قال - C - وإذا كان في الميراث دين على الناس فأدخلوه في القسمة لم يجز لما بينا أن من وقع الدين في نصيبه يكون متملكا على أصحابه نصيبهم من الدين بعوض وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض لا يجوز وكذلك لو اقتسموا الدين فأخذ كل واحد منهم من حقه فيها دينا على رجل خاصة لم يجز لأن كل واحد منهم مملك نصيبه مما في ذمة زيد من صاحبه لم يتملك عليه من نصيبه مما في ذمة عمر .
وإذا كان تمليك الدين من غير من عليه الدين لا يجوز بعوض عين فلان لا يجوز بعوض دين أولى وكذلك إن كان الدين كله على رجل واحد فقسمتهم فيه قبل القبض باطلة لأن القسمة حيازة ولا يتحقق ذلك فيما في الذمة ولا تجوز قسمة وصي الأب بين الصغير لأن القسمة في معنى المعاوضة وليس للوصي ولاية بيع مال أحد القسمين من صاحبه لأنه لا ينفرد بالتصرف إلا عند منفعة ظاهرة لليتيم وفي هذا التصرف أن نقع أحدهما أضر بالآخر وإن كان معهم ورثة كبار فإن قسم نصيب الصغيرين معا جاز ذلك لأن المعاوضة في مال الصغيرين مع الوارث الكبير جائزة فكذلك قسمة نصيب الصغيرين معا مع الوارث الكبير .
( قال ) في الأصل : وكذلك الأب ومراده هذا الفصل لا ما قبله فقسمة الأب مع ابنيه الصغيرين جائزة لأنه يملك بيع مال أحدهما من صاحبه بخلاف الوصي فيفرده بالتصرف ولا يتقيد بشرط منفعة ظاهرة للصبي ولا تجوز قسمة وصي الميت على الكبار وهم كارهون لأنه لا ولاية له عليهم في المعاوضة والتصرف في مالهم إذا كانوا حضورا .
فإن كان فيهم غائب فقاسم الوصي عليه لم يجز في العقار وجاز في غيره لأن القسمة في العروض من الحفظ وللوصي ولاية الحفظ في نصيب الكبير الغائب فكان له في نصيبه من القسمة ما يرجع إلى الحفظ فأما العقار فحصته بنفسها وليس في قسمتها معنى الحفظ بل هو مطلق التصرف ولا ولاية له في نصيب الكبير الغائب في مطلق التصرف .
وإن كان فيهم صغير وكبير غائب وكبير حاضر فعزل الوصي نصيب الكبير الغائب مع نصيب الصغير وقاسم الكبار الحضور فهو جائز في العقار وغيرها في قول أبي حنيفة - C .
ولا يجوز في قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - على الكبير الغائب في العقار وهذه تنبني على ما بيناه في كتاب الشفعة أن عند أبي حنيفة بثبوت ولايته في نصيب الصغير يملك بيع جميع التركة من العقار وغيره .
وعندهما لا يملك البيع إلا في نصيب الصغير فكذلك القسمة لأن فيها معنى البيع وكذلك الحكم في وصي الذمي لأنه في ملك التصرف كوصي المسلم فإن كان الوصي ذميا والميت ورثته مسلمين فإنه يخرج من الوصية لأن في الوصية نوع ولاية ولا ولاية للكافر على المسلم .
وإن قاسم على الصغير قبل أن يخرج جازت قسمته مثل قسمة الوصي المسلم لأن القسمة تصرف منه كسائر التصرفات والإنابة في التصرف بعد الموت كالإنابة في الحياة بالوكالة .
ولو وكل المسلم ذميا بالتصرف نفذ تصرفه عليه فكذلك إذا جعله وصيا في التصرف بعد موته قلنا ينفذ تصرفه بطريق النيابة ما لم يخرج من الوصاية لاعتبار معنى الولاية .
وكذلك لو كان الوصي عبدا لغير الميت فهو وصي نافذ التصرف بطريق النيابة بمنزلة ما لو وكله في حياته حتى يخرجه القاضي من الولاية فالرقيق ليس من أهل أن تثبت له الولاية على غيره لأنه لا ولاية له على نفسه وإنما يتعدى إلى الغير عند وجود شرط التعدي ما كان للمرأ من الولاية على نفسه ولا تجوز قسمة الكافر والمملوك على الولد الصغير الحر المسلم كما لا تجري عليه سائر تصرفاته لأنه لا ولاية له عليه وهو ليس بنائب عن الصغير في التصرف لينفذ بطريق النيابة ويجعل كتصرف المنوب عنه ولا يجوز قسمة الحربي المستأمن على ابن صغير له ذمي لأن الذمي من أهل دارنا ولا ولاية للحربي على من هو من أهل دارنا ويجوز على ابن له مثله لثبوت ولايته عليه قال الله تعالى : { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } ( الأنفال : 73 ) الآية ولا تجوز قسمة المرتد إذا قتل على ردته على ولد له صغير مثله مرتد لأنه لا ولاية له عليه ولأنه لا ولاية له على التصرف في ماله إذا قتل على ردته حتى تبطل قسمته لنفسه وسائر تصرفاته إذا قتل على الردة في قول أبي حنيفة - C - ففي حق ولده الصغير أولى والمعتوه المغلوب بمنزلة الصغير في جميع ما وصفنا لأنه لا ولاية له على نفسه وهو محتاج إلى تصرف الولي له كالصغير .
وأما المبرسم والمغمى عليه والذي يجن ويفيق فلا تجوز عليه القسمة إلا برضاه أو وكالته في حال إفاقته لأن بهذه العوارض لا تزول ولايته عن نفسه فلا يصير موليا عليه وإذا كان يجوز تنفيذ التصرف له وعليه برأيه في حال إفاقته بطريق التوكيل فلا حاجة إلى إقامة رأي الولي مقام رأيه بخلاف الصغير والمعتوه فإنه لا يمكن تنفيذ التصرف له وعليه باعتبار رأيه في ذلك فأقمنا رأي الولي مقام رأيه لتحقق الحاجة .
وأهل الذمة في القسمة بمنزلة أهل الإسلام إلا في الخمر والخنزير يكون بينهم فأراد بعضهم قسمتها وأبى بعضهم فإني أجبرهم على القسمة كما أجبرهم على قسمة غيرها لأن الخمر والخنزير مال متقوم في حقهم كالخل والغنم في حق المسلمين .
وإن اقتسموا فيما بينهم خمرا وفضل بعضهم بعضا في كيلها لم يجز الفضل في ذلك فيما بينهم لأنه مال الربا فإنه مكيل أو موزون وفي حكم الربا هم يستون بالمسلمين فهو مستثنى من عقد الذمة .
وإذا كان وصي الذمي مسلما كرهت له مقاسمة الخمر والخنزير ولكنه يوكل من يثق به من أهل الذمة فيقاسم الصغير ويبيع ذلك بعد القسمة لأن المسلم ممنوع من التصرف في الخمر والخنزير والقسمة نوع تصرف فينبغي أن يفوض ذلك إلى ذمي ولا يشكل جواز ذلك على أصل أبي حنيفة - C - لأنه يجوز للمسلم أن يوكل الذمي بالتصرف له في الخمر والخنزير وكذلك على قولهما هنا لأن الوكيل نائب عن الصغير وحكم تصرفه يثبت للصغير .
( ألا ترى ) أنه يرجع بما يلحقه من العهدة في مال الصغير والوصي فيما يأمر من ذلك كالقاضي وأمر القاضي الذمي بالبيع والقسمة في خمور يتامى أهل الذمة صحيح فكذلك أمر الوصي به .
وإن وكل الذمي المسلم بقسمة ميراث فيه خمر وخنزير لم يجز ذلك من المسلم كما لا يجوز بيعه وشراؤه في الخمر والخنزير لأنه إنما يتصرف للغير بوكالته في مال يجوز له أن يتصرف فيه لنفسه لو كان مملوكا له وليس للمسلم الوكيل أن يوكل بقسمة ذلك غيره لأن الموكل لم يرض برأي غيره فيه فإن فوض ذلك إليه فوكل ذميا به جاز .
وإذا أسلم أحد الورثة فوكل ذميا بمقاسمة الخمر والخنزير مع سائر الورثة جاز في قول أبي حنيفة - C - ولم يجز في قولهما لأن في القسمة معنى البيع فهو كالمسلم يوكل الذمي ببيع الخمر والخنزير .
ولو أخذ نصيبه من الخمر فجعله خلا كان المسلم ضامنا لحصة شركائه من الخمر التي خللها لأن القسمة لم تصح عندهما كما لو باشر بنفسه فإنما قبض نصيب شركائه من الخمر بحكم عقد فاسد وقد خللها فيكون ضامنا لنصيبهم من القيمة ويكون الخل له .
وإذا كان في تركة الذمي خمرا وخنزير وغرماؤه مسلمون وليس له وصي فإن القاضي يوكل ببيع ذلك رجلا من أهل الذمة فيبيعه ويقضي به دين الميت لأن من يأمره القاضي يكون نائبا عن الميت ولهذا يرجع بما يلحقه من العهدة في مال الميت والميت كافر فيجوز بيع الذمي خمرة على سبيل النيابة عنه والغرماء إنما يقبضون الثمن بدينهم لا أن يكون بيع قيم القاضي واقعا لهم والمكاتب كالحر في القسمة لأنه من صنيع التجار وفيها معنى المعاوضة كالبيع .
وإن عجز بعد القسمة لم يكن لمولاه فسخها لأن القسمة تمت في حال قيام الكتابة فهو كبيع أو شراء أتمه المكاتب ومقاسمته مع مولاه جائزة لأنه في التصرف مع المولى بيعا أو شراء كأجنبي آخر فكذلك المقاسمة .
ولا تجوز مقاسمة المولى على المكاتب بغير رضاه سواء كان المكاتب حاضرا أو غائبا لأنه في حكم التصرف في كسبه كأجنبي آخر فإن فعل ذلك ثم عجز المكاتب وصار ذلك لمولاه لم تجز تلك القسمة كما لا ينفذ سائر تصرفاته بعجز المكاتب لأنه حين تصرف كان هو من كسب المكاتب كالأجنبي .
وإن وكل المكاتب بالقسمة وكيلا ثم عجز أو مات لم يجز لوكيله أن يقاسم بعد ذلك لأن الوكيل نائب عن الموكل وقد زالت ولاية الموكل بعجزه وبموته حتى لا ينفذ منه هذا التصرف بعد العجز لو باشره لنفسه فكذلك من وكيله .
وإن أعتق فهو على وكالته لأن ولايته بالعتق ازدادت قوة فتصرف الوكيل له بعد عتقه كتصرفه بنفسه .
وإن أوصى المكاتب عند موته إلى وصي فقاسم الوصي ورثة المكاتب الكبار لولده الصغير وقد ترك وفاء فإن قسمته في هذا جائزة على ما تجوز عليه قسمة وصي الحر لأنه يؤدي كتابته ويحكم بحريته حال حياته وكأنه أدى الكتابة بنفسه ثم مات فيكون وصيه في التصرف على ولده الصغير كوصي الحر .
وقال في الزيادات : وصيه بمنزلة وصي الحر في حق الابن الكبير الغائب حتى يجوز قسمته فيما سوى العقار .
وما ذكر هناك أصح لأنه لا يثبت للمكاتب على ولده الصغير ولاية مطلقة وإن استندت حريته إلى حال حياته لأنه في تلك الحال مشغول بنفسه لا يمكنه أن ينظر إلى الولد فلا تثبت له الولاية وإنما تثبت الولاية المطلقة للوصي إذا كان للموصي ولاية مطلقة .
( ألا ترى ) أن وصي الأخ والعم لا يثبت له من الولاية إلا قدر ما كان للموصي فهنا أيضا كان للموصي على ولده الصغير المولود في الكتابة من الولاية ما يرجع إلى الحفظ ولا ولاية له عليه فوق ذلك فكذلك وصيه بعد موته وما زاد على هذا من البيان قد ذكرناه في إملاء شرح الزيادات وإن لم يترك وفاء فقاسم الوصي الولد الكبير للولد الصغير وقد سعوا في المكاتبة لم يجز لأنه لا ولاية له على الولد الصغير فإنه مكاتب للمولى إذا اختار المضي على الكتابة .
فإن أدوا المكاتبة قبل أن يردوا القسمة أجزت القسمة لأنهم لما أدوا الكتابة حكم بعتق المكاتب وكان وصيه كوصي الحر على هذه الرواية حتى يملك استئناف القسمة فكذلك تنفذ تلك القسمة منه لأنه لا فائدة في الاشغال بنقض قسمة يحتاج إلى إعادتها والعبد التاجر بمنزلة الحر في القسمة لأنه من صنيع التجار وهو نظير البيع فإذا قاسم العبد التاجر عبدا تاجرا مثله وهما لرجل واحد جاز ذلك إن كان عليهما دين أو على أحدهما .
وإن لم يكن على واحد منهما دين فقسمتهما باطلة بمنزلة البيع والشراء وهذا لأن كسبهما لمالك واحد والقسمة في مال هو خالص لمالك واحد لا تتحقق ولأن مقاسمة كل واحد منهما مع عبد مولاه كمقاسمته مع مولاه .
ولو كانا مكاتبين لرجل واحد جازت قسمتهما لأن كل واحد من المكاتبين في كسبه بمنزلة الحر في التصرف ولا ملك للمولى في كسب واحد منهما .
فإن قاسم العبد التاجر مولاه دارا وعليه دين جازت القسمة وإن لم يكن عليه دين لم تجز القسمة لأن المولى من كسب عبده المديون بمنزلة الأجنبي في التصرف وإن تصرف العبد لغرمائه .
وكذلك لو كانت الدار بين العبد ورجل آخر فقاسم مولى العبد الشريك بغير رضاء العبد فإن لم يكن على العبد دين فهو جائز .
وإن كان عليه دين قليل أو كثير لم يجز إلا أن يسلمه العبد بمنزلة سائر تصرفات المولى في كسبه .
وإن قاسم العبد التاجر رجلا أجنبيا دارا بغير أمر مولاه وعليه دين أو لا دين عليه فهو جائز لأنه من نوع التجارة وقد استفاده بمطلق الإذن في التجارة ولا تجوز قسمة العبد المحجور عليه بغير أمر من المولى .
والحاصل أن القسمة تصرف كالبيع والشراء فإنما تصح ممن يملك البيع والشراء في ذلك المحل .
ولو كان عبد بين رجلين أذن له أحدهما في التجارة فاشترى هو ورجل آخر دارا جاز ذلك في حصة الذي أذن له لأن الإذن فك الحجر وقد ثبت ذلك في نصيب الذي أذن له فينفذ تصرفه باعتباره في حصته كما لو كاتب أحد الشريكين نصيبه من العبد .
وإن قاسم العبد شريكه فهو جائز كما لو باع نصيبه من شريكه أو من غيره جاز ذلك لثبوت حكم انفكاك الحجر في نصيب الإذن منه .
ولو كانت دار بينه وبين مولاه الذي لم يأذن له فقاسمها إياه جاز ذلك لأن نفوذ تصرفه مع الأجنبي بسبب انفكاك الحجر عنه في نصيب الإذن والمولى الذي لم يأذن له من نصيب الإذن كالأجنبي وهو نظير ما لو كاتبه أحد الموليين على نصيبه بإذن شريكه فإنه تجوز قسمته وسائر تصرفاته باعتبار هذا الفك مع الأجنبي ومع المولى الآخر فكذلك بعد الإذن من أحدهما له في التجارة والله أعلم بالصواب