( قال - C - ( وإذا شهد شاهدان على شهادة أربعة وشاهدان على شهادة شاهدين بحق فقضى به ثم رجعوا فعلى الشاهدين الذين شهدوا على شهادة الأربعة الثلثان وعلى الشاهدين الآخرين الثلث في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - C - الضمان على الفريقين نصفين ) لأن شهادة كل فريق على شهادة غيره في حكم الضمان عند الرجوع بمنزلة شهادته على شهادة نفسه .
( ألا ترى ) أن الإتلاف يحصل بشهادة كل فريق إذا انفرد سواء شهد على شهادة نفسه أو على شهادة غيره وسواء شهد على شهادة شاهدين أو شهادة أربعة فلما استويا في علة الإتلاف يستويان في الضمان عند الرجوع وهذا لأن شهادة الاثنين على شهادة الأربعة أضعف من شهادتهما على الحق بعينه لأنهما في الشهادة على الحق بعينه يشهدان على معاينة وفي الشهادة على شهادة الأربعة يشهدان عن خبر .
ثم لو شهدا على الحق بعينه وشهد آخران كذلك ثم رجعوا كان الضمان على الفريقين نصفين كذا هنا .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - قالا اللذان شهدا على شهادة الأربعة في الصورة اثنان وفي المعنى أربعة لأن القضاء يكون بشهادة الأصول لا بشهادة الفروع ولهذا يعتبر عدالة الأصول وهذا لأن الفروع ينقلون شهادة الأصول إلى مجلس القاضي فكان الأصول حضروا بأنفسهم وشهدوا .
وإذا ثبت هذا كان بمنزلة ما لو شهد أربعة على الحق واثنان على لحث ثم رجعوا جميعا بعد القضاء فيكون الضمان عليهم أسداسا ثم ما يجب على الأربعة لو حضروا وشهدوا يقضى به على من أثبت شهادتهم في مجلس القاضي بشهادته وهما اللذان شهدا على شهادة الأربعة .
وقال ( ألا ترى ) أن أربعة لو شهدوا على شهادة اثنين وشهد اثنان على شهادة اثنين ثم رجعوا بعد القضاء أن نصف الضمان على الأربعة ونصفه على الاثنين وما كان ذلك إلا باعتبار عدد الأصول دون الفروع وكذلك في الفصل الأول إلا أن محمدا - C - يفرق بينهما ويقول : .
شهادة الأربعة على شهادة المثني أضعف من شهادتهم على الحق بعينه فلهذا لا يجب عليهم ما يلزمهم أن لو شهدوا على الحق بعينه وفي الأول كذلك يقول شهادة الاثنين على شهادة الأربعة أضعف من شهادتهما على الحق فلا يجوز أن يلزمهما به أكثر مما يلزمهما أن لو شهدوا على الحق بعينه فإنما أنظر في الوجهين إلى الأقل مما يلزم الشهود بشهادتهم وشهادة من شهدوا على شهادته فألزمهم الأقل من ذلك وهذا نوع استحسان فيه والقياس ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله .
( وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين وشاهدان على شهادة شاهدين فقضي القاضي بذلك ثم رجع واحد من هؤلاء وواحد من هؤلاء فعلى الراجعين ربع المال ) لأن ببقاء أحد الشاهدين من أحد الفريقين يبقى نصف المال فإنه مع صاحبه كان حجة تامة في جميع المال فيبقى ببقائه نصف المال وكذلك بقاء الواحد من الفريق الآخر يبقى نصف المال إلا أن هذا النصف شائع نصفه مما هو باق بشهادة الواحد من الفريق الأول فإنما يعتبر بقاء نصف هذا النصف ببقائه على الشهادة وإنما انعدمت الحجة في ربع المال فيضمن الراجعان ذلك .
( وقع ) في بعض النسخ فعلى كل واحد من الراجعين ربع المال ووجهه أنهم لو رجعوا جميعا ضمن كل واحد منهم ربع المال وبقاء المثنى هنا على الشهادة لم تبق الحجة بجميع المال فيجب على الراجعين ما يلزمهما لو رجعوا وذلك نصف المال .
وقيل : هذا قول أبي يوسف - C - فأما عند محمد - C - على الراجعين ثمنان ونصف على ما ذكره في الجامع وهي مسألة الفئة معروفة بناء على اعتبار حال من بقي على الشهادة في القوة والضعف فقد ذكر هناك مسألة الرجوع لا كمال الحجة فيها وجه واحد وأوجب على الراجعين ثلاثة أثمان المال وذكر مسألة لإكمال الحجة فيها ثلاثة وجوه وأوجب على الراجعين ثمني المال ثم قال في هذه المسألة لإكمال الحجة وجهان : .
أن يشهد واحد على شهادة هذين أو يشهد واحد على شهادة الآخرين فكان حال من بقي على الشهادة في هذا الفصل دون حاله في الوجه الثاني وفوق حاله في الوجه الأول فباعتبار ذلك أوجب على الراجعين ثمنين ونصفا وقد بينا ذلك فيما أمليناه من شرح الجامع .
( وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين فقضي به القاضي ثم أن الشاهدين الأولين أتيا القاضي فقالا لم نشهدهم على شهادتنا فقضاء القاضي ماض على حاله ) لأن إنكارهما الإشهاد خبر متمثل بين الكذب والصدق فلا يبطل قضاء القاضي كما لو شهدا بأنفسهما وقضي القاضي ثم رجعا ولكن لا ضمان عليهما هنا لأنهما ينكران سبب الإتلاف وهو الإشهاد على شهادتهما .
ولو قال كنا أشهدناهم على شهادتنا ولكنا رجعنا عن ذلك فكذلك الجواب عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - وقال محمد - C - هما ضامنان للمال لأن الفرعين قاما مقامهما في نقل شهادتهما إلى مجلس القاضي فأما القضاء حصل بشهادة الأصلين ولهذا تعتبر عدالتهما فكأنهم حضرا بأنفسهما وشهدا ثم رجعا فيلزمهما الضمان .
وهما قالا الموجود منهما شهادة في غير مجلس القضاء والشهادة في غير مجلس القضاء لا تكون سببا لإتلاف شيء فلا يلزمهما الضمان وإن رجعا عن ذلك لأن الشهادة تختص بمجلس القضاء كالرجوع .
وقد بينا أن الرجوع في غير مجلس القضاء لا يوجب الضمان على الشهود فكذلك الشهادة في غير مجلس القضاء ولا نقول أن الفروع نائبون عن الأصول في نقل شهادتهم إلى مجلس القاضي فإنهم بعد الإشهاد لو منعوهم عن أداء الشهادة كان عليهم الأداء إذا طلب المدعي .
ولو كانوا نائبين عن الأصول لما كان لهم ذلك إذا منعهم الأصول عن الأداء ولكنهم يشهدون على ما تحملوا وهو إشهاد الأصول إياهم على شهادتهم ولو شهدوا على الحق بعينه ما كانوا نائبين فيه عن أحد فكذلك إذا شهدوا على شهادة الأصول .
( ولو رجع الفروع والأصول جميعا فالضمان على الفروع خاصة في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - ) لما بينا أن سبب الإتلاف الشهادة القائمة في مجلس القاضي وإنما وجد ذلك من الفروع دون الأصول فالضمان عليهم عند الرجوع . وعند محمد - C - المشهود عليه بالخيار إن شاء ضمن الفروع وإن شاء ضمن الأصول لأن كل واحد من الفريقين لو رجع وحده كان ضامنا للمال المقضي به عند محمد - C .
فإذا رجع الفريقان يجعل في حق كل فريق كأنه هو المنفرد بالرجوع ويتخير المشهود عليه لأنه لا يجانس بين شهادة الفريقين فقد كانت شهادة الأصول على أصل الحق وشهادة الفروع على شهادة الأصول ولا مجانسة بينهما ليجعل الكل في حكم شهادة واحدة فيكون الضمان عليهم جميعا بل يجعل كل فريق كالمنفرد للمشهود عليه بالخيار يضمن أي الفريقين شاء كالغاصب مع غاصب الغاصب للمغصوب منه أن يضمن أيهما شاء والله أعلم