صفحة [ 37 ] الأصل في العيدين " حديث " أنس " Bه قال قدم رسول الله A المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال : قد أبدلكم الله سبحانه وتعالى بهما خيرا منهما الفطر والأضحى " واشتبه المذهب في صلاة العيد أنها واجبة أم سنة ؟ فالمذكور في الجامع الصغير أنها سنة لأنه قال في العيدين يجتمعان في يوم واحد فالأول منهما سنة .
وروى " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى أنه تجب صلاة العيد على من تجب عليه صلاة الجمعة .
وقال في الأصل لا يصلي التطوع في الجماعة ما خلا قيام رمضان وكسوف الشمس فهو دليل على أن صلاة العيد واجبة والأظهر أنها سنة ولكنها من معالم الدين أخذها هدي وتركها ضلالة وإنما يكون الخروج في العيدين على أهل الأمصار دون أهل القرى والسواد لما روينا لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع والمراد بالتشريق صلاة العيد على ما جاء في الحديث : لا ذبح إلا بعد التشريق . والحاصل أنه يشترط لصلاة العيد ما يشترط لصلاة الجمعة إلا الخطبة فإنها من شرائط الجمعة وليست من شرائط العيد ولهذا كانت الخطبة في الجمعة قبل الصلاة وفي العيد بعدها لأنها خطبة تذكير وتعليم لما يحتاج إليه في الوقت فلم تكن من شرائط الصلاة كالخطبة بعرفات والخطبة يوم الجمعة بمنزلة شطر الصلاة لما ذكرنا .
والدليل على أن الخطبة في العيد بعد الصلاة ما روي أن " مروان " C تعالى لما خطب في العيد قبل الصلاة قام رجل فقال أخرجت المنبر يا مروان ولم يخرجه رسول الله A وخطبت قبل الصلاة ولم يخطب هو قبلها وإنما كان يخطب بعد الصلاة فقال مروان ذاك شيء قد ترك فقال " أبو سعيد الخدري " Bه أما هذا فقد قضى ما عليه " سمعت رسول الله A يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " يعني أضعف أفعال الإيمان فقد كانت الخطبة بعد الصلاة في عهد رسول الله A والخلفاء الراشدين حتى أحدث بنو أمية الخطبة قبل الصلاة لأنهم كانوا في خطبتهم يتكلمون بما لا يحل فكان الناس لا يجلسون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس والخطبة في العيدين كهي في الجمعة يخطب خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة ويقرأ فيها سورة من القرآن .
صفحة [ 38 ] ويستمع لها القوم وينصتوا له لأنه يعظهم فإنما ينفع وعظه إذا استمعوا قال : وليس في العيدين أذان ولا إقامة هكذا جرى التوارث من لدن رسول الله A إلى يومنا هذا وهو دليل على أنها سنة قال : وإن خطب أولا ثم صلى أجزأهم كما لو ترك الخطبة أصلا قال والتكبير في صلاة العيد تسع خمس في الركعة الأولى فيها تكبيرة الافتتاح والركوع وأربع في الثانية فيها تكبيرة الركوع ويوالي بين القراءة في الركعتين وهذه مسألة اختلف الصحابة رضوان الله عليهم فيها والذي بينا قول " ابن مسعود " Bه وبه أخذ علماؤنا رحمهم الله . وقال " علي " Bه في الفطر يكبر إحدى عشرة تكبيرة ستا في الأولى وخمسا في الثانية فيها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع والزوائد ثمان تكبيرات وفي الأضحى خمس تكبيرات تكبيرة الافتتاح وتكبيرتا الركوع وتكبيرتان زائدتان واحدة في الأولى والأخرى في الثانية ومن مذهبه البداءة بالقراءة في الركعتين ثم بالتكبير . وعن " ابن عباس " Bهما ثلاث روايات : روي عنه كقول " ابن مسعود " وهي شاذة والمشهور عنه روايتان : أحدهما أنه يكبر في العيدين ثلاث عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وعشر زوائد خمس في الأولى وخمس في الثانية . وفي الرواية الأخرى : اثنتي عشرة تكبيرة تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع وتسع زوائد خمس في الأولى وأربع في الثانية .
وقد روي عن " أبي يوسف " C تعالى أنه رجع إلى هذا وهو قول " الشافعي " Bه وعليه عمل الناس اليوم لأن الولاية لما انتقلت إلى بني العباس أمروا الناس بالعمل في التكبيرات بقول جدهم ومن مذهبه البداءة بالتكبير في كل ركعة . وإنما أخذنا بقول " ابن مسعود " Bه لأن ذلك شيء اتفقت عليه جماعة من الصحابة منهم " أبو مسعود البدري " و " أبو موسى الأشعري " و " حذيفة بن اليمان " Bهم فإن " الوليد بن عقبة " أتاهم فقال هذا العيد فكيف تأمرونني أن أفعل فقالوا " لابن مسعود " علمه فعلمه بهذه الصفة ووافقوه على ذلك وفي " الحديث أن النبي A كبر في صلاة العيد أربعا ثم قال : أربع كأربع الجنائز فلا يشتبه عليكم وأشار بأصابعه وحبس إبهامه " ففيه قول وعمل وإشارة واستدلال وتأكيد وإنما قلنا بالموالاة بين القراءتين لأن التكبيرات يؤتى بها عقب ذكر هو فرض ففي الركعة الأولى يؤتى بها عقيب تكبيرة الافتتاح وفي الثانية عقيب القراءة ولأنه يجمع بين التكبيرات ما أمكن ففي الركعة .
صفحة [ 39 ] الأولى يجمع بينها وبين تكبيرة الافتتاح وفي الثانية يجمع بينها وبين تكبيرة الركوع .
ولم يبين مقدار الفصل بين التكبيرات في الكتاب وروي عن " أبي حنيفة " C قال : ويسكت بين كل تكبيرتين بقدر ثلاث تسبيحات . وقال " ابن أبي ليلى " : يأخذ بأي هذه التكبيرات شاء وهو رواية عن " أبي يوسف " لأن الظاهر أن كل واحد منهم إنما أخذ بما رآه من رسول الله A أو سمعه منه فإن هذا شيء لا يعرف بالرأي ولكنا نقول الآخر ناسخ للأول فلا وجه لإثبات التخيير بين القليل والكثير قال : ويرفع يديه في سائر هذه التكبيرات إلا في تكبيرتي الركوع وحكى " أبو عصمة " عن " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى أنه لا يرفع يديه في شيء منها لما جاء في " الحديث عن " ابن مسعود " Bه أن النبي A كان لا يرفع يديه في الصلاة إلا في تكبيرة الافتتاح " .
ولنا ما روينا لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن وفيها في العيدين ولأن هذا تكبير يؤتى به في قيام مستو فترفع اليد فيه كتكبيرة القنوت وتكبيرة الافتتاح وهذا لأن المقصود إعلام من لا يسمع بخلاف تكبيرتي الركوع لأنه يؤتى بهما في حالة الانتقال فلا حاجة إلى رفع اليد للإعلام قال : ولا شيء على من فاتته صلاة العيد مع الإمام وقال " الشافعي " Bه يصلي وحده كما يصلي مع الإمام وهذا غير صحيح فالصلاة بهذه الصفة ما عرفت قربة إلا بفعل رسول الله A وما فعلها إلا بالجماعة ولا يجوز أداؤها إلا بتلك الصفة وإذا فاتت فليس لها خلف لأن وقتها بعد طلوع الشمس وهذا ليس بوقت لصلاة واجبة في سائر الأيام بخلاف من فاتته الجمعة فإنه يصلي الظهر لأن وقتها بعد الزوال وهو وقت لوجوب الظهر في سائر الأيام ولكنه إن أحب صلى ركعتين إن شاء وإن شاء أربعا كصلاة الضحى في سائر الأيام " لحديث " عمارة بن رويبة " Bه كان رسول الله A يفتتح الضحى بركعتين " و " لحديث " ابن مسعود " Bه كان رسول الله A يواظب على أربع ركعات في صلاة الضحى " والذي يختص بهذا اليوم " حديث " علي Bه عن رسول الله A قال : من صلى بعد العيد أربع ركعات كتب الله تعالى له بكل نبت نبت وبكل ورقة حسنة " قال : وإذا خرج إلى الجبانة لصلاة العيد فإن استخلف رجلا يصلي بالناس في المسجد فحسن وإن لم يفعل فلا شيء عليه لما روينا أن " عليا " Bه لما قدم " الكوفة " استخلف من يصلي بالضعفة صلاة العيد في .
صفحة [ 40 ] الجامع وخرج إلى الجبانة مع خمسين شيخا يمشي ويمشون ويكبر ويكبرون ولأن في الاستخلاف نظر منه للضعفاء وهو حسن وإن لم يفعل فلا شيء عليه لأن من له قدرة على الخروج لا يترك الخروج إلى الجبانة ومن هو عاجز عن ذلك فليس عليه شهودها قال : فإن أحدث الرجل في الجبانة فخاف إن رجع إلى المصر أن تفوته الصلاة وهو لا يجد الماء يتيمم ويصلي وقد بينا هذا في باب التيمم غير أن اللفظ المذكور هنا يقوي قول من قال من أصحابنا : إن هذا في جبانة " الكوفة " لأن الماء بعيد وأما في ديارنا فلا يجوز لأن الماء محيط بالمصلى وقد قال وهو لا يجد الماء إلا أنه قال بعده : وصلاة العيد بمنزلة صلاة الجنازة لأنها إن فاتت لم يكن عليه قضاؤها فهذا يدل على أنه متى خاف الفوت يجوز له أداؤها بالتيمم في أي موضع كان قال : وكذلك إن كان الإمام هو الذي أحدث وروى " الحسن بن زياد " عن " أبي حنيفة " Bهما أنه ليس للإمام أن يتيمم لأنه لا يخاف الفوت فإنه لا يجوز للناس أن يصلوها دونه . وجه ظاهر الرواية : أنه يخاف الفوت بخروج الوقت فربما تزول الشمس قبل فراغه من الوضوء وكذلك إن أحدث بعدما دخل في الصلاة وقد بينا الاختلاف في هذا بين " أبي حنيفة " وصاحبيه قال : وأي سورة قرأ في صلاة العيد جاز وقد " بلغنا عن النبي A أنه كان يقرأ فيها سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية " فإن تبرك بالاقتداء برسول الله A في قراءة هاتين السورتين فحسن ولكن يكره له أن يتخذ شيئا من القرآن حتما في صلاة لا يقرأ فيها غيره فربما يظن ظان أنه لا يجوز تلك الصلاة إلا بقراءة تلك السورة فكان هو مدخلا في الدين ما ليس منه و " قال E : من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد " قال : وليس قبل العيدين صلاة لما روينا عن " علي " Bه أنه كره ذلك لمن رآه يفعله قال : والمسبوق بركعة في العيد إذا قام يقضي ما فاته بنى على رأي نفسه في عدد التكبيرات ومحلها إذا كان رأيه مخالفا لرأي إمامه لأنه فيما يقضي كالمنفرد إن كان يرى قول " ابن مسعود " Bه كما فعله الإمام بدأ بالقراءة ثم بالتكبير وبه أجاب في الجامع والزيادات في نوادر " أبي سليمان " في أحد الموضعين وقال في الموضع الآخر يبدأ بالتكبير وهو القياس لأنه يقضي ما فاته فيقضيه كما فاته ولكنه استسحن فقال لو بدأ بالتكبير كان مواليا بين التكبيرات فإن في الركعة المؤداة مع الإمام كانت البداءة بالقراءة والموالاة بين التكبيرات لم يقل بها أحد من الصحابة ولو بدأ بالقراءة كان فعله .
صفحة [ 41 ] موافقا لقول " علي " Bه ولأن يفعل كما قال بعض الصحابة أولى من عكسه ولأنه لو بدأ بالقراءة كان آتيا بالتكبيرات عقيب ذكر هو فرض جامعا بينها وبين تكبير الركوع وهو أصل " ابن مسعود " C تعالى كما بينا قال : وليس على النساء خروج في العيدين وقد كان يرخص لهن في ذلك فأما اليوم فإني أكره ذلك يعني للشواب منهن فقد أمرن بالقرار في البيوت ونهين عن الخروج لما فيه من الفتنة فأما العجائز فيرخص لهن الخروج إلى الجماعة لصلاة المغرب والعشاء والفجر والعيدين ولا يرخص لهن في الخروج لصلاة الظهر والعصر والجمع في قول " أبي حنيفة " .
وقال " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى : يرخص للعجائز في حضور الصلوات كلها وفي الكسوف والاستسقاء لأنه ليس في خروج العجائز فتنة والناس قل ما يرغبون فيهن وقد كن يخرجن إلى الجهاد مع رسول الله A يداوين المرضى ويسقين الماء ويطبخن . و " أبو حنيفة " Bه قال : في صلوات الليل تخرج العجوز مستترة وظلمة الليل تحول بينها وبين نظر الرجال إليها بخلاف صلوات النهار والجمعة تؤدى في المصر فلكثرة الزحام ربما تصرع وتصدم وفي ذلك فتنة فإن العجوز إذا كان لا يشتهيها شاب يشتهيها شيخ مثلها وربما يحمل فرط الشبق الشاب على أن يشتهيها ويقصد أن يصدمها فأما صلاة العيد فتؤدي في الجبانة فيمكنها أن تعتزل ناحية عن الرجال كيلا تصدم .
ثم إذا خرجن في صلاة العيد ففي رواية " الحسن " عن " أبي حنيفة " رحمهما الله تعالى يصلين لأن المقصود بالخروج هو الصلاة و " قال E : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات " أي غير متطيبات وروى " المعلى " عن " أبي يوسف " عن " أبي حنيفة " رحمهم الله تعالى لا يصلين العيد مع الإمام وإنما خروجهن لتكثير سواد المسلمين جاء في " حديث " أم عطية " أن النساء كن يخرجن مع رسول الله A في العيدين حتى ذوات الخدور والحيض " ومعلوم أن الحائض لا تصلي فظهر أن خروجهن لتكثير سواد المسلمين فكذلك في زماننا قال : وللمولى منع عبده من حضور الجمعة والجماعة والعيدين لأن خدمته حق مولاه وفي خروجه إبطال حق المولى في خدمته وإضرار به فكان له أن يمنعه من ذلك وإنما لا يمنعه من أداء المكتوبات لأن ذلك صار مستثنى من حق المولى واختلف مشايخنا فيما إذا حضر مع مولاه ليحفظ دابته . فمنهم من قال : ليس له أن يصلي الجمعة والعيدين بغير رضاه . والأصح : أن له ذلك إذا كان لا يخل بحق .
صفحة [ 42 ] مولاه في إمساك دابته قال : ولا يخرج المنبر في العيدين لما روينا وقد " صح أن النبي A كان يخطب في العيدين على ناقته " والناس من لدن رسول الله A إلى يومنا هذا اتفقوا على ترك إخراج المنبر ولهذا اتخذوا في المصلى منبرا على حدة من اللبن والطين واتباع ما اشتهر العمل به في الناس واجب قال : وإذا كبر الإمام أكثر من تسع تكبيرات اتبعه المؤتم إلا أن يكبر ما لم يقل به أحد من الصحابة لأن الإمام مجتهد فإذا حصل فعله في موضع الاجتهاد وجب متابعته " لقوله E : فلا تختلفوا عليه " .
وإذا كبر ما لم يقل به أحد من الصحابة كان فعله خطأ مخالفا للإجماع ولا متابعة في الخطأ .
فأكثر مشايخنا : على أن يتابعه إلى ثلاث عشرة تكبيرة ثم يسكت بعد ذلك .
وقال بعضهم : يتابعه إلى ست عشرة تكبيرة لأن فعله إلى هذا الموضع محتمل للتأويل فلعله ذهب إلى أن مراد " ابن عباس " Bهما ثلاث عشرة تكبيرة زوائد فإذا ضممت إليها تكبيرة الافتتاح وتكبيرتي الركوع صارت ست عشرة تكبيرة فلاحتمال هذا التأويل لا يتيقن بخطئه فيتابعه وهذا إذا كان سمع التكبير من الإمام فإن كان يكبر بتكبير المنادي فلا ينبغي له أن يدع شيئا من التكبيرات وإن كثرت لجواز أن هذا الخطأ من المنادي فلهذا لا يدع شيئا منها وقد قالوا إذا كان يكبر بتكبير المنادي ينبغي أن ينوي الصلاة عند كل تكبيرة لجواز أن ما تقدم منه كان خطأ من المنادي وإنما كبر الإمام للافتتاح الآن . ثم لا خلاف أنه يأتي بثناء الافتتاح عقيب تكبيرة الافتتاح الزوائد إلا في قول " ابن أبي ليلى " فإنه يقول يأتي بالثناء بعد تكبيرات الزوائد فأما التعوذ فيأتي به عند " أبي يوسف " C تعالى عقيب ثناء الافتتاح قبل التكبيرات الزوائد . وعند " محمد " C بعد الزوائد حين يريد القراءة لأنها للقراءة عنده وبيان هذا فيما أمليناه من شرح الزيادات والله سبحانه وتعالى أعلم