قال - C - ( وإذا كانت الغنم بين قوم ميراثا أو شراء فأراد بعضهم قسمتها وكره ذلك بعضهم وقامت البينة على الأصل فإن القاضي يقسمها بينهم ) لأن اعتبار المعادلة في المنفعة والمالية عند اتحاد جنس الحيوان ممكن للتقارب في المقصود فيغلب معنى التمييز في هذه القسمة على معنى المعاوضة وبمعنى التمييز يثبت للقاضي ولاية إجبار بعض الشركاء عليه وكذلك كل صنف من الحيوان أو غيره من الثياب أو ما يكال أو يوزن فعند اتحاد الجنس يجبر القاضي على القسمة عند طلب بعض الشركاء إلا في الرقيق .
فإن أبا حنيفة - C - يقول : لا يقسم الرقيق بينهم إذا كره ذلك بعضهم .
وقال أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - يقسم ذلك بينهم بطلب بعضهم لأن الرقيق جنس واحدا إذا كانوا ذكورا أو إناثا ومراعاة المعادلة في المنفعة ممكن لتقارب المقصود فيقسمها بينهم عند طلب بعضهم كما في سائر الحيوانات .
( ألا ترى ) أن الرقيق كسائر الحيوانات في سائر العقود من حيث أنها تثبت في الذمة مهرا ولا تثبت سلما فكذلك في القسمة يجعل الرقيق كسائر الحيوانات والدليل عليه أن الرقيق يقسم في الغنيمة كسائر الأموال فكذلك في القسمة بين الشركاء .
وأبو حنيفة - C - يقول : التفاوت في الرقيق أظهر منه في الأجناس المختلفة فإن الأجناس المختلفة قد تتفاوت في المالية والرقيق يتفاوت تفاوتا فاحشا ثم قسمة الجبر لا تجري في الأجناس المختلفة فكذلك في الرقيق وهذا لأن المعتبر المعادلة في المالية والمنفعة وذلك يتفاوت في الآدمي باعتبار معاني باطلة لا يوقف عليها حقيقة كالدهن والكتابة وقد يرى الإنسان من نفسه ما ليس فيه حقيقة أو أكثر مما هو فيه فيتعذر اعتبار المعادلة في المالية وبترجح معنى المعاوضة في هذه القسمة على معنى التمييز فلا يجوز إلا بالتراضي .
والدليل على الفرق بين الرقيق وسائر الحيوانات : أن الذكور والإناث في سائر الحيوانات جنس واحد وفي الرقيق هما جنسان حتى إذا اشترى شخصا على أنه عبد فإذا هي جارية لم يجز الشراء بخلاف سائر الحيوانات وما كان ذلك إلا باعتبار معنى التفاوت وهذا بخلاف قسمة الغنيمة فإنها تجري في الأجناس المختلفة وكان المعنى فيه أن حق الغانمين في معنى المالية دون العين حتى كان للإمام بيع المغانم وقسمة الثمن فإنما يعتبر اتصال مقدار من المالية إلى كل واحد منهم فأما في الشركة الملك حق الشركاء في العين والمالية فللإمام حق التمييز بالقسمة على طريق المعادلة وليس له ولاية المعاوضة فإذا كان يتعذر اعتبار المعادلة هنا بطريق التمييز لا يثبت للقاضي ولاية الإجبار على القسمة إلا أن يكون مع الرقيق شيء آخر من غنم أو ثياب أو متاع فحينئذ يقسم ذلك كله .
وكان أبو بكر الرازي - C - يقول : تأويل هذه المسألة أنه يقسم ذلك برضاء الشركاء فأما مع كراهة بعضهم القاضي لا يقسم لأنه إذا كان عند اتحاد الجنس في الرقيق لا يقسم قسمة الجبر عند أبي حنيفة - C - فعند اختلاف الجنس أولى .
والأظهر أن قسمة الجبر هنا تجري عند أبي حنيفة - C - باعتبار أن الجنس الآخر الذي هو مع الرقيق يجعل أصلا في القسمة وحكم القسمة جبرا يثبت فيه فيثبت في الرقيق أيضا تبعا وقد يثبت حكم العقد في الشيء تبعا وإن كان لا يجوز إثباته فيه مقصودا كالشرب والطريق في البيع والمنقولات في الوقت وكأنه استحسن ذلك لأنه قل ما تخلو تركة يحتاج فيها إلى قسمة القاضي عن الرقيق .
وإذا كان مع الرقيق شيء آخر فباعتبار المعادلة في المالية يتيسر بخلاف ما إذا كان الكل رقيقا فعند مقابلة الرقيق بالرقيق يعظم الغبن والتفاوت وعند مقابلة الرقيق بمال آخر يقل التفاوت .
وإن كان الذي بين الشركاء ثوب زطي وثوب هروي وبساط ووسادة لم يقسمه إلا برضاهم لأن في الأجناس المختلفة القسمة تكون بطريق المعاوضة فإن كل واحد من الشريكين يتملك على شريكه نصيبه من الجنس الذي يأخذ عوضا عما يملكه من نصيب نفسه من الجنس الآخر وفي المعاوضات لا بد من التراضي فإن كان في الميراث بينهم رقيق وثياب وغنم ودور وضياع فاقتسموها بينهم وأخذ كل واحد منهم صنفا جاز ذلك لوجود التراضي منهم على إنشاء المعاوضة .
وإن رفعوا إلى القاضي قسم كل صنف بينهم على حدة ولا يضيف بعضها إلى بعض لأن للقاضي ولاية التمييز بالقسمة وإنما يغلب معنى التمييز إذا قسم كل واحد من صنف على حدة ولأن القاضي يعتبر المعادلة في كل ما يتهيأ له اعتباره وقسمة كل صنف على حدة أقرب إلى المعادلة فأما اتفاقهم على القسمة يعتمد التراضي دون المعادلة .
وإذا تمت بتراضيهم بعد ذلك كيف وقعت القسمة وإذا كانت الغنم بين رجلين فقسماها نصفين ثم أقرعا فأصاب هذا طائفة وهذا طائفة ثم ندم أحدهما وأراد الرجوع فليس له ذلك لأن القسمة قد تمت بخروج السهام .
وكذلك لو رضيا برجل قسمها ولم يألوا أن يعدل في ذلك ثم أقرع بينهما فهو جائز عليهما لأن فعله بتراضيهما كفعلهما وإن تساهموا عليها قبل أن يقسموها فأيهم خرج سهمه عدوا له الأول فالأول فهذا يجوز لأنه مجهول لا يعرف ما يصيب كل واحد منهم بالقسمة وفي القسمة معنى البيع فالجهالة التي تفضي إلى المنازعة تفسدها كما تفسد البيع .
وإن كان في الميراث إبل وبقر وغنم فجعلوا الإبل قسما والغنم قسما والبقر قسما ثم تساهموا عليها وأقرعوا على أن من أصابه الإبل رد كذا درهما على صاحبيه نصفين فهو جائز لأن القسمة لا تتم بينهم إلا بخروج القرعة وعند ذلك من وجب عليه الدراهم ومن وجب له معلوم بخلاف الأول فهناك عند خروج القرعة ما يأخذه كل واحد ممن خرجت القرعة باسمه مجهول فيما يتفاوت فإن ندم أحدهم بعد ما وقعت السهام لم يستطع نقض ذلك لأن القسمة تمت بالتراضي .
فإن رجع عن ذلك قبل أن يقع السهام فله ذلك لأن القسمة لم تتم بعد ونفوذ هذه القسمة باعتبار المراضات فيعمل الرجوع من كل واحد منهم قبل تمامها كما في البيع يصح الرجوع بعد الإيجاب قبل القبول .
وكذلك إن وقع سهم وبقي سهمان فرجع عن ذلك جاز رجوعه وإن وقعت السهام كلها إلا سهم واحد لم يكن لبعضهم أن يرجع بعد ذلك لأن القسمة قد تمت فبخروج سائر السهام يتعين ما يصيب السهم الباقي خرج أو لم يخرج .
وإن كان الثوب بين رجلين فأراد أحدهما قسمته لم يقسم لأن في قسمته ضررا فإنه يحتاج إلى قطع الثوب بينهما وفي قطعه إتلاف جزء منه فلا يفعله القاضي مع كراهة بعض الشركاء .
فإن رضيا بذلك جميعا قسمه بينهما لوجود الرضا منهما بالتزام هذا الضرر .
وقد قال بعض مشايخنا : القاضي لا يفعل ذلك وإن تراضيا عليه ولكن إن اقتسما فيما بينهما لم يمنعهما من ذلك لأن في هذه القسمة إتلاف جزء والقاضي بقضائه يحصل ولا يتلف وقد تقدم نظيره فيما لا يحتمل القسمة كالحمام وغيره فإن اقتسماه فشقاه طولا أو عوضا بتراض منهما فهو جائز وليس لواحد منهما أن يرجع بعد تمام القسمة .
وإن كانت الثياب بين قوم إن اقتسموها لم يصب كل واحد منهم ثوب تام فإن القاضي لا يقسمها بينهم لأنها تحتاج إلى القطع وفيه إتلاف جزء .
وإن تراضوا بينهم على شيء جاز ذلك .
ولو كانت ثلاثة أثواب بين رجلين فأراد أحدهما قسمتها وأبى الآخر فإني أنظر في ذلك إن كانت قسمتها تستقيم من غير قطع بأن تكون قيمة ثوبين مثل قيمة الثالث فإن القاضي يقسمها بينهما فيعطي أحدهما ثوبين والآخر ثوبا .
وإن كان لا يستقيم لم أقسمها بينهم إلا أن تراضوا فيما بينهم على شيء هكذا .
قال في الكتاب والأصح : أن يقال إن استوت القيمة وكان نصيب كل واحد منهما ثوب ونصف فإنه يقسم الثوبين بينهما ويدع الثالث مشتركا وكذلك إن استقام أن يجعل أحد القسمين ثوبا وثلثي الآخر والقسم الآخر ثوبا وثلث الآخر أو أحد القسمين ثوبا وربعا والآخر ثوبا وثلاثة أرباع فإنه يقسم بينهم ويترك الثوب الثالث مشتركا لأنه تيسير عليه التمييز في بعض المشترك .
ولو تيسر ذلك في الكل كان يقسم الكل عند طلب بعض الشركاء فكذلك إذا تيسر ذلك في البعض والله أعلم بالصواب