قال - C - اعلم بأن البيوع أنواع أربعة بيع عين بثمن وبيع دين في الذمة بثمن وهو السلم وبيع عمل العين فيه تبع وهو الاستئجار للصناعة ونحوهما فالمعقود عليه الوصف الذي يحدث في المحل بعمل العامل والعين هو الصبغ بيع فيه وبيع عين شرط فيه العمل وهو الاستصناع فالمستصنع فيه مبيع عين ولهذا يثبت فيه خيار الرؤية والعمل مشروط فيه وهذا لأن هذا النوع من العمل اختص باسم فلا بد من اختصاصه بمعنى يقتضيه ذلك الاسم والاستصناع استفعال من الصنع فعرفنا أن العمل مشروط فيه ثم أحكام ما للناس فيه تعامل من الاستصناع قد بيناه في شرح البيوع فبذلك بدأ الباب هنا وبين الفرق بينه وبين ما إذا أسلم حديدا إلى حداد ليصنعه إناء مسمى بأجر مسمى فإنه جائز ولا خيار له فيه إذا كان مثل ما سمى لأن ثبوت الخيار للفسخ حتى يعود إليه رأس ماله فيندفع الضرر به وذلك لا يتأتى هنا فإن بعد اتصال عمله بالحديد لا وجه لفسخ العقد فيه فأما في الاستصناع المعقود عليه العين وفسخ العقد فيه ممكن فلهذا ثبت خيار الرؤية فيه ولأن الحداد هنا يلتزم العمل بالعقد في ذمته ولا يثبت خيار الرؤية فيما يكون محله الذمة كالمسلم فيه فأما في الاستصناع المقصود هو العين والعقد يرد عليه حتى لو صار دينا بذكر الأجل عند أبي حنيفة - C - لم يثبت فيه خيار الرؤية بعد ذلك .
وإن أفسده الحداد فله أن يضمنه حديدا مثل حديده ويصير الإناء للعامل وإن شاء رضي به وأعطاه الأجر لأن العامل مخالف له من وجه حيث أفسد عمله وموافق من وجه وهو إقامة أصل العمل وإن شاء مال إلى جهة الخلاف وجعله كالغاصب ومن غصب حديدا وضربه إناء فهو ضامن حديدا مثله والإناء له بالضمان .
وإن شاء مال إلى جهة الوفاق ورضي به متغير الصفة فأخذ الإناء وأعطاه الأجر كالمشتري إذا وجد بالبيع عيبا إلا أنه يعطيه أجر مثله لا يجاوز به المسمى لأنه إنما التزم جميع المسمى بمقابلة عمل صالح ولم يأت به ولكن قدر ما أقام من العمل سلم له بحكم العقد فعليه أجر المثل ولا يجاوز به المسمى لأن المنفعة إنما تتقوم بالعقد والتسمية ولم يوجد ذلك فيما زاد على المسمى ولأنه لما رضي بالمسمى بمقابلة عمل صالح يكون أرضى به بمقابلة عمل فاسد وهذا بخلاف المشتري فإنه لو رضي بالعيب يلزمه جميع الثمن لأن الثمن بمقابلة العين دون الأوصاف والفائت بالعيب وصف هنا البدل بمقابلة العمل المشروط وبالإفساد ينعدم ذلك العمل فلهذا لا يلزمه جميع المسمى وإن رضي به وكذلك كل ما يسلمه إلى عامل ليصنع له شيئا مسمى كالجلد يسلمه إلى الإسكاف ليصنعه خفين والغزل يسلمه إلى حائك لينسجه فلو استصنع عند حائك ثوبا موصوف الطول والعرض والرفعة والجنس ينسجه من غزل الحائك كان هذا في القياس مثل الخف وغيره يريد به قياس الاستحسان في مسألة الخف ولكن هذا لا يعمل به الناس وإنما جوزنا الاستصناع فيما فيه تعامل ففيما لا تعامل نأخذ بأصل القياس ونقول : .
إنه لا يجوز ولو ضرب لهذا الثوب أجلا وتعجل الثمن كان جائزا وكان سلما لا خيار له فيه وإن فارقه قبل أن يعجل الثمن فهو فاسد قيل هذا قول أبي حنيفة - C - فأما عندهما لما كان الاستصناع الجائز بذكر الأجل فيه لا يصير سلما فالاستصناع الفاسد بذكر الأجل كيف يكون سلما صحيحا فإن الأجل لتأخير المطالبة ولا مطالبة عند فساد العقد فذكر الأجل فيه يكون لغوا .
والأصح أنه قولهم جميعا والعذر لهما أن تحصيل مقصود المتعاقدين بحسب الإمكان واجب ففيما للناس فيه تعامل أمكن تحصيل مقصودهما على الوجه الذي صرحا به وفيما لا تعامل فيه ذلك غير ممكن فيصار إلى تحصيل مقصودهما بالطريق الممكن وهو أن يجعل ذلك سلما .
توضيحه : أن فيما فيه التعامل المستصنع فيه مبيع شرط فيه العمل فذكر المدة لإقامة العمل فيها فلا يخرج به من أن يكون مبيعا عينا فأما فيما لا تعامل فيه فليس هنا مبيع عين ليكون ذكر المدة لإقامة العمل في العين بل ذكر العمل لبيان الوصف فيما يلتزمه دينا وذكر المدة لتأخير المطالبة وهذا هو معنى السلم فيجعله سلما لذلك ولو أسلم غزلا إلى حائك لينسج له سبعا في أربع فحاكه أكثر من ذلك أو أصغر فهو بالخيار إن شاء ضمنه مثل غزله وسلم له الثوب وإن شاء أخذ ثوبه وأعطاه الأجر إلا في النقصان فإنه يعطيه الأجر بحساب ذلك ولا يجاوز به ما سمى له أما ثبوت الخيار له فلتغيير شرط العقد لأنه إن حاكه أكثر مما سمى فهو أرق مما سمى وإن حاكه أصغر مما سمى فهو أصفق مما سمى هذا إذا كان قدر له الغزل .
وإن لم يكن قدره له فإذا حاكه أكثر مما سمى فقد زاد فيما استعمله من غزله على ما سمى وإن كان أصغر من ذلك فقد نقص عن ذلك فلتغير شرط العقد ثبت له الخيار إن شاء مال إلى جهة الخلاف وجعله كالغصب فضمنه غزلا مثل غزله والثوب للحائك ولا أجر له عند ذلك بمنزلة من غصب غزلا ونسجه وإن شاء رضي بعمله لكونه موافقا له في أصله .
وإن خالف في صفته وأعطاه الأجر إلا في النقصان فأما إذا أراد فقد أتى بالعمل المشروط وزيادة فيعطيه الأجر المسمى وفي الزيادة لم يوجد ما يقومه وهو التسمية فلا يطالبه بشيء من ذلك وأما في النقصان قال يعطيه من الأجر بحساب ذلك ومعنى هذا الكلام أنه ينظر إلى تكسير ما شرط عليه وتكسير ما جاء به فالمشروط عليه سبع في أربعة فذلك ثمانية وعشرون ذراعا والذي جاء به سبع في ثلاثة فذلك أحد وعشرون ذراعا فعرفت أنه أقام ثلاثة أرباع العمل المشروط فعليه ثلاثة أرباع الأجر .
وقال كثير من مشايخنا - رحمهم الله - يعطيه ثلاثة أرباع المسمى لأن جميع المسمى بمقابلة ثمانية وعشرين ذراعا فإحدى وعشرون يقابله ثلاثة أرباع المسمى كما لو استأجره ليضرب له ثمانية وعشرين لبنة بأجر مسمى فضرب إحدى وعشرين فإنه يستوجب ثلاثة أرباع المسمى .
قال - Bه - : والأصح عندي أنه يعطيه أجر مثله لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى لأن مالية الثوب تتفاوت بالطول والعرض وربما تنقص زيادة الطول في المالية وزيادة العرض تزيد فيه كما في الملاءة وربما تزيد في ماليته زيادة الطول دون العرض كما في العمامة فلا يمكن توزيع المسمى على الذرعان بهذه الصفة بخلاف اللبن فالبعض هناك غير متصل بالبعض في معنى المالية .
وإذا تقرر هذا عرفنا أن التوزيع هنا على الذرعان غير ممكن فيعطيه أجر مثل عمله ولكن لا يجاوز بهثلاثة أرباع المسمى لأنه لو جاء بالثوب مثل ما سمى كان حصته ثلاثة أرباعه من الأجر ثلاثة أرباع المسمى فإذا تم رضاه بذلك القدر عند الموافقة يكون أرضى به عند الخلاف فلهذا أوجبنا عليه أجر مثل عمله لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى وكأنه أشار إلى هذا بقوله ولا تجاوز به إلا ما سمى له بمقابلة ما جاء به وكذلك لو شرط عليه صفيقا فحاكه رقيقا لو شرط عليه رقيقا فحاكه صفيقا كان له أجر مثله لا يجاوز به ما سمى لأنه إنما ضمن جميع الأجر بمقابلة الوصف الذي شرط عليه ولم يأت به فإن مالية الثوب تختلف بالرقة والصفاقة وربما يختار الصفيق في بعض الأوقات والرقيق في بعض الأوقات فلهذا وجب المصير إلى أجر المثل ولا تجاوز به ما سمى لانعدام المقوم فيما زاد عليه ولوجود الرضا من الحائك بالمسمى من الأجر .
ولو أمره أن يزيد في الغزل رطلا من غزله وقال قد زدته وقال رب الغزل لم تزده فالقول قول رب الغزل مع يمينه أما جواز هذا العقد فلأنه استقرض منه ما أمره أن يزيد فيه من الغزل ويصير المستقرض قابضا باتصاله بملكه فالحائك يقيم العمل في غزل رب الثوب بخلاف ما إذا كان جميع الغزل من الحائك فإن المستصنع هناك لا يمكن أن يجعل مستقرضا للغزل قابضا فيكون الحائك عاملا في غزل نفسه ثم الحائك يدعي أنه أقرضه رطلا من غزله وسلمه إليه ورب الثوب منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى الحائك البينة لحاجته إلى إثبات ما يدعي من التسليم إليه بحكم القرض وما يدعي من الدين لنفسه في ذمته فإن أقام البينة أخذ من رب الثوب مثل غزله لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم .
وإن لم تكن له بينة فاليمين على رب الثوب على علمه لأنه إنما يستحلف على فعل الغير فإن حلف برئ وإن نكل عن اليمين فنكوله كإقراره .
وإذا سلم إليه غزلا ينسجه ثوبا وأمره أن يزيد من عنده غزلا مسمى مثل غزله على أن يعطيه ثمن الغزل وأجر الثوب دراهم مسماة جاز وهذا استحسان . وفي القياس لا يجوز لأنه اشترى منه ما سماه من الغزل وهو غير معين ولا مشروط في ذمته دينا ولكنه يستحسن للتعامل في هذا المقدار فقد يدفع الإنسان غزلا إلى حائك فيقول له الحائك هذا لا يكفي لما تطلبه فيأمره أن يزيد من عنده بقدر ما يحتاج إليه ليعطيه ثمن ذلك وإنما لا يجوز الاستصناع في الثوب لعدم التعامل فإذا وجد التعامل في هذا يجوزه اعتبارا بالاستصناع فيما فيه التعامل ثم الطول والعرض في الثوب وصف ورأينا جواز استئجار الأجير لإحداث وصف في الثوب بملكه وهو الصباغ فيجوز هنا أيضا اشتراط زيادة الطول والعرض عليه بغزل نفسه بالقياس على الصباغ .
فإن أتاه كما شرط واتفقا على أنه زاد أعطاه ممن غزله لأنه صار قابضا للمشتري باتصاله بملكه وأجر المسمى لأنه وفاء بما شرط له .
وإن قال رب الثوب لم يزد فيه شيئا وكان وزن غزل منا وقال النساج قد كان وزن غزلك منا وقد زدت فيه رطلا فوزنوا الثوب فوجدوه منوين فقال رب الثوب إنما زاد لما فيه من الدقيق وقال النساج هو من الغزل والدقيق فالقول قول الحائك مع يمينه لأن الظاهر شاهد له وعند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر وينبغي للقاضي أن يرجع إلى العلماء من الحوكة فإن قالوا الدقيق لا يزيد فيه هذا المقدار فالقول قول الحائك مع يمينه .
وإن قالوا يزيد فيه فالقول قول رب الثوب لأنه ما اشتبه على القاضي فإنه ما يرجع في معرفته إلى من له بصر في ذلك الباب كما في قيم المتلفات ومتى كان القول قول الحائك وحلف بخبر صاحبه على أن يعطيه ما سمى له ومتى كان القول قول رب الثوب بأن كان يعلم أن الدقيق يزيد فيه هذا المقدار فإنه يتخير صاحب الثوب لأنه تغير عليه شرط عقده فإنه لما أمره بأن يزيد فيه فقد أمره بثوب هو أطول أو أعرض مما جاء به وإن شاء مال إلى جهة الخلاف وضمنه مثل عزله وإن شاء مال إلى الموافقة في أصل العمل وأعطاه من الأجر بحساب ما أقام من العمل لأنه جعل جميع المسمى بمقابلة عمله في من ونصف من الغزل وإنما أقامه في من فيعطيه بحسابه من الأجر وفيه طريقان باعتبار المسمى وأجر المثل كما بينا .
ولو كان الثوب مستهلكا وقد استهلكه صاحبه قبل أن يعلم ورثته كان القول قول رب الثوب مع يمينه على عمله لأن الحائك يدعي عليه تسليم مانعه من الغزل ووجوب ثمنه في ذمته وهو منكر لذلك وإنما يمينه على فعل الغير فكان على العلم .
وإذا حلف فعليه أجر الثوب وليس عليه ثمن الغزل فيقسم الأجر على عمل ثوب مثله وقيمة رطل من غزله فيطرح عنه ما أصاب قيمة الغزل ولم يزد على هذا في الأصل .
قال الحاكم - C - ( وصواب هذا الجواب أن يطرح عنه أيضا حصة ما تركه من زيادة العمل في النسج ) لما بينا أن المسمى بمقابلة عمله في ثلاثة أرطال غزل وإنما أقام العمل في رطلين من غزل وهذا التقسيم والمصير إلى معرفة وزن الثوب لم يذكر في المسألة الأولى لأن موضوع المسألة هناك فيما إذا لم يكن مقدار غزل الدافع معلوما ولا يعرف الصادق من الكاذب بالمصير إلى وزن الثوب وهنا وضع المسألة فيما إذا كان وزن غزل الدافع معلوما فلهذا وجب المصير إلى وزن الثوب ليعرف به الصادق من الكاذب .
( قال ) ( وإذا أسلم الرجل حنطة إلى طحان ليطحنها بدرهم وبربع دقيق منها فهذا فاسد ) وهو تفسير الحديث في النهي عن قفيز الطحان ثم الحكم متى ثبت في حادثة بالنص وعرف المعنى فيه تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع ومن فرع هذا لو دفع سمسما إلى رجل على أن يعصره له برطل من دهنه فهو فاسد أيضا وكذلك لو استأجر رجلا ليذبح له شاة بدرهم ورطل من لحمها فذلك فاسد .
وفي الكتاب قال : وكيف يستأجر بلحم شاة حية وقد ورد الحديث بالنهي عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة يريد به أن الأجرة متى كانت معينة فهي بمنزلة المبيع المعين وما في مضمون خلقة حيوان لا يجوز بيعه عينا وتفسير الملاقيح عند بعضهم ما تضمنه الأصلاب والمضامين ما تضمنه الأرحام وعند بعضهم على عكس هذا فالملاقيح ما تضمنه الأرحام بالقاح الفحول واستدلوا بقول القائل شعر : .
وعدة العام وعام قابل .
ملقوحة في بطن ناب حابل .
وحبل الحبلة هو بيع ما يحمل حبل هذه الناقة وكانوا يعتادون ذلك في الجاهلية أبطل الشرع ذلك كله بالنهي عن بيع الغرر واستدل أيضا بالنهي عن بيع اللبن في الضرع وعن بيع الصوف على ظهورها فعرفنا أن ما كان في مضمون خلقه حيوان لا يجوز تمليكه بعقد المعاوضة .
فإن عمله بهذا الشرط كان له أجر مثله لأن بفساد العقد لم يملك شيئا مما أقام العمل فيه فكان عاملا لغيره فيما لا شركة له فيه بعقد فاسد فيستوجب أجر المثل لا يجاوز به ما سمى لانعدام التسمية فيما زاد عليه ولوجود الرضى منه بالمسمى فإن المسمى متى كان معلوما يتم الرضى به .
وإن شرط مع الدرهم ربع قفيز دقيق جيد ولم يقل منها كان جائزا لأن الدقيق مكيل معلوم يصلح أن يكون ثمنا في البيع فيصلح أن يكون أجرة أيضا .
ولو دفع غزلا إلى حائك لينسجه بذراع من ذلك الثوب أو بجزء شائع مسمى فذلك لا يجوز في ظاهر المذهب أيضا لأنه في معنى قفيز الطحان .
قال - Bه - وكان شيخنا الإمام يحكي عن أستاذه - رحمهما الله - أنه كان يفتي بجواز هذا ويقول : فيه عرف ظاهر عندنا بنسف ولو لم يجوزه إنما يجوزه بالقياس على المنصوص والقياس يترك بالعرف كما في الاستصناع ثم فيه منفعة فإن النساج يعجل بالنسج ويجد فيه إذا كان له في الثوب نصيبا قال ولو دفع سمسما إلى رجل فقال قشره وربه بنفسج فأعصره على أن أعطيك أجره درهما كان هذا فاسدا لأنه لا يعرف ما شرط من البنفسج وجهالة ذلك تفضي إلى المنازعة وهذا بخلاف ما لو دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه بصبغ من عنده لأن مقدار الصبغ في كل الثوب معلوم عند أهل الصنعة المسبغ منه وغير المسبغ ولا تتمكن المنازعة بينهما لأن اللون في الثوب محسوس فأما الرائحة في الدهن المربى غير محسوس ويتفاوت ذلك بتفاوت ما يربى به من البنفسج فتتمكن المنازعة بينهما .
يوضح الفرق : أن إعلام مقدار الصبغ يتعذر على الصباغ لأنه يجمع الثياب ويصبغ الكل جملة واحدة فيسقط اعتباره لذلك فأما القشار لا يخلط سمسم الناس ولو فعل ذلك صار ضامنا ولكنه يربى سمسم كل إنسان على حدة فلا يتعذر عليه إعلام مقدار البنفسج فلهذا شرط ذلك .
وإن قال على أن تربيه بقفيز من بنفسج فهذا جائز وكذلك إن كان البنفسج الذي يدخل في مثل هذا السمسم معروفا عند التجار فهو جائز لأن المعلوم بالعرف كالمعلوم بالشرط ولا تتمكن المنازعة بينهما إذا كان ذلك معلوما فلهذا جوزناه ثم تبين بعد هذا ما يجوز فيه الاستصناع .
وحاصل ذلك أن المعتبر فيه العرف وكل ما تعارف الناس الاستصناع فيه فهو جائز فإذا جاء به الصانع مفروغا عنه واختار المستصنع أخذه فليس للصانع أن يمنع لأن البيع قد لزم فيه باتفاقهما عليه إلا أنه إن كان لم يستوف الثمن حبسه بالثمن وإن باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع فبيعه جائز لأنه باع ملك نفسه فالعقد لا يتعين في هذا المصنوع قبل أن يراه المستصنع .
وإذا نفذ بيعه صار مملوكا للمشتري فلا سبيل للمستصنع عليه بعد ذلك .
وإذا دفع إلى إسكاف جلدا واستأجره بأجر مسمى على أن يخرزه له خفين بصفة معلومة على أن يفعله الإسكاف ويبطنه ووصف له البطانة والنعل فهو جائز لأنه متعارف .
وإذا جاز الاستصناع في الخف لكونه متعارفا ففي البطانة والنعل أجوز .
ولا خيار لصاحب الأديم إذا عمله عملا مقارنا الإفساد فيه وكان ينبغي أن يثبت له الخيار في البطانة والنعل لأنه اشترى ما لم يره لكنه قال لا خيار له في أصل الأديم لأنه ملكه ولا يتأتى الرد في البطانة والنعل منفردا عن الأصل ثم البطانة والنعل بيع في هذا العقد والمقصود هو العمل .
( ألا ترى ) أن بالبطانة والنعل يصير الخف ينسب إلى الأديم دون البطانة والنعل ولا خيار له فيما هو المقصود وهو العمل وفيما هو الأصل وهو الأديم فكذلك في البيع .
وإن جاء به فاسدا ضمنه قيمة الجلد إن شاء لأنه إنما طلب منه العمل الصالح دون الفاسد فكان هو في إقامة أصل العمل موافقا وباعتبار صفة الفساد في العمل مخالف فإن شاء مال إلى الخلاف وجعله كالغاصب فيضمنه قيمة جلده وإن شاء مال إلى الموافقة في أصل العمل ورضي به مع تغيير الوصف فأخذ الخفين وأعطاه أجر مثل عمله وقيمة ما زاد فيه ولا يجاوز به ما سمى له ( من ) أجر مثل العمل لما بينا أن المسمى بإزاء العمل الصالح فعند الفساد يجب أجر المثل وقيمة ما زاد فيه لأنه مشتري له وقد تم قبضه باتصاله بملكه .
ومن أصحابنا - رحمهم الله - من قال قوله ولا يجاوز به ما سمى ينصرف إلى الأجر خاصة دون قيمة ما زاد فيه فإن المشتري شراءا فاسد مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت لأن الأعيان متقومة بنفسها بخلاف المنافع واستدلوا على هذا بما ذكر في آخر الباب في مسألة الجبة ولا يجاوز به ما سمى في أجر عمله خاصة وقالوا بيانه في فصل يكون بينا في جميع الفصول ولكن الأصح أن قوله ولا يجاوز به ما سمى له في هذا الموضع ينصرف إليهما لأن البطانة والنعل تابع للعمل ولهذا يجوز العقد هنا فإنه لو كان مقصودا ما جاز العقد فيه .
وإذا لم يكن معينا والتبع معتبر بالأصل فإذا كان الأصل لا يجاوز به ما سمى له فكذلك في التبع وسنقرر هذا الفرق في مسألة الجبة إن شاء الله تعالى وكذلك إن سلم خرقة إلى صانع ليصنعها قلنسوة ويبطنها ويحشوها فهو مثل ذلك لأن البطانة والحشو في القلنسوة تبع .
( ألا ترى ) أن القلنسوة تنسب إلى الظهارة وأنها بالبطانة والحشو تصير أحكم واسم القلنسوة يتناوله بدون البطانة والحشو كالخف فالجواب فيهما سواء وبجميع هؤلاء الصناع إذا رضي المستصنع العمل وأجازه أن لا يدفعه له حتى يأخذ منه الأجر إلا أن يكون مؤجلا فلا يكون له منع المتاع حينئذ لأن الأجرة في الإجارات كالثمن في البيع والمبيع يحبس بالثمن إذا كان البيع حالا ولا يحبس به إذا كان مؤجلا .
وعلى قول زفر - C - ليس للصانع حق الحبس بالأجرة إذا كان الأصل ملكا للمستأجر لأنه صار مسلما المعقود عليه باتصاله بملكه وهذا لأن المعقود عليه الوصف الذي أحدثه بعمله وقد اتصل ذلك بملك المستأجر باختيار العامل ورضاه وبعدما سلم المعقود عليه لا يكون له حق الحبس .
ولكنا نقول : هذا تسليم لا يمكن التحرز عنه فإنه لا يتصور منه إقامة العمل بدون أن يتصل ذلك بملكه وما لا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا فلا يصير هو به راضيا بسقوط حقه في الحبس وربما يقول زفر - C - البدل ليس بمقابلة الأصل وإنما يحبس المبدل بالبدل فإذا لم يثبت له حق الحبس فيما هو الأصل لا يثبت في البيع ولكنا نقول حق الحبس يثبت له في المعقود عليه ولا يتأدى ذلك إلا بحبس الأصل فثبت حقه في حبس لأصل كمن أجر عينا يلزمه تسليم العين وهو إنما عقد على المنفعة ولكن لما كان تسليم المنفعة لا يتأدى بدون العين لزمه تسليم العين فهذا مثله .
( قال ) في الأصل : ( إن كان الأجل ميعادا من غير شرط فله أن لا يدفعه حتى يقبض أجره ) لأن المواعيد لا يتعلق بها اللزوم وهذا يصير رواية في فصل بيع المرابحة وهو أنه إذا اشترى عينا من بياع وواعده أن يستوفي الثمن منجما في كل سبت فللمشتري أن يبيعه مرابحة من غير بيان في الصحيح من الجواب لأنه مشتري بثمن حال والميعاد لا يكون لازما بدليل هذه المسألة .
وإذا دفع الرجل إلى صباغ ثوبا يصبغه له بأجر مسمى ووصف له الصبغ فهو جائز لأنه إذا وصف له الصبغ وسماه من زعفران أو عصفور أو بقم فقد صار المقصود معلوما لا تتمكن المازعة بينهما .
فإن خالفه بصبغه على غير ما سمى له إلا أنه من ذلك الصبغ فلصاحب الثوب أن يضمنه قيمة ثوب أبيض وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له أما ثبوت الخيار فلأنه في أصل الصبغ موافق وفي الصفة مخالف .
وإذا اختار الأخذ أعطاه أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له لأنه رضي بالمسمى وهذا بخلاف مسألة الخف والقلنسوة فقد قال هناك يعطيه أجر مثل عمله وقيمة ما زاد فيه وهنا لم يذكر قيمة ما زاد الصبغ فيه .
وروى ابن سماعة عن محمد - رحمهما الله - التسوية بينهما ووجه الفرق على ظاهر الرواية أن الصبغ آلة العمل المستحق على الصباغ بمنزلة الحرض والصابون في عمل الغسال فلا يصير صاحب الثوب مشتريا للصبغ حتى تعتبر القيمة عند فساد السبب بخلاف ما سبق وهذا لأن القائم بالثوب لون الصبغ لا عينه وإنما يصير مشتريا لم يتصل بملكه واللون لا يمكن أن يجعل مشترى بخلاف البطانة والنعل فذاك يتصل بعمله بملكه وهو عين مال .
( ألا ترى ) أنه يتأدى بفعله فلهذا تعتبر قيمة ما زاد فيه .
ووجه رواية محمد - C - : أن الصبغ في الثوب بمنزلة عين مال قائم حكما حتى لو انصبغ ثوب إنسان بصبغ الغير واتفقا على بيعه فإن صاحب الثوب يضرب في الثوب بقيمة ثوبه أبيض وصاحب الصبغ بقيمة الصبغ .
ولو لم يكن الصبغ المتصل بالثوب في حكم عين قابل للبيع لما كان من الثمن حصة ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لأن الصبغ بعدما اتصل بالثوب لا يتصور تمييزه عنه فإنما يكون في حكم مال متقوم مع الثوب لا وحده وهنا لا يجب عليه قيمة الثوب فلا يجب عليه قيمة ما زاد الصبغ فيه وفي مسألة الخف البطانة والنعل لما كان بعرض الفصل كان مالا متقوما منفردا عن الخف فلهذا اعتبر قيمة ما زاد فيه .
وإن اختلف الصباغ ورب الثوب فيما أمره أن يصبغه به بأن صبغه بعصفر فقال رب الثوب أمرتك بالزعفران فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا .
وقال ابن أبي ليلى - C - القول قول الصباغ لأنهما اتفقا على الإذن في الصبغ ثم رب الثوب يدعي عليه خلافا ليضمنه أو ليثبت الخيار لنفسه وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر .
ولكنا نقول : الإذن يستفاد من جهة رب الثوب ولو أنكر الإذن له في الصبغ أصلا كان القول قوله فكذا إذا أنكر الإذن فيما صبغه به وإذا استصنع الرجل عند الرجل خفين فلما فرغ منه قال المستصنع ليس هكذا أمرتك وقال الإسكاف بهذا أمرتني فالقول قول المستصنع لما بينا أن الإذن يستفاد من جهته ولا يمين عليه لأن توجه اليمين ينبني على دعوى تلزمه الجواب وذلك لا يوجد هنا فإن للمستصنع أن يأبى وإن لم يكن الصانع مخالفا فلا فائدة في استحلافه .
وكذلك لو أقام العامل البينة لم يلزم الأمر لأن الثابت بالبينة كالثابت بإقرار الخصم ولو قال المستصنع بهذا أمرتك ولكن لا أريده كان له ذلك لما بينا أن الخيار ثابت للمستصنع بسبب عدم الرؤية .
ولو أسلم إليه خفه بنعله بأجر مسمى فهو جائز للعرف الظاهر فإذا نعله بنعل لا ينعل بمثله الخفاف فصاحب الخف بالخيار إن شاء ضمنه قيمة الخف بغير نعل .
وإن شاء أخذه وأعطاه أجر مثله وقيمة النعل لا يجاوز به ما سمى لما بينا أنه في أصل العمل موافق وفي الصفة مخالف وإن كان ينعل بمثله الخفاف فهو لازم عليه وإن لم يكن جيدا لأن المستحق بمطلق العقد صفة السلامة فأما صفة الجودة لا تستحق إلا بالشرط كما في بيع العين .
ولو شرط عليه جيدا فانعله بنعل غير جيد فلصاحب الخف الخيار لأن فوات الوصف المشروط بمنزلة العيب في إثبات الخيار كما إذا اشترى عبدا بشرط أنه كاتب فوجده لا يحسن الكتابة يثبت له الخيار بمنزلة ما لو وجد العيب في المعقود عليه فهذا مثله .
ولو اختلافا في الأجر وقد عمله عملا على ما وصفه له فإن أقاما البينة فالبينة بينة العامل لأنه يثبت الزيادة في حقه وهو الأجر فتترجح بينته بذلك .
وإن قال رب الخف عملته لي بغير أجر وقال العامل عملته بدرهم ولا بينة بينهما فعلى رب الخف اليمين لله ما شارطه على درهم لأن العامل يدعي عليه الدرهم دينا في الذمة وهو منكر فالقول قول المنكر مع اليمين .
فإذا حلف غرم له ما زاد النعل في خفه بعد أن يحلف العامل على دعواه أنه عمل له بغير أجر لأن رب الخف يدعي عليه هبة النعل وهو لو أقر به لزمه فإذا أنكر يحلف عليه .
وإذا حلف انتفى ما ادعى كل واحد منهما من العقد يبقى نعله متصلا بخف الغير بإذن صاحب الخف فتجب قيمته لاحتباس ملك الغير عنده ولا يجب أجر المثل لأن المنفعة لا تتقوم إلا بالعقد والتسمية وقد انتفى ذلك فأما العين متقوم بنفسه .
ولو أقاما البينة أخذت بينة العامل لإثباته الزيادة ولو عمل الخف كله من عنده ثم اختلفا في الأجر فالقول قول الإسكاف ولا يمين على المستصنع ولكنه بالخيار إن شاء أخذه بما قال الإسكاف وإن شاء تركه لما بينا أن العقد غير لازم في حق كل واحد منهما والذي جاء به عين ملك الإسكاف فلا يستحق عليه إلا بما رضي به من الثمن .
ولو أسلم ثوبا إلى صباغ فصبغه أحمر على ما أمره به فقال الصباغ صبغته بدرهم وقال رب الثوب بدانقين وإني أنظر إلى ما زاد الصبغ فيه فإن زاد درهما أو أكثر فله درهم بعد أن يحلف الصباغ ما صبغه بدانقين .
وإن كان دانقين أو أقل فإنه يعطيه دانقين بعد أن يحلف رب الثوب ما صبغة بدرهم كما يدعيه الصباغ لأن الأصل في باب الخصومات أن القول قول من يشهد له الظاهر والظاهر أن الصباغ لا يجعل في ثوب إنسان صبغا يساوي درهما بدانقين إذن يخسر وهو ما جلس لهذا والظاهر أن الإنسان لا يلتزم درهما بإزاء صبغ يساوي دانقين إذن يغبن والمغبون لا محمود ولا مأجور .
فإذا كان قيمة الصبغ درهما أو أكثر فله فالظاهر شاهد للصباغ فيجعل القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه .
وإذا كانت قيمة الصبغ أقل من دانقين فالظاهر شاهد لرب الثوب فيكون القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه .
وإن كان أكثر من دانقين وأقل من درهم أعطيت الصباغ ذلك بعد أن يحلف ما صبغه بدانقين .
وبعض مشايخنا - رحمهم الله - يقول هنا : يتحالفان لأن الظاهر لا يشهد لكل واحد منهما فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه على قياس اختلاف الزوجين في المهر إذا كان مهر المثل لا يشهد لقول واحد منهما .
قال - Bه - : والأصح عندي أنه لا تحالف هنا بل اليمين على الصباغ خاصة لأن المبتغي بالتحالف الفسخ وبعد اتصال الصبغ بالثوب لا تصور لفسخ العقد فلا معنى للتحالف بخلاف النكاح فإنه محتمل للفسخ ببعض الأسباب وإذا لم يجب التحالف هنا كان على رب الثوب قيمة الصبغ لأن الاتصال الصبغ بالثوب موجبا وهو قيمته على رب الثوب كالغاصب إذا صبغ ثوب إنسان وأراد رب الثوب أخذه أعطاه قيمة الصبغ إلا أن رب الثوب هنا يدعي براءته عن بعض القيمة برضاء الصباغ بدانقين والصباغ منكر لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى .
وإن كان الصبغ سوادا فالقول قول رب الثوب مع يمينه لما بينا فيما سبق أن السواد نقصان فلا يمكن تحكيم قيمة الصبغ بنفي ظاهر الدعوى والإنكار والصباغ يدعي زيادة في حقه ورب الثوب منكر لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى .
ولو قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر فالقول قوله وكذلك كل صبغ ينقص الثوب فأما كل صبغ يزيد في الثوب قال رب الثوب صبغته لي بغير أجر وقال الصباغ صبغته بدرهم فعلى كل واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه وليس هذا بتحالف للاختلاف في بدل العقد ولكن الصباغ يدعي لنفسه درهما على رب الثوب ورب الثوب منكر فعليه اليمين ورب الثوب يدعي على الصباغ أنه وهب الصبغ منه وقد تمت الهبة باتصاله بملكه والصباغ منكر لذلك فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ثم يضمن رب الثوب ما زاد الصبغ في ثوبه لأن ما ادعاه كل واحد منهما انتفى بيمين صاحبه يبقى صبغ الغير متصلا بثوبه بإذنه وعليه قيمته ولا يجاوز به درهما لأن الصباغ لا يدعي أكثر من درهم فهو بهذه الدعوى يصير مبرئا له عن الزيادة على درهم .
ولو اختلف القصار ورب الثوب في مقدار الأجرة فإن لم يكن أخذ في العمل تحالفا وترادا لأن الإجارة نوع بيع وقد ورد النص بالتحالف عند اختلاف المتبايعين في البدل فيعم ذلك أنواع البيوع ثم التحالف مشروع لدفع الضرر عن كل واحد منهما بطريق الفسخ حتى يعود إليه رأس ماله وعقد الإجارة محتمل للفسخ قبل إقامة العمل كالبيع فلهذا يجب التحالف بينهما .
وإن كان قد فرغ من العمل فالقول قول رب الثوب لأن لا تصور للفسخ بعد الفراغ من العمل فلا معنى للتحالف بينهما ولكن القصار يدعي زيادة في حقه ورب الثوب منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وهذا ظاهر على أصل أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله - فإن هلاك السلعة عندهما يمنع التحالف في البيع فكذلك في الإجارة .
ومحمد - C - يفرق بينهما فيقول التحالف هناك مفيد لأن المبيع عين مال متقوم بنفسه فيمكن إيجاب قيمته بعد انتفاء العقد بالتحالف وهنا المنافع لا تتقوم إلا بالعقد فلو تحالفا هنا انتفى العقد بالتحالف فلا يمكن إيجاب شيء للقصار فكان جعل القول قول رب الثوب مع يمينه أنفع للقصار فلهذا لا يصار إلى التحالف هنا .
ولو كان الاختلاف بينهما بعدما أقام بعض العمل ففي حصة ما أقام القول قول رب الثوب مع يمينه وفي حصة ما بقي يتحالفان اعتبارا للبعض بالكل وهذا لأن فسخ العقد في الباقي ممكن وفي حصة ما بقي يتحالفان اعتبارا وفيما أقام من العمل متعذر .
وفرق أبو حنيفة - C - بين هذا وبين ما إذا اشترى عبدين فهلك أحدهما ثم اختلفا في الثمن فقال هناك لا يتحالفان لأن العقد فيهما واحد فإذا تعذر فسخه في البعض بالهلاك يتعذر فسخه فيما بقي وهنا عقد لإجارة في حكم عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يقيم عليه من العمل فبأن تعذر فسخه في البعض لا يمنع الفسخ فيما بقي .
وكذلك لو قال عملته لي بغير أجر فالقول قوله مع يمينه لما بينا أنه ينكر وجوب الأجر عليه وعلى قول ابن أبي ليلى - C - القول قول الأجير إلى أجر مثله كما في مسألة الصباغ وقد أشرنا إلى الفرق بينهما فهناك الصبغ عين مال قائم في الثوب وهو متقوم بنفسه وهنا لا قيمة للمنفعة بدون التسمية وقد أنكر رب الثوب التسمية فالقول قوله مع يمينه .
ولو شارط قصارا على أن يقصر له عشرة أثواب بدرهم ولم يره الثياب ولم تكن عنده كان فاسدا لأن المعقود عليه مجهول فإنه الوصف الذي يحدث في الثوب بعمله وذلك يختلف باختلاف الثياب في الطول والعرض والصفاقة والرقة والجودة والرداءة وعمله يتفاضل بحسب ذلك .
وإن كان أراه الثياب كان جائزا لأن برؤية المحل يصير مقدار العمل فيه معلوما ولو مسما له جنسا من الثياب كان مثل ذلك ما لم يرها إياه لأن بتسمية الجنس لا يصير مقدار العمل فيه معلوما .
فإن بالغ في بيان الصفة على وجه يصير مقدار عمله معلوما فهو واراءته الثياب سواء .
ولو أسلم ثوبا إلى خياط وأمره أن يخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء فلصاحب الثوب أن يضمنه قيمة ثوبه وإن شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى له لأنه في أصل الخياطة موافق وفي الهيئة والصفة مخالف .
وبعض مشايخنا - رحمهم الله - يقولون : القباء والقميص تتفاوتان في الاستعمال وإن كان لا يتفق فلم يكن في أصل مقصود مخالفا وإنما خالفه في تتميم المقصود حتى لو خاطه سراويلا كان غاصبا ضامنا ولا خيار لصاحب الثوب لأنه لا مقاربة بين القميص والسراويل في الاستعمال .
والأصح : أن الجواب في الفصلين واحد .
وقد روى هشام عن محمد - رحمهما الله - أنه لو دفع إليه شبها ليضرب له طستا فضربه كوزا فهو بالخيار ولا مقاربة في الاستعمال هنا ولكنه موافق في أصل الصنعة مخالف في الهيئة والصفة فكذلك في مسألة الثوب وإن خاطه سراويلا فهو في أصل الخياطة موافق وفي الهيئة مخالف .
فإن قال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتني بقباء فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا .
وقال ابن أبي ليلى - C - القول قول الخياط لإنكاره الخلاف والضمان .
والشافعي - C - يقول : إنهما يتحالفان لأنهما اختلفا في المعقود عليه .
ولو اختلفا في البدل تحالفا إذا كان قبل إقامة العمل فكذلك في المعقود عليه ولكن هذا لا معنى له هنا لأن رب الثوب يدعي عليه ضمان قيمة الثوب والخياط ينكر ذلك ويدعي الأجر دينا في ذمة رب الثوب فلا يكون هذا في معنى ما ورد الأثر بالتحالف فيه مع أن المقصود بالتحالف الفسخ وبعد إقامة العمل لا وجه للفسخ .
وإن أقاما البينة فالبينة بينة الخياط لأنه هو المدعي الإذن في خياطة القباء والوفاء بالمعقود عليه وتقرر الأجر في ذمة صاحب الثوب .
وإن اختلفا في الأجر فالقول قول رب الثوب لأنه منكر للزيادة والبينة بينة الخياط لأنها تثبت الزيادة .
وكذلك لو قال صاحب الثوب خيطه لي بغير أجر فالقول قوله مع يمينه على قياس ما بينا في القصارة لأن عمل الخياطة المتصل بالثوب غير متقوم بنفسه .
ولم يذكر في الكتاب ما إذا اتفقا على أنه لم يشارطه على شيء في هذه الفصول .
وفي النوادر عن أبي حنيفة - C - أنه لا أجر له لأن المنافع لا تتقوم إلا بعقد ضمان أو بتسمية عوض .
وعن أبي يوسف - C - قال : استحسن إذا كان خيط له فأوجب الأجر له لأن الخياطة التي بينهما دليل على أنه طلب منه إقامة العمل بأجره فقام ذلك مقام الشرط .
وعن محمد - C - قال : إن كان العامل معروفا بذلك العمل بالأجر فتح الحانوت لأجله فذلك ينزل منزلة شرط الأجر ويقضي له بالأجر استحسانا .
ولو أعطى صباغا ثوبا ليصبغه بعصفر بربع الهاشمي بدرهم فصبغه بقفيز عصفر وأقر رب الثوب بذلك فرب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة الثوب وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد العصفر في قيمة الثوب مع الأجر .
ومعنى هذه المسألة أن الربع الهاشمي هو الصاع وهو ربع قفيز فكأنه أمره بأن يصبغه صبغا غير مشبع وقد صبغ صبغا مشبعا فكان في أصل العمل موافقا وفي الصفة مخالف فيجبر صاحب الثوب لذلك ثم أطلق الجواب في الكتاب .
ومشايخنا - رحمهم الله - قالوا : يقسم الجواب فيه فإما أن يصبغه بربع الهاشمي أو لا ثم بالزيادة إلى تمام القفيز أو يصبغه بالقفيز دفعة واحدة .
فإن كان صبغه بربع الهاشمي أولا فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض .
وإن شاء ضمنه قيمة ثوبه مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الأجر لأنه أقام العمل المشروط وصار ذلك من وجه كالمسلم إلى صاحب الثوب لاتصاله بالثوب ثم غيره قبل تمام التسليم فإن شاء لم يرض به متغيرا وضمنه قيمة ثوبه أبيض .
وإن شاء رضي به متغيرا وضمنه قيمته مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الأجر وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه الأجر مع قيمة ما زاد من العصفر فيه وهو ثلاثة أرباع قفيز لأنه بمنزلة من غصب ثوبا مصبوغا بربع قفيز فصبغه بثلاثة أرباع قفيز .
أما إذا صبغه بقفيز دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وإن شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة الصبغ ولا أجر له لأنه ما أقام العمل المشروط ولكنه خالف في هيئة العمل في الابتداء ولأنه لا بد من اعتبار قيمة الصبغ فلا يعتبر الأجر لأن أحدهما تبع للآخر فلا يجمع بينهما .
( ألا ترى ) أن في الموضع الذي يجب الأجر لا ينظر إلى قيمة الصبغ فهنا لما وجب قيمة الصبغ بسبب ما زاد من الصبغ فيه سقط اعتبار الأجر .
والحاكم - C - في المنتقى ذكر هذا التقسيم عن أبي يوسف - C .
وروى ابن سماعة عن محمد - رحمهما الله - أنه إذا دفع ثوبا ليصبغه بمن عصفر بدرهم فصبغه بمنوين دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار إن شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وإن شاء أعطاه الأجر درهما مع قيمة من الصبغ .
قال : ( قلت ) لمحمد - C - لم لا يضمن له قيمة منوين من الصبغ قال لأن صاحب الثوب يقول أنا خادعته حتى رضي بدرهم من قيمة من الصبغ وربما تكون قيمته خمسة فبعد وجود الرضى منه بهذا المقدار ليس له أن يضمن زيادة عليه فلهذا أعطاه الأجر مع قيمة من الصبغ وإن كان ما روي عن محمد - C - هو الأصح ولأنه وإن صبغه جملة فإنما يتشرب فيه الصبغ شيئا فشيئا فإذا تشرب فيه المقدار المشروط وجب الأجر فكان هذا وما لو صبغه بدفعتين سواء .
ولو قال رب الثوب لم تصبغه إلا بربع عصفر فإن كان مثل ذلك الصبغ يكون بربع الهاشمي فالقول قوله مع يمينه على علمه لأن الظاهر شاهد له وهو ينكر وجوب قيمة الصبغ عليه والاستحلاف على العلم لأنه على فعل الغير إلا أن يقيم الصباغ بينة .
وإن كان مثل ذلك لا يكون بربع عصفر وكان ذلك يعرف فالقول قول الصباغ لأن الظاهر شاهد له والجواب فيه كالجواب في المسألة الأولى .
ولو قال لخياط انظر إلى هذا الثوب فإن كفاني قميصا فاقطعه بدرهم وخطه فقال نعم ثم قال بعدما قطعه إنه لا يكفيك فالخيط ضامن لقية الثوب لأنه علق الأذن بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم قبل الشرط فإذا لم يكفه قميصا فإنما قطعه بغير إذنه ومن قطع ثوب الغير بغير إذنه فهو ضامن لقيمته .
ولو قال له انظ