قال - C - ( وإذا استأجر الرجل رحا ماء والبيت الذي هو فيه وهو متاعها كل شهر بأجر مسمى فهو جائز ) لأنه غير متنفع به واستئجاره متعارف .
فإن انقطع الماء عنها فلم يعمل رفع عنه الأجر بحساب ذلك لزوال تمكنه من الانتفاع على الوجه الذي استأجره فإنه إنما استأجره ليطحن فيها بالماء دون الثور وبانقطاع المال زال تمكنه من ذلك وبدون التمكن من الانتفاع لا يجب الأجر فله أن ينقض الإجارة لتغير شرط العقد عليه فإن لم ينقضها حتى عاد الماء لزمته الإجاره فيما بقى من الشهر .
وإن كان قد بقي يوم واحد فلم يكن له أن ينقضها لزوال العذر وتمكنه من الانتفاع فيما بقي من المدة ولأن هذه الإجارة في حكم عقود متفرقة لا يثبت الخيار لتفرق الصفقة .
وإن اختلفا في مقدار ما كان الماء منقطعا فالقول قول المستأجر لأنهما يتفقان أنه لم يستوف جميع المعقود عليه وإنما اختلفا في مقدار ما استوفى فرب الرحا يدعي زيادة في ذلك والمستأجر منكر ذلك ولو قال المؤاجر لم ينقطع الماء فإنه بحكم الحال فيه .
فإن كان الماء منقطعا في الحال فالقول قول المستأجر وإن كان جاريا فالقول قول المؤاجر مع يمينه على عمله لأنه إذا كان منقطعا في الحال فالظاهر أنه كان منقطعا فيما مضى وإن كان جاريا في الحال فالظاهر أنه كان جاريا فيما مضى وفي الخصومات القول قول من يشهد له الظاهر .
توضيحه : أنا قد عرفنا الماء جاريا عند العقد والبناء على الظاهر واستصحاب الحال أصل ما لم يعلم خلافه فإذا علمنا انقطاع الماء في الحال بقدر استصحاب الحال فاعتبرنا الدعوى والإنكار قرب الرحا يدعي تسليم المعقود عليه والمستأجر منكر فالقول قوله .
فإما إذا كان جاريا في الحال فاستصحاب الحال ممكن فجعلنا رب الرحا مسلما للمعقود عليه بهذا الطريق ولهذا كان القول قوله مع يمينه على عمله لأن الاستحلاف على ما لم يكن في يده ولا من عمله فيكون على العلم وإن كان استأجر جميع ذلك بعشرة دراهم كل شهر فطحن فيها في الشهر بثلاثين درهما فربح عشرين درهما .
فإن كان المستأجر هو الذي يقوم على الرحا والطعام أو أجيره أو عبده فالربح له طيب لأن الفضل بمقابلة منافعه .
وإن كان رب الطعام هو الذي يلي ذلك لم يطلب الربح للمستأجر إلا أن يكون قد عمله فيها عملا تنتفع بها الرحا من كرى النهر أو نقر الرحا وغير ذلك فحينئذ يجعل الفضل بمقابلة عمله فيطيب له فقد جعل نقر الرحا معتبرا يجعل الفضل بمقابلته ولم يجعل كنس البيت فيما سبق معتبرا في ذلك لأن كنس البيت ليس بزيادة في البيت ولأن التمكن من الانتفاع باعتباره فأما نقر الرحا وكرى النهر بعد زيادة المستأجر وبه يتمكن من الانتفاع .
وإذا استأجر موضعا على نهر ليبنى عليه بناء ويتخذ عليه رحا ماء على أن الحجارة والمتاع والحديد والبناء من عند المستأجر فهو جائز لأنه استأجر الأرض لمنفعة معلومة .
فإن انقطع ماء النهر فلم يطحن ولم يفسخ الإجارة فالأجر لازم له لأن المعقود عليه منفعة الأرض وهي باقية بعد انقطاع الماء والمستأجر مستوفي بما يشغل الأرض بمتاعه بخلاف الأول فهناك المعقود عليه منفعة الرحا لعمل الطحن والتمكن منه يزول بانقطاع الماء إلا أن هنا له أن يفسخ الإجارة للعذر فإن مقصوده استيفاء منفعة لا يتم ذلك بدون جريان الماء وفي إلزام العقد إياه بعد انقطاع الماء ضرر فيكون ذلك عذرا له في الفسخ ولو استأجر رحا ماء بمتاعها فانقطع الماء شهرا فلا أجر عليه في ذلك الشهر لما قلنا وإن قل الماء حتى أضربه في الطحن وهو يطحن مع ذلك .
فإن كان ضررا فاحشا فهو عيب فيما هو المقصود فيتمكن لأجله من فسخ العقد .
وإن لم يفسخ كان الأجر واجبا عليه لبقاء تمكنه من الانتفاع ورضاه بالعيب وإن كان غير فاحش فالإجارة لازمة له لأنه لما استأجر الرحا في الابتداء مع علمه أن الماء يزداد تارة وينتقص أخرى فقد صار راضيا بالنقصان اليسير ولأن ما لم يمكن التحرز عنه عفو .
وإذا خاف رب الرحا أن ينقطع الماء فتفسخ الإجارة فأكري البيت والحجرين والمتاع خاصة فهو جائز لأنه عين منتفع به فإن انقطع الماء فللمستأجر أن يترك الإجارة لأن استئجار هذه الأعيان كان لمقصود معلوم وقد فات ذلك بانقطاع الماء وفي إيفاء العقد بعد انقطاع الماء ضرر عليه وهذا ضرر لم يلتزمه بأصل العقد فيكون عذرا له في الفسخ كما لو استأجر والرحا يطحن بجمله فينق جمله ولم يكن عنده ما يشتري به جملا كان له أن يترك الإجارة .
ولو استأجر رحا ماء فانكسر أحد الحجرين أو الدوارة أو البيت فله أن يفسخ الإجارة لزوال تمكنه من الانتفاع .
فإن أصلح ذلك رب الرحا قبل الفسخ لم يكن للمستأجر أن يفسخ بعد ذلك لزوال العذر في بقية المدة ولكن يرفع عنه من الأجر بقدر ذلك لانعدام تمكنه من الانتفاع به والقول قول المستأجر في مقدار العطلة لاتفاقهما على أنه لم يسلم جميع المعقود عليه إلا أن ينكر المؤاجر البطالة أصلا فكان القول قوله باعتبار استصحاب الماء لأنا عرفنا تمكن المستأجر من الانتفاع عند تسليم الرحا ثم يدعى هو عارضا مانعا فلا يقبل قوله في ذلك إلا بحجة كما لو ادعي أن غاصبا حال بينه وبين الانتفاع بالرحا .
وإن استأجر رحا ماء على أن يطحن فيها الحنطة ولا يطحن غيرها فطحن فيها شعيرا أو شيئا من الحبوب سوى الحنطة فإن كان ذلك لا يضر بالرحا فلا ضمان عليه وإن كان أضر عليها من الحنطة ضمنه ما نقصها لأن التقيد معتبر إذا كان مفيدا والخلاف إلى ما هو أضر عدوان منه فيلزمه ضمان النقصان ولا أجر عليه في ذلك الوقت لأنه غاصب ضامن من النقصان ولا يجتمع الأجر والضمان .
وإذا استأجر الرجل رحا وبيتا من أجير وبعيرا من آخر صفقة واحدة كل شهر بأجر معلوم فهو جائز لأن استئجار كل عين من هذه الأعيان على الأنفراد صحيح ثم يقتسمون الأجر بينهم على قدر ذلك لأن المسمى بمقابلة الكل فيتوزع عليها بالحصة .
ولو اشترك أرباب هذه الأشياء على أن يعملوا للناس بأجر فما طحنوا فالأجر بينهم أثلاثا فإن أجروا الجمل بعينه فطحن فأجر ذلك لصاحب الجمل لأنه سمى بمقابلته منفعة الجمل وللآخرين أجر مثلهما لنفسهما ومتاعهما على صاحب الجمل لأن سلامة الأجر له بذلك كله فيكون هو مستوفيا لمنافعهما وقد شرط بمقابلة ذلك أجر ولم يسلم لهما ذلك الأجر .
فإن قبلوا الطعام على أن يطحنوه بأجر معلوم ولم يؤجروا إلا الجمل بعينه فما اكتسبوه صار أثلاثا بينهم لأنهم اشتركوا في تقبل العمل وبذلك استوجبوا الأجر .
وإن كان لرجل بيت على نهر قد كان فيه رحا ماء فذهب وجاء آخر برحا آخر ومتاعها فنصبها في البيت واشتركا على أن يتقبلا من الناس الحنطة والشعير فطحناه فما كسبا فهو بينهما نصفان فهو جائز وما طحناه وما تقبلاه فأجره بينهما نصفان لاستوائهما في تقبل العمل في ذمتها وليس للرحا ولا للبيت أجرة لأن كل واحد منهما ما ابتغى عن متاعه أجرا سوى ما قال .
( ألا ترى ) أن قصارين لو اشتركا على أن يعملا في بيت أحدهما بأداة الآخر فما كسبا فهو بينهما نصفان كان جائزا ولم يكن لواحد منهما أن يطالب صاحبه بأجر بأداته .
ولو أجر الرحا بأجر معلوم على طعام معلوم كان الأجر كله لصاحب الرحا لأنه مسمى بمقابلة منفعة ملكه ولصاحب البيت أجر مثل بيته ونفسه على صاحب الرحا إذا كان قد عمل في ذلك لأن منفعة بيته ونفسه سلمت لصاحب الرحا لم يسلم له بمقابلته ما شرط له من الأجر .
( قال ) ( ولا أجاوز به نصف أجر مثل الرحا في قول أبي يوسف - C - ) وقد بينا نظيره في كتاب الشركة ولو انكسر الحجر الأعلى من الرحا فنصب رجل مكانه حجرا بغير أمر صاحبه وجعل يتقبل الطعام ويطحن فهو مسيء في ذلك ضامن لما أفسد من الحجر الأسفل ومتاعه لأنه غاصب والأجر له لأنه وجب بعقده .
وإن كان وضع الحجر الأعلى برضاء صاحبه على أن الكسب بينهما نصفان فهو كما شرط وهو نظير ما سبق إذا كان يتقبلان الطعام فالأجر بينهما كما شرط ولو بنى على نهر بيتا ونصب فيها رحا ماء بغير رضي صاحب النهر ثم يقبل الطعام فكسب في ذلك مالا كان له في الكسب وكان ضامنا لمناقص البيت وساحته وموضعه والنهر لأنه متلف لذلك بفعله لاو يضمن شيئا من الماء لأن الماء غير مملوك ولأنه لم يفسد شيئا من الماء بعمله ولو أن رجلا له نهر اشترك هو ورجلان على أن جاء أحدهما برحا والآخر بمتاعها على أن يبنوا البيت جميعا من أموالهم على أن ما كسبوا من شيء فهو بينهم فهو جائز وهذا مثل المسألة الأولى إذا كانوا يتقبلون الطعام فالأجر بينهم أثلاثا والله أعلم بالصواب