قال - C - ( ذكر عن عمر بن الخطاب - Bه - أنه قال حين وضع رجله في الغرز أن الناس قائلون غدا ماذا قال عمر وأن البيع عن صفقة أو خيار والمسلحون عند شروطهم ) وفي هذا الحديث دليل أن الإجارة يتعلق بها اللزوم إذا لم يشترط فيها الخيار كالبيع بخلاف ما يقوله - شريح - C - إن الإجارة من المواعيد لا تكون لازمة وقد بيناه وفيه دليل على أن البيع نوعان : لازم بنفسه وغير لازم إذا شرط فيه الخيار فإن الصفقة هي اللازمة النافذة يقال هذه صفقة لم يشهدها خاطب إذا أنفذ أمر دون رأي رجل فيكون حجة على الشافعي - C - لأنه يثبت خيار المجلس في كل بيع وفيه دليل وجوب الوفاء بالمشروط إذا كان الشرط صحيحا شرعا فلا خلاف بيننا .
فالشافعي - C - يقول عقد الإجارة إذا أطلقت فهي لازمة كالبيع إلا أن عندنا قد يفسخ الإجارة بالعذر وعنده لا يفسخ إلا بالعيب وهو بناء على أصله أن المنافع كالأعيان الموجودة حكما فإن العقد عليها كالعقد على العين فكما لا يفسخ البيع إلا بعيب فكذلك الإجارة وعندنا جواز هذه العقد للحاجة لزومه لتوفير المنفعة على المتعاقدين فإذا آل الأمر إلى الضرر أخذنا فيه بالقياس وقلنا العقد في حكم المضاف في حق المعقود عليه والإضافة في عقود التمليكات تمنع اللزوم في الحال كالوصية ثم الفسخ بسبب العيب لدفع الضرر لا لعين العيب فإذا تحقق الضرر في إيفاء العقد يكون ذلك عذرا في الفسخ وإن لم يتحقق العيب في المعقود عليه .
( ألا ترى ) أن من استأجر أجيرا ليقلع درسه فسكن ما به من الوجع كان ذلك عذرا في فسخ الإجارة أو استأجره ليقطع يده للآكلة ثم بدا له في ذلك أو استأجره ليهدم بناء له ثم بدا له في ذلك لأنه لا يتمكن من إيفاء العقد إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله من حيث إتلاف شيء من بدنه أو إتلاف ماله وجواز الاستئجار للمنفعة لا للضرر وقد يرى الإنسان المنفعة في شيء ثم يتبين له للضرر في ذلك .
وكذلك لو استأجره ليتخذ له وليمة ثم بدا له في ذلك فليس للأجير أن يلزمه اتحاد الوليمة شاء أو أبى لأن في ذلك عليه من الضرر في إتلاف ماله وجواز الاستئجار للمنفعة لا لضرر إذا عرف هذا فنقول من العذر في استئجار البيت أن ينهدم البيت أو يهدم منه ما لا يستطيع أن يسكن فيه وهذا من نوع العيب في المقعود عليه وثبوت حق الفسخ به مجمع عليه لأن تقبض الدار المنافع لا تدخل في ضمانه فحصول هذا العارض في يد المستأجر كحصوله في يد الآجر .
فإن أراد صاحب البيت أن يبيعه فليس هذا بعذر لأنه لا ضرر عليه في إيفاء العقد إلا قدر ما التزمه عند العقد وهو الحجر على نفسه عن التصرف في المستأجر إلى انتهاء المدة وإن باعه فبيعه باطل لا يجوز لعجزه عن التسليم .
وقد بينا في البيوع أن الصحيح من الرواية أن البيع موقوف على سقوط حق المستأجر وليس للمستأجر أن يفسخ البيع وأن كان على المؤاجر دين فحبس في دينه فباعه فهذا عذر لأن علته في إيفاء العقد ضرر لم يلتزم ذلك بالعقد وهو الحبس على سقوط حق المستأجر عن العين فإن بعقد الإجارة لا يزول ملكه عن العين ولا يثبت للمستأجر حق في ماليته فيكون المديون مجبورا على قضاء الدين من ماليته محبوسا لأجله إذا امتنع فلهذا كان ذلك عذرا له في الفسخ ثم ظاهر ما يقول هنا يدل على أنه يبيعه بنفسه فيجوز .
وقد ذكر في الزيادات أنه يرفع الأمر إلى القاضي ليكون هو الذي يفسخ الإجارة ويبيعه وهو الأصح لأن هذا فصل مجتهد فيه فيتوقف على إمضاء القاضي كالرجوع في الهبة .
وإن انهدم منزل المؤاجر ولم يكن له منزل آخر فأراد أن يسكنه لم يكن له أن ينقض الإجارة لأنه لا ضرر عليه فوق ما التزمه بالعقد فإنه يتمكن من أن يكتري منزلا آخر أو يشتري وكذلك إن أراد التحول من المصر لأنه لا يخرج المنزل مع نفسه فلا يلحقه ضرر فوق ما التزمه بالعقد وهو ترك المنزل في يد المستأجر إلى هذه المدة وإن كان هذا بيتا في السوق يبيع فيه ويشتري فلحق المستأجر دين أو أفلس فقام من السوق فهذا عذر وله أن ينقض الإجارة لأنه استأجره للانتفاع وهو يتضرر بإيفاء العقد بعد ما ترك تلك التجارة أو أفلس ضررا لم يلزمه بنفس العقد .
وكذلك إذا أراد التحول من بلد إلى بلد لأنه لو لزمه الامتناع من السفر تضرر به ضرر لم يلتزمه بالعقد وبعد خروجه لا يتمكن من الانتفاع بالبيت .
فإن قال رب البيت أنه يتعلل ولا يريد الخروج حلف القاضي المستأجر على ذلك لأن الظاهر شاهد له فالظاهر أنه لا يترك ما كان عزم عليه من التجارة في الحانوت إلا إذا أراد التحول من بلد إلى بلد فالقول قوله مع يمينه وقيل بحكم القاضي حاله في ذلك .
فإن رآه قد استعد للسفر قبل قوله . قال الله تعالى : { ولو أرادوا الخروح لأعدوا له عدة } ( التوبة : 46 ) وقيل يقول له مع من يخرج فالإنسان لا يسافر إلا مع رفقة ثم يسأل رفقاءه عن ذلك .
وإن فسخ العقد وخرج الرجل ثم رجع وقال قد بدا لي في ذلك وخاصمه صاحب البيت فإن القاضي يحلف المستأجر بالله أنه كان في خروجه قاصدا للسفر لأن رب البيت يدعي بطلان الفسخ لعدم العذر وذلك ينبني وما في ضميره في ضمير المستأجر لا يعلمه غيره فكان القول قوله مع يمينه .
وكذلك إن أراد التحول من تلك التجارة إلى تجارة أخرى فهذا عذر لأن في إيفاء العقد ضررا لم يلتزمه بالعقد وقد تروج نوع التجارة في وقت وتبور في وقت آخر وإن لم يكن هذا ولكن وجد بيتا هو أرخص منه لم يكن عذرا .
وكذلك لو اشترى منزلا وأراد التحول إليه لأنه لا يلحقه ضرر إلا ما التزمه بالعقد وهو التزام الأجر عند استيفاء المنفعة وإنما يقصد بالفسخ هنا الربح لا دفع الضرر .
وإن استأجر دابة بعينها لي بغداد فبدا للمستأجر أن لا يخرج فهذا عذر لأن عليه ضررا في إيفاء العقد وهو تحمل مشقة السفر .
وقال ابن عباس - Bهما - لولا قول رسول الله - A - ( السفر قطعة من العذاب ) لقلت العذاب قطعة من السفر .
ولو قال رب الدابة أنه يتعلل فالسبيل للقاضي أن يقول له اصبر فإن خرج فقاد الدابة معه لأن المعقود عليه خطوات الدابة فإذا قادها معه فقد تمكن من استيفاء المعقود عليه فيلزمه الأجر وإن لم يركب وكذلك لو أراد الخروج في طلب غريم له أو عبد آبق فرجع .
وكذلك لو مرض أو لزمه غرم أو خاف أمرا أو عثرت الدابة أو أصابها شيء لا يستطاع الركوب معه فبعض هذا عيب في المعقود عليه وبعضه عذر للمستأجرين في التخلف عن الخروج ولا فائدة للمؤاجر في إيفاء العقد إذا لم يخرج المستأجر وإن عرض لصاحب الدابة مرض لايستطيع الشخوص مع دابته لم يكن له أن ينقض الإجارة لأن بامتناعه من الخروج لا يتعذر تسليم المعقود عليه فيؤمر بتسليم الدابة وأنه يرسل معه رسولا يتبع الدابة وكذلك لو حبسه غريمه .
وروى بشر عن أبي يوسف - رحمهما الله - قال إذا امتنع رب الدابة من الخروج فيكون هذا عذرا وإن مرض فهو عذر له لأنه يقول غيري لا يشقق على دابتي ولا يقوم بتعاهدها كقيامي فإذا تعذر عليه الخروج لمرض يلحقه في إيفاء العقد ضرر لم يلتزمه بالعقد .
وروى هشام عن أبي يوسف - رحمهما الله - قال إذا اكترت المرأة إبلا إلى مكة للذهاب والرجوع فلما كان في يوم النحر ولدت قبل أن تطوف للزيارة فهذا عذر للمكاري لأنها تحبس إلى مضي مدة النفاس وهذا ضرر لم يلتزمه المكاري بالعقد لأنه غير معتاد وإن كانت قد ولدت قبل ذلك .
فإن كان الباقي مدة النفاس بعد يوم النحر عشرة أيام أو أقل فهذا ليس بعذر للمكاري لأن ما بقي مثل مدة الحيض وذلك معلوم وقوعه عادة وكان المكاري ملتزما ضرر التأخير بقدره وإن عطبت الدابة فهذا عذر وهذا لأن المعقود عليه فات ولا سبب للفسخ أقوى من هلاك المعقود عليه وإن كانت الدابة بغير عينها لم يكن هذا عذر لأن المكاري التزم العمل في ذمته وهو قادر على الوفاء به بدابة أخرى يحمله عليها .
ولو مات المستأجر في بعض الطريق كان عليه من الأجر بحساب ما سار ويبطل عنه بحساب ما بقى لانفساخ العقد بموت أحد المتكاريين وقد بينا ذلك .
وإن مات رب الإبل في بعض الطريق فللمستأجر أن يركبها على حالة حتى يأتي مكة وذكر في كتاب الشروط أن هذا إذا كان في مفازة بحيث لا يقدر به على سلطان وخاف أن يقطع به وهو الصحيح لأنه كما يجوز نقض الإجارة عند العذر لدفع الضرر يجوز إيفاؤها بعد ظهور سبب الانتقاض لدفع الضر وإذا كان في المفازة لو قلنا بانتقاض العقد يتعذر عليه الركوب فيتضرر به لأنه عاجز عن المشي ولا يقدر على دابة أخرى .
فأما إذا كان في مصر فهو لا يتضرر بانتقاض العقد وموت أحد المتكاريين موجب انتقاض العقد فإذا بقي العقد لم يضمن إن عطبت من ركوبه وعليه الأجر المسمى وهو استحسان لأن العقد لما بقي للتعذر صار الحال بعد موت المكاري كالحال قبله فإذا أتى مكة دفع ذلك إلى القاضي لأن ما به من العذر قد زال وبقيت الدابة في يده ملكا للورثة وهو عيب فدفعها إلى القاضي .
فإن سلم له القاضي الكراء إلى الكوفة فهو جائز إما لأنه أمضى فصلا مجتهد فيه باجتهاده أو لأنه يرى النظر في ذلك لأنه لو أخذها منه أجرها من غيره ليردها إلى الكوفة وصاحبها رضي بكونها في يده فالأولى له إذا كان المستأجر ثقة أن ينفذ له الكراء إلى الكوفة .
وإن رأى النظر في بيعها فهو جائز لأن البعث بثمنها إلى الورثة ربما يكون أنفع وأيسر لهم فإن الثمن لا يحتاج إلى النفقة وإن كان أنفق المستأجر عليها شيئا لم يحسب له ذلك لأنه متطوع في ذلك بالأنفاق على ملك الغير بغير أمره إلا أن يكون بأمر القاضي فيحسب له إذا أقام البينة عليه لأن للقاضي ولاية النظر في حق الغائب فالإنفاق بأمره كالإنفاق بأمر صاحب الدابة ولكنه غير مقبول القول فيما يدعي من الإنفاق فإذا قام البينة رد ذلك عليه من الثمن .
وكذلك إن أقام البينة على توفية الكراء رد عليه بحساب ما بقي لأنه أثبت دينه في تركة الميت وهذا مال الميت ولأن الإبل محبوسة في يده إلى أن يرد عليه ما أنفق بأمر القاضي أو بما عجل من الكراء فلا يتمكن القاضي من أخذها وبيعها حتى يرد عليه ما بقى له فلهذا قبل بينته على ذلك ونفذ قضاؤه على الورثة مع غيبتهم .
وإن استأجر أرضا فغلب عليها الماء أو أصابها نزلا تصلح معه الزراعة فهذا عذر لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه .
وكذلك إن أراد أن يترك الزرع أو افتقر حتى لا يقدر على ما يزرع فهذا عذر لأن الزارع في الحال متلف لبذره ولا يدري أيحصل الخارج أم لا وقد بينا أنه إذا كان لا يتمكن من إيفاء العقد إلا بإتلاف ماله فهو عذر له وإن وجد أرضا أرخص منها أو أجود لم يكن هذا عذرا لأنه بالفسخ يقصد هنا تحصيل الربح لا دفع الضرر .
وإن مرض المستأجر فإن كان هو الذي يعمل بنفسه فهذا عذر لأنه تعذر عليه استيفاء المعقود عليه .
وإن كان إنما يعمل إجراؤه فليس هذا عذرا البقاء يمكنه من استيفاء المعقود عليه كما قصده بالعقد .
وإن كانت الأرض ليتيم أجرها وصية فكبر اليتيم لم يكن له أن يفسخ الإجارة لأن عقد الوصي على ماله كعقده على نفسه ولا ضرر عليه في إيفاء الإجارة بعد بلوغه بخلاف ما إذا كان أجر نفسه فإن ذلك كد وتعب وهو يتضرر بإيفاء العقد بعد بلوغه .
وإذا استأجر عبدا لخدمة أو لعمل آخر فمرض العبد فهذا عذر في جانب المستأجر ولأنه يتعذر عليه استيفاء المعقود عليه وإن أراد رب العبد ذلك لم يكن له ذلك لأنه لا ضرر عليه في إيفاء العقد فالمستأجر لا يكلفه من إيفاء العمل إلا بقدر طاقته وهو يرضى بذلك وإن كان ذلك دون حقه وإن لم يفسخها واحد منهما حتى بدأ العبد فالإجارة جائزة لازمة لزوال العذر ويطرح عنه من الأجر بحساب ذلك وهو ما يتعطل وكذلك إن أبق العبد أو كان سارقا فللمستأجر أن يفسخ الإجارة إما لتعذر استيفاء المعقود عليه أو لضرر يلحقه في ذلك وليس لمولى العبد فسخها لأنه لا ضرر عليه في إيفاء العقد فوق ما التزمه بالعقد .
ولو أراد المستأجر أن يسافر ويترك ذلك العمل فهو عذر لأنه لا يتعذر عليه الخروج إلى السفر لحاجته ولا يمكنه أن يستصحب العبد إذا خرج وإن أراد رب العبد أن يسافر به لم يكن له هذا عذرا لأنه لا يلحقه من الضرر فوق ما التزمه بالعبد وهو ترك العبد في يد المستأجر إلى انتهاء المدة .
وإن وجد المستأجر أجيرا أرخص منه لم يكن هذا عذرا لأن في هذا تحصيل الربح لا دفع الضرر وإن كان العبد غير حاذق بذلك العمل لم يكن للمستأجر أن يفسخ الإجارة لأن صفة الجودة لا تستحق بمطلق العقد إلا أن يكون عمله فاسدا فله أن يفسخ حينئذ لأن صفة السلامة عن العيب تستحق بمطلق المعاوضة وإن مات العبد انتقضت الإجارة لفوات المعقود عليه وإن كان المستأجر رجلين فمات أحدهما انتقضت حصته .
وكذلك إن مات أحد المؤجرين اعتبار الموت أحدهما بموتهما في حق الميت منهما .
وإن ارتد الآجر والمستأجر والعياذ بالله ولحق بدار الحرب انتقضت الإجارة لأن القاضي بموته حكم حين يقضي بلحاقه فهو كما لو مات حقيقة وإن لم يختصما في ذلك حتى رجع مسلما وقد بقي من المدة شيء فالإجارة لازمة فيما بقى منهما لأن اللحاق بدار الحرب إذا لم يتصل قضاء القاضي به بمنزلة الغيبة فلا يوجب انفساخ العقد ولكنه كان بمنزلة العذر فإذا زال برجوعه كانت الإجارة لازمة فيما بقي من المدة والله أعلم