( قال - C - ( وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة ألف درهم بعينها فقطعت يده ثم رجعا ضمنا دية اليد في مالهما ولا قصاص عليهما عندنا ) لأن لوجوب منهما بسبب القصاص والقصاص يعتمد المساواة ولا مساواة بين المباشرة والسبب ولأن اليدين لا يقطعان بيد واحدة هكذا ذكره إبراهيم - C - عن علي - Bه - قال لا يقطع يدان بيد فإذا امتنع وجوب القود عليهما ضمنا دية اليد في مالهما لأن رجوعهما عن الشهادة قول وهو ليس بحجة في حق العاقلة وضمنا الألف أيضا لأنهما أتلفاه على المشهود عليه وكذلك كل قصاص في نفس أو دونها والشافعي - C - يوجب القود على الشهود عند الرجوع والمسألة في الديات .
ولو شهد أربعة على رجل بالزنا ولم يحصن فجلده الإمام وجرحته السياط ثم رجعوا عن الشهادة فعند أبي حنيفة - C - ليس عليهم أرش الجراحة خلافا لهما وقد بينا في الحدود ولو لم تجرحه السياط فلا ضمان عليهم بالإتلاف كما لو باشروا ضربا غير مأثر وعلى هذا حد القذف وحد الخمر والتعزير .
( ولو شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده وشهد عليه أربعة بالزنا والإحصان فأجاز القاضي شهادتهم وأعتقه ورحمه ثم رجعوا فعلى شهود العتق قيمة العبد لمولاه ) لأنهم أتلفوا مالية المولى فيه بشهادتهم بالعتق وعلى شهود الزنا الدية لمولاه أيضا إن لم يكن له وارث غيره لأنهم أتلفوا نفسه بشهادتهم عليه بالزنا والإحصان بغير حق .
فإن ( قيل ) : المولى كان جاحدا للعتق فكيف يضمنون الشهود الدية .
( قلنا ) : لأن القاضي حكم بعتقه وزعم المولى بخلاف ما قضي القاضي بعد قضائه غير معتبر .
فإن ( قيل ) : كيف يجب للمولى بدلان عن نفس واحد ؟ .
( قلنا ) : وجوب القيمة على شهود العتق بدل عن المالية ووجوب الدية باعتبار النفسية ثم الدية لا تجب للمولى ولكن للمقتول حتى تنفذ منه وصاياه ويقضي ديونه .
( ألا ترى ) أنه لو كان له ابن حر كانت الدية له دون مولاه أرأيت لو شهدوا أنه ابنه وشهد آخرون بالزنا والإحصان ثم رجعوا أما كان على شهود النسب القيمة وعلى شهود الزنا الدية .
وكذلك لو كان شاهدا العتق بعض شهود الزنا فعليهما من القيمة حصتهما من الدية لأن المشهود به مختلف فاتحاد الشهود في ذلك واختلافهم سواء .
وكذلك لو كان شهود العتق رجلا وامرأتين لأن العتق ليس بسبب للحد وهما مما ثبت مع الشبهات فشهادة رجل وامرأتين به كشهادة رجلين .
ولو شهد أربعة على العتق والزنا والإحصان فأمضى القاضي ذلك كله ثم رجعوا عن العتق ضمنوا القيمة لإقرارهم بالرجوع لأنهم أتلفوا مالية المولى فيه بغير حق ولا شيء عليهم من الدية لأنهم مصرون على الشهادة عليه بالزنا وفي حق العتق هم بمنزلة شهود الإحصان ورجوع شهود الإحصان لا يوجب الضمان عليهم عندنا ولو رجع اثنان عن الزنا واثنان آخران عن العتق فلا ضمان على شهود العتق لأنه قد بقي على العتق حجة كاملة وعلى اللذين رجعا عن الزنا نصف الدية لأن الباقي على الشهادة في حكم الرجم نصف الحجة فيجب على الراجعين نصف الدية وحد القذف .
ولو شهد أربعة على رجل بالزنا والإحصان فقضي القاضي بذلك وأمر برجمه فرجعوا عن الشهادة وقد جرحته الحجارة وهو حي فإن القاضي يدرأ عنه الرجم بمنزلة ما لو رجعوا قبل أن يأخذوا في رجمه وهذا لأن الإمام لا يتمكن من استيفاء الحد إلا بحجة قائمة ولم تبق الحجة بعد رجوعهم وهم ضامنون أرش جراحته لأن ذلك مما استحق بشهادتهم فضمانه عليهم عند الرجوع .
( ولو شهدا أنه صالحه من دم عمدا على ألف درهم ثم رجعا لم يضمنا شيئا أيهما كان المنكر للصلح ) لأنه إذا كان المنكر للصلح هو المولى فقد شهدا عليه بسقوط حقه بعوض وقد بينا أنهمنا لو شهدا عليه بالعفو بغير عوض ثم رجعا لم يضمنا فهذا أولى وإن كان المنكر هو القاتل فقد سلم له بنفسه وما ألزماه من العوض دون بدل نفسه وقد بينا تقوم النفس في حقه ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية أو دونه اعتبر من جميع المال فلا يضمنان له شيئا لذلك .
( ولو شهدا أنه صالحه على عشرين ألفا والقاتل يجحد ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الفضل على الدية ) لأنهما ألزماه ما زاد على الدية بغير عوض .
وكذلك هذا فيما دون النفس إن شهدوا على الصلح على مقدار الأرش أو دونه لم يضمنا عند الرجوع شيئا وإن شهدا على الصلح على أكثر من الأرش ضمنا الفضل للجارح إذا كا ن جاحدا لذلك .
ولو قال الطالب صالحتك على ألف درهم وقال المدعي عليه بل على خمسمائة فالقول قوله مع يمينه لإنكاره الزيادة فإن أقام الطالب بينة على ألف درهم فقضى له بها ثم رجع شهوده ضمنوا الخمسمائة التي وجبت بشهادتهم لأنه لولا شهادتهم لكان القول قول المنكر فإنما لزمته تلك الزيادة بشهادتهم .
( وإذا شهد شاهدان على رجل أنه عفا عن دم خطأ أو جراحة خطأ أو عمدا فيها أرش فقضى بذلك ثم رجعا ضمن الدية وأرش تلك الجراحة ) لأنهما أتلفا على المشهود عليه المال بشهادتهما فالخطأ موجب للضمان فيضمنان ذلك عند الرجوع ولكن بالصفة التي كانت واجبة وقد كانت الدية واجبة مؤجلة في ثلاث سنين فيجب عليهما ضمانها في ثلاث سنين أيضا وما بلغ من أرش الجراحة خمسمائة فصاعدا إلى ثلث الدية في سنة وما زاد على ذلك إلى الثلث ففي سنة أخرى وإن كان الأرش أقل من خمسمائة ضمناه حالا .
وكذلك الدية إن كانت قد وجبت حالة ولم يأخذ منها شيء فشهدا أنه أبرأه منها وقضى بالبراءة ثم رجعا ضمنا ذلك حالا لأنهما كذلك أتلفاه بشهادتهما على المشهود عليه .
( ألا ترى ) أنهما يضمنان الجيد بمثله والرديء بمثله وهذا لأن وجوب الضمان عليهما بطريق الجبران وإنما يتحقق ذلك إذا كان الضمان نصفه الفائت .
( وإذا شهد شاهدان على عبد في يد رجل أنه لفلان لقضى القاضي له به والذي في يده العبد يجحد ذلك ثم رجعا وضمنهما القاضي القيمة فأدياها أو لم يؤدها حتى وهب المشهود له العبد من المشهود عليه وقبضه فإن الشاهدين يبرآن من الضمان ويرجعان فيما أديا ) لأن وجوب الضمان عليهما لأجل الجيران وقد انعدمت الحاجة إلى ذلك برجوع العبد إلى يد المولى من غير عوض وهو يزعم أن العبد سلم له بملكه القديم لا بالهبة التي باشرها المشهود له فزعمه معتبر في حقه فإن رجع الواهب في العبد وقبضه رجع المشهود عليه بالضمان على الشاهدين لأن فوات ملكه ويده كان بسبب شهادتهما لولا ذلك لما تمكن المشهود له من استرداد العبد منه ولأن الهبة لما انفسخت بالرجوع صارت كان لم تكن .
وإن مات المشهود له فورث المشهود عليه منه العبد رجع عليه الشاهدان بما أعطياه من القيمة لأنه يزعم أن وصول العبد إلى يده بقديم ملكه لا بالموت .
وكذلك لو كان العبد قتل فأخذ المشهود له القيمة فورث المشهود عليه منه تلك القيمة لأن عود بدل العبد إليه كعود عينه . و كذلك لو ورث مثلها من تركته لأن في زعمه أن القيمة دين له على المشهود وأنه استوفى تركته بحساب الدين دون الميراث وكذلك إن كان معه وارث آخر وفي حصته من تركة الميت وفاء بالقيمة ففي حقه يجعل ذلك سالما له بجهة دينه كما يزعم وينعدم النقصان بسببه فلا يجب ضمانه على المشهود بطريق الجبران .
( ولو شهد شاهدان على رجل أنه تزوج هذه المرأة على ألف درهم وهي مهر مثلها والزوج يجحده فقضى القاضي بذلك ثم طلقها عند القاضي ثم رجعا فلا شيء عليها ) لأنهما أدخلا في ملكه ما هو مثل لما ألزماه فالبضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم ثم تقرر نصف الصداق على الزوج كان بإيقاعه الطلاق باختياره .
ولو كان الزوج قال تزوجتها بغير تسمية مهر كان على الشاهدين فضل ما بين المتعة إلى الخمسمائة التي غرمها الزوج لأن النكاح قد ثبت هنا بتصادقهما والقول قول المنكر للتسمية لولا شهادتهما ولا يلزمه أكثر من المتعة عند الطلاق فما زاد على المتعة إلى تمام الخمسمائة إنما لزمه بشهادتهما فيضمنان ذلك له عند الرجوع ولو شهد آخران على الدخول قبل الطلاق ثم رجعوا فعلى شهود الدخول خمسمائة خاصة لأن تلك الخمسمائة إنما لزمته قبل الطلاق بشهادتهما عليه بالدخول وعليهما وعلى الشاهدين بالألف فضل ما بين المتعة والخمسمائة نصفان لأن لزوم ذلك القدر إياه بشهادة الفريقين جميعا .
( ولو شهد آخران أيضا على الطلاق فقضى القاضي بجميع ذلك ثم رجعوا فعلى شاهدي الدخول خمسمائة ) لأن لزوم ذلك بشهادتهما خاصة وعليهما أيضا وعلى شاهدي التسمية فضل ما بين المتعة إلى نصف الأول وعلى شاهدي الدخول وشاهدي التسمية وشاهدي الطلاق قدر المتعة أثلاثا على كل شاهدين ثلث ذلك لأن تقرر ذلك القدر كان بشهادتهما جميعا .
( ولو شهد شاهدان على رجل أنه تزوج امرأة على ألف درهم ومهر مثلها خمسمائة وشهد آخران على الدخول وآخران على الطلاق والزوج يجحد ذلك كله ثم رجعوا فعلى شاهدي النكاح خمسمائة ) لأنهما ألزماه ألفا وعوضاه من ذلك ما يساوي خمسمائة فما زاد على ذلك أتلفاه بغير عوض فيضمنان ذلك له وليس عليهما غير ذلك .
( ألا ترى ) أنهما لو شهدا عليه بالنكاح بخمسمائة لم يضمنا شيئا فأما في الخمسمائة الباقية فيضيف ذلك على شاهدي الدخول خاصة لأن ذلك إنما لزمه بشهادتهما على الدخول فالخمسمائة التي ضمنهما شهود العفو شائعة فكذلك الخمسمائة الأخرى تكون شائعة نصف ذلك مما يتقرر عليه بالدخول فيجب ضمان ذلك على شاهدي الدخول ونصف هذه الخمسمائة عليهما وعلى شاهدي الطلاق نصفان لأن تقرر ذلك عليه بشهادة الفريقين .
وإذا شهد أربعة نفر على رجل بحق فشهد عليه اثنان بخمسمائة واثنان بألف فقضى به القاضي ثم رجع أحد شاهدي الألف فعليه ربع الألف لأن نصف الألف ثبت بشهادته وشهادة صاحبه على الشهادة وإنما انعدمت الحجة في نصفه .
فإن رجع معه شاهد الخمسمائة كان على شاهدي الألف ربع الألف كما بينا وعليه أيضا وعلى الآخرين ربع سهم أثلاثا لأن الشهود على النصف الآخر كانوا أربعة وقد بقي نصفه ببقاء الواحد على الشهادة فيجب على الذين رجعوا نصف ذلك النصف بينهم أثلاثا .
وإن رجع أحد شاهدي الخمسمائة وحده أو هما جميعا فلا شيء عليهما لأنه قد بقي على الشهادة بتلك الخمسمائة من يتم الحجة بشهادته .
وإن رجعوا جميعا كان على شاهدي الألف خمسمائة خاصة . لأن ذلك يستحق بشهادتهما خاصة والخمسمائة الأخرى عليهم أثلاثا أرباعا لأنها ثابتة بشهادة الأربعة فعند الرجوع ضمانها عليهم أرباعا وإن رجع شاهدا الألف وأحد شاهدي الخمسمائة فنصف الألف على شاهدي الألف خاصة والربع عليهم أثلاثا وأن الحجة بقيت في ربع الألف ببقاء أحد شاهدي الخمسمائة على شهادته .
( وإذا شهد على مجهول الحال أنه عبد لهذا الرجل لقضى بشهادتهما ثم رجعا فلا شهادة عليهما للعبد ) لأنهما أبطلا عليه الحرية الثابتة له باعتبار الظاهر والحربة ليست بمال ولأنهما لو ضمنا إنما يضمنان للعبد وما يكون للعبد فهو لمولاه منكرا لرجوعهما .
فإن كان العبد كاتب نفسه على مال أو اشترى نفسه بمال ثم رجع فلا شيء له على الشاهدين لأنهما لو رجعا قبل العتق والمكاتبة لم يضمنا شيئا فكذلك بعده ولأن هذا المال التزمه العبد باختياره فلا يستوجب الرجوع به على الشاهدين .
( رجل مات وترك عبدين وأمة ومالا فشهد شاهدان أن هذا الرجل أخوه لأبيه وأمه ووارثه لا وارث له غيره فقضى بالمال له والعبدين والأمة ثم شهد شاهدان بعد ذلك أن أحد العبدين بعينه ابن الميت فأجاز القاضي شهادتهما وأعطاه الميراث كله ثم شهد آخران أن العبد الثاني ابن الميت فقضى به أيضا ثم شهد آخران أن الميت أعتق هذه الأمة وتزوجها في حياته وصحته فقضى بذلك وجعلها وارثا معهم ثم رجع اللذان شهدا للعبد الأول ضمنا قيمته بين الابن الآخر والمرأة أثمانا ) لأنه لولا شهادتهما لكانت رقبة المشهود له بين الآخر والمرأة على ثمانية فإنما تلف ذلك عليهما بشهادتهما فقد أقرا بالرجوع أنهما أتلفا ذلك بغير عوض .
وكذلك لو لم يرجع ورجع شهود الابن الثاني ضمنا قيمته بين الابن الأول والمرأة أثمانا لما قلنا ويضمنان ميراثه لأخته دون المرأة لأن جميع الميراث كان مستحقا له بقضاء القاضي قبل شهادتهما فإنما أتلفا عليه ذلك بشهادتهما وما أتلفا شيئا من الميراث على المرأة بشهادتهما لأن استحقاقها عند الشهادة لم يكن ثابتا وإنما ثبت بالبينة على نكاحها بعد ذلك .
ولهذا في الفصل الأول لا يضمن الشهود شيئا مما يورث الابن الأول لأنهما لم يثبتا استحقاق ذلك على الابن الثاني والمرأة بشهادتهما فالاستحقاق لم يكن ظاهرا عند شهادتهما وإنما ثبت بثبوت سببه بعد ذلك ولا يضمنان للأخ أيضا لأن ما استحق بشهادتهما على الأخ مستحق عليه بشهادة غيرهما ففي حق الأخ بقيت الشهادة حجة تامة في حق استحقاق الميراث عليه .
ولو لم يرجع هذان ورجع شاهد المرأة ضمنا قيمتها وميراثها بين الابنين لأنهما أتلفا بشهادتهما ملك الابنين في رقبتها وأثبت استحقاقها الميراث عليهما بشهادتهما بالنكاح وقد أقر بالرجوع أنهما شهدا بذلك كله بغير حق وإن كان الشاهدان للمرأة هما الشاهدان على نسب الابن الأول والابن الآخر ثم رجعوا عن الشهادة كلها كان الضمان عليهم كذلك لأن المشهود به مختلف فلا فرق بين اتحاد المشهود واختلافهم في ذلك وسواء رجعوا معا أو متفرقين لأن أصل الشهادة كان مختلفا بعضها قبل بعض والضمان عليهم عند الرجوع باعتبار الشهادة السابقة .
( ولو شهد شاهدان على ذلك كله معا وبعضهم لا يصدق بعضا ثم رجعا ضمنا ثمن المرأة وقيمتها بين الاثنين ) لأنهما أتلفا على الاثنين فلولا شهادتهما بذلك لكان ذلك مستحقا للاثنين بقضاء القاضي بينهما ويضمنان من قيمة كل ابن لصاحبه سبعة أسهم من ثمانية أسهم وللمرأة الثمن كما لو شهد بكل شيء شاهدان آخران وكذلك لو رجعا عن الشهادة واحد بعد واحد كان الحكم كما بينا والله أعلم