( قال - C - : ذكر حديث قيس بن أبي غرزة الكناني قال : كنا نبتاع الأوساق بالمدينة ونسمي أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله - A - فسمانا باسم هو أحسن من اسمنا قال - A - ( يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة ) والسمسار اسم لمن يعمل للغير بالأجر بيعا وشراء ومقصوده من إيراد الحديث بيان جواز ذلك ولهذا بين في الباب طريق الجواز ثم ذكر أن النبي - A - سماهم بما هو أحسن مما كانوا يسمون به أنفسهم وهو الأليق بكرم رسول الله - A - وحسن معاملته مع الناس وإنما كان اسم التجار أحسن لأن ذلك يطلق في العبادات قال الله تعالى { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } ( الصف : 10 ) وفيه دليل على أن التاجر يندب له إلى أن يستكثر من الصدقة لما أشار صلوات الله عليه في قوله ( إن البيع يحضره اللغو والحلف ) معناه أنه قد يبالغ في وصف سلعته حتى يتكلم بما هو لغو وقد يجازف في الحلف لترويج سلعته فيندب إلى الصدقة ليمحو أثر ذلك كما قال الله تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } ( هود : 141 ) وقال A ( اتبع السيئة الحسنة تمحها ) وإذا دفع الرجل إلى سمسار ألف درهم وقال اشتر بها زطيا لي بأجر عشرة دراهم فهذا فاسد لأنه استأجره لعمل مجهول فالشراء قد يتم بكلمة واحدة وقد لا يتم بعشر كلمات ثم استأجره على عمل لا يقدر على إقامته بنفسه فإن الشراء لا يتم ما لم يساعده البائع على البيع وكذلك إن سمى له عدد الثياب أو استأجره لبيع طعام أو شراء طعام وجعل أجره على ذلك من النقود أو غيرها فهذا كله فاسد وكذلك لو شرط له على كل ثوب يشتريه درهما أو على كر من حنطة يبيعه درهما فهو فاسد لما بينا .
وإن استأجره يوما إلى الليل بأجر معلوم ليبيع له أو ليشتري له فهذا جائز لأن العقد يتناول منافعه هنا وهو معلوم ببيان المدة والأجير قادر على إيفاء المعقود عليه .
( ألا ترى ) أنه لو سلم إليه نفسه في جميع اليوم استوجب الأجر وإن لم يتفق له بيع أو شراء بخلاف الأول فالمعقود عليه هناك البيع والشراء حتى لا يجب الأجر بتسليم النفس إذا لم يعمل به ثم فيما كان من ذلك فاسدا إذا اشترى وباع فله أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له لأنه استوفى المعقود عليه بحكم إجارة فاسدة .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - : إن شاء أمره بالبيع والشراء ولم يشترط له أجرا فيكون وكيلا معينا له ثم يعوضه بعد الفراغ من العمل مثل الأجر .
وأبو حنيفة - C - في هذا لا يخالفهما فإن التعويض في هبة الأعيان مندوب إليه عند الكل فكذلك في هبة المنافع وقد أحسن إليه بالإعانة وإنما جزاء الإحسان الإحسان .
وإن قال بع المتاع ولك الدرهم أو اشتر لي هذا المتاع ولك الدرهم ففعل فله أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى لأنه استأجره للعمل الذي سماه بدرهم فإن جواب الأمر بحرف الواو كجواب الشرط بحرف الفاء ولو قال إن بعت هذا المتاع لي فلك درهم كان استئجارا فكذلك إذا قال بعه ولك درهم ثم قد استوفى المعقود عليه بحكم إجارة فاسدة فيلزمه أجر مثله والله أعلم بالصواب