( قال - C - وإذا اختلف شاهدا الإجارة في مبلغ الأجر المسمى في العقد والمدعي هو المؤاجر أو المستأجر فشهد أحدهما بمثل ما ادعاه المدعي والآخر بأقل أو أكثر لا تقبل الشهادة ) لأن المدعي كذب أحد الشاهدين ومن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول هذا قبل استيفاء المنفعة لأن الحاجة إلى القضاء بالعقد ومع اختلاف الشاهدين في البدل لا يتمكن القاضي من ذلك فإما بعد استيفاء المنفعة فالحاجة إلى القضاء بالمال فينبغي أن تكون المسألة على الخلاف عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - تقضى بالأقل كما في دعوى الدين إذا ادعى المدعي ستة وشهد بها أحد الشاهدين والآخر بخمسة .
قال - Bه - ( والأصح عندي أن الشهادة لا تقبل عندهم جميعا هنا ) لأن الأجرة بدل في عقد المعاوضة كالثمن في البيع ولا بد أن يكون المدعي مكذبا أحد شاهديه فيمنع ذلك قبول شهادته له وأن لم يكن لهما بينة وقد تصادقا على الإجارة واختلفا في الأجرة قبل استيفاء المنفعة تحالفا أو تراد الاحتمال العقد الفسخ .
وكذلك إن كانت دابة فقال المستكري من الكوفة إلى بغداد بخمسة وقال رب الدابة إلى الصراه والصراه المصنف تحالفا وبعدما حلفا إن قامت البينة لأحدهما أخذت بينته لأن البينة العادلة أحق بالعمل بها من اليمين الفاجرة .
وإن قامت لهما بينة أخذت بينة رب الدابة على الآجر وبينة المستأجر على فضل المسير على قول أبي حنيفة - C - وكان يقول أولا إلى بغداد باثني عشر ونصف وهو قول زفر - C - وقد بينا نظيره وإن اتفقا على المكان واختلفا في جنس الأجر فالبينة بينة رب الدابة لأنه يثبت حقه بالبينة ولأنه يثبت دعواه بالبينة والأجر يثبت بإقراره وإنما تثبت بالبينة الدعوى دون الإقرار .
وإن كان قد ركبها إلى بغداد فقال قد أعرتني الدابة وقال صاحبها بل اكتريتها منك بدرهم ونصف فالقول قول الراكب ولا ضمان عليه ولا أجر أما الضمان فلأنهما تصادقا على أنه ركبها بأمر صاحبها وأما الأجر فلأن المستأجر منكر لعقد الإجارة فالقول في ذلك قوله مع يمينه .
( وإن تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة ) .
( وإن تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة ) .
( قال ) ( إذا حبسها في قدر ما يذهب إلى الحيرة ويرجع فلا أجر عليه إذا لم يذهب ) لما بينا أن المعقود عليه خطوات الدابة في طريق الحيرة ولا يتصور وجود ذلك إذا كانت الدابة على أريها في البيت وإن دفعها إليه وقال لم أذهب بها إن علم أنه توجه إلى الحيرة فقال رجعت ولم أذهب لم يصدق لأنه لما علم توجهه إلى الحيرة ومضى من الزمان بعد ذلك مقدار ما يذهب من ويجيء فالظاهر أنه قد أتى الحيرة فهو في قوله رجعت يدعي خلاف ما يشهد به الظاهر .
( وإن تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة ) .
فإن أقام المؤاجر شاهدين فشهد أحدهما بدرهم والآخر بدرهم ونصف فإنه يقضي له بدرهم لأنهما اجتمعا على الدرهم لفظا ومعنى والمقصود إثبات المال لأن العقد منتهي فيقضي بما اتفق عليه الشاهدان وهذا يؤيد قول من يقول في مسألة أول الباب أنه يقضي بالأقل عندهما .
ولكنا نقول : هناك الشاهدان ما اتفقا على شيء لفظا فالخمسة غير الستة وعندهما القضاء بالأقل باعتبار الموافقة في المعنى وباعتبار المعنى المدعي مكذب أحدهما وهنا اتفقا الشاهدان على الدرهم لفظا فالمدعي يدعي ذلك ولكنه يدعي شيئا آخر مع ذلك وهو نصف درهم وأحد الشاهدين لم يسمع ذلك فلم يشهد به ولهذا الايصير المدعي مكذبا له فلهذا أقضينا له بالدرهم .
ولو ركب ( رجل ) دابة رجل إلى الحيرة فقال رب الدابة اكتريتها إلى الجباية بدرهم فجاوزت ذلك وقال الذي ركب أعرتنيها وحلف على ذلك فهو بريء من الأجر لأنه منكر لعقد الإجارة .
فإن أقام رب الدابة شاهدين أنه إكراه إلى الحيرة بدرهم لم يقبل ذلك لأن دعواه إكذاب منه لشهوده فإنه ادعى الإكراء إلى الجباية .
وإن ادعى رب الدابة أنه أكراها إلى السالحين بدرهم ونصف وشهد له شاهد بذلك وآخر شهد أنه أكراها إلى السالحين بدرهم فإنه يقضي له عليه بدرهم إذا كان قد ركبها لأن الشاهدين اتفقا على ذلك القدر لفظا والمدعي يدعيه أيضا .
ولو قال المستأجر تكاريتها منك إلى القادسية بدرهم وقال رب الدابة بل إلى موضع كذا في السواد في غير ذلك الطريق بدرهم وقد ركبها إلى القادسية فلا كراء عليه لأنه خالف فصار ضامنا معناه أن رب الدابة ينكر الإذن له في الركوب في طريق القادسية وقد ركب فصار ضامنا وإنما ادعي رب الدابة العقد على الركوب في طريق آخر ولم يركب المستأجر في ذلك الطريق فلا أجر عليه لذلك .
ولو ادعى أنه أكراه دابتين باعيانهما إلى بغداد بعشرة وقال رب الدابتين بل هذه منهما بعينها إلى بغداد بعشرة وأقام البينة ففي قول أبي حنيفة الأول C هما له إلى بغداد بخمسة عشر إذا كان أجر مثلهما سواء وفي قوله الآخر هما له إلى بغداد بعشرة لأن المستأجر هو المدعي والمثبت بينة الزيادة في حقه .
وكذلك إن كان رب الدابتين ادعى أنه أكراه أحديهما بعينها بدينار وأقام البينة وأقام المستأجر البينة أنه استكراهما جميعا بعشرة دراهم فله دابتان بدينار وخمسة دراهم لأن جنس الأجر هنا مختلف فكل واحد منهما يثبت ببينته حقه فلا بد من قبول بينة قول كل واحد منهما بخلاف الأول فهناك جنس الأجر متحد وقد اتفق الشهود عليه فلا حاجة لرب الدابة إلى الإثبات ولكن المستأجر هو المحتاج إلى إثبات العقد في الدابة الأخرى وبينته تثبت ذلك وبينة رب الدابة تنفي فالمثبت أولى .
وإن ادعى المستأجر دابة واحدة وإن تكاراها إلى بغداد بدينار وأقام البينة وأقام صاحبها البينة أنه أكراها إياه إلى البصرة بعشرين درهما وقد ركبها إلى بغداد قضيت عليه بعشرين درهما ونصف دينار لأن جنس الأجر لما اختلف فلا بد من العمل بالبينتين وقد أثبت رب الدابة ببينة إلى البصرة بعشرين درهما وأثبت المستأجر ببينة العقد من البصرة إلى بغداد بنصف دينار فلهذا قضي بهما .
وإن ادعى المستأجر الإجارة وجحدها صاحب الدابة فشهد شاهد أنه استأجرها ليركبها إلى بغداد وشهد الآخر أنه استأجرها ليركبها ويحمل عليها هذا المتاع والمستأجر يدعي كذلك لم تجز الشهادة لاختلاف الشاهدين في مقدار المعقود عليه وإكذاب المدعي أحد شاهديه .
فإن ( قيل ) : أليس أن الشاهدين اتفقا على الركوب لفظا ومعنى ويفرد أحدهما بالزيادة وهو حمل المتاع فينبغي أن يقضي بما اتفق عليه الشاهدان .
قلنا : المعقود عليه منفعة الدابة لا عين الركوب فالركوب فعل الراكب وحمل المتاع كذلك فعله والمعقود عليه ملك رب الدابة وذلك يختلف باختلاف الشاهدين فيما شهد به فلا تتحقق الموافقة بينهما لفظا بخلاف الدرهم ونصف مع أن هذا إنما يكون قبل استيفاء المنفعة وقبل استيفاء المنفعة الحاجة إلى القضاء بالعقد فلا يتمكن منه مع اختلافهما .
وكذلك إن اختلفا في حمولتين لأن المدعي يكون مكذبا أحدهما لا محالة ولو ادعى أنه سلم ثوبا إلى صباغ وجحد الصباغ ذلك فشهد شاهد أنه دفع إليه ليصبغه أحمر بدرهم وقال الآخر ليصبغه أصفر فقد اختلفت الشهادة لاختلاف الشاهدين في المعقود عليه هو الوصف الذي يحدثه في الثوب والأصفر منه غير الأحمر فيكون المدعي مكذبا أحد الشاهدين والله أعلم بالصواب