( قال ) - C تعالى - ( وإذا شهد شاهد لرجل حقا من الحقوق فقال المشهود عليه هما عبدان فإني لا أقبل شهادتهما حتى أعلم أنهما حران ) لأن الناس أحرار إلا في أربعة الشهادة والحدود والقصاص والعقل كذا مروى عن علي - Bه - وتفسيره في الشهادة هذا وفي الحد إذا قذف إنسان ثم زعم القاذف أن المقذوف عبد فإنه لا يحد القاذف حتى يثبت المقذوف حريته بالحجة .
وفي القصاص إذا قطع يد إنسان ثم زعم القاطع أن المقطوعة يد عبد فإنه لا يقضي بالقصاص حتى يثبت حريته بالحجة وفي القتل إذا قتل إنسان خطأ وزعمت العاقلة أنه عبد فلان فإنه لا يقضي عليهم بالدية حتى تقوم البينة على حريته وهذا لأن ثبوت الحرية لكل أحد باعتبار الظاهر إما لأن الدار دار حرية أو لأن الأصل في الناس الحرية فإنهم أولاد آدم وحواء عليهما السلام وقد كان حرين إلا أن الظاهر يدفع به الاستحقاق ولكن لا يثبت به الاستحقاق لأن الاستحقاق لا يثبت إلا بدليل موجب له ويقال ما عرف ثبوته ليس بدليل منفي بل لعدم الدليل المزيل .
والدليل عليه : أن ظاهر اليد يدفع به استحقاق المدعي ولا يستحق به حتى إذا كانت في يده جارية ولها ولد في يد غيره لا يستحق ولدها باعتبار يده فيها إذا عرفنا هذا فنقول في الشهادة إثبات الاستحقاق على المشهود عليه بقول الشاهد الظاهر ولا يكفي لذلك وكذلك في القذف إلزام الحد على القاذف في القصاص وإيجاب العقوبة على القاطع وفي العقل إيجاب الدية على العاقلة وذلك لا يكون إلا باعتبار الحرية فما لم تثبت الحرية بالحجة لا يجوز القضاء بشيء من ذلك .
فإن قال الشهود نحن أحرار لم نملك قط لم يقبل قولهما حتى يأتيا بالبينة على ذلك وإنما أراد به أنه لا تقبل شهادتهما فأما في قولهما أنا أحرار لم نملك مصدقان في حقهما بطريق الظاهر ولكن لا نقضي بشهادتهما حتى يقيم البينة على حريتهما .
وإن سأل القاضي عنهما فأخبر أنهما حران فقبل ذلك وأجاز شهادتهما كان حسنا لأن حريتهما من الأسباب التي تعمل شهادتهما إلا بها بمنزلة العدالة فكما أن العدالة تصير معلومة عند القاضي بهذا الطريق فكذلك الحرية قال والباب الأول أحب إلي وأحسن يعني الإثبات بالبينة لأن الأهلية للشهادة لا تثبت بدون الحرية وتثبت بدون العدالة ولأن الحرية والرق من حقوق العباد تجري فيهما الخصومة وطريق الإثبات في مثله البينة فأما العدالة لا تجري فيها الخصومة فيمكن معرفتها بالسؤال عن حاله .
والحاصل أن الحرية في هذه الحالة أخذت شبهين من أصلين من العدالة لأنها من أسباب قبول الشهادة ومن الملك لأنها لا تجري فيها الخصومة وفيها حق العباد فيوفر حظه عليهما فلشبهها بالعدالة تصير معلومة بالسؤال ولشبهها بالملك تصير معلومة بالبينة .
وهذا الوجه أقوى وأحسن لأن الحرية تصير مقضيا بها ولو قالا قد كنا عبدين فأعتقنا المولى لم نصدقهما إلا ببينة لأن الملك يثبت للمولى عليهما بإقرارهما وإزالة الملك الثابت لا يكون إلا بحجة البينة .
فإن جاء بالبينة على ذلك قبلت ذلك وأعتقهما وإن كان المولى غائبا لأن المشهود عليه انتصب خصما عن المولى فإنه لا يتمكن من دفع المشهود به عن نفسه إلا بإنكار حريتهما .
والأصل أن حق الحاضر متى كان متصلا بحق الغائب فإن الحاضر ينتصب خصما عن الغائب ومتى قضى القاضي بالبينة على خصم حاضر فذلك قضاء على من انتصب لهذا الحاضر خصما عنه .
فإذا جاء المولى وأنكر ذلك لم يلتفت إلى إنكاره وكان من القضاء بالعتق ماضيا لأن الحاضر بمنزلة الوكيل عن الغائب وهذا عندنا .
وقال زفر - C تعالى - : لا يقضي بالعتق حتى يحضر المولى ويقام عليه البينة لأن المعتق مدعى عليه واستدل على زفر - C تعالى - بما قال : أرأيت لو ادعى قتل رجل أنه قطع يده عمدا أو ادعى عليه قذفا وميراثا وأقام البينة أن مولاه أعتقه وأن هذا قطع يده بعد ذلك أو قدمه ألم أحكم عليه بما حكم به الحر على الحر فيكون ذلك قضاء على مولاه وإن كان غائبا .
وكذلك لو أقام رجل البينة على عبد أن مولاه أعتقه وأنه قطع يده بعد ذلك لو استدان منه دينا أو باعه أجزت ذلك وإن جاء المولى فأنكر عتقه لم أكلفه إعادة البينة وزفر - C تعالى - في هذا كله مخالف إلا أن من عادة محمد - C تعالى - الاستشهاد بالمختلف على المختلف لإيضاح الكلام والله أعلم بالصواب