( قال - C - وإذا استأجر أجيرا يعمل له في بيته عملا مسمى ففرغ الأجير من العمل في بيت المستأجر ولم يضعه من يده حتى فسد العمل أو هلك وله الأجر ) لأن عمله صار مسلما إلى المستأجر لأن محمل العمل في يد المستأجر لأنه في بيته والبيت مع ما فيه في يد صاحب البيت فكما صار مسلما تقرر الأجر في ذمته ولا ضمان على الأجر فيما هلك من غير فعله لأن مال صاحبه هلك في يده وكذلك لو استأجره يخيط له في بيت المستأجر قميصا وخاط بضعه ثم سرق منه الثوب فله الأجر بقدر ما خاط فإن كل جزء من العمل يصير مسلما إلى صاحب الثوب بالفراغ منه ولا يتوقف التسليم في ذلك الجزء عند حصول كمال المقصود فلو كان استأجره ليخيط في بيت الأجير لم يكن له شيء من الأجر لأنه لا يصير عمله مسلما إلى صاحب الثوب فإن الثوب في يد الأجير لأنه في بيته ولا يقال قد اتصل عمله بملك صاحب الثوب لأن اتصال العمل بملكه يوجب الملك له فيما اتصل به ولكن لما لم يكن أصل الثوب في يده فيده لا تثبت على ما اتصل به أيضا وخروجه من ضمان العامل وتعذر الأجر على المستأجر باعتبار ثبوت اليد له على المعول واستشهد بما قال أنه لو استأجره ليبني له حائطا فبنى بعضه أو كله ثم انهدم فله أجر ما بنى لأنه في ملك صاحب البناء وكذلك حفر البئر .
وكذلك الرجل يستأجر الخباز ليخبز له في بيته دقيقا معلوما بأجر معلوم فخبزه ثم سرق فله الأجر تاما .
وإن سرق قبل أن يفرغ فله من الأجر بحساب ما عمل .
وإن كان يخبز في بيت الخباز لم يكن له من الأجر شيء ولا ضمان عليه فيما سرق في قول أبي حنيفة - C - لأنه أجير مشترك فلا يضمن ما هلك في يده بغير فعله وإن احترق الخبز في التنور قبل أن يخرجه فهو ضامن لأن هذا من جناية يده ويتخير صاحب الخبز إن شاء ضمنه قيمته مخبوزا وأعطاه الأجر وإن شاء ضمنه دقيقا ولم يكن له أجر وقد بينا نظيره في القصار .
وإن استأجر رجلا يحمل له طعاما إلى موضع معلوم فسرق منه في بعض الطريق فله الأجر بقدر ما تحمل لأن المعقود عليه ههنا منافعه لإحداث وصف في المحل فبقدر ما تحمل يصير المعقود عليه مسلما إلى صاحبه فكان له من الأجر بمقدره بخلاف ما تقدم فالمعقود عليه هناك الوصف الذي يحدث في المحل بعمله وثبوت اليد على الوصف بثبوته على الموصوف فما لم تثبت يد المستأجر على محل العمل لا يصير مسلما العمل فلا يتقرر الأجر وعلى هذا قلنا في كل موضع إذا هلك لم يكن له فيه أجر فله أن يحبسه حتى يأخذ الأجر كالخياط والقصار في بيت نفسه .
وفي كل موضع لو هلك كان له الأجر فليس له أن يحبسه كالحمال والخياط والخباز في بيت صاحب العمل .
فإن حبسه وهلك عنده فهو ضامن لأنه غاصب في الحبس حين لم يكن له حق الحبس والعمال الذين يعملون في بيت المستأجر ضامنون لما جنت أيديهم مثل ما يضمنون ما عملوا في بيوتهم لأن العامل أجير مشترك سواء عمل في بيت نفسه أو في بيت المستأجر فيكون المعقود عليه العمل وعقد المعاوضة تقتضي سلامة المعقود عليه فالعمل المعيب لا يكون معقودا عليه وهذا بخلاف ما إذا استأجره يوما ليخيط له ثوبا في بيته فإنه لا يضمن ما جنت يده لأن المعقود عليه منافعه .
( ألا ترى ) أنه ليس له أن يعمل ذلك في غير يومه وأنه يستوجب الأجر بتسليم النفس وإن لم يستعمله .
ولو استأجر طباخا يصنع له طعاما في وليمة فأفسد الطعام فأحرقه ولم ينضجه فهو ضامن لأنه أجير مشترك وهذا من جناية يده ولو لم يفسد الطباخ ولكن رب الدار اشترى راوية من ماء فأمر صاحب البعير فأدخلها الدار فساق البعير فعطب فخر على القدور فكسرها فأفسد الطعام فلا ضمان على صاحب البعير لأنه ساقها بأمر رب الدار وفعله كفعل رب الدار وسوق الإنسان الدابة في ملك نفسه لا يكون تعديا موجبا للضمان كحفر البئر ووضع الحجر في ملك نفسه ولا ضمان على الطباخ فيما عمل من الطعام لأن التلف حصل لغير فعله بل بفعل مضاف إلى صاحب الدار حكما .
وكذلك لو كان البعير سقط على ابن رب الدار وهو صبي فقتله أو على عبده فلا ضمان عليه لأن التسبب إذا لم يكن تعديا لا يكون موجبا للضمان على أحد .
ولو أدخل الطباخ النار ليطبخ بها فوقعت شرارة واحترقت الدار فلا ضمان عليه لأن له أن يدخل النار ويعمل بها فعمله لا يتأتى بدونها ولا ضمان على رب الدار فيما احترق للسكان لأنه أدخل النار في ملكه ومن أوقد النار في ملكه لا يكون متعديا فيه فكذلك إذا فعل غيره بأمره والله أعلم الصدق والصواب