( قال ) - C تعالى - ( ولا تجوز شهادة النساء وحدهن إلا فيما ينظر إليه الرجال [ ؟ ؟ ] الولادة والعيب يكون في موضع لا ينظر إليه إلا النساء ) لأن الأصل أن لا شهادة له للنساء فإنهن ناقصات العقل والدين كما وصفهن رسول الله - A - وبالنقصان يثبت شبهة العدم ثم الضلال والنسيان غلب عليهن وسرعة الانخداع والميل إلى الهوى ظاهر فيهن وذلك يمكن تهمة في الشهادة وهي تهمة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود فلا تكون شهادتهن على الانفراد حجة تامة لذلك .
ولكنا : تركنا القياس فيما لا يطلع عليه الرجال بالأثر وهو حديث مجاهد وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وطاوس - Bهم - قالوا : قال رسول الله - A - ( شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه ) ولأن الضرورة تتحقق في هذا الموضع فإنه يتعلق به أحكام يحتاج إلى بيانه في مجلس القاضي ويتعذر إثباته بشهادة الرجال لأنهم لا يطلعون عليه فلا بد من قبول شهادة النساء فيه لأن الحجة لإثبات الحقوق مشروعة بحسب الإمكان .
ثم يثبت ذلك بشهادة امرأة واحدة إذا كانت حرة مسلمة عدلا عندنا والمثنى والثلاث أحوط .
وعند الشافعي لا تثبت إلا بشهادة أربع نسوة .
وعند ابن أبي ليلى شهادة امرأتين .
فالشافعي يقول : كل امرأتين يقومان مقام رجل واحد في الشهادة كما في المذكورات فشهادة أربع نسوة بمنزلة شهادة رجلين فيما يطلع عليه الرجال .
توضيحه : أن حال الرجال في الشهادة أقوى من حال النساء وإذا كان لا يجوز إثبات شيء مما يطلع عليه الرجال بشهادة رجل واحد لمعنى الإلزام فلأن لا يجوز إثباته بشهادة امرأة واحدة أولى ولا معنى لقول من يقول أن هذا خبر وليس بشهادة فإن الحرية فيه شرط بالاتفاق قال في الكتاب لو شهدت أمة أو كافرة لا تقبل وكذلك لفظ الشهادة لا بد منه فعرفنا أنه بمنزلة الشهادة في الحقوق وبهذا يستدل ابن أبي ليلى - C تعالى - أيضا إلا أنه يقول المعتبر في الشهادات شيئان العدد والذكورة وقد تعذر اعتبار أحدهما وهو الذكورة هنا ولو لم يتعذر اعتبار العدد فيبقى معتبرا كما في سائر الشهادات ولا معنى لقول من يقول إن نظر الواحدة أحق من نظر المثنى لأنه بالاتفاق والمثنى والثلاث أحوط فلو كان هذا معتبرا لما جاز النظر إلا لامرأة واحدة .
وحجتنا في ذلك حديث حذيفة - Bه - أن رسول الله - A - أجاز شهادة القابلة على الولادة وقال ( شهادة النساء جائزة فيما لا يطلع عليه الرجال ) والنساء اسم جنس فيدخل فيه أدنى ما يتناوله الاسم والمعنى فيه أن هذا خبر لا يشترط في قبوله الذكورة ولا يشترط فيه العدد كرواية الأخبار .
وحقيقة المعنى فيه أن نظر الرجال إلى هذا الموضع غير متعذر ولا ممتنع ولكن نظر الجنس إلى الجنس أحق فإذا أمكن تحصيل المقصود بشهادة النساء سقط اعتبار صفة الذكورية لهذا المعنى وهذا موجود في العدد فإن نظر الواحدة أحق من نظر الجماعة فسقط اعتبار العدد بالمعنى الذي يسقط اعتبار الذكور ولهذا لا يسقط اعتبار الحرية فيه لأن نظر المملوكة ليس بأخف من نظر الحرة ولهذا لا يسقط اعتبار الإسلام فيه لأن نظر الكافرة ليس بأخف من نظر المسلمة فينعدم من الشرائط ما يمكن اعتباره ولا يعتبر ما لا يمكن اعتباره .
فعلى هذا الحرف نسلم أنه شهادة ولكن يدعي أنه سقط اعتبار العدد فيه بالمعنى الذي يسقط اعتبار الذكورة .
وفي الحاصل هذا أحد شبهها من الأصلين من الشهادة لمعنى الإلزام ومعنى الإخبار لأن صفة الذكورة فيه لا تشترط فوفرنا خطه على الشبهين وقلنا لشبهه بالإخبار يسقط اعتبار العدد فيه شرطا ويبقى معتبرا احتياطا كما في رواية الأخبار الواحد يكفي والمثنى والثلاث أحوط لزيادة طمأنينة القلب ولاعتباره بالشهادات فيه شرطنا الحرية والإسلام ولفظ الشهادة وهذا لأنه مختص بمجلس القاضي فلهذا يشترط فيه لفظ الشهادة .
ولم يذكر في الكتاب أنه لو شهد بذلك رجل بأن قال فاجأتها فاتفق نظري إليها .
والجواب أنه لا يمنع قبول الشهادة إذا كان عدلا في هذا الموضع ثم الصحيح أنه لا يشترط العدد لأن شهادة الرجل أقوى من شهادة المرأة فإذا كان ثبت المشهود به هنا بشهادة امرأة واحدة فشهادة رجل واحد أولى .
وقد قال بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - أنه قال وإن قال تعمدت النظر تقبل شهادته في ذلك كما في الزنا .
واستدلوا عليه بقول أبي حنيفة - C تعالى - أن النسب لا يثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين على الولادة إن لم يكن هناك حبل ظاهر ولا فراش قائم ولا إقرار الزوج بالحبل وقد بينا هذا في كتاب الطلاق فأما ( الاستهلال ) فإني لا أقبل فيه شهادة النساء عليه إلا في الصلاة عليه فأما في الميراث فلا أقبل في ذلك أقل من رجلين أو رجل وامرأتين في قول أبي حنيفة - C تعالى .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى - تقبل في ذلك شهادة امرأة واحدة حرة مسلمة عدل لحديث علي - Bه - أنه أجاز شهادة القابلة في الاستهلال .
والمعنى فيه أن استهلال الصبي يكون عند الولادة وتلك حالة لا يطلع عليها الرجال وفي صوته عند ذلك من الضعف ما لا يسمعه إلا من شهد تلك الحالة وشهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجل كشهادة الرجال فيما يطلعون عليه ولهذا يصلي عليه بشهادة النساء فكذلك يرث .
وأبو حنيفة - C تعالى - يقول : الاستهلال صوت مسموع وفي السماع من رجال يشاركون النساء فإذا كان المشهود به مما يطلع عليه الرجال لا تكون شهادة النساء فيه حجة تامة وإن وقع ذلك في حالة لا يحضرها الرجال كالشهادة على جراحات النساء في الحمامات بخلاف الولادة فهو انفصال الولد من الأم والرجال لا يشاركون النساء في الاطلاع عليه .
وحديث علي - Bه - محمول على قبول شهادة النساء في الصلاة وإنما قبلنا ذلك في حق الصلاة عليه لأن ذلك من أمر الدين وخبر المرأة الواحدة حجة تامة في ذلك كشهادتهما على رؤية هلال رمضان بخلاف الميراث فإنه من حقوق العباد فلا يثبت بشهادة النساء في موضع يكون المشهود به مما يطلع عليه الرجال والله أعلم