قال - C - ( ذكر عن عكرمة - Bه - عن رسول الله - A - أنه قال : ( إذرعوا الطريق سبعة أذرع ثم ابنوا ) وبظاهر هذا الحديث يأخذ بعض العلماء - رحمهم الله - فيقول عند المنازعة بين الشركاء في الطريق ينبغي أن يقدر الطريق سبعة أذرع ولسنا نأخذ بذلك ) لأن هذا خبر واحد فيما تمم به البلوى وقد ظهر عمل الناس فيه بخلافه فإنا نرى الطريق التي اتخذها الناس في الأمصار متفاوتة في الذرع .
ولو كان الحديث صحيحا لما اجتمع الناس على ترك العمل به لأن المقدار الثابت بالشرع لا يجوز لأحد أن يتجاوزه إلى ما هو أكثر منه أو أقل ثم يحمل الحديث على تأويل وهو أنه كان ذلك في حادثة بعينها وراء حاجة الشركاء إلى ذلك القدر من الطريق فأمرهم أن يتركوا ذلك القدر ويبنوا فيما وراء ذلك لبيان المصلحة لهم في ذلك لا لصيب مقدار في الطريق شرعا .
وإذا كانت الدار بين رجلين فأراد قسمتها وفيها طريق لغيرهما فأراد صاحب الطريق أن يمنعهما من القسمة ليس له ذلك ويترك الطريق عرضه عرض باب الدار الأعظم وطوله من باب الدار إلى باب الذي له الطريق ويقسم بقية الدار بين الرجلين على حقوقهما لأنه لا حق لصاحب الطريق في بقية الدار ويترك الطريق بينهما نصفين على ما كان عليه جميع الدار بينهما قبل القسمة فإن رقبة الطريق ملكهما ولم يباشر فيه قسمة فيبقى على ما كان بينهما قبل القسمة ولصاحب الطريق ممره في ذلك وإنما جعل الطريق بعرض باب الدار لأن ذلك طريق متفق عليه فإليه يرد المتنازع فيه ولأنه لا فائدة له في الزيادة على ذلك لأنه إنما يحمل في الطريق ما يدخله من باب الدار إلى باب داره فيكفيه لذلك طريق عرضه عرض باب الدار الأعظم وطوله إلى باب داره وليس لهم قسمة هذا الطريق إلا أن يتراضوا بينهم جميعا لأن حق التطرق فيه مستحق لصاحب الطريق فكما لا يكون لصاحبي الدار أن يفوتا ذلك عليه بالبناء فكذلك لا يكون لهما أن يفوتا ذلك عليه بالقسمة .
وإن باعوا هذه الدار وهذا الطريق برضا منهم جميعا اقتسموا الثمن يضرب فيه صاحب الأرض بثلث الطريق وصاحب الممر بالثلث لأن المقصود بالطريق المرور فيه وصاحب الممر في ذلك مساوي للشريكين في رقبة الطريق بحق مستحق له فساواهم أيضا في ثمن حصة الطريق .
وكان الكرخي - C - يقول تأويل هذه المسألة إذا كان هو شريكا في أصل الطريق فأما إذا كان له حق الممر ولا شركة له في أصل الطريق فلا حصة له من أصل الثمن لأن الثمن بمقابلة العين دون المنفعة فيختص به مالك العين وقد كان لصاحب الممر حق في المنفعة دون العين فإن رضي بالبيع كان ذلك منه رضا بسقوط حقه فلا يكون في له الثمن شركة .
( ألا ترى ) أن بيع الممر وحده بدون رقبة الطريق لا يجوز فتبين بهذا أن شيئا من الثمن لا يقابل ما هو حق صاحبب الممر .
عن محمد - C - أنه قال لصاحب الممر مقدار حقه من الثمن وبيان ذلك أن الطريق بين الشريكين إذا كان فيه حق الممر لآخر يكون قيمة ملكهما أنقص منه إذا لم يكن لغيرهما حق الممر فيه فقد رد ذلك النقصان حق صاحب الممر بقيمة الطريق مع ذلك النقصان بين الشريكين نصفين فيضرب كل واحد منهم في الثمن عند البيع بمقدار حقه .
والأصح ما ذكر في ظاهر الرواية لأنه لا مقصود في الطريق إلا الممر والمالية والتقوم باعتبار المقصود ولأجله يجوز البيع فإذا استووا في ذلك كان حق كل واحد منهم مستحقا على سبيل التأبيد ولا يتم البيع إلا برضاهم فلهذا قلنا بأنهم يستوون في الثمن .
وإن كان في الدار مسيل ماء لرجل فأراد أصحابها قسمتها لم يكن لصاحب المسيل منعهم من القسمة ولكن يتركون له مسيله وهذا والطريق سواء فيما بينا من المعنى .
وإن كان فيها طريق لرجل وطريق لآخر من ناحية أخرى فإنه يعزل طريق واحد عرضه عرض باب الدار إلى باب كل واحد منهما ويقسم ما بقي من الدار بين أهلها لأن مقصود كل واحد من صاحبي الطريق التطرق فيه إلى ملكه ويتوفر هذا المقصود على كل واحد منهما بطريق واحد من باب الدار عرضه باب الدار إلى الموضع الذي يفترق فيه طريق كل واحد منهما إلى باب داره فكل واحد منهما في المطالبة بطريق له خاص من باب الدار الأعظم يكون متعنتا فلا يلتفت إلى تعنته ولكن إلى الموضع الذي يفترق الطريق بهما يترك لهما طريقا واحدا ثم من ذلك الموضع لكل واحد منهما الطريق إلى باب داره .
وإن كان باب صاحب الدار أعظم من باب الدار الأعظم لم يكن له من عرض الطريق إلا بمقدار عرض باب الدار لأن مالا يدخل في باب الدار الأعظم لا يتمكن هو من حمله في هذا الطريق فإن كان أوسع من باب الدار الأعظم .
وكذلك إن كانت صفة لرجل في دار رجل وطريقها إلى باب الدار لم يكن على أهل باب الدار أن يتركوا له من الطريق إلا قدر عرض باب الدار دون عرض باب الصفة ولو كان له منزل بطريقه في الدار فقسمت الدار وترك له الطريق فأراد أن يفتح من منزله إلى هذا الطريق بابين أو ثلاثة كان له ذلك لأن فتح الباب هدم بعض الحائط .
ولو أراد أن يرفع جميع الحائط لم يكن لأحد أن يمنعه من ذلك فكذا إذا أراد أن يفتح فيه بابين أو ثلاثة وهذا لأنه هو الذي يتطرق في هذا الطريق من أي باب دخل منه في منزله ولا يستحق ببابين إلا ما يستحقه بباب واحد فهو بهذا التصرف لم يزد على مقدار حقه فيما يستوفيه .
ولو كان هذا المنزل بين اثنين فقسماه بينهما وفتح كل واحد منهما بابا إلى الطريق كان لهما ذلك لأن لهما حق التطرق في هذا الطريق إلى منزلهما فلا فرق بين أن يتطرقا فيه من باب أو بابين .
وإن كان صاحب المنزل واحد فاشترى دارا من وراء هذا المنزل وفتحها إليه واتخذ لها طريقا في هذا المنزل وفي هذا الطريق فإن كان ساكن الدار والمنزل واحدا فله أن يمر من الدار في المنزل وفي الطريق المرفوع بينهم لأن له حق التطرق في هذا الطريق إلى منزله وبعد ما دخل منزله فلا يمنعه أحد من أن يدخل داره لأنه ينتقل من ناحية من ملكه إلى ناحية أخرى ولأنه لا ضرر على أهل الطريق إذا كان ساكن الدار والمنزل واحدا وإن كان للدار ساكن آخر لم يكن له أن يمر في هذا الطريق لأنه ما كان لصاحب الدار حق التطرق في هذا الطريق فليس له أن يحدث لنفسه فيه حقا وصاحب الممر يريد أن يستوفي من ملك الغير أكثر من حقه وليس له ذلك بخلاف ما إذا كان صاحب المنزل والدار واحدا .
وقد بينا الفرق بين الطريق والشرب في هذا ولو اختصم أهل الطريق في الطريق وادعى كل واحد منهم أنه له فهو بينهم بالسوية إذا لم يعرف أصله لاستوائهم في اليد على الطريق والاستعمال له ولا يجعل على قدر ما في أيديهم من ذرع الدار والمنزل لأن حاجة صاحب المنزل الصغير إلى الطريق كحاجة صاحب الدار الكبيرة وهذا بخلاف الشرب فإن عند اختلاف الشركاء فيه يجعل الشرب بينهم على قدر أراضيهم لأن الحاجة هناك تختلف بكثرة الأراضي وقلتها فيجعل ذلك بينهم على قدر حاجتهم عند اشتباه الأمر لاعتبار الظاهر وهنا حاجتهم إلى التطرق في الطريق سواء فلهذا يجعل الطريق بينهم سواء وبهذا تبين ما أشرنا إليه في المسألة الأولى أن صاحب المنزل بإضافة الدار المشتراة إلى منزله لا يثبت لنفسه زيادة حق في الطريق .
ولو كان يعتبر في قسمة الطريق ذرع ملك كل واحد منهم عند الاشتباه لم يكن لصاحب المنزل أن يضيف الدار المشتراة إلى منزله .
وإن عرف أصل الطريق كيف كان بينهم جعلته بينهم على ذلك لأن ما اعتبرناه نوع من الظاهر فإنما يصار إليه إذا لم تعلم حقيقة الحال بخلافه .
فإن كانت دارا لرجل ولآخر فيها طريق مات صاحب الدار واقتسم ورثته الدار بينهم ورفعوا الطريق لصاحب الطريق ولهم ثم باعوه فأرادوا قسمة ثمنه فلصاحب الطريق نصفه وللورثة نصفه لأن الورثة قائمون مقام المورث ولو كان هو حيا فباعاه كان الثمن بينهما نصفين فبموته وكثرة ورثته لا يزداد نصيبه ولا ينقص نصيب صاحب الطريق .
وإن لم يعرف أن أصل الدار بينهم ميراث وجحدوا ذلك قسم ذلك على عدد رؤوسهم ورأس صاحب الطريق لأنهم مستوون في الحق في الطريق وقد بينا أن البناء على الظاهر واجب ما لم يعلم خلافه وكل واحد منهما في الظاهر أصل في نصيب نفسه فيعتبر هذا الظاهر في قسمة ثمن الطريق بينهم .
وإذا كان في يد رجل بيت من الدار وفي يد آخر بيتان وفي يد آخر منزل عظيم وكل واحد منهم يدعي جميع الدار فلكل واحد منهم ما في يده لأن الظاهر يشهد له فيما في يده وساحة الدار بينهم أثلاثا لاستوائهم في اليد عليها .
فإن كل واحد منهم مستعمل للساحة بكسر الحطب فيها وغير ذلك من وجوه الانتفاع بالساحات .
وإن مات أحدهم عن ورثة كان لورثته ثلث الساحة لأنهم قائمون مقامه في ذلك وإن اقتسموا دارا ورفعوا طريقا بينهم صغيرا أو عظيما أو مسيل ماء لذلك فهو جائز لأنه صلح جرى بينهم عن تراض .
وإذا اقتسم القوم دارا وفيها كنيف شارع على الطريق الأعظم أو ظلة فليس يحسب ذرع الظلة والكنيف في ذرع الدار لأن ما تحت ذلك طريق هو حق لجماعة المسلمين فكيف يذرع ذلك في قسمة الدار بينهم .
( ألا ترى ) أن عند أبي حنيفة - C - لكل واحد من المسلمين أن يخاصم في رفع ذلك البناء .
وعندهما - رحمهما الله - إذا كان فيه ضرر للمسلمين فكذلك فعرفنا أنه لا حق للشركاء فيه إلا في نقض البناء فيعتبر قيمة ذلك في القسمة بينهم فأما أن يذرع مع ذرع الدار فلا .
ولو كانت الظلة على طريق غير نافذ قد كان ذرعها يحسب في ذرع الدار لأن حق قرار الظلة على ذلك الطريق مستحق لهم مشترك فهو بمنزلة علو في الدار سفله لغيرهم وقد بينا الاختلاف في كيفية القسمة في العلو والسفل بالذرع بين الشركاء والله أعلم