( قال ) - C - ( وإذا كانت الدار بين رجلين نصفين فاقتسماها فأخذ أحدهما الثلث من مقدمها وقيمته ستمائة وأخذ الآخر الثلثين من مؤخرها وقيمته ستمائة وهي ميراث بينهما ) أو شراء ثم استحق نصف ما في يدي صاحب المقدم فإن أبا حنيفة - C - قال : في هذا يرجع صاحب المقدم على صاحب المؤخر بربع ما في يده وقيمة ذلك مائة وخمسون درهما إن شاء وإن شاء نقض القيمة .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يرد ما في يده ويبطل القسمة فيكون ما بقي في أيديهما بينهما نصفين .
وفي رواية أبي حفص - C - ذكر محمد مع أبي حنيفة وهو الأصح فقد ذكر ابن سماعة أنه كتب إلى محمد يسأله عن قوله في هذه المسألة فكتب إليه أن قوله كقول أبي حنيفة - C .
وجه قول أبي يوسف - C أن استحقاق نصف ما في يد صاحب المقدم شائعا ظهر لهما شريك ثالث في الدار والدار المشتركة بين ثلاثة نفر إذا اقتسمها اثنان منهم لا تصح القسمة كما لو استحق المستحق ربع الدار شائعا يوضحه أن استحقاقه الدار وإن كان من نصيب صاحب المقدم خاصة فذلك يؤدي إلى الشيوع في الكل لأنه إذا أخذ المستحق نصف ما في يد صاحب المقدم رجع بحصته ذلك فيما في يد صاحب المؤخر فيكون ذلك بمنزلة ما لو كان المستحق جزءا شائعا في الكل .
وجه قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - أن القسمة في معنى البيع واستحقاق بعض المبيع لا يبطل البيع فيما بقي ولكن يثبت الخيار للمشتري بين نقض البيع في الباقي وبين الرجوع بعوض المستحق كما لو اشترى نصف داره فاستحق ذلك النصف فكذلك في القسمة ولئن كان بطريق التمييز فهو أبعد عن الانتقاض فيما بقي باستحقاق بعضه وهذا لأن ما تبين بالاستحقاق لا يمنع ابتداء القسمة .
فإنه لو كان مؤخر الدار بين شريكين ولهما شريك ثالث في نصف المقدم بنصفه فاقتسما على أن أخذ أحدهما نصيبهما من النصف المقدم مع ربع النصف المؤخر وأخذ الآخر ما بقي كان جائزا وما لا يمنع ابتداء القسمة لا يمنع بقاءها بطريق الأولى بخلاف ما إذا كان المستحق جزءا شائعا في جميع الدار لأن استحقاق ذلك لو كان ظاهرا لم تجز القسمة بينهما ابتداء فكذلك لا يبقى وبهذا تبين أن هذا بمنزلة ما لو استحق من المقدم بيت بعينه فكما أن هناك لا تبطل القسمة فيما بقي فكذلك هنا وإنما يرجع صاحب المقدم على شريكه بربع ما في يده إذا اختار إمضاء القسمة لأنه لو استحق جميع المقدم رجع على شريكه بنصف ما في يده .
فإذا كان المستحق نصفه يرجع عليه بنصف نصف ما في يده يوضحه أن جميع قيمة الدار ألف ومائتي درهم وباستحقاق نصف المقدم يتبين أن المشترك بينهما تسعمائة فحق كل واحد منهما في أربعمائة وخمسين والذي بقي في يد صاحب المقدم يساوي ثلثمائة وما في يد صاحب المؤخر يساوي ستمائة فيرجع عليه بربع ما في يده وقيمته مائة وخمسون حتى يسلم لكل واحد منهما ما يساوي أربعمائة وخمسين .
فلو كان صاحب المقدم باع نصف ما في يده واستحق النصف الباقي فإنه يرجع في قول أبي حنيفة - C - على صاحبه بربع ما في يده إن كان الذي باع ألف درهم أو بعشرة دراهم .
وعند أبي يوسف - C - يرجع فيما في يد صاحبه من الدار فيكون بينهما نصفين ويضمن نصف قيمة ما باع لصاحبه .
وفي قول محمد - C - اضطراب كما بينا وهذا بناء على الفصل الأول عند أبي يوسف - رحمه - الله يتبين بالاستحقاق أن القسمة كانت فاسدة والمقبوض بالقسمة الفاسدة ينفذ البيع فيه كالمقبوض بالشراء الفاسد ويكون مضمونا بالقيمة فلهذا يضمن نصف قيمة ما باع لشريكه وما في يد صاحب المؤخر بينهما نصفان .
وعند أبي حنيفة - C - القسمة كانت صحيحة فيما بقي وكان له الخيار في بعض القسمة فبالبيع سقط خياره ويتعين حقه في الرجوع بعوض المستحق وذلك ربع ما في يد صاحب المؤخر كما بينا .
وكذلك أرض بين رجلين نصفان وهي مائة جريب فاقتسما على أن أخذ أحدهما بحقه عشرة أجربة تساوي ألف درهم ثم باع كل واحد منهما الذي أصابه بأقل من قيمته أو أكثر ثم استحق جريب من العشرة الأجربة فرد المشتري ما بقي منهما على البائع ففي قياس قول أبي حنيفة - C - يرجع على صاحب التسعين جريبا بخمسين درهما .
وفي قول أبي يوسف - C - تكون التسعة الأجربة بينهما نصفين ويضمن صاحب التسعين جريبا خمسمائة درهم لصاحبه لأن عند أبي يوسف - C - يتبين فساد القسمة باستحقاق مقدار جريب من العشرة شائعا وبيع صاحب العشرة الأجربة قد انفسخ من الأصل يرد الباقي عليه بعيب التبعيض وكأنه لم يبع ذلك فهي بينهما نصفين وصاحب التسعين جريبا قد باع ما قبضه بقسمة فاسدة فينفذ بيعه ويضمن نصف قيمته لصاحبه بقدر حصته وذلك خمسمائة درهم .
وعند أبي حنيفة - C - القسمة كانت صحيحة وتبين بالاستحقاق أن المشترك بينهما ما يساوي ألفا وتسعمائة لكل واحد منهما تسعمائة وخمسون والسالم للذي أخذ عشرة أجربة تسعمائة ولصاحبه ألف فيرجع على صاحبه بخمسين درهما لأنه قد باع ما في يده وإذا رجع بذلك سلم لكل واحد منهما تسعمائة وخمسون .
وإذا كانت مائة شاة بين رجلين فاقتسماها على أن أخذ أحدهما أربعين منها ما تساوي خمسمائة وأخذ الآخر منها ستين تساوي خمسمائة فاستحقت شاة من الأربعين تساوي عشرة دراهم فإنه يرجع بخمسة دراهم في الستين شاة عندهم جميعا .
وأبو يوسف - C - يفرق بين هذا وبين ما سبق باعتبار أن المستحق شاة بعينها فلا يوجب ذلك نقض القسمة فيما بقي وتبين أن المشترك بينهما تسعمائة وتسعون درهما والذي سلم لأخذ الأربعين ما يساوي أربعمائة وتسعين ولصاحب الستين ما يساوي خمسمائة فيرجع عليه بمقدار الخمسة لتكون حصة كل واحد منهما لا يساوي أربعمائة وخمسة وتسعين وإنما يرجع بذلك في الستين شاة لأنها باقية في يده فيضرب هو في الستين بخمسة دراهم وصاحبه بأربعمائة وخمسة وتسعين فالسبيل أن يجعل كل خمسة بينهما فيكون الستين سهما على مائة سهم للمستحق عليه سهم ولصاحب الكثير تسعة وتسعون سهما منها .
وفي ظاهر الرواية : ليس للمستحق عليه أن ينقض القسمة فيما بقي كما لو اشترى عددا من الغنم فاستحق واحد منها بعد القبض .
وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة - C - أن ينقض القسمة فيما بقى وهكذا في البيع ليفرق الصفقة عليه فالعقد في المستحق يبطل من الأصل فلا فرق بينهما بعد القبض وقبله .
وإذا كان كر حنطة بين رجلين نصفين عشرة أقفزة منها طعام جيد على حدة وثلاثون قفيزا رديء على حدة فأراد أحدهما أن يأخذ العشرة بحقه ويأخذ شريكه الثلثين بحقه لم يصح ذلك لأن في هذه القسمة معنى البيع ومبادلة الحنطة بجنسها متفاضلا ربا فإن رد الذي أخذ الثلاثين قفيزا ثوبا بعينه على صاحبه واقتسما على ذلك جاز بناء على أصلنا أن الفصل يجعل بمقابلة الثوب احتيالا لتصحيح العقد .
وإن استحق من الثلاثين عشرة مخاتيم فإنه يرجع عليه بنصف الثوب .
وفي زيادات الزيادات قال : في هذه المسألة يرجع بثلث الثوب وسدس الطعام الجيد وقيل ما ذكر ثمة جواب القياس وما ذكر في كتاب القسمة جواب الاستحسان .
وجه القياس : أنه لو استحق جميع الطعام الرديء يرجع على صاحبه بجميع الثوب ونصف الطعام الجيد والعشرة ثلث الثلاثين فعند استحقاق العشرة يرجع بثلث ذلك اعتبارا للبعض بالكل .
وبيان المعنى فيه أن عشرة من الثلاثين أخذها باعتبار ملكه وعشرة بالمقاسمة بمقابلة العشرة التي أخذها صاحبه وعشرة عوضا عن الثوب والعشرة المستحقة شائعة في الكل ثلثها فيما أخذ بقديم ملكه فلا يرجع فيه على أحد بشيء والثلث مما أخذه عوضا عن الثوب فيرجع بعوضه وهو ثلث الثوب والثلث مما أخذه بالمقاسمة فيرجع بما يقابله من الطعام الجيد بقدر حصته وذلك قفيز وثلثا قفيز لأن العشرة كلها لو استحقت رجع عليه بخمسة أقفزة .
فإذا استحق الثلث رجع عليه بثلث الخمسة وثلثها قفيز وثلث قفيز سدس الطعام الجيد .
ووجه الاستحسان : أن المستحق إنما يجعل شائعا في الكل إذا استوت الجهالة فأما إذا تفاوتت فلا كما إذا باع ثوبا وقلبا وزنه عشرة دراهم بعشرين درهما وتقابضا ثم استحقت عشرة من العشرين فإن المستحق يجعل من ثمن الثوب خاصة لأنه لو جعل بعضه من ثمن القلب بطل العقد في القلب بقدره .
ولو جعل من ثمن الثوب لم يبطل العقد في شيء من القلب فيجعل ذلك من ثمن الثوب لإبقاء العقد صحيحا حين لم تثبت المساواة فهناك كذلك لأن المقصود بالقسمة التمييز والمعاوضة فيها بيع ولا مساواة بين المقصود والبيع فلا يجعل شيء من المستحق مما أخذه بالمقاسمة لإبقاء معنى التمييز بحسب الأمكان .
ولو جعل شيء من المستحق بمقابلة العشرة التي أخذها بالقسمة تنتقض القسمة فيحتاج إلى إعادتها ثانية فلا يجعل شيء بمقابلة كيلا ينتقض وإذا جعلنا المستحق ما وراء العشرة المقسومة يكون النصف من العشرة المشتراة والنصف العشرة الموزونة لم يرجع به على أحد وما أخذ من العشرة المأخوذة على وجه الشراء رجع بحصته من الثمن وثمنه نصف الثوب فلهذا يرجع عليه بنصف الثوب ولكن يجعل المستحق نصف العشرين الذي أخذه بمقابلة الثوب وعشرة من تلك العشرين أخذها بقديم ملكه وعشرة عوضا عن الثوب فنصف المستحق مما كان بمقابلة الثوب فلهذا يرجع بنصف الثوب خاصة .
وإذا كان كر حنطة وكر شعير بين رجلين فاقتسماه فأخذ أحدهما ثلاثين مختوما حنطة رديئة وعشرة مخاتيم شعيرا جيدة وأخذ الآخر عشرة مخاتيم حنطة جيدة وثلاثين مختوما شعيرا رديئا ثم استحق نصف الشعير الرديء فإنه يرجع عليه بربع عشرة مخاتيم حنطة وهذا غلط بين فإن العشرة المخاتيم حنطة جيدة في يد المستحق عليه فكيف يرجع بربعه .
والصحيح ما في النسخ العتيقة : أنه يرجع بربع المخاتيم حنطة يعني بثلاثين مختوما حنطة رديئة التي أخذها صاحبه يرجع بربع ذلك وهو سبعة أقفزة ونصف جواب الاستحسان .
وفي القياس على ما ذكره في زيادات الزيادات : يرجع عليه بخمسة أقفزة حنطة رديئة وقفيزين ونصف شعير جيد .
وجه القياس : أنه لو استحق جميع الشعير الرديء من يده رجع على صاحبه بثلث الحنطة الرديئة عشرة أقفزة ونصف الشعير الجيد خمسة أقفزة .
فإن استحق نصف الشعير الرديء يرجع بنصف كل واحد منهما .
وبيانه من حيث المعنى : أنه أخذ الثلاثين قفيزا شعيرا رديئا عشرة بقديم ملكه وعشرة بالمقاسمة فقد أخذ صاحبه عشرة أقفزة شعيرا جيدا وعشرة بالمعاوضة وعوضه عشرة أقفزة من الحنطة الرديئة التي أخذها صاحبه من نصيبه فإذا استحق النصف كان ثلث المستحق مما أخذه بقديم ملكه فلا يرجع باعتباره على أحد بشيء وثلثه مما أخذه صاحبه بالمعاوضة فيرجع بعوضه على صاحبه وذلك خمسة أقفزة من الحنطة الرديئة وثلثه مما أخذه بالمقاسمة فيرجع على صاحبه بنصف ذلك قدر حصته من الشعير الجيد وذلك قفيزان ونصف .
ووجه الاستحسان : ما بينا أن المستحق لا يجعل شيء منه من المأخوذ بالمقاسمة لإبقاء معنى التمييز وإنما يجعل نصفه من المأخوذ بقديم ملكه ونصفه من المأخوذ بالمعاوضة فيرجع بعوض ذلك على صاحبه وذلك سبعة أقفزة ونصف من الطعام الرديء وربع الثلاثين قفيزا يكون سبعة أقفزة ونصف فلهذا قال يرجع بربع المخاتيم حنطة .
وإذا كانت الدار بين رجلين نصفين فاقتسماها وأخذ أحدهما النصف المقدم وقيمته ستمائة وأخذ الآخر النصف المؤخر وقيمته أربعمائة على أن يرد عليه صاحب النصف المقدم مائة درهم ثم باع كل واحد منهما ما أصابه ثم استحق نصف النصف المقدم ورجع المشتري على بائعه بحصة ذلك من الثمن وأنفذ البيع في البقية فإن صاحب المقدم يرجع على صاحب المؤخر بمائة وخمسين درهما خمسون منها نصف المائة التي نقده ومائة منهما ربع قيمة النصف المؤخر لأنه لو استحق جميع المقدم رجع على شريكه بالمائة التي أعطاها وبقيمة نصف النصف المؤخر وذلك مائتا درهم فإذا استحق نصف ذلك يرجع بنصف الثلثمائة وذلك مائة وخمسون وهذا لأن في حصة المائة كان هو مشتريا وقد استحق نصف المبيع فيرجع بنصف الثمن وتبين أن المشترك بينهما ما يساوي سبعمائة وأن حق كل واحد منهما من ذلك ثلثمائة وخمسون فصاحب المؤخر أخذ ربعمائة والسالم لصاحب المقدم ما يساوي مائتين وخمسين بالمقاسمة فيرجع على شريكه بربع ما أخذ وذلك مائة درهم فعند ذلك يصل إلى كل واحد منهما ما يساوي ثلثمائة وخمسين كمال حقه .
ولو كان مكان المائة ثوب قائم بعينه رجع بنصف الثوب وبمائة درهم لأن المستحق مما أخذه عوضا عن الثوب نصفه فيرجع بعوضه وذلك نصف الثوب .
وإذا كانت أرض ودار بين رجلين فاقتسماهما فأخذ أحدهما الدار والآخر الأرض على أن يرد صاحب الأرض على صاحب الدار عبدا قيمته ألف وقيمة الدار ألف درهم وقيمة الأرض ألفان وقبضه ثم أن صاحب الدار باع الدار فاستحق إنسان منها علو بيت يكون ذلك البيت والسفل عشر الدار فلما استحق العلو ذهب نصف العشر ورجع المشتري على البائع بحصة ذلك من الثمن وأمسك الباقي من الدار فإن صاحب الدار يرجع بستة عشر وأربع دوانق من قيمة الأرض على صاحب الأرض في قياس قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله .
وفي قياس قول أبي يوسف - C - يرجع بذلك في رقبتها ويكون شريكا به في الأرض وقبل لا خلاف بينهم في الحقيقة .
وتأويل قول أبي حنيفة - C - لأنه لا ينتفع بذلك اليسير من الأرض فلهذا جعل له حق الرجوع بذلك القدر من القيمة حتى إذا رضي هو بالرجوع في رقبة الأرض بذلك القدر يكون له ذلك وإنما كان رجوعه بهذا المقدار لأن نصف الأرض بمقابلة العبد ونصفها أخذه بالمقاسمه مع الدار وقد كان قيمة لدار ألف درهم فلما استحق منها ما يساوي نصف العشر وذلك خمسون درهما تبين أن المشترك ما يساوي ألف درهم وتسعمائة وخمسين وأن حق كل واحد منهما فيما يساوي ألف وأربعمائة وخمسة وسبعين وقد أخذ صاحب الأرض ألفي درهم ألف بمقابلة ما أدى من العبد وألف بالمقاسمة وأخذ الآخر تسعمائة وخمسين فيرجع على صاحبه بستة عشر درهما وأربع دوانيق في الأرض حتى يكون السالم له بالمقاسمة تسعمائة وستة وستين وثلثان ولصاحبه مثل ذلك بالمقاسمة .
قال أبو عصمة : وفي هذا الجواب نظر بل ينبغي أن يكون رجوعه بما يساوي خمسة وعشرين لأن نصيب كل واحد منهما ألف وأربعمائة وخمسة وسبعون كما بينا .
ولكنا نقول : هذا بناء على الأصل الذي بينا لأبي حنيفة - C - أن العلو مثل نصف السفل حتى قال في القسمة يحسب ذراع من السفل بذراعين من العلو فإذا استحق علو بيت يكون ذلك العلو مع السفل عشر الدار عرفنا أن المستحق ثلث العشر وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث فإنما يرجع على شريكه بنصف ذلك وذلك ستة عشر وثلثان فيستقيم الجواب بناء على ذلك الأصل .
وإذا وقعت القسمة في دار واحدة أو أرض واحدة وبناء أحدهما في نصيبه ثم استحق ذلك الموضع من نصيبه فرد القسمة وأراد أن يرجع بقيمة بنائه على شريكه لم يكن له ذلك لأن الرجوع بقيمة البناء في الشراء لأجل الغرور ولا غرور في القسمة فإن الشريك مجبر على القسمة عند طلب شريكه فلا يصير عاد الشريك فيما يجبره القاضي عليه فلهذا لا يرجع شريكه عليه بقيمة البناء بمنزلة الشفيع إذا أخذ الدار بالشفعة وبنى فيها ثم استحقت ونقض بناءه لم يرجع على المشتري بقيمة البناء وقد بينا في آخر الشفة نظيره في الجارية المأسورة .
ومن نظائره أيضا أحد الشريكين في الجارية إذا استولدها ثم استحقت وضمن قيمة الولد لم يرجع على شريكه بشيء من ذلك .
وكذلك إذا استولد جارية ابنه ثم استحقت وضمن قيمة الولد لم يرجع بذلك على الابن لانعدام معنى الغرور منه وهذا بخلاف الغاصب فإن المغصوب منه إذا ضمن قيمة الجارية ثم استولدها الغاصب ثم استحقت وضمن الغاصب قيمة الولد رجع به على المغصوب منه رواية عن أبي يوسف ولم يرو عن غيره خلافه لأن المغصوب منه في تضمين القيمة هناك مختار فإنه كان متمكنا من أن يصبر حتى تطهر الجارية فيتحقق الغرور من جهته حين ملكها من الغاصب بضمان القيمة .
ولو وقعت القسمة في دارين أو أرضين وأخذ كل واحد منهما أحدهما ثم استحقت إحداهما بعد ما بنى فيها صاحبها رجع على صاحبه بنصف قيمة البناء قيل هذا قول أبي حنيفة - C - بناء على أصله أن قسمة الجبر لا تجري في الدور والأراضي بهذه الصفة .
وعلى قولهما تجري قسمة الجبر فيها فهذا والدار الواحدة عندهما سواء .
قال - C - ( والأصح عندي أن هذا قولهم جميعا ) لأنهما ما أطلقا الجواب في قسمة الجبر في الدور ولكن قال إن رأى القاضي المصلحة في أن يقسمها قسمة واحدة فله ذلك وهما أقدما على القسمة قبل أن يرى القاضي المصلحة في ذلك فيكون هذا معاوضة بينهما عن اختيار منهما والغرور بمثله يثبت فيرجع على صاحبه بنصف قيمة البناء لأن نصف الموضع الذي بنى فيه أخذه بقديم ملكه ونصفه بالمعاوضة .
وكذلك إن اقتسما جاريتين فوطئ أحدهما الجارية التي أخذها فولدت له ثم استحقت وضمن قيمة الولد رجع على صاحبه بنصف قيمة الولد وهذا قول أبي حنيفة - C - لأن قسمة الجبر عنده لا تجري في الرقيق فتكون هذه معاوضة بينهما عن اختيار .
فأما عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - قسمة الجبر تجري في الرقيق فلا يتحقق معنى الغرور ولا يرجع على صاحبه بشيء من قيمة الولد ويكون له نصف الجارية التي في يد شريكه لأن القسمة قد بطلت باستحقاق نصيب أحدهما .
فإن كان باعها ضمنه نصف قيمتها لأنها كانت مقبوضة بقسمة فاسدة فنفذ بيعه فيها ويضمن لصاحبه قيمة حصته منها وذلك النصف .
وكذلك إذا اقتسما منزلين متفرقين في دار واحدة فقد بينا أن المنازل المتفرقة في حكم القسمة كالدور المتفرقة فإن كان القاضي قسم الدور المختلفة بين الشركاء وجمع نصيب كل واحد منهم في دار على حدة وأجبرهم على ذلك فبنى أحدهم في الدار التي أصابته ثم استحقت وهدم بناؤه لم يرجع على شركائه بقيمة البناء لأن القاضي حين رأى جمعها في القسمة صارت كدار واحدة فإن معنى الغرور في الدار الواحدة إنما ينعدم باعتبار أن القاضي يجبر الشركاء على ذلك وقد تحقق ذلك هنا بما رآه القاضي فينعدم الغرور به فلهذا لا يرجع على شركائه بشيء من قيمة البناء .
وإذا اقتسما الرجلان دارين فأخذ أحدهما دارا والآخر دارا فبنى أحدهما في الدار التي أخذها وهدم وأنفق ثم استحق من الأخرى موضع جذع في حائط أو مسيل ماء أو طريق أو حائط بأصله أو بناء بيت فالذي استحق ذلك من يده بالخيار إن شاء نقض القسمة كلها وهدم ما أحدث هذا من البناء وضمنه قيمة ما هدم وإن شاء لم ينقض القسمة ولم يرجع بشيء ورضي بما في يده .
وقيل هذا الجواب قولهما فأما عند أبي حنيفة - C - لا يكون له أن ينقض بناء شريكه على ما قال في الجامع الصغير المشتري شراء فاسدا إذا بنى في الدار المشتراة انقطع به حق البائع في الاسترداد عند أبي حنيفة - C - وليس له أن ينتقض بناء المشتري وعندهما فهي كالمأخوذة بناءه فهنا إذا اختار نقض القسمة تبين أن صاحبه أخذ الدار بقسمة فاسدة فهي كالمأخوذة بالشراء الفاسد .
قال الحاكم - C - ( ويحتمل أن هذا الجواب على مذهبهم جميعا ) تخريجا على ما هو الصحيح عند أبي يوسف من مذهب أبي حنيفة - رحمهما الله - إذا بنى المشتري في الدار المشتراة شراء فاسدا فإنه ذكر في الجامع الصغير شكا في رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أن الدار تترك للمشتري شراء فاسدا من أجل بنائه حيث قال فيما أعلم .
وقيل : هذه من إحدى المسائل التي جرت فيها المحاورة بين أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - في رواية عن أبي حنيفة - C - وقوله لا يرجع بشيء يحتمل أن يكون جوابا في استحقاق موضع الجذع ومسيل الماء خاصة لأن لما سواهما حصة من الدرك فعند الاستحقاق لا بد أن يرجع بذلك أو بقيمته إن تعذر الرجوع بعينه لأجل البناء .
ولو أخذ أحدهما دارا وأخذ الآخر دارين قيمتهما سواء فاستحقت إحداهما لم يكن له أن ينقض القسمة وكانت له الدار الباقية ويرجع بربع الدار التي أخذ الآخر بمنزلة ما لو اشترى دارين وقبضهما فاستحقت إحداهما فلا خيار له في الأخرى وإنما يرجع بحصة المستحق من الثمن فهنا أيضا لا خيار له في الباقية فيرجع بعوض المستحق وذلك بربع الدار المستحق وذلك ربع الدار التي أخذها الآخر لأن الدارين كلاهما لو استحقتا رجع عليه بنصف الدار التي في يده فإذا استحقت إحداهما وقيمتهما سواء رجع بنصف النصف وهو الربع كما قررنا والله أعلم