتان بخلاف الرجلين فسبب ثبوت النسب من الرجل الفراش على ما قررنا .
وأبو حنيفة - C - يقول : نعم حقيقة هذا النسب من امرأتين محال ولكن المقصود من النسب حكمه لا عينه وهو الحضانة والتربية من جانب الأم وهذا الحكم قابل للاشتراك فيقبل البينتان لإثبات الحكم ويكون ذكر السبب كناية عن الحكم مجازا وهو نظير ما قاله أبو حنيفة - C - فيمن قال لعبده وهو أكبر سنا منه هذا ابني يعتق عليه وإن كان صريح كلامه محالا ولكن يجعل كناية عن حكمه مجازا وما قالا يبطل بدعوى النتاج فإن ولادة شاة واحدة من شاتين حقيقة محال ومع ذلك إذا أثبت الخارجان ذلك بالبينة يقضي بالحكم المطلوب وهو الملك لأنه قابل للاشتراك فهذا مثله .
قال : ( وإذا كان قباء محشوا في يد رجل فأقام رجل البينة أنه له قطعه وحشاه وخاطه في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فإنه يقضي به للمدعي ) لأن الحشو والخياطة قد تكون غير مرة فلم تكن في معنى النتاج وكذلك الحبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب والبسط والأنماط والوسائد لأن هذا مما يتكرر وكذلك الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران أو الورس إذا أقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة على أن له صبغه في ملكه لأن الثوب يصبغ غير مرة وقد يصبغ على لون ثم يصبغ على لون آخر فلم يكن ذلك في معنى النتاج .
وكذلك أواني الصفر والحديد يقضي به للمدعي إلا أن يعلم أنه لا يصبغ إلا مرة فحينئذ يكون في معنى النتاج وكذلك الأبواب والسرر والكراسي إذا أقام كل واحد منهما البينة أنه يجره في ملكه فإن كان ذلك لا يكون إلا مرة واحدة يقضي به لذي اليد لأنه يكون في معنى النتاج فإن كان يكون غير مرة أو لا يعلم يقضي بها للمدعي لأنه ليس في معنى النتاج وعلى هذا الخفاف والنعال والقلانس .
قال : ( ولو كانت الدعوى في سمن أو زيت أو دهن وأقام كل واحد منهما البينة أنه لو عصره وسلاه في ملكه فإنه يقضي به لذي اليد ) لأن هذا لا يكون إلا مرة واحدة فهو في معنى النتاج وكذلك السويق والعصير والخل والجبن وأشباه ذلك وأما الشاة المسلوقة إذا أقام كل واحد منهما البينة أنها شاته ضحى بها وسلخها فإنه يقضي بها للمدعي لأن الذبح والسلخ ليس بسبب للملك .
( ألا ترى ) أن الغاصب لا يملك به فلم يكن هذا في معنى النتاج في إثبات أولية الملك به فلهذا قضينا به للمدعي .
قال : ( إن أقام خارجان البينة دعوى الدابة أحدهما على الملك المطلق والآخر على النتاج فإنه يقضي بها لصاحب النتاج ) لإثباته أولية الملك لنفسه فإنها لا تتملك إلا من جهته والآخر لا يدعي تملكها من جهته .
وفي الكتاب قال عن شريح - C - الناتج أحق من العارف يعني بالعارف الخارج الذي يدعي ملكا مطلقا .
( ولو كانت الدعوى في لحم مشوي أو سمكة مشوية وأقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه شواه في ملكه يقضي بها للمدعي ) لأن الشيء قد يكون غير مرة فإن اللحم يشوى ثم يعاد ثانيا فلم يكن في معنى النتاج وكذلك المصحف إذا أقام كل واحد منهما البينة أنه مصحفه كتبه في ملكه يقضي به للمدعي لأن الكتابة ليست بسبب للملك ولكنه قد يتكرر يكتب ثم يمحي ثم يكتب فلهذا قضينا به للمدعي .
قال : ( ولو كانت الدعوى في أمة فأقام أحد الخارجين البينة أنها أمته ولدت في ملكه وأقام آخر البينة أنها أمته سرقت منه فإنه يقضي بها لصاحب الولادة وكذلك لو شهد شهود السرقة أنها أمة أبقت منه أو غصبها إياه ذو اليد فهي لصاحب الولادة ) لأن في بينته إثبات أولية الملك وليس في البينة الأخرى ذلك فكان استحقاقه سابقا وكذلك في الدابة إذا شهد شهود أحدهما بالنتاج وشهود الآخر أنها دابته أجرها من ذي اليد أو أعارها أو رهنها إياه فهي لصاحب النتاج لأن في شهادة شهوده دليل سبق ملكه .
قال : ( وإذا كان الثوب في يد رجل فأقام آخر البينة أنه نسجه ولم يشهدوا أنه له لم يقض له ) لأنه لم يشهدوا له بالملك نصا فقد ينسج الإنسان ثوب الغير بإذنه ولا يملكه كالنساج ينسج ثياب الناس .
وكذلك لو أقام البينة في دابة أنها نتجت عنده أو في أمة أنها ولدت عنده فليست هذه اللفظة شهادة بالملك للمدعي فلا يستحق به شيئا . وكذلك لو شهدوا أنها أبنت أمته فليس في هذا اللفظ شهادة بالملك له إنما فيه شهادة بالنسب .
( ألا ترى ) أنه قد يشتري أمة ولها ابنت في يد غيره فهي ابنت أمته ولا تكون مملوكة له أو بشيء بعد الانفصال عنها فهي ابنة أمته ولا تكون مملوكة له .
وكذلك لو شهدوا على ثوب أنه غزل من قطن فلان ونسج لم يقض له به لأن ملك القطن لا يكون سببا لملك الغزل والثوب وأن الغاصب إذا غزل القطن ونسجه كان الثوب مملوكا له وإن لم يكن مالكا للقطن والمغصوب منه كان مالكا للقطن ولا يملك الثوب به فليس في هذا اللفظ شهادة بالملك له نصا .
فإن قال أنا أمرته أن يغزل وينسج قضي له بالثوب لأن عمل الغير بأمره كعمله بنفسه و الذي غزله ونسجه بإنكاره الأمر يدعي بملكه عليه فلا يصدق إلا بحجة ولو شهدوا أن هذه الحنطة من زرع حصد من أرض فلان فأراد صاحب الأرض أخذ الحنطة لم يكن له ذلك .
وفي رواية أبي حفص - C - قال له أن يأخذ الحنطة لأنهم أضافوا الأرض إليه ملكا ويدا فما في أرضه من الزرع يكون في يده وهذا بمنزلة شهادتهم أنه أخذها من يده فيؤمر بالرد عليه .
وجه رواية أبي سليمان - C - أنهم ما شهدوا بالملك له في الزرع إنما أضافوا الأرض إليه بالملكية وقد تكون الأرض مملوكة له والزرع الذي فيها لغيره كمن غصب أرضا فزرعها وكذلك ما شهدوا باليد في الزرع ولا في الأرض نصا فإنه ليس من ضرورة كون الأرض مملوكة له أن تكون في يده فلهذا لا يستحق شيئا .
وكذلك لو شهدوا أن هذه الحنطة من زرع كان في أرضه أو أن هذا التمر من نخل كان في أرضه وأن هذا الزبيب من كرم كان في أرضه لأنهم ما أضافوا ما وقع فيه الدعوى إليه ملكا ولا يدا وقد يكون النخل والكرم في الأرض لغير صاحب الأرض ملكا ويدا .
ولو أقر بذلك الذي في يديه أخذ به لإقراره بالأخذ من ملكه والإقرار بالأخذ من ملكه بمنزلة الإقرار بالأخذ من يده فيؤمر بالرد عليه وهذا لأن الإقرار يوجب الملك بنفسه قبل أن يتصل به القضاء فنوع احتماله فيه لا يمنعنا من العمل بظاهره فأما الشهادة لا توجب الحق إلا بقضاء القاضي وإنما يقضي القاضي بالمشهود به فإذا لم يكن في الشهادة تنصيص على ملك أو يد للمدعي فالمدعي لا يقضى به له .
وتوضيح الفرق : أن في إقراره بيان أنه كان في يده فكأنه قال كان في يد هذا أمس فيؤمر بالرد عليه وفي الشهادة كذلك ولكن لو شهدوا أنه كان في يده أمس لا يستحق به شيئا .
قال : ( وإن شهدوا أن هذا التمر أخذه هذا من نخل فلان قضي له به بمنزلة ما لو شهدوا أنه أخذه من يد فلان ) لأن المتصل بنخله من الثمر يكون في يده .
ولو شهدوا أنه خرج من نخل فلان وهو يملكه أو أن هذا العبد ولدته أمة فلان وهو يملكها قضي له بجميع ذلك لأنهم صرحوا بالولد من ملكه والمتولد من ملك الإنسان يكون مملوكا له إلى أن يتملكه الغير بسبب عارض من وصية أو غيرها فكان هذا وشهادتهم بالملك له في الدمعى سواء وكذلك لو شهدوا أن هذه الحنطة من زكرع هذا لأنهم أضافوا إليه بالملكية وشهدوا أن هذه الحنطة جزء منه فإن من للبتعيض فكان هذا تنصيصا على الشهادة بالملك له في الحنطة وكذلك لو شهدوا أن هذا الزبيب من كرم هذا وهذا التمر من نخل هذا قضي له به لشهادتهم بالتولد من ملكه .
ولو شهدوا أن فلانا غزل هذا الثوب من قطن فلان وهو يملك القطن ونسج الثوب فإني أقضي على الذي غزل مثل ذلك القطن لما بينا أن ملك القطن ليس بسبب لملك الثوب . ولكن من غزل قطن الغير ونسجه فالثوب له وهو ضامن لمثل ذلك القطن .
وإن قال صاحب القطن أمرته بذلك أخذ الثوب لأنهما اتفقا على أنه كان مالكا للقطن والذي غزل ونسج يدعي تملكه عليه بالضمان وهو منكر لذلك فكان القول قوله كما لو ادعى التملك عليه بالبيع فأنكره .
وكذلك لو شهدوا أن فلانا طحن هذا الدقيق من حنطة فلان وهو يملكها قضي عليه بحنطة مثلها وإن قال رب الحنطة أنا أمرته أخذ الدقيق لما بينا .
قال : ( وإذا كان الدجاج أو الشيء من الطيور في يد رجل فأقام رجل البينة أنه له فرخ في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضي به لذي اليد ) لأن هذا في معنى النتاج لا يتكرر .
ولو أقام المدعي البينة أن البيضة التي خرجت هذه الدجاجة منها كانت له لم يقض له بالدجاجة ولكن يقضي على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها لأن ملك البيض ليس بسبب لملك الدجاجة فإن من غصب بيضة وحضنها ذلك تحت دجاجة كان الفرخ للغاصب وعليه بيضة مثل المغصوبة وهذا لا يشبه الولادة والنتاج لأن من غصب أمة أو دابة فولدت عنده لا يملك الولد بل هو لصاحب الأصل وهذا لأن البيضة بالحضانة تصير مستهلكة فيحال بحدوث الفرخ على عمل الحضانة بخلاف الدابة والأمة فإنها لا تصير مستهلكة بالولادة فيكون مملوكا لصاحب الأصل لتولده من ملكه .
قال : ( ولو غصب دجاجة فباضت عنده فالبيضة لصاحبها لتولدها من ملكه فإن باضت بيضتين فحضنت الدجاجة نفسها على أحدهما فخرج منها فرخ وحضنها الغاصب على الأخرى فخرج منها فرخ فالفرخ الأول للمغصوب منه مع الدجاجة والفرخ الآخر للغاصب ) لأن ماحصل بفعله يصير مملوكا له وما حصل بفعل الدجاجة نفسها لا صنع للغاصب فيه فلا يملكه بل يكون لمالك الأصل كما قلنا فيمن غصب حنطة وزرعها كان الزرع له ولو وهبت الريح بالحنطة فجعلتها مزروعة في الأرض كان الزرع لصاحب الحنطة لأن بناء الحكم على فعل الربح غير ممكن فيجعل مملوكا لصاحب الأصل ولأن ما حضنها الغاصب صار مستلهكا بفعله فيكون ضامنا لمثله ويصير مملوكا له بالضمان فإنما يتولد الفرخ من ملكه فأما ما حضنت الدجاجة بنفسها لم تصر مضمونة على الغاصب فلا يملكها فبقي ذلك الفرخ لصاحب الأصل .
قال : ( ثوب مصبوغ بعصفر في يد رجل فشهد شاهدان أن هذا العصفر الذي في هذا الثوب لفلان صبغ به هذا الثوب فلا يدري من صبغه وجحد ذلك صاحب الثوب فادعى صاحب العصفر أن رب الثوب الذي فعل ذلك فإنه لا يصدق عليه ) لأنه يدعي ضمان قيمة العصفر دينا في ذمته وهو منكر وليس في شهادة شهوده ما يوجب ذلك فإن ثوب الغير إذا هبت به الريح والقته في صبغ إنسان فانصبغ كان الصبغ لصاحبه في الثوب الآخر وليس له أن يضمن صاحب الثوب شيئا ولكن يقوم الثوب أبيض ويقوم مصبوغا فإن صاحب الثوب يضمن له ما زاد العصفر في ثوبه وإلا بيع الثوب فيصرف فيه صاحب الثوب بقيمة ثوبه أبيض وصاحب العصفر ما زاد العصفر في ثوبه لأنهما شريكان في الثوب المصبوغ أحدهما بالثوب والآخر بالعصفر ولكن الثوب أصل والعصفر فيه وصف فكان الخيار لصاحب الأصل دون صاحب الوصف .
قال : ( وإن كانت الدعوى في لبن فأقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه له ضربه في ملكه يقضي به للمدعي ) لأن اللبن يضرب غيره مرة بأن يضرب ثم يكسر ثم يضرب فلم يكن في معنى النتاج فلهذا قضي به للمدعي .
قال : ( وإن كانت الدعوى في جبن فأقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه جبنه صنعه في ملكه فهو للذي في يديه ) لأن الجبن لا يصنع إلا مرة وهو سبب لأولية الملك بمنزلة النتاج فهذه المسألة على خمسة أوجه : .
أحدهما : ما بينا .
والثاني : إذا أقام كل واحد منهما البينة أن اللبن الذي صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضي به للمدعي لأن أصل المنازعة في اللبن وبينة كل واحد منهما فيه قامت على الملك المطلق .
والثالث : أن يقيم كل واحد منهما البينة أن حلب اللبن الذي صنع منه هذا الجبن من شاته في ملكه فيقضي لذي اليد لأن الحلب في اللبن لا يتكرر فكان في معنى النتاج .
والرابع : إذا أقام كل واحد منهما البينة أن الشاة التي حلب منها اللبن الذي صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضي به للمدعي لأن المنازعة في ملك الشاة وبينة كل واحد منهما فيها قامت على المطلق .
والخامس : أن يقيم كل واحد منهما أن الشاة التي حلب منهما اللبن الذي صنع منه هذا الجبن شاته ولدت في ملكه من شاته فالبينة بينة ذي اليد لأن الحجتين قامتا على النتاج في الشاة التي كانت المنازعة فيها .
قال : ( ولو كانت الدعوى في آجر أو جص أو نورة وأقام كل واحد منهما البينة أنه له صنعه في ملكه قضيت به لذي اليد ) وكان ينبغي أن يقضي بالآجر للخارج ويجعل هذا بمنزلة الشيء في اللحم ولكنه .
قال : ( طبخ الآجر لا يتكرر ) فإنه بالطبخ الأول يحدث له اسم الآجر فإن أعيد طبخه بعد ذلك لا يحدث به اسم اخر فعرفنا أنه مما لا يتكرر . وكذلك طبخ الجص والنورة فكان هذا في معنى النتاج .
قال : ( فإن كانت الدعوى في جلد شاة وأقام كل واحد منهما البينة أنه جلده سلخه في ملكه قضي به لذي اليد ) لأن سلخ الجلد لا يتكرر فكان في معنى النتاج ولو لم يقم البينة على ذلك لهما ولكن المدعي أقام البينة أنه جلد شاته ولم يشهدوا له به لم يقض له بالملك . وكذلك لو شهدوا على صوف أنه صوف شاته أو على لحم أنه لحم شاته .
قال عيسى - C - هذا غلط وأرى جواب محمد - C - في هذه الفصول لا يستمر على أصل واحد وقد قال قبل هذا إذا قالوا هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا الزبيب من كرمه أو هذا التمر من نخلة قضي له به وأي فرق بين تلك المسائل وبين هذه المسائل بل الجلد والصوف واللحم في كونه مملوكا بملك الأصل أبلغ من ملك الزرع والتمر والزبيب بملك الأصل .
فإن ( قيل ) : أن هنا قد ينفصل ملك الصوف عن ملك الأصل بالوصية فكذلك في تلك المسائل .
ولكن ما ذكره محمد - C - صحيح لأنهم ما جعلوا المدعى هنا في شهادتهم من ملكه إنما نسبوه إلى شاة ثم نسبوا إليه الشاة بالملكية فلم يكن شهادة بالملك في المدعى نصا فأما هناك شهدوا أن المدعاة من ملكه وذلك شهادة بالملك له في المدعا نصا .
قال : ( ولو كانت شاة مسلوخة في يد رجل وجلدها ورأسها وسقطها في يد آخر فأقام ذو اليد في الشاة البينة أن الشاة والجلد والرأس والسقط له وأقام الذي في يديه السقط البينة على مثل ذلك فإنه يقضى لكل واحد منهما بما في يدي صاحبه ) لأن كل واحد منهما أثبت فيما في يد صاحبه ملكا مطلقا بالبينة وبينة الخارج في دعوى الملك المطلق تترجح .
ولو أقام كل واحد منهما البينة أن الشاة شاته نتجت عنده في ملكه فذبحها وسلخها وأن له جلدها ورأسها وسقطها يقضي بالكل للذي الشاة في يده لأنه أثبت ببينته النتاج في الشاة فاستحق القضاء بأولية الملك له فيها وجلدها ورأسها وسقطها ببيعها فلهذا قضينا بالملك لذي اليد .
قال : ( ولو كانت شاة في يدي رجل وشاة أخرى في يد آخر فأقام كل واحد منهما البينة على شاة صاحبه الذي في يديه أنها شاته ولدت في ملكه من هذه الشاة القائمة في يده فإنه يقضي لكل واحد منهما بشاة صاحبه التي في يديه ) وتأويل هذه المسألة فيما إذا كان سن الشاتين مشكلا فأما إذا كان معلوما واحدهما تصلح أما للأخرى الأخرى لا تصلح أمالها وكانت علامة الصدق ظاهرة في شهود أحدهما وعلامة الكذب ظاهرة في شهادة شهود الآخر يقضي بها بما ظهر فيه علامة الصدق فأما عند الإشكال لا تظهر علامة الصدق ولا الكذب في شهادة أحدهما وكل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على الملك المطلق وصاحبه أقام البينة على النتاج وبينة الخارج على نتاج أولي من بينة ذي اليد في الملك المطلق فلهذا قضينا لكل واحد منهما بما في يد صاحبه .
وعن أبي يوسف - C - أنه يبطل البينتين جميعا لتيقننا بكذب أحدهما فإن كل واحد منهما لا يتصور أن تكون والدة لصاحبتها ومولدة منهما لو أقام البينة أن الشاة التي في يده شاته ولدت في ملكه وأن شاة صاحبه ولدتها شاته هذه في ملكه وأقام الآخر البينة على مثل ذلك يقضى لكل واحد منهما بما في يديه لأن كل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على النتاج وبينة ذي اليد على النتاج مقدمة على بينة الخارج ولو أقام أحدهما البينة أن الشاة التي في يده شاته ولدت في ملكه وأن شاة صاحبه له ولدتها شاته في ملكه وأقام الآخر البينة على مثل ذلك فهذا والأول سواء يقضي لكل واحد منهما بما في يده لإثباته النتاج فيها .
قال : ( ولو كانت شاتان في يد رجل أحدهما بيضاء والأخرى سوداء فادعاهما رجل وأقام البينة أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنهما له وأن هذه السوداء ولدت هذه البيضاء في ملكه فإنه يقضى لكل واحد منهم