قال - C - ( اقتسم الورثة دارا لميت وعليه دين ردت القسمة قليلا كان الدين أو كثيرا أما إذا كان الدين مستغرقا للتركة فلان الورثة لا يملكون التركة ولا ينفذ تصرفهم فيها والقسمة تصرف بحكم الملك وأما إذا قل الدين فلأنه شاغل لكل جزء من التركة ولأن القسمة للإحراز ولا يسلم للوارث شيء من التركة إلا بعد قضاء الدين فهذه قسمة قبل أوانها أنها فهو كقسمتهم في حياة الميت فإن كان للميت مال سوى ذلك بعته في الدين ونفذت القسمة ) لأن كل مال الميت محل لقضاء الدين والمانع للقسمة قيام حق الغريم فإذا وصل إليه حقه من محله زال المانع من نفوذ القسمة وكذلك إن لم يكن للميت مال سوى ذلك فأدى الورثة الدين من أموالهم على قدر مواريثهم أو إبراء الغريم الميت من الدين جازت القسمة لزوال المانع أما بوصول حقه إليه أو بسقوط دينه بالإبراء وكما أن سائر تصرفات الورثة في التركة تنفذ إذا وصل إلى الغريم حقه فكذلك القسمة .
وإذا كان فيه وصية بالثلث لم تجز قسمة الوصي والورثة على الموصى له الغائب بغير قضاء قاض لأن الموصى له بالثلث شريك الورثة في عين التركة حتى لو أراد إيفاء حقه من محل آخر لم يملكوا ذلك .
فإن كان هو غائبا وليس عنده خصم حاضر لم تجز القسمة والوصي لا يكون خصما عن الموصى له لأنه قائم مقام الميت والملك الثابت للموصى له ملك متجدد والوصي إنما ينتصب خصما عمن يكون خلف الميت في الملك الذي كان ثابتا للميت فلهذا يجوز قسمة الوصي مع الموصى له على الورثة ولا تجوز قسمته مع الورثة على الموصى له وإنما تنظر القسمة بغير قضاء قاض لأن القاضي إذا كان هو الذي قسم بعد قضائه لمصادفته موضع الاجتهاد وثبوت الولاية له على الموصى له الغائب فيما يرجع إلى النظر له .
وإذا اقتسم الورثة دارا وفيهم وارث غائب وليس للميت وصي ولا للغائب وكيل ثم قدم الغائب فله أن يبطل القسمة وكذلك الصغير إذا كبر لأنه لا ولاية للحضور مع الورثة على الغائب والصغير خصوصا في تصرفهم مع أنفسهم والقسمة بهذه الصفة وما ينقل وما لا ينقل في ذلك سواء .
وإن كان شيء من ذلك ميراثا بين قوم ولا دين على الميت ولا وصية ثم مات بعض الورثة وترك عليه دينا أو أوصى بوصية أو كان له وارث غائب أو صغير ولا وصي له فاقتسم الورثة الدار بغير قضاء قاض فللغرماء أن يبطلوا القسمة .
وكذلك أهل الوصية والوارث الغائب والصغير لأن لهم شركة فيما اقتسموا من التركة إما في العين أو في المالية ولم يكن عنهم خصم حاضر ولأنهم قائمون مقام الميت الثاني في حصته .
ولو كان حيا غائبا لم تنفذ قسمتهم عليه إن لم يحضر عنه خصم فكذلك بعد موته .
وإذا اقتسم الورثة دارا بينهم وأشهدوا على أنفسهم بالقسمة ثم ادعت امرأة الميت مهرها وأقامت عليه البينة فلها أن تنقض القسمة ولا يكون قسمتها وإقرارها بالميراث خروجا من دينها لأن دين الوارث كدين أجنبي آخر وللورثة أن يقضوا الدين من مال آخر لهم فيستخلصوا التركة لأنفسهم فهي إنما وافقت معهم في القسمة على أن يقضوا مهرها من محل آخر فلا يكون ذلك منها إبراء للميت عن المهر ولا إقرارا بأنه لا دين لها ويكون لها أن تنقض القسمة لأن القسمة لا تنفذ إلا بشرط قضاء الدين وإجازة الغريم القسمة قبل أن يصل إليه الدين لا يكون معتبرا بل وجود ذلك كعدمه لأن تقديم قضاء الدين لحق الميت لا لحق الغريم خاصة .
فإذا لم يقضوا دينها كان لها أن تنقض القسمة .
وكذلك لو ادعى وارث آخر دينا على الميت فهو والمهر سواء .
ولو أن وارثا ادعى وصية لابن له صغير له الثلث وأقام البينة وقسموا الدار فإن هذه القسمة لا تبطل حق ابنه في الوصية لأن الأب لو أراد أن يرد هذه الوصية أو يبطل حق ابنه عنها بعد موت الموصي لا يملك ذلك فكذلك مشاهد الورثة على القسمة لا يبطل حق ابنه في الوصية إلا أن الأب ليس له أن يطلب وصية ابنه ولا أن يبطل القسمة لأن القسمة تمت به ومن سعى في نقض ما قد تم ضل سعيه وإقدامه على القسمة معهم إقرار بأنه لا وصية لابنه لما بينا أن الموصى له بالثلث شريك الورثة في العين فالقسمة لا تصح بدون تميز حقه فيكون اقدامه على القسمة مع الورثة إقرارا بأنه لا وصية لابنه بخلاف الدين فإن قضاء حق الغريم من محل آخر جائز ولا يصير هو بدعوى الدين بعد القسمة مناقضا أو ساعيا في نقض ما قد تم به ويصير بدعوى الوصية لابنه مناقضا في كلامه فلا تسمع دعواه وللابن إذا كبر أن يطلب حقه ويرد القسمة .
وإذا كانت الدار ميراثا بين قوم فاقتسموها على قدر ميراثهم من أبيهم ثم ادعى أحدهم أن أخا له من أبيه وأمه قد ورثاه معهم وأنه مات بعد ابنه فورثه هو وأراد ميراثه منه وقال إنما قسمتهم لي ميراث من أبي ولم يكتبوا في القسمة أنه لا حق لبعضهم فيما أصاب البعض وأقام البينة على ذلك لم تقبل بينته ولم تنقض القسمة لأنه لما ساعدهم على القسمة وقد أقر أن جميع الدار ميراث بينهم من الأب فيكون في دعواه أن بعض الدار لأخيه مناقضا وهو بهذا الكلام يسعى في نقض ما قد تم به لأن تمام القسمة كان برضاه .
وإن كانوا كتبوا في القسمة أنه لا حق لبعضهم فيما أصاب البعض فهو أبقى لدعواه ومراده من قوله ولم يكتبوا إزالة الإشكال وبيان التسوية في الفصلين في الجواب فكذلك لو أقام البينة أنه اشتراها من ابنه في حياته أو أنه وهبها له وقبضها منه أو أنها كانت لأمه ورثها منها لم تقبل بينته لأنه مناقض في كلامه شارع في نقض ما قد تم به .
وإذا كانت القرية ميراثا بين ثلاثة نفر من أبيهم فمات أحدهم وترك ابنا كبيرا فاقتسم هو وعماه القرية على ميراث الجد وقبض كل واحد منهم حصته ثم أن ابن الابن أقام البينة على أن الجد أوصى له بالثلث لم تقبل بينته لأنه لما ساعدهم على القسمة فقد أقر أنه لا وصية له فيها فكان هو في دعوى الوصية بعد ذلك مناقضا .
ولو ادعى لنفسه دينا على ابنه وأقام البينة على هذا الدين كان له أن يبطل القسمة لما بينا أن مساعدته إياهم على القسمة لا تكون إقرارا على أنه لا دين على ابنه وإنما ساعدهم على القسمة ليتبين نصيب الابن فستوفي دينه منه .
( ألا ترى ) أن الدين لو كان لغيره فأجاز الغريم القسمة كان ذلك باطلا وكان له أن يبطل القسمة فكذلك الوارث إذا كان هو الغريم ومعنى هذا أنه لا معتبر بإجازة الغريم في القسمة لأن المانع من نفوذها قيام دينه وذلك لا يختلف بإجازته وعدم إجازته فلا يكون هو في دعوى الدين ساعيا في نقض ما قد تم به بخلاف ما إذا ادعى الشركة في العين بالوصية بالثلث فالقسمة هناك تتم برضاه كما لو كان الموصى له أجنبيا آخر فيكون هو في دعوى الوصية ساعيا في نقض ما قد تم به .
وإذا ادعى الوارث أنه كان اشترى نصيب أبيه منه في حياته بثمن مسمى ونقده الثمن وأقام البينة على ذلك فهو جائز ولا يبطل ذلك بالقسمة لأنه خصم في نصيبه سواء كان شراء أو ميراثا وقد تمت القسمة بحضرته ورضاه .
وإذا كانت الأرض ميراثا بين قوم فاقتسموها وتقابضوا ثم أن أحدهم اشترى من الآخر قسمه وقبضه ثم قامت البينة بدين على الأب فإن القسمة والشراء جميعا يبطلان وكذلك لو اشتراه غير وارث لأن القسمة والشراء كلاهما تصرف في الوارث في التركة فلا ينفذ مع قيام الدين .
وإذا ورث ثلاثة نفر عن أبيهم دارا فاقتسموها أثلاثا وتقابضوا ثم أن رجلا غريبا اشترى من أحدهم قسمه وقبضه ثم جاء أحد الباقين فقال أنا لم أقسم فاشترى منه الثلث من جميع الدار ثم جاء الثالث فقال قد اقتسمناها وأقام البينة على ذلك وصدقه البائع الأول وكذبه الثاني وقال المشتري لا أدري أقسمتم أم لا فالقسمة جائزة لأنها تثبت بحجة أقامها من هو خصم والثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة ثم القسمة بعد تمامها لا تبطل بجحود بعض الشركاء ويتبين أن الأول باع نصيب نفسه خاصة فكان بيعه صحيحا وأما الثاني إنما باع ثلث الدار شائعا ثلث ذلك من قسمه وثلثا ذلك من نصيب غيره وإنما ينفذ بيعه في نصيبه خاصة ويتخير المشتري فيه إن شاء أخذ ثلث قسمه بثلث الثمن وإن شاء ترك لتفرق الصفقة عليه ولا يقال ينبغي أن ينصرف بيعه إلى نصيبه خاصة لتصحيح عقده لأنه ملكه في منزل معين وهو إنما باع ثلث الدار شائعا فلا يمكن تنفيذ ذلك البيع في منزل معين بخلاف ما قبل القسمة فإنه إذا باع ثلث الدار فإنه ينصرف بيعه إلى نصيبه لأن نصيبه ثلث شائع في جميع الدار كما باعه .
ولو كان المشتري أقر في الشراء الأول بالقسمة وأقر في الشراء الآخر أنها لم تقسم والمسألة على حالها كان القضاء بينهم على ما وصفته لأن في إثبات القسمة بينهم هم الخصماء ولا قول للمشتري في ذلك ولأن المشتري في كلامه الثاني مناقض وقول المناقض غير معتبر في حق غيره ولكنه معتبر في حقه حتى إذا رد البيع الثاني فإنه يرد عليه من نصيب الأول ثلثه لأن أقر به له وكأنه جحده في الكلام الأول ولكن الإقرار بعد الجحود صحيح .
وإن أمضى البيع لزمه ثلثا الثمن بثلث نصيب الأول وثلث نصيب الثاني لأن زعمه معتبر في حقه فبقدر ما يسلم له بزعمه يلزمه ثلثه وقد سلم له بزعمه ثلثا ما اشتراه من الثاني ويرجع بثلث الثمن حصة نصيب الثالث لأن ذلك لم يسلم له ويبقى في يد البائع الثاني ثلثا قسمه الذي أصابه لأن المشتري منه ما سلم إليه ذلك القسم إلا الثلث .
وإذا أقر الرجل أن فلانا مات وترك هذه الأرض وهذه الدار ميراثا ثم ادعى بعد ذلك أنه أوصى له بالثلث فإني أقبل منه البينة على ذلك ولا يخرجه قوله هذا من وصيته وكذلك لو ادعى دينا قبله لأن محل الدين والوصية التركة وبعد الموت توصف التركة بأنها ميراث .
وإن كان فيها دين أو وصية على معنى أنه كان ملكا للميت إلى وقت موته وأنه ميراث لورثته إذا سقط الدين أو رد الموصى له فلا يكون هو في دعوى الدين والوصية مناقضا في كلامه بخلاف ما إذا ادعى شراء من الميت أو هبة أو صدقة فإنه لا يسمع دعواه ولا تقبل بينته على ذلك لأنه مناقض في كلامه فإن التركة اسم لما كان ملكا للمورث إلى وقت موته والمشتري منه في حياته لا يكون مملوكا عند موته .
وكذلك لو أقر أنها ميراث من غير أبيه فذلك غير مسموع منه للتناقض وإذا اقتسما القوم دارا ميراثا عن الميت والمرأة مقرة بذلك وأصابها الثمن وعزل لها على حدة ثم ادعت أنه أصدقها إياها وأنه اشتراها بصداقها فإنه لا يقبل ذلك منها لأنها لما ساعدتهم على القسمة فقد أقرت أنها كانت للزوج عند موته وصار ميراثا فيما بينهم فهي مناقضة في هذه الدعوى بعد ذلك .
وكذلك إذا اقتسموا فأصاب كل إنسان طائفة بجميع ميراثه عن أبيه ثم ادعى أحدهم في قسم الآخر بناء أو نخلا زعم أنه هو الذي بناه أو غرسه وأقام البينة بذلك لم يقبل منه لأنه قد سبق منه الإقرار أن جميع ذلك ميراث لهم من الأب لأن هذا القسم صار ميراثا لأخيه من أبيه وذلك يمنعه من دعوى الملك لنفسه لا من جهة أبيه .
ولو اقتسموا دارا أو أرضا فيها زرع ونخيل حامل ولم يذكروا الحمل في القسمة وإنما أشهدوا بما أصاب كل واحد منهم بميراثه من أبيه فإن الزرع والثمار لا يدخلان في هذه القسمة حتى كان لكل واحد منهم أن يطلب نصيبه منها لأن القسمة في هذا كالبيع وقد بينا أن الثمار والزرع لا يدخلان في البيع إن لم يشترط بكل قليل وكثير هو منه أو فيه فكذلك لا يدخلان في القسمة .
ولو كانت للدار والأرض غلة من إجارة كانت أو من ثمن ثمرة دين على رجل لم يدخل ذلك في القسمة لأنه غير متصل بما جرت القسمة بينهم فيه وبقي ذلك بينهم على المواريث ولو شرطوا ذلك في قسم رجل كانت القسمة فاسدة لأن كل واحد منهم يصير مملكا نصيبه من ذلك الدين ممن شرط له بما يملك عليه من نصيبه من العين وتمليك الدين من غير من عليه الدين بعوض لا يجوز .
ولو اقتسموا على أن ضمن أحدهم دينا على الميت مسمى كان هذا باطلا إذا كان في أصل القسمة لأن القسمة كالبيع .
ولو شرط على المشتري في البيع أن يضمن دينا على البائع كان باطلا فكذلك إذا شرط في القسمة وإن ضمنه بغير شرط في القسمة على أن لا يبيع الوارث الميت ولا ميراثه بشيء من ذلك وعلى أن يبرئ الغرماء الميت كان هذا جائزا إن رضي الغرماء بضمانه كما لو ضمنه أجنبي آخر بشرط براءة الميت ورضي الغرماء بذلك وهذا لأن المانع من القسمة قيام الدين على الميت وقد زال ذلك .
فإن أبى الغرماء أن يقبلوا ضمانه فلهم نقض القسمة لقيام دينهم على الميت وهو مانع من نفوذ القسمة .
وإن تراضوا بضمانه وأبرؤا الميت ثم نوى المال عليه رجعوا في مال الميت حيث كان لأنهم أبرءوه بشرط وهو أن يسلم لهم دينهم من جهة الضامن .
فإذا لم يسلم كانوا على حقهم في اتباع تركة الميت بمنزلة المحتال عليه إذا مات مفلسا فإن الدين يعود إلى ذمة المحيل والله أعلم بالصواب