في الصحيح المقيم إذا صلى الظهر في بيته ولم يشهد الجمعة أجزأه عندنا وقد أساء .
وقال " زفر " C تعالى : لا يجزئه الظهر إلا بعد فراغ الإمام من الجمعة .
وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه : لا يجزئه الظهر إلا بعد خروج الوقت لأن من أصل " زفر " و " الشافعي " أن الفرض في حقه الجمعة والظهر بدل فإنه مأمور بالسعي إلى الجمعة وترك الاشتغال بالظهر ما لم يتحقق فوت الجمعة وهذا صورة الأصل والبدل فإذا أدى البدل مع قدرته على الأصل لا يجزئه وعند " زفر " C تعالى فوات الأصل بفراغ الإمام لأنه يشترط السلطان .
صفحة [ 33 ] لإقامة الجمعة .
وعند " الشافعي " C تعالى فوات الأصل بخروج الوقت لأن السلطان عنده ليس بشرط لإقامة الجمعة .
فأما عندنا : فأصل فرض الوقت الظهر قال E : وأول وقت الظهر حين تزول الشمس ولم يفصل بين هذا اليوم وغيره ولأنه ينوي القضاء في الظهر إذا أداه بعد خروج الوقت فلو لم يكن أصل فرض الوقت في حقه الظهر لما احتاج إلى نية القضاء بعد فوات الوقت فإذا ثبت أن أصل الفرض هو الظهر وقد أداه في وقته فيجزئ عنه .
وقد روي عن " محمد " C تعالى قال : لا أدري ما أصل فرض الوقت في هذا اليوم ولكن يسقط الفرض عنه بأداء الظهر أو الجمعة يريد به أن أصل الفرض أحدهما لا بعينه ويتعين بفعله . قال : ولو صلى الظهر ثم سعى إلى الجمعة فوجد الإمام قد فرغ منها فإن كان خروجه من بيته بعد فراغ الإمام منها فليس عليه إعادة الظهر وإن كان قبل فراغ الإمام منها فعليه إعادة الظهر عند " أبي حنيفة " C تعالى وقال " أبو يوسف " و " محمد " رحمهما الله تعالى ليس عليه إعادة الظهر ما لم يفتتح الجمعة مع الإمام وجه قولهما : أنه أدى فرض الوقت بأداء الظهر فلا ينتقض إلا بما هو أقوى منه وهو الجمعة فأما مجرد السعي فليس بأقوى مما أدى ولا يجعل السعي إليها كمباشرتها في ارتفاض الظهر به كالقارن إذا وقف بعرفات قبل أن يطوف لعمرته يصير رافضا لها ولو سعى إلى عرفات لا يصير به رافضا لعمرته .
وجه قوله : أن السعي من خصائص الجمعة لأنه أمر به فيها دون سائر الصلوات فكان الاشتغال بما هو من خصائصها كالاشتغال بها من وجه فيصير به رافضا للظهر ولكن السعي إليها إنما يتحقق قبل فراغ الإمام منها لا بعده وفي مسألة القارن في القياس ترتفض عمرته بالسعي إلى " عرفات " وفي الاستحسان لا ترتفض لأن السعي هناك منهى عنه قبل طواف العمرة فضعف في نفسه وههنا مأمور به فكان قويا في نفسه . قال : وإذا لم يفرغ الإمام من الجمعة حتى دخل وقت العصر فسدت الجمعة لأن الوقت من شرائطها فإذا فات قبل الفراغ منها كان بمنزلة فواته قبل الشروع فيها لأن شرائط العبادة مستدامة من أولها إلى آخرها كالطهارة للصلاة فإن قهقه لم يلزمه وضوء وهذا قول " محمد " Bه وهو إحدى الروايتين عن " أبي حنيفة " C لأن التحريمة انحلت بفساد الجمعة فأما عند " أبي يوسف " وهو إحدى الروايتين عن " أبي حنيفة " C فلم نحل التحريمة بفساد الفريضة فإذا قهقه فعليه الوضوء لمصادفة القهقهة حرمة الصلاة قال : وإذا فرع الناس فذهبوا بعد ما خطب الإمام لم يصل الجمعة إلا .
صفحة [ 34 ] أن يبقى معه ثلاثة رجال سواء لأن الجماعة من شرائط افتتاح الجمعة . وقد بينا اختلافهم في مقدارها .
وإن بقي معه ثلاثة من العبيد أو المسافرين يصلي بهم الجمعة لأنهم يصلحون للإمامة فيها بخلاف ما إذا بقي ثلاثة من النساء أو الصبيان وإن كان صلى بالناس ركعة ثم ذهبوا أتم صلاته جمعة عندنا وقال " زفر " C تعالى يستقبل الظهر إذا ذهبوا قبل أن يقعد مقدار التشهد لأن الجماعة شرط الجمعة كالوقت .
ولكنا نقول الجماعة شرط افتتاح الجمعة وقد وجد ذلك حتى صلى بهم ركعة فكان له أن يتمها جمعة بخلاف الوقت فإنه شرط الأداء لا شرط الافتتاح وتمام الأداء بالفراغ من الصلاة ألا ترى أن المسبوق إذا أدرك ركعة مع الإمام قام بعد فراغه فأتم الجمعة كما " قال رسول الله A : من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فقد أدرك " ومثله لو خرج الوقت قبل فراغه من قضاء الركعة الثانية فسدت به جمعته فاتضح الفرق .
ولو ذهبوا بعد ما كبر الإمام وكبروا معه قبل تقييد الركعة بالسجدة فعلى قول " أبي حنيفة " Bه يستقبل الظهر وعندهما يتمها جمعة لأن الافتتاح بالتكبير يحصل وقد كان شرط الجماعة موجودا عنده وقياسا بالخطبة فإن الإمام بعد ماكبر لو سبقه الحدث فاستخلف من لم يشهد الخطبة أتم الجمعة وكان استخلافه إياه بعد التكبير كاستخلافه بعد أداء ركعة فهذا مثله . و " أبو حنيفة " C يقول الجماعة شرط صلاة الجمعة ولا يصير مصليا ما لم يقيد الركعة بالسجدة فكان ذهاب الجماعة قبل تقييدها كذهابهم قبل التكبير ثم الجماعة شرط الافتتاح وما لم يقيد الركعة بالسجدة فهو مفتتح لكل ركن بخلاف ما بعد تقييد الركعة بالسجدة فإنه معيد للأركان لا مفتتح وليس كالخطبة فإن الذي يستخلفه هناك بان على صلاته وشرط الخطبة موجود في حق الأصل وههنا الإمام أصل في افتتاح الأركان فلا بد من وجود شرط الجماعة عند افتتاح كل ركن قال : رجل صلى الجمعة بالناس بغير إذن الإمام أو خليفته أو صاحب الشرط أو القاضي لم يجزئهم لما بينا أن السلطان شرط لأقامتها وقد عدم ولم يذكر أنه لو مات من يصلي الجمعة بالناس فاجتمعوا على رجل فصلى بهم الجمعة هل يجزئهم ؟ والصحيح أنه يجزئهم فقد ذكر " ابن رستم " عن " محمد " رحمهما الله تعالى أنه لو مات عامل " إفريقية " فاجتمع الناس على رجل فصلى بهم الجمعة أجزأهم لأن " عثمان " C تعالى لما حضر اجتمع الناس على " علي " Bه فصلى بهم الجمعة ولأن الخليفة إنما يأمر بذلك نظرا منه لهم فإذا نظروا لأنفسهم .
صفحة [ 35 ] واتفقوا عليه كان ذلك بمنزلة أمر الخليفة إياه قال : ومن صلى الجمعة في الطاقات أو في السدة أو في دار الصيارفة أجزأه إذا كانت الصفوف متصلة لأن اتصال الصفوف يجعل هذا الموضع في حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام بدليل سائر الصلوات والاصطفاف بين الاسطوانتين غير مكروه لأنه صف في حق كل فريق وإن لم يكن طويلا وتخلل الاسطوانة بين الصف كتخلل متاع موضوع أو كفرجة بين رجلين وذلك لا يمنع صحة الاقتداء ولا يوجب الكراهة قال : ومن أدرك الإمام في التشهد في الجمعة أو في سجدتي السهو فاقتدى به فقد أدركها ويصليها ركعتين في قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى وقال " محمد " C تعالى يصلي أربعا لما " روى أن النبي A قال : من أدرك ركعة من الجمعة مع الإمام فقد أدرك وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا . " .
وهما استدلا ب " قوله A : ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا " وقد فاته ركعتان ثم هو بإدراك التشهد مدرك للجمعة بدليل أنه ينويها دون الظهر حتى لو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه به ثم الفرض بالاقتداء تارة يتعين إلى الزيادة كما في حق المسافر يقتدي بالمقيم وتارة إلى النقصان كما في حق الجمعة ثم في اقتداء المسافر بالمقيم لا فرق بين الركعة وما دونها في تعيين الفرض به فكذا هنا وتأويل الحديث وإذا أدركهم جلوسا قد سلموا والقياس ما قالا إلا أن " محمدا " C تعالى احتاط وقال يصلي أربعا احتياطا وذلك جمعته ولهذا ألزمه القراءة في كل ركعة وكذلك تلزمه القعدة الأولى على ما ذكره " الطحاوي " عنه كما هو لازم للإمام وفي رواية " المعلى " عنه لا تلزمه القعدة الأولى لأنه ظهر من وجه فلا تكون القعدة الأولى فيه واجبة وهذا الاحتياط لا معنى له فإنه إن كان ظهرا فلا يمكنه أن يبنيها على تحريمة عقدها للجمعة وإن كان جمعة فلا تكون الجمعة أربع ركعات قال : إمام خطب يوم الجمعة فلما فرغ منها قدم أمير آخر يصلي فإن صلى القادم بخطبة الأول صلى الظهرلأن الخطبة من شرائط افتتاح الجمعة وهو غير موجود في حقه وإن خطب خطبة أخرى صلى ركعتين لاستجماع شرائط الجمعة وإن كان صلى الأول الجمعة بالناس فإن لم يعلم بقدوم الثاني أجزأهم لأنه لا ينعزل ما لم يعلم بقدوم الثاني وإن علم به لم يجزئهم إلا أن يكون الثاني أمر بإقامتها فحينئذ يجزئهم لأنه مستجمع لشرائطها وقد قيل لا يجزئهم لأن الثاني لما لم يملك إقامتها لعدم شهود الخطبة لم يصح أمره الأول بها وقد بينا هذا فيما سبق قال : ويكره أن يصلي الظهر يوم الجمعة في المصر .
صفحة [ 36 ] جماعة في سجن أو في غير سجن هكذا روي عن " علي " Bه ولأن الناس أغلقوا أبواب المساجد في وقت الظهر يوم الجمعة في الأمصار فدل أنه لا يصلي جماعة فيها ولأن المأمور به في حق من يسكن المصر في هذا الوقت شيئان : ترك الجماعة وشهود الجمعة وأصحاب السجن قدروا على أحدهما وهو ترك الجماعة فيأتون بذلك ولو جوزنا للمعذور إقامة الظهر بالجماعة في المصر ربما يقتدي بهم غير المعذور وفيه تقليل الناس في الجامع وهذا بخلاف القرى فإنه ليس على من يسكنها شهود الجمعة فكان هذا اليوم في حقهم كسائر الأيام قال : والخطبة يوم الجمعة قبل الصلاة هكذا فعله رسول الله A وقد بينا أنها من شرائط الجمعة قال : ويجهر بالقراءة في صلاة الجمعة به جرى التوارث وهكذا نقل عن رسول الله A حتى حفظ عنه أصحابه ما قرأ فيها ونقلوه قال " أبو هريرة " Bه : قرأ في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الثانية المنافقين وقال " النعمان بن بشير " C تعالى قرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية { قال } ومن أدرك الإمام بعد ما رفع رأسه من الركوع فأحدث الإمام وقدمه سجد بهم السجدتين ولم يحتسب بهما من صلاته لأنه خليفة الأول فيأتي بما كان يأتي الأول إلا أن شرط الاحتساب بهما لم يوجد في حقه وهو تقدم الركوع فإن قيل فإذا لم يحتسب بهما كان تطوعا في حقه فكيف يجوز افتداء القوم به وهم مفترضون قلنا لا كذلك بل هما فرض في حقه حتى لو تركهما لم تجز صلاته ولكنه لا يحتسب بهما لانعدام شرط الاحتساب في حقه قال وإذا أمر الإمام مسافرا أو عبدا يقيم الجمعة بالناس جاء ذلك إلا عند " زفر " C تعالى وقد بينا هذا قال وما قرأ من القرآن في الجمعة فهو حسن كما في سائر الصلوات إلا أنه لا يوقت لذلك شيئا لأنه يؤدي إلى هجر ما سوى ما وقته وليس شيء من القرآن مهجورا إلا أن يتبرك بقراءة سورة ثبت عنده أن النبي A قرأها فيها فيتقدى به { قال } وإذا قام الإمام من الركعة الثانية في الجمعة ولم يقعد فإنه يعود ويقعد لأنها قعدة الختم في هذه الصلاة فيعود إليها كما في سائر الصلوات والجمعة في حق المقيم كالظهر في حق المسافر { قال } وللرجل أن يحتبي في يوم الجمعة في المسجد إن شاء لأن قعوده لانتظار الصلاة فيقعد كما شاء وقد صح " أن النبي A في التطوعات في بيته كان يقعد محتبيا " فإذا جاز ذلك في الصلاة ففي حالة انتظارها أولى والله تعالى أعلم