قال - C - ( وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم بأجر مسمى فهو جائز وليس له أن يحمل عليها غيره ) لأن هذا تعيين مفيد فالناس يتفاوتون في ركوب الدابة وليس ذلك من قبل الثقل والخفة بل من قبل العلم والجهل فالثقيل الذي يحسن ركوب الدابة يروضها ركوبه والخفيف الذي لا يحسن ركوبها يعقرها ركوبه .
فإن حمل عليها غيره فهو ضامن ولا أجر عليه لأنه غاصب غير مستوف للمعقود عليه على ما قررنا في الثوب .
وإن ركب وحمل معه آخر فسلمت فعليه الكراء كله لأنه استوفى المعقود عليه بكماله وزاد فإذا سلمت سقط اعتبار الزيادة فعليه كمال الأجر لاستيفاء المعقود عليه .
وإن عطبت بعد بلوغها المكان من ذلك الوقت فعليه الأجر كله لاستيفاء المعقود عليه فإن ركوبه لا يختلف بأن يردف معه غيره أو لا يردف ووجوب الأجر باعتبار ركوبه وعليه ضمان نصف القيمة لأنه خالف حين أردف وشغل نصف الدابة بغيره فبحسب ذلك يكون ضامنا وهذا إذا كانت الدابة تطيق اثنين .
ع فإن كان يعلم أنها لا تطيق ذلك فهو ضامن لجميع قيمتها لأنه متلف لها .
وأما إذا كانت تطيق فالتلف حصل بركوبه وهو مأذون فيه وبركوب غيره وهو غير مأذون فيه فيتوزع الضمان على ذلك نصفين وسواء كان الرجل الآخر أثقل منه أو أخف .
قال لأنه لا يوزن لرجل في القبان في هذا أرأيت لو كان يوزن أيوزن قبل الطعام أو بعده أو قبل الخلا أو بعده والمعنى ما بينا أن الضرر على الدابة ليس من ثقل الراكب وخفته فلهذا يوزع الضمان نصفين .
( فإن قيل ) : حين تقرر عليه ضمان نصف القيمة فقد ملك نصف الدابة من حين ضمن فينبغي أن لا يلزمه نصف الأجر .
قلنا : هو بهذا الضمان لا يملك شيئا مما يشغله بركوب نفسه وجميع المسمى بمقابلة ذلك وإنما يضمن ما شغله بركوب الغير ولا أجر بمقابلة ذلك ليسقط عنه .
وإذا استأجرها إلى الجبانة أو الجنازة أو ليشيع عليها رجلا أو يتلقاه فهو فاسد إلا أن يسمي موضعا معلوما لأن المعقود عليه منفعة الركوب وذلك تتفاوت بحسب المسافة فإذا سمى موضعا معلوما صار مقدار المعقود عليه به معلوما وإلا فهو مجهول لا يصير معلوما ما ذكره من التشييع أو التلقي .
( وإن تكاراها من بلد إلى الكوفة ليركبها فله أن يبلغ عليها منزله بالكوفة استحسانا ) وفي القياس ليس له ذلك لأنه لما دخل انتهى العقد لوجود الغاية فليس له أن يركبها بعد ذلك بدون إذن صاحبها ولكنه استحسن للعرف فالظاهر أنه يتبلغ المستأجر على الدابة التي تكاراها في الطريق إلى منزله ولا يتكارى لذلك دابة أخرى والمعلوم بالعرف كالمشروط بالنص .
( ألا ترى ) أن الورام المعتاد في بعض الأشياء يسمى بالعرف فكذلك هذه الزيادة ورام الطريق في الإجارة فيستحق بالعرف وكذلك لو استأجرها ليحمل متاعا .
فإن حط المتاع في ناحية من الكوفة وقال هذا منزلي فإذا هو أخطأ فأراد أن يحمله ثانية إلى منزله فليس له ذلك لأن المستحق بالعرف قد انتهى حين حط رحله وقال هذا منزلي فبعد ذلك هو مدعي في قوله قد أخطأت فلا يقبل قوله ولأن الورام كان مستحقا له لكيلا يحتاج إلى حط رحله ونقله إلى دابة أخرى وقد زال ذلك المعنى حين حط رحله .
وكذلك لو تكارى حمارا من الكوفة يركبه إلى الحيرة ذاهبا وجائيا فله أن يبلغ عليه إلى أهله بالكوفة إذا رجع كما لو تكارى من الكوفة إلى الحيرة فأما إذا تكارى دابة بالكوفة من موضع كانت فيه الدابة إلى الكناسة ذاهبا وجائيا فأراد أن يبتلغ في رجعته إلى أهله لم يكن له ذلك وإنما له أن يرجع إلى الموضع الذي تكارى عند الدابة لأن الاستحسان في الفصل الأول كان للعرف ولا عرف فيما تكاراها في المصر من موضع إلى موضع فيؤخذ فيه بالقياس وربما يكون من ذلك الموضع إلى منزله من المسافة مثل ما سمى أو أكثر ولا يستحق على سبيل الورام مثل المسمى في العقد أو فوقه فيقال له كما اكتريت من هذا الموضع إلى الموضع الذي سميت فأكتر الدابة من هذا الموضع إلى منزلك .
وإن استأجرها إلى مكان معلوم ولم يسم ما يحمل عليها فإن اختصموا رددت الإجارة لجهالة المعقود عليه وإن حمل عليها أو ركبها إلى ذلك المكان فعليه المسمى استحسانا لأن التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وقد قررنا هذا في الثوب وكذلك لو استأجر عبدا ولم يسم ما استأجره له .
وإذا سمى ما يحمل على الدابة فحمل عليها غير ذلك فهذه المسألة على أربعة أوجه وقد بيناها في كتاب العارية فالإجارة في ذلك كله قياس العارية إلا أن في كل موضع ذكرنا هناك أنه لا يصير ضامنا فالأجر واجب عليه هنا وفي كل موضع ذكرنا هناك أنه يكون ضامنا فلا أجر عليه هنا لأنه غاصب غير مستوف للمعقود عليه فإن المقصود عليه يختلف باختلاف المحمول .
وإن اختلفا فقال رب الدار أكريتك من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم وقال المستأجرين إلى بغداد بعشرة دراهم ولم يركبها تحالفا وترادا لأن الإجارة في احتمال الفسخ قبل استيفاء المنفعة كالبيع فالنص الوارد بالتحالف في البيع يكون واردا في الإجارة .
وإن أقام البينة ففي قول أبي حنيفة الأول - C - يقضي بالكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما وهو قول زفر - C .
ثم رجع وقال إلى بغداد بعشرة دراهم وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله .
وجه قوله الأول : أن رب الدابة أثبت ببينته العقد من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم فوجب القضاء بذلك ببينته والمستأجر ببينته أثبت العقد من القصر إلى بغداد بخمسة دراهم فوجب قبول بينته على ذلك فإذا عملنا بالبينتين كانت له من الكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما .
وإن لبسته في اليوم الثاني ضمنته لانتهاء العقد بمضي المدة وإن كذبها رب الدرع .
وإن لبسته في اليوم الثاني ضمنته لانتهاء العقد بمضي المدة وإن كذبها رب الدرع .
فإن كان الثوب في يدها حين اختلفا فالقول قول رب الدرع لأن تمكنها من اللبس في الحال دليل على أنها كانت متمكنة منه فيما مضى ولأن تسليمه الثوب إليها تمكين لها من لبسه وذلك أمر ظاهر وما تدعيه من الضياع عارض غير ظاهر فعليها أن تبينه بالبينة .
وإن لبسته في اليوم الثاني ضمنته لانتهاء العقد بمضي المدة وإن كذبها رب الدرع .
وجه قوله الآخر : أنهما اتفقا على مقدار الأجر وإنما اختلفا في مقدار المعقود عليه فالمستأجر يثبت الزيادة في ذلك فكانت بينته أولى بالقبول كما لو أقام المستأجر البينة أنه زاده عقبه الأجير في الكراء إلى مكة .
( وإن تكارى دابة بسرج ليركب عليها فحمل عليها إكافا فركبها فهو ضامن بقدر ما زاد ) وفي الجامع الصغير قال هو ضامن جميع قيمتها في قول أبي حنيفة - C .
وفي قولهما يضمن بقدر ما زاد .
وجه قولهما : أن الحمار يركب تارة بسرج وتارة بإكاف والتفاوت بينهما من حيث الثقل والخفة ما كان في كل واحد منهما عادة وفي مثله الضمان بقدر الزيادة كما لو استأجرها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها أحد عشر مختوما .
وأبو حنيفة - C - يقول : الاختلاف هنا في الجنس من حيث أن الإكاف يأخذ من ظهر الحمار الموضع الذي لا يأخذه السرج فهو نظير ما لو استأجر دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها تبنا أو حطبا .
توضيحه : أن التفاوت ليس من حيث الثقل والخفة ولكن لأن الحمار الذي لا يألف الإكاف يضره الركوب بإكاف وربما يجرحه ذلك فيكون مخالفا في الكل كما لو حمل عليه مثل وزن الحنطة حديدا .
وكذلك لو نزع عن الحمار سرجه وأسرجه بسرج برذون لا تسرج بمثله الحمير فهو بمنزلة الإكاف وإن أسرجه بسرج مثله أو أخف لم يضمن لأن التعيين إذا لم يكن مفيدا فلا يعتبر .
وكذلك إن استأجره بإكاف فأوكفه بإكاف مثله أو أسرجه مكان الإكاف لأن السرج أخف على الحمار من الإكاف فلا يكون خلافا منه .
( ولو تكارى حمارا عريانا فأسرجه ثم ركبه فهو ضامن له ) لأنه حمل عليه السرج بغير إذن صاحبه فكان مخالفا في ذلك قال مشايخنا - رحمهم الله - وهذا على أوجه فإن استأجره من بلد إلى بلد لم يضمن إذا أسرجه لأن الحمار لا يركب من بلد إلى بلد عادة إلا بسرج أو إكاف والثابت بالعرف كالثابت بالشرط .
وإن استأجره ليركبه في المصر فإن كان من ذوي الهيئات فكذلك الجواب لأن مثله لا يركب في المصر عريانا .
وإن كان من العوام الذين يركبون الحمار في المصر عريانا فحينئذ يكون ضامنا إذا أسرجه بغير شرط .
وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فجاوز بها ذلك المكان ثم رجع فعطبت الدابة فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة الأول - C .
ثم رجع فقال هو ضامن ما لم يدفعها إلى صاحبها وهو قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله .
وجه قوله الأول : أنه كان أمينا فيها فإذا ضمن بالخلاف ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا كالمودع .
وجه قوله الآخر : أنه بعدما صار ضامنا بالخلاف لا يبرأ إلا بالرد على المالك أو على من قامت يده مقام يد المالك ويد المستأجر يد نفسه لأنه يمسكها لمنفعة نفسه كالمستعير فلا تكون يده قائمة مقام يد المالك فلا تبرأ عن الضمان وإن عاد إلى ذلك المكان لأنه ينتفع بها لنفسه في ذلك المكان بخلاف المودع فهناك يده قائمة مقام يد المالك .
وقد طعن عيسى - C - في هذا فقال : يد المستأجر كيد المالك بدليل أنه يرجع بما يلحقه من الضمان على المالك كالمودع بخلاف المستعير وبدليل أن مؤنة الرد على المالك في الإجارة دون العارية ولكنا نقول رجوعه بالضمان للغرور المتمكن بسبب عقد المعاوضة وذلك لا يدل على أن يده ليست بيد نفسه كالمشتري يرجع بضمان الغرور فكذلك مؤنة الرد عليه لما له من المنفعة في النقل فأما يد المستأجر يد نفسه .
والإشكال على هذا الكلام ما تقدم أن المرأة إذا استأجرت ثوب صيانة لتلبسه أياما فلبسته بالليل كانت ضامنه ثم إذا جاء النهار برئت من الضمان ويدها يد نفسها ولكنا نقول هناك الضمان عليها باللبس لا بالإمساك لأن لها حق الإمساك ليلا ونهارا واللبس الذي لم يتناوله العقد لم يبق إذا جاء النهار وهنا الضمان على المستأجر بالإمساك في غير المكان المشروط .
( ألا ترى ) أنه لو جاوز بها ذلك المكان ولم يركبها كان ضامنا ولو حبسها في المصر أياما ولم يركبها كان ضامنا والإمساك لا ينعدم وإن عاد إلى ذلك المكان ما دام يمسكها لمنفعة نفسه ثم الكلام في التفصيل بينما إذا استأجرها ذاهبا وجائيا أو ذاهبا لا جائيا قد تقدم في العارية فهو مثله في الإجارة .
ولو لم يجاوز المكان ولكنه ضربها في السير أو كبحها باللجام فعطبت فهو ضامن إلا أن يأذن له صاحبها في ذلك في قول أبي حنيفة - C .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : يستحسن أن لا يضمنه إذا لم يتعد في ذلك وضرب كما يضرب الناس الحمار في موضعه لأنه بمطلق العقد يستفيد الإذن فيما هو معتاد والضرب والكبح باللجام في السير معتاد وربما لا تنقاد الدابة إلا به فيكون الإذن فيه ثابتا بالعرف .
فإن أسرج في الخيمة أو الفسطاط أو القبة أو علق فيه القنديل فلا ضمان عليه لأن ذلك معتاد وقد بينا أنه يستحق بمطلق العقد الاستعمال المعتاد .
وإذا استأجر إكافا ينقل عليه حنطته شهرا فهو جائز وحنطته وحنطة غيره سواء والجوالق كذلك لأن هنا تعيين غير مفيد وكذلك استئجار المحمل إلى مكة وكذلك الرجل يستأجره ليركب عليه فهو جائز وليس له أن يحمل غيره عليه فإن فعل فهو ضامن إن أصابه شيء للتفاوت بين الناس في الإضرار بالرجل عند الركوب عليه وكذلك الفسطاط يستأجره ليخرج به إلى مكة .
فإن أسرج في الخيمة أو الفسطاط أو القبة أو علق فيه القنديل فلا ضمان عليه لأن ذلك معتاد وقد بينا أنه يستحق بمطلق العقد الاستعمال المعتاد .
وإن استأجر سرجا ليركبه شهرا فأعطاه غيره فركبه فهو ضامن لأن هذا مما يختلف فيه الناس فمن يحسن الركوب على السرج لا يضر به ركوبه ومن لا يحسن الركوب عليه يضر به ركوبه .
ولو أذن فيه نصا لم يضمن المستأجر به فكذلك إذا كان متعارفا والقياس ما قاله أبو حنيفة - C - لأنه ضربها بغير إذن مالكها وذلك تعد موجب للضمان وبيان أن المستحق له بالعقد سير الدابة لا صفة الجودة فيه وهو لا يحتاج إلى الضرب والكبح في أصل تسيير الدابة وإنما يستخرج بذلك منها نهاية السير والجودة في ذلك وثبوت الإذن بمقتضى العقد فيفتقر على المستحق بالعقد .
توضيحه : أنه وإن أبيح له الضرب فإنما أبيح لمنفعة نفسه فإن حق المالك في الآخر يتقرر بدونه ومثله يقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته ورمي الرجل إلى الصيد ومشيه في الطريق مباح شرعا ثم يتقيد بشرط السلامة بخلاف ما إذا أذن له المالك فيها نصا فإن بعد الإذن فعله كفعل المالك .
وإن استأجرها ليحمل عليها متاعا سماه إلى موضع معلوم فأجرها بمثل ذلك بأكثر مما استأجرها لم يطب له الفضل إلا أن يزيد معها حبلا أو جوالق أو لجاما فحينئذ يجعل زيادة الأجر بإزاء ما زاد ولو علفها لم يطب له الفضل له لأن العلف ليس بعين ينتفع به المستأجر لنجعل الزيادة بمقابلته .
وإن استأجرها بغير لجام فالجمها أو بلجام فنزعه وأبدله بلجام آخر مثله فلا ضمان عليه لأن اللجام لا يضر بالدابة وإنما ينفعها من حيث إن السير يخف به عليها فلم يكن هذا خلافا من المستأجر إلا إذا ألجمها لا يلجم مثلها به فحينئذ يكون مخالفا ضامنا .
وإذا استأجر دابة لحمولة فساق رب الدابة فعثرت فسقطت الحمولة وفسدت وصاحب المتاع يمشي مع رب الدابة أو ليس معه فالمكاري ضامن لأن المكاري أجير مشترك والتلف حصل بجناية يده .
وكذلك لو انقطع حبله فسقط الحمل فهذا من جناية يده لأنه لما شده بحبل لا يحتمله كان هو المسقط للحمل .
ولو مطرت السماء ففسد الحمل أو أصابته الشمس ففسد أو سرق من ظهر الدابة فلا ضمان عليه في قول أبي حنيفة - C - وهو ضامن في قول من يضمن الأجير لأن التلف حصل لا بفعله على وجه يمكن التحرز عنه .
وروى بشر عن أبي يوسف - رحمهما الله - قال : إذا كان صاحب الحمل معه فسرق لم يضمن المكاري لأن الحمل في يد صاحبه والأجير المشترك إنما يصير ضامنا عندهما باعتبار يده فما دام المتاع في يد صاحبه لم يضمن الأجير إذا تلف بغير فعله .
فإن حمل عليها عبدا صغيرا فساق به رب الدابة فعثرت وعطب العبد فلا ضمان عليه لأن هذا جناية ولا يشبه هذا المتاع ومعنى هذا الكلام أن ما يجب من الضمان بإتلاف النفوس ضمان الجناية وضمان الجناية ليس من جنس ضمان العقد .
( ألا ترى ) أنه يجب على العاقلة مؤجلا ووجوب الضمان على الأجير المشترك فيما جنت يده باعتبار العقد فلا يلزمه ما ليس من جنس ضمان العقد فأما ضمان المتاع من جنس ضمان العقد حتى يكون عليه حالا دون العاقلة وبيان هذا الكلام أن على أحد الطريقين يقيد العقل بصفة السلامة بمقتضى عقد المعاوضة وعلى الطريق الآخر العمل مضمون عليه لأنه يقابله بدل مضمون فعرفنا أن الضمان على الطريقين باعتبار العقد .
وكذلك لو حمل عليها صاحب المتاع متاعه وركبها فساقها رب الدابة فعثرت فعطب الرجل وأفسد المتاع لم يضمن رب الدابة شيئا أما لأنه لا يضمن نفس صاحب المتاع لأن ذلك ضمان الجناية ولا يضمن المتاع لأن متاعه في يده معناه أن العمل فيه يصير مسلما بنفسه فيخرج من ضمان رب الدابة .
( وإذا تكارى من رجل دابة شهرا بعشرة دراهم على أنه متى ما بدا له من ليل أو نهار حاجة ركبها لا يمنعه منها فإن كان سمى بالكوفة ناحية من نواحيها فهو جائز وإن لم يكن سمى مكانا فالإجارة فاسدة ) لأن المعقود عليه لا يصير معلوما ببيان المدة إذا لم يكن الركوب مستغرقا بجميع المدة وإنما يصير معلوما ببيان المكان فما لم يبين ذلك لا يجوز .
( وإن تكاراها يوما يقضي حوائجه في المصر فهو جائز ) لأن الركوب هنا مستدام في المدة المذكورة ولأن نواحي المصر في حكم مكان واحد ولهذا جاز عقد السلم إذا شرط الإيفاء في المصر .
وإن لم يبين موضعا منه فإذا كان نواحي المصر كمكان واحد كان له أن يركب إلى أي نواحي المصر شاء وإلى الجنازة ونحوها لأن المقابر من فناء المصر وليس له أن يسافر عليها لأنه استأجرها للركوب في المصر .
( وإن تكاراها إلى واسط يعلفها ذاهبا وجائيا فركبها حتى أتى واسط فلما رجع حمل عليها رجلا معه فعطبت فعليه أجر مثلها في الذهاب ) لأن الاستئجار بعلفها فاسد لجهالة الأجر وقد استوفى منفعتها بعقد فاسد فعليه أجر مثلها في الذهاب ونصف أجر مثلها في الرجوع لأنه استوفى في الرجوع منفعة نصفها وهو ما شغلها بركوب نفسه فلذلك يلزمه نصف أجر المثل .
وقد ذكر قبل هذا في الإجارة الصحيحة أنه إذا ركبها وأردف فعليه جميع المسمى .
ومن أصحابنا - C - من يقول : لأن في الإجارة الصحيحة يجب الأجر بمجرد التمكن وفي الفاسد لا يجب الأجر إلا باستيفاء المنفعة ولهذا يلزمه بقدر ما استوفى .
قال - Bه - : وهذا ليس بقوي عندي في الموضعين جميعا فبالتمكن من الاستيفاء يجب أجر المثل وفي العقد الصحيح لا يعتبر التمكن فيما شغله بركوب غيره ولكن الصحيح أنه لا فرق في الحقيقة إنما يجب أجر المثل بحسب ما استوفى من المنفعة فيتضاعف أجر مثلها إذا أردف فإذا أوجبنا عليه نصف أجر مثلها فقد أوجبنا من أجر المثل جميع ما يخص ركوبه وكذلك عند صحة العقد فإن جميع المسمى هناك بمقابلة ركوبه فهو نظير نصف أجر المثل هنا ثم يكون ضامنا نصف قيمة الدابة .
وإن حمل عليها متاعا معه فهو ضامن بقدر ما زاد لأنه مخالف له في ذلك ويحسب ما علفها به لأنه علفها بإذن صاحبها فيستوجب الرجوع به عليه ويكون قصاصا بما استوجب عليه صاحبها من الأجر .
( وإن تكارى دابة عشرة أيام كل يوم بدرهم فحبسها ولم يركبها حتى ردها يوم العاشر قال يسع صاحبها أن يأخذ الكراء وإن كان يعلم أنه لم يركبها ) لأنه أتى بما يستحقها بما هو المستحق عليه بالعقد وهو تسليم الدابة إليه وتمكينها من ركوبها في المدة فيطيب له الأجر كالمرأة إذا سلمت نفسها إلى زوجها طاب لها جميع الصداق .
وإن كانت تعلم أن زوجها لم يطأها وإن تكاراها يوما واحدا فلا أجر عليه فيما حبسها بعد ذلك وإن أنفق عليها فهو متطوع في ذلك إلا أن يكون بأمر صاحبها .
( ولو تكارى دابة لعروس تزف عليها إلى بيت زوجها فحبس الدابة حتى أصبح ثم ردها ولا يركب فلا كراء عليه ) لأنه لم يوجد تسليم المعقود عليه فالمعقود عليه خطوات الدابة في الطريق لنقل العروس وذلك لا يوجد عند حبس الدابة في البيت وإن حملوا عليها غير العروس .
( فإن تكاراها العروس بعينها فهو ضامن ولا كراء عليه ) لأنه غاصب مخالف .
( وإن تكاراها لعروس بغير عينها فلا ضمان عليه وعليه الكراء استحسانا ) لأن المستحق بالعقد قد استوفى والتعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء ( وإن تكاراها على أن يركب مع فلان يشيعه فحبسها من غدوة إلى انتصاف النهار ثم بدا للرجل أن لا يخرج فرد الدابة عند الظهر فإن كان حبسها قدر ما يحبس الناس فلا ضمان عليه وإن حبسها أكثر من ذلك فهو ضامن ) لإمساكه إياها في غير المكان المشروط إلا أن قدر ما يحبس الناس صار مستثنا بالعرف ولا أجر عليه في الوجهين لأنه لم يستوف المعقود عليه فالمعقود عليه خطوات الدابة في الطريق ولا يوجد ذلك إذا حبسها في المصر ولأن صاحب الدابة متمكن من أن تسير الدابة معه إلى الطريق .
وإن ركبها بعد الحبس فلا أجر عليه أيضا لأنه صار ضامنا بالخلاف فيكون كالغاصب لا يلزمه الأجر إذا عطبت لاستناد ملكه فيها إلى وقت وجوب الضمان عليه .
( وإن تكارى دابة بغير عينها إلى حلوان فنتجت في الطريق وضعفت من حمل الرجل لأجل الولادة فعلى المكاري أن يأتي بدابة أخرى تحمله ومتاعه ) لأنه التزم بالعقد العمل في ذمته فعليه الوفاء بما التزم .
( ألا ترى ) أن هذه الدابة لو هلكت كان عليه أن يأتي بأخرى فكذلك إذا ضعفت إلا أن يكون الكراء وقع على هذه بعينها فحينئذ المعقود عليه منافعها ولا يتأتى استيفاء ذلك من دابة أخرى بل يكون عذرا في فسخ الإجارة .
وإن تكارى ثلاث دواب ثم أن رب الدواب أجر دابة من غيره وأعار أخرى ووهب أخرى أو باع فوجد المستكري الدواب في أيديهم فإن كان باع من عذر فبيعه جائز وانتقصت الإجارة على رواية هذا الكتاب وقد بيناه .
وإن باع من غير عذر فالبيع مردود والمستكري أحق بالدواب لتقدم عقده وثبوت استحقاق المنافع له واليد في العين بذلك العقد إلا أن ما وجده في يد المستعير فلا خصومة بينهما حتى يحضر رب الدواب لأن يد المستعير ليس بيد الخصومة وما وجده في يد الموهوب له فهو خصم فيها لأنه يدعي ملك عينها فيكون خصما لمن يدعي حقا فيها .
وأما الإجارة فالمستأجر أحق بها حتى يستوفي الإجارة وهذا جواب مبهم فإنه لم يبين أي المستأجرين أحق بها فمن أصحابنا - رحمهم الله - من يقول مراده الأول والثاني يكون خصما له لأن الأول يدعي ما يزعم الثاني أنه له فيكون خصما له في ملكه ولكن الأصح أن المستأجر الثاني لا يكون خصما للأول حتى يحضر رب الدابة بمنزلة المستعير لأنه لا يدعي ملك عينها لنفسه .
( ولو تكارى غلاما ودابة إلى البصرة بعشرة دراهم ذاهبا وجائيا وقد شرط لهم درهما إلى الكوفة فأبق الغلام ونفقت الدابة فعليه من الأجر بحساب ما أصاب من خدمة الغلام وركوب الدابة ) لأنه استوفى المعقود عليه بذلك القدر ثم انعدم تمكنه من استيفاء ما بقي بالهلال والإباق وقد كان أمينا فيهما ولا ضمان عليه .
وإن استأجر الدابة وحدها وقال المكاري استأجر غلاما عني كي نتبعك ونتبع الدابة وأجره علي وأعطاه نفقة ينفق على الدابة ففعل المستأجر وسرقت النفقة من الغلام .
فإن أقام المستأجر البينة أنه استأجر الغلام وأقر الغلام بالقبض لزم المكاري النفقة ضاعت أو لم تضع وإلا فلا شيء عليه لأنه في استئجار الغلام وكيل صاحب الدابة وقد أثبته بالبينة فيجعل كأن صاحب الدابة استأجره بنفسه ثم الغلام وكيل المكاري في قبض النفقة منه فإقراره بالقبض كإقرار صاحب الدابة .
ولو تكاراها إلى بغداد بعشرة دراهم وأعطاه الأجر فلما بلغ بغداد رد عليه بعض الدراهم وقال هي زيوف أو استوقه فالقول قول رب الدابة في ذلك إن لم يكن أقر بشيء لأنه ينكر استيفاء حقه .
وإن أقر بقبض الدراهم فالقول قوله فيما يزعم أنه زيوف لأن الزيوف من جنس الدراهم فلا يصير به مناقضا ولا يقبل قوله فيما يزعم أنه استوق لأنه مناقض في كلامه فالستوق ليس من جنس الدراهم وإن كان أقر باستيفاء الأجرة أو باستيفاء حقه أو باستيفاء الجياد فلا قول له بعد ذلك فيما يدعي لكونه مناقضا .
وإذا مات المكاري في الطريق فاستأجر المستكري رجلا يقوم على الدابة فالأجر عليه وهو متطوع في ذلك فهو كما لو أنفق على الدابة وإن نفقت الدابة في الطريق فعليه من الكراء بقدر ما ساروا والقول في ذلك قوله لأنهما تصادقا على أنه لم يستوف جميع المعقود عليه وإنما اختلفا في مقدار ما استوفى أو في مقدار ما لزمه من الأجر فرب الدابة يدعي الزيادة والمستكري منكر لذلك .
( وإن تكارى دابتين إحديهما إلى بغداد والأخرى إلى حلوان فإن كانت التي إلى بغداد بعينها والتي إلى حلوان بعينها جاز العقد ) لأن المعقود عليه معلوم وإن كانت بغير عينها لم يجز لجهالة في المعقود عليه على وجه يفضي إلى المنازعة وعليه فيما ركب أجر مثله ولا ضمان عليه اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز .
( وإن تكارى بغلا إلى بغداد فأراد المكاري أن يحمل متاعا له أو لغيره بكراء مع متاع فللمستكري أن يمنعه من ذلك ) لأن بالعقد استحق منافعه وقام هو في ذلك مقام المالك والمالك مقام الأجنبي فإن حمله وبلغ الدابة بغداد لم يكن للمستكري أن يحبس عنه شيئا من الأجر لذلك لأنه حصل مقصوده بكماله واستوفى ما استحقه بالعقد .
فإذا اختلف المؤاجر أن في مقدار الكراء فالقول قول المستأجر لأنهما يدعيان عليه الزيادة وبعد استيفاء المنفعة عقد الإجارة لا يحتمل الفسخ فكان القول قول المنكر للزيادة .
وإن أقام المؤاجر أن البينة فلكل واحد منهما نصف ما شهد به شهوده لأن كل واحد منهما يثبت حق نفسه وحق صاحبه وبينة كل واحد منهما على إثبات حقه أولى بالقبول ولأن كل واحد منهما مكذب ببينة صاحبه فلا تكون تلك البينة حجة في نصيبه .
( وإن تكاراها على أنه بالخيار ساعة من نهار فركبها على ذلك فعطبت فعليه الأجر ولا ضمان عليه ) لأن ركوبه إياها في مدة خياره دليل الرضا منه بسقوط الخيار فإنه مستوف للمعقود عليه متلف فلزمه الأجر بقدر ما استوفى ولا ضمان عليه كما لو لم يكن في العقد خياله .
وإن كان الخيار لصاحب الدابة فالمستكري ضامن له ولا أجر عليه لأنه غاصب في ركوبها قبل أن يتم رضى صاحبها به فإذا شرط الخيار يعدم تمام الرضاء .
( ولو تكارى حمارا يطحن عليه فأوثقه في الرحا وساقه الأجير فتعسف عليه الأجير حتى عطب من عمله فالأجير ضامن ) لأنه متلف له بالتعسف في سيره ولم يكن مأمورا بذلك من جهة المستأجر ليتنقل فعله إليه فلهذا لا شيء على المستأجر منه .
وإن استأجر ثورا يطحن عليه كل يوم عشرة أقفزه فوجده لا يطحن إلا خمسة أقفزة فالمستأجر بالخيار لأنه يغير عليه شرط عقده فإذا شاء أبطل الإجارة عليه فيما بقي عليه .
وفيما عمل من الطحن بحساب ما عمل من الأيام ولا يحط عنه من ذلك شيئا لأن المعقود عليه منفعه الثور في المدة وقد استوفى ذلك واشتراط عشرة أقفزة في كل يوم ليس لايراد العقد على العمل بل لبيان جلادة الثور في عمل الطحن فلهذا لا ينتقص عنه شيء من الأجر فيما عمل من الأيام .
( ولو تكارى دابة إلى بغداد فوجدها لا تبصر بالليل أو جموحا أو عثورا أو تعض فإن كانت الدابة بعينها فله الخيار لتغيير شرط العقد عليه وعليه من الأجر بحساب ما سار ) لأنه استوفى المعقود عليه بقدره .
وإن كانت بغير عينها فله أن يبلغه إلى بغداد على دابة غيرها لأنه التزم العمل في ذمته وهذا إذا قامت البينة على عيب هذه الدابة لأن دعوى المستأجر العيب غير مقبولة إلا بحجة ولو تكارى بعيرا ليعمل عليه عملا على النصف .
( قال ) ( كان أبو حنيفة - C - يقول إذا كان ينقل الحمل على البعير فالأجر كله لصاحب البعير ) لأنه بدل منفعة بعيره والمدفوع إليه نائب عنه في الاكراء وللذي يعمل عليه أجر مثله على صاحب البعير لأنه ابتغى عن منافعه عوضا وقد سلمت منافعه لصاحب البعير ولم يسلم له العوض بمقابلته فعليه أجر المثل له .
وإن كان الرجل يحمل عليه المتاع ليبيعه فما اكتسب عليه من شيء فهو له لأنه عامل لنفسه فيما اكتسب بالبيع والشراء وعليه أجر مثل البعير لأن صاحب البعير ابتغى عن منافع بعيره عوضا ولم يسلم له ذلك .
( رجل تكارى غلاما ليذهب له بكتاب إلى بغداد فقال الغلام قد ذهبت بالكتاب وقال الذي أرسل إليه الكتاب لم يأتني به فعلى الغلام البينة على ما يدعي ) لأنه يدعي إبقاء المعقود عليه وإن أقام البينة أنه قد دفع الكتاب إليه كان الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم وله الأجر على المرسل دون من حمل الكتاب إليه .
وإن قال المرسل إليه أعطيته أجرة عشرة دراهم فعليه البينة على ذلك كما لو كان المرسل هو الذي يدعي إيفاء الأجر .
وإن أقام الغلام البينة أنه قد أتى بغداد بالكتاب فلم يجد الرجل فله الأجر لأنه أتى بما استحق عليه وهو قطع المسافة إلى بغداد مع الكتاب كما أمر به .
ثم إن كان استأجره ليذهب بالكتاب ويأتي بالجواب فله أجر حصة الذهاب دون الرجوع لأنه في الرجوع غير ممتثل أمره ولا عامل له حين لم يكن الجواب معه .
وإذا عاد بالكتاب حين لم يجد الرجل فلا أجر له في قول أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله .
وقال محمد - C تعالى - له ما يخص الذهاب من الأجر لأنه في الذهاب عامل له كما أمر به فتقرر حقه في الأجر بقدره كما لو ترك الكتاب هناك عند أهل من أرسل إليه وهذا بخلاف ما إذا استأجره ليحمل طعاما إلى بغداد فحمله ثم عاد به لأن استحقاق الأجر هناك بنقل الطعام من مكان إلى مكان وقد نقص ذلك حين عاد بالطعام فلم يبق تسليم شيء من المعقود عليه وهنا الأجر له بقطع المسافة إذ ليس للكتاب حمل ومؤنة فلا يصير بالرجوع ناقصا عمله سواء عاد بالكتاب أو لم يعد .
وأبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله - يقولان : شيء من مقصود الأمر لم يحصل بعمله فلا يستوجب الأجر عليه كما لو ذهب من جانب آخر .
وبيان ذلك : أن مقصود الأمر أن يصل الكتاب إلى المرسل إليه ويصل الجواب إليه وحين عاد بالكتاب صار الحال كما قبل ذهابه من حيث إن شيئا من مقصود الأمر غير حاصل .
فأما إذا ترك الكتاب هناك فبعض مقصوده حاصل لأن المكتوب إليه إذا حضر وقف على ما في الكتاب ويبعث بالجواب على يد غيره فلحصول بعض المقصود هناك ألزمناه حصة الذهاب من الأجر .
( رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم ولم يقل أركبها بسرج ولا إكاف فجاء بها المكاري عريانة فركبها بسرج أو إكاف فعطبت ) .
( قال ) ( إن كان يركب في ذلك الطريق مثل تلك الدابة بإكاف أو بسرج فلا ضمان عليه وإن كانت لا تركب إلا بسرج فركب بإكاف فهو ضامن ) لأنه بمطلق العقد يستحق استيفاء المعقود عليه على الوجه المتعارف فإذا خالف ذلك صار ضامنا .
( ولو تكارى من الفرات إلى جعفى ( وجعفى ) قبيلتان بالكوفة ولم يسم أي القبلتين هي أو إلى الكناسة ولم يسم أي الكناستين أو إلى بحيله ولم يسم أيهما هي الظاهرة أو الباطنة فعليه أجر مثلها ) لأن المعقود عليه مجهول فكان العقد فاسدا واستيفاء المنفعة بحكم العقد الفاسد يوجب أجر المثل ومثله بحارا إذا تكاراها إلى السهلة ولم يبين أي السهلتين هي سهلة قوت أو سهلة أمير أو تكاراها إلى حسون ولم يبين أي القريتين .
( ولو تكارى عبدا مأذون أو غير مأذون بنصف ما يكتسبه على هذا الدابة فالإجارة فاسدة ) لجهالة الأجر ولأنه جعل الأجر بعض ما يحصل بعمله فالإجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل له إن كان مأذونا أو استأجره من مولاه وإن كان غير مأذون ولم يستأجره من مولاه .
فإن عطب الغلام كان ضامنا لقيمته لأنه غاصب له حين استعمله بغير إذن مولاه ولا أجر عليه لأنه ملكه بالضمان من حين وجب عليه الضمان وإن سلم فعليه الأجر استحسانا .
وفي القياس : لا أجر عليه لأنه غاصب له ضامن .
وجه الاستحسان : أن العقد الذي باشره العبد بتمحض منفعة إذا سلم من العمل لأنه إن اعتبر وجب الأجر وإن لم يعتبر لم يجب شيء والعبد المحجور عليه غير ممنوع عما يتمحض منفعة قبول الهبة والصدقة ولأن عقد اكتساب محض إذا سلم من العمل فهو كالاحتطاب والاصطياد إذا باشره العبد بغير إذن مولاه وهذا لأن الحجر لدفع الضرر عن المولى وفيما لا ضرر عليه لا حجر .
( وإن تكاراها إلى بغداد على إن بلغه إليها فله رضاه فبلغه إليها فقال رضائي عشرون درهما فله أجر مثلها ) لجهالة الأجر عند العقد واستيفاء المنفعة بعقد فاسد إلا أن يكون أجر المثل أكثر من عشرين درهما فلا يزاد عليه لأنه رضي بهذا المقدار وأبرأه عن الزيادة .
( وإن تكاراها بمثل ما يكاري به أصحابه أو بمثل ما يتكارى به الناس فعليه أجر مثلها ) لأن المسمى مجهول فالناس يتفاوتون في ذلك فمن بين مسامح ومستقصي .
( وإن تكارى دابة من الكوفة إلى مكان معلوم من فارس بدراهم أو دنانير فعليه نقد الكوفة ووزنها ) لأن السبب الموجب للأجر هو العقد .
وإن تأخر الوجوب إلى استيفاء المعقود عليه والعقد كان بالكوفة فينصرف مطلق التسمية إلى وزن الكوفة ونقدها وهذا لأن عمل العرف في تقييد مطلق التسمية والتسمية عند العقد لا عند استيفاء المنفعة فلهذا يعتبر مكان العقد فيه .
( وإن تكاراها إلى فارس ولم يسم مكانا معلوما منها فالعقد فاسد ) لجهالة المعقود عليه فقد سمى ولاية مشتملة على الأمصار والقرى فإذا لم يبين موضعا منها فالمنازعة تتمكن بينهما من حيث إن المكاري يطالبه بالركوب إلى أدنى ذلك الموضع وهو يريد الركوب إلى أقصى تلك الولاية ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ومثله في ديارنا إذا تكارى دابة إلى فرغانة أو إلى سعد .
( وإن تكارى إلى الري ولم يسم مدينتها ولا رستاقا بعينه فالعقد فاسد أيضا ) وروى هشام عن محمد - رحمهما الله - أن العقد جائز وجعل الري اسما للمدينة خاصة بمنزلة ما لو تكاراها إلى سمرقند أو أوزجند .
ولكن في ظاهر الرواية قال اسم الري يتناول المدينة ونواحيها فإذا لم يبين المقصد يمكن جهالة فيه تفضي إلى المنازعة .
فإن ركبها إلى أدنى الري فله أجر مثلها لا يزاد على ما سمى لأن المكاري رضي بالمسمى إلى أدنى الري .
فإن ركبها إلى أقصى الري فله أجر مثلها لا ينتقص ما سمى لأن المستكري قد التزم المسمى إلى أقصى الري فلا ينتقص عنه ويزاد عليه إذا كان أجر المثل أكثر من ذلك لأن المكاري إذا رضي بالمسمى إلى أدنى الري فلا يصير راضيا إلى أقصى الري ومثله في ديارنا إذا استأجرها إلى بخارى فهو اسم للبلدة بنواحيها فأول حدود بخارى كرمينية وآخره فربر وبينهما مسافة بعيدة فالتخريج فيه كتخريج مسألة الري .
وإن تكاراها من الكوفة إلى بغداد وعلى أنه أدخله بغداد في يومين فله عشرة وإلا فله درهم فهذا من الجنس الذي تقدم بيانه أن عند أبي حنيفة - C - التسمية الأولى صحيحة والثانية فاسدة وعندهما تصح التسميتان وقد بينا ذلك في الخياط .
( رجل تكارى دابة من رجل بالكوفة من الغداة إلى العشي ) ( قال ) يردها عند زوال الشمس ) لأن ما بعد الزوال عشي .
قيل : في تفسير قوله تعالى { أن سبحوا بكرة وعشيا } ( مريم : 11 ) قبل الزوال وبعد الزوال وكذلك في قوله تعالى { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } ( الأنعام : 52 ) أن الغداة قبل الزوال والعشي ما بعده وفي الحديث أن النبي - A - صلى أحد صلاتي العشاء إما الظهر أو العصر إذا ثبت هذا فنقول جعل العشي غاية والغاية لا تدخل في الإجارة .
( فإن ركبها بعد الزوال ضمنها لأن العقد انتهى بزوال الشمس فهو غاصب في الركوب بعد ذلك ) .
( وإن تكاراها يوما ركبها من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ) لأن اليوم اسم لهذا الوقت .
( ألا ترى ) أن الصوم يقدر باليوم شرعا وكان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وكذلك القياس فيما إذا استأجر أجيرا يوما إلا أن الأجير ما لم يفرغ من الصلاة لا يشتغل بالعمل عادة فتركنا القياس فيه لهذا ولا يوجد هذا المعنى في استئجار الدابة .
وإن تكاراها ليلة ركبها عند غروب الشمس فيردها عند طلوع الفجر فإن بغروب الشمس يدخل الليل بدليل حكم الفطر .
ولم يذكر إذا تكاراها نهارا وبعض مشايخنا - رحمهم الله - يقول إنما يركبها من طلوع الشمس إلى غروب الشمس فإن النهار اسم الوقت من طلوع الشمس ( قال A صلاة النهار عجماء ) فلا يدخل في ذلك الفجر ولا المغرب وإنما سمى نهارا لجريان الشمس فيه كالنهار يسمى نهرا لجريان الماء فيه .
ولكن هذا إذا كان من أهل اللغة يعرف الفرق بين اليوم والنهار فإن العوام لا يعرفون ذلك ويستعملون اللفظين استعمالا واحدا فالجواب في النهار كالجواب في اليوم .
( وإن تكاراها بدرهم يذهب عليها إلى حاجته لم يجز العقد إلا أن يبين المكان ) لأن المعقود عليه لا يصير معلوما إلا بذكر المكان ولا ضمان على المستأجر في الدابة إذا هلكت وهي في يده على إجارة فاسدة لأن الفاسد من العقد معتبر بالجائز ولأنه في الوجهين مستعمل للدابة بإذن المالك .
وإن استحقت الدابة من يد المستأجر وقد هلكت عنده فضمن قيمتها رجع على الذي أجرها منه لأنه مغرور من جهته بمباشرة عقد الضمان فيرجع عليه بما يلحقه من الضمان بسببه ولا يملكها المستأجر بضمان القيمة لأن الملك في المضمون يقع لمن يتقرر عليه الضمان وهو الأجر ولا أجر للمستحق على أحد لأن وجوب الأجر بعقد باشره الأجر فيكون الأجر له خاصة .
( وإن تكارى دابة يطحن عليها كل شهر بعشرة دراهم ولم يسم كم يطحن عليها كل يوم فالإجارة جائزة ) لأن المعقود عليه منفعة الدابة في المدة وذلك معلوم .
ولا يضمن إن عطبت من العمل إلا أن يكون شيئا فاحشا لأن المستحق بمطلق العقد استيفاء المعقود عليه على الوجه المتعارف فإذا جاوز ذلك كان مخالفا ضامنا .
( وإن تكاراها إلى بغداد وركبها وخالف المكان الذي استأجرها إليه ) .
( قال ) ( الكراء لازم له في مسيره قبل الخلاف ) لأنه استوفى المعقود عليه في ذلك القدر كما أوجبه العقد وهو ضامن للدابة فيما خالف ولا أجر عليه بعدما صار ضامنا لها .
وإن تكاراها ليحمل عليها إنسانا فحمل امرأة يقيلها برحل أو بسرج فعطبت الدابة فلا ضمان عليه ولا على المرأة لأنه مستوفى للمعقود عليه فالمسمى في العقد إنسان وهي إنسان وإن كانت ثقيلة إلا أن يكون أن مثل تلك الدابة لا يطيق حملها فحينئذ يكون إتلافا موجبا للضمان وقد تطرف في العبارة حيث وضع هذه المسألة في النساء دون الرجال لأن النقل بهذه الصفة في الرجال مذموم وفي النساء محمود .
( وإن تكارى يوما إلى الليل بدرهم فأراه الدابة على أريها وقال اركبها إذا شئت فلما جاء الليل تنازعا في الكراء والركوب فإن كانت الدابة دفعت إلى المستأجر فعليه الأجر ) لأن الأجر سلم المعقود عليه فيتمكن المستأجر من الاستيفاء .
وإن كان لم يدفعها فلا أجر عليه لأنه لم يسلم المعقود عليه إليه وعلى رب الدابة البينة أنه قد ركبها لأنه يدعي استيفاء المعقود عليه ووجوب الأجر فعليه أن يثبت ذلك بالبينة .
( وإن تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة ) .
( قال ) ( إذا حبسها في قدر ما يذهب إلى الحيرة ويرجع فلا أجر عليه إذا لم يذهب ) لما بينا أن المعقود عليه خطوات الدابة في طريق الحيرة ولا يتصور وجود ذلك إذا كانت الدابة على أريها في البيت وإن دفعها إليه وقال لم أذهب بها إن علم أنه توجه إلى الحيرة فقال رجعت ولم أذهب لم يصدق لأنه لما علم توجهه إلى الحيرة ومضى من الزمان بعد ذلك مقدار ما يذهب من ويجيء فالظاهر أنه قد أتى الحيرة فهو في قوله رجعت يدعي خلاف ما يشهد به الظاهر .
وإن ردها من ساعة فلا أجر عليه لأن الظاهر شاهد له .
فإن قيل : كيف يستحق رب الدابة الأجر بالظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق .
قلنا : استحقاقه بالعقد عند تمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه فإنما يثبت بالظاهر لأنه يتمكن وذلك لا يكون استحقاقا بالظاهر ولأنه بهذا الظاهر يدفع قول المستأجر أني رجعت قبل أن آتي الحيرة .
( ولو تكارى دابة من رجل إلى بغداد على أن يعطيه الأجر إذا رجع من بغداد فمات المستأجر ببغداد فالأجر إلى بغداد في ماله ) لأنه استوفى المعقود عليه في ذلك القدر ثم انتقضت الإجارة بموته وسقط الأجل أيضا فكان أجر ذلك المقدار دينا في تركته