( قال C مريض باع دارا بألفى درهم وقيمتها ثلاثة الآف درهم ولا مال له غيرها ثم مات وابنة شفيع الدار فلا شفعة للابن فيها ) لأنه لو باعها من أبيه بهذا الثمن لم يجز وقد بينا أن الشفيع بتقدم على المشتري شرعا في ثبوت الملك له بالسبب الذي يملك به المشتري وقد تعذر ذلك في هذا الموضع يوضحه أما أن يأخذها بالفين كما أخذها المشتري فيكون ذلك وصية من المريض لوارثه خصوصا إذا أخذها من يد البائع ولا وصية لوارث أو يأخذها بثلاثة آلاف وذلك لا يستقيم لما فيه من إثبات ثمن في حق الشفيع ليس ذلك بثابت في حق المشتري فإذا تعذر الوجهان قلنا لا شفعة له أصلا وذكر في كتاب الوصايا أن على قولهما له أن يأخذها بقيمتها إن شاء والأصح ما ذكرنا هنا فإنه نص في الجامع على أنه قولهم جميعا ولو كان الابن هو المشتري للدار من أبيه وأجنبي شفيعها فإن كان اشتراها بمثل القيمة فلا شفعة للشفيع فيها في قول أبي حنيفة وفي قولهما للشفيع فيها الشفعة وهذا بناء على أن بيع المريض من وارثه بمثل قيمته لا يجوز في قول أبي حنيفة ويجوز في قولهما لأنه ليس في تصرفه إبطال حق الورثة عن شيء مما تعلق حقهم به وهو المالية والوارث والأجنبي في مثل هذا التصرف سواء كما لو أعانه ببدنه يوضحه أنه ممنوع من الوصية للوارث كما أنه ممنوع من الوصية بما زاد على الثلث للأجنبي ثم البيع بمثل القيمة من المريض صحيح في حق الأجنبي في جميع ماله ولا يكون ذلك وصية بشيء فكذلك مع الوارث يوضحه أنه إذا كان عليه دين مستغرق فباع بعض ماله من آخر بمثل قيمته يجوز وهو ممنوع في هذه الحال من الوصية بشيء من ماله ثم لم يجعل بيعه بمثل قيمته وصية منه فكذلك في حق الوارث وأبو حنيفة يقول آثر بعض ورثته بعين من أعيان ماله بقوله وهو محجور عن ذلك لحق سائر الورثة كما لو أوصى بأن يعطي أحد ورثته هذه الدار بنصيبه من الميراث وهذا لأن حق الورثة يتعلق بالعين فيما بينهم كما يتعلق بالمالية وعلى هذا لو أراد بعضهم أن يجعل شيئا لنفسه بنصيبه من الميراث لا يملك ذلك إلا برضا سائر الورثة فكما أنه لو قصد ايثار البعض بشيء من ماله زاد عليه قصده فكذلك إذا قصد إيثار بالعين وهذا لأن للناس في الأعيان أغراضا فقد يفتخر الإنسان بخطه إياه فوق ما يفتخر بكثر ماله وإنما نفي الشرع وصية المريض لبعض الورثة دفعا للغضاضة عن سائر الورثة وذلك المعنى يتحقق هنا فلهذا يمتنع بيعه منه بمثل قيمته وبأكثر بخلاف الأجنبي إنه غير ممنوع من التصرف مع الأجنبي فيما يرجع إلى العين وإنما يمنع من أبطال حق الورثة عن ثلثي ماله وليس في البيع بمثل القيمة من الأجنبي إبطال حق الورثة عن شيء من ماله والدليل على الفرق إن إقرار المريض للأجنبي بالدين أو بالعين وإقراره باستيفاء الدين منه صحيح في حق الورثة عن شيء من ماله والدليل على الفرق أن إقرار المريض للأجنبي بالدين أو بالعين وإقراره باستيفاء الدين منه صحيح في حق الورثة وشيء من ذلك لا يصح مع الوارث ويجعل وصية منه فكذلك البيع بمثل القيمة وهذا بخلاف بيعه من الأجنبي إذا كان عليه دين مستغرق لأن المنع لحق الغرماء وحقهم في ديونهم لا في عين مال المريض ألا ترى أن للوارث أن يستخلص العين لنفسه بقضاء الدين من مال آخر فإذا لم يكن في البيع بمثل القيمة إبطال حقهم عن شيء مما تعلق به حقهم كان صحيحا بخلاف ما نحن فيه والدليل على الفرق أنه لو كان باع عينا في صحته من أجنبي ثم أقر باستيفاء الثمن منه في مرضه صح إقراره في حق الغرماء وبمثله لو باعه من دار به لم يصح إقراره باستيفاء الثمن منه في مرضه في حق سائر الورثة والفرق ما ذكرنا إذا عرفنا هذا فنقول عند أبي حنيفة لا شفعة للشفيع لأن البيع فاسد وعند أبي يوسف ومحمد لما صح البيع كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة ولو كان باعها من ابنه بألفى درهم وقيمتها ثلاثة آلاف فلا أشكال عند أبي حنيفة أن البيع فاسدو لا شفعة للشفيع وعندهما للشفيع أن يأخذها بثلاثة آلاف درهم أن شاء في رواية كتاب الشفعة لأن الشفيع قائم مقام المشتري وقد كان للابن أن يزيل المحاباة ويأخذها بثلاثة آلاف إن شاء فكذلك للشفيع أن يأخذها بذلك وذكر في موضع آخر أن الشفيع لا يأخذها بالشفعة هنا لأن عندهما بيع المريض من وارثه إنما يجوز باعتبار أنه لاوصية في تصرفه وفي البيع بالمحاباة وصية ألا ترى أنه لو حصل مع أجنبي آخر كان معتبرا من الثلث ولا وصية لوارث فكان البيع فاسدا ولا شفعة في البيع الفاسد وبأن كان المشتري يتمكن من آزالة المفسد فذلك لا يوجب الشفعة للشفيع كما لو اشتراها بشرط أجل فاسد أو خيار فاسد وقد روى عن أبي يوسف أن للشفيع أن يأخذها بالقيمة لأنه يتقدم على المشتري شرعا فيجعل كأن البيع من المريض كان منه بهذا الثمن والأصح ما ذهب إليه أبو حنيفة فإنه .
نفس البيع وصية ألا ترى أنه لو أوصى بأن تباع داره من فلان بمثل قيمتها يجب تنفيذ الوصية بعد موته إذا طلب الموصي له وإن الموصى له بالبيع يزاحم سائر أصحاب الوصايا فإذا ثبت أن نفس البيع وصية وقد نفى رسول الله A الوصية للوارث قلنا لا يجوز منه البيع أصلا وإذا اشترى المريض دارا بألفى درهم وله سوى ذلك ألف درهم ثم مات فالبيع جائز وللشفيع فيها الشفعة لأنه إنما حاباه بقدر الثلث وذلك صحيح منه في حق الأجنبي فيجب للشفيع فيها الشفعة ولو كان باع دارا بقيمتها أو أكثر ووارثه شفيعها فلا شفعة له في قول أبي حنيفة لأن بيعه من الوارث لا يجوز عند أبي حنيفة وكذلك بيعه من الأجنبي لا يكون مثبتا حق الأخذ بالشفعة للوارث وعند أبي يوسف ومحمد للوارث أن يأخذها بالشفعة لأنه لو باعها منه بذلك الثمن جاز البيع فكذلك إذا باعها من أجنبي آخر والوارث شفيعها لأن الشفيع يتقدم على المشتري في تملكها بالسبب الذي باشره المشتري إذا أخذها بالشفعة وإن باعها بالفين وقيمتها ثلاثة آلاف درهم وشفيعها أجنبي فله أن يأخذها بالفين لأن المحاباة بقدر الثلث وذلك صحيح منه في حق الأجنبي فإن قيل كيف يأخذها الشفيع بالفين والوصية كانت منه للمشتري دون الشفيع ومن أوصى لإنسان بشيء من ماله لا يجوز تنفيذ الوصية لغير من أوصى له به قلنا هو كذلك في وصية مقصودة فالوصية هنا لم تكن مقصودة وإنما كانت في ضمن البيع ألا ترى أنها لا تبقى بعدما بطل البيع وفي حق البيع الشفيع صار مقدما على المشتري شرعا فكذلك فيما هو من متضمنات البيع ولما أوجب البيع له بما سمى من الثمن مع علمه أن الشفيع يتمكن من الأخذ بمثل ما اشترى به المشتري فكأنه أوجب الوصية بالمحاباة للمشتري أن سلم الشفيع له وللشفيع أن يأخذها بالشفعة وإن كان للدار شفيعان أحدهما وارث فلا شفعة للوارث لأنه لو لم يكن لها شفيع سواه لم يستحقها بالشفعة في هذا البيع فإذا كان معه شفيع آخر أولي أن لا يستحقها وإذا انعدمت مزاحمته كان للأجنبي أن يأخذ الكل بالشفعة بمنزلة ما لو سلم أحد الشفيعين شفعته وإن باعها بألف درهم وهي تساوي ألفين وليس له مال غيرها قيل للمشتري أن شئت فخذها بثلثي الألفين وإن شئت فدع لأنه حاباه بنصف ماله ولا يمكن تنفيذ المحاباة إلا في مقدار الثلث والمشتري يتمكن من آزالة المانع بأن يلتزم إلى تمام ثلثي الألفين إلا أنه يتخير في ذلك لأنه يلزمه زيادة في الثمن لم يرض بالتزامها فإن شاء فسخ البيع لاجله ولا شيء له لأن الوصية كانت في ضمن البيع وقد بطل البيع وإن شاء التزم ذلك فيسلم له الوصية بقدر الثلث كما لو كان اشتراها في الابتداء بثلثى الألفين وأي ذلك فعل كان للشفيع فيها الشفعة أما عند إمضاء البيع فلا أشكال وأما عند الرد فلان البيع كان صحيحا موجبا للشفعة حتى إذا ظهر للميت مال آخر فالبيع سالم للمشتري وباعتبار صحة البيع وجبت الشفعة للشفيع ثم الرد من المشرتي يعمل في إبطال حقه لا في إبطال حق الشفيع كما لو تفاسخا البيع ولكن الشفيع يأخذها بثلثى الألفين لأنها ما كانت تسلم للمشتري إلا بهذا القدر من الثمن فكذلك الشفيع وإن باعها بالفين إلى أجل وقيمتها ثلاثة آلاف فالأجل باطل لأن المحاباة بالقدر استغرقت ثلث المال فلا يمكن تنفيذ الوصية بالأجل في شيء ولكن يتخير المشتري بين أن يفسخ البيع أو يؤدي الألفين حالة ليصل إلى الورثة كمال حقهم وأي ذلك فعل فللشفيع أن يأخذها بالشفعة لأنه قائم مقام المشتري في حكم هذا البيع كما في الفصل الأول وهذا أظهر من ذلك فالأجل في الثمن لا يثبت في حق الشفيع وقد بينا أن خيار المشتري لا يمنع وجوب الشفعة للشفيع وإن باعها بثلاثة آلاف إلى سنة وقيمتها ألفان قيل للمشتري أن شئت فعجل ألفين وأن شئت فدع في قول أبي يوسف وهو قياس قول أبي حنيفة وقال محمد أن شاء عجل ثلثى قيمتها ويكون الباقي عليه إلى أجل وإن شاء تركه وقد تقدم بيان نظير هذه المسألة في كتاب العتاق وذكرنا أن من أصل محمد أن تأجيل المريض صحيح مطلقا فيما له أن لا يتملكه أصلا كما في الصداق وبدل الصلح عن القصاص وعند أبي يوسف جميع المسمى مملوك بإزاء مال تعلق به حق الورثة فلا يصح تأجيله فيه إلا بقدر الثلث لأن التأجيل بمنزلة الإسقاط من حيث أو الحيلولة تقع بين الورثة وبين المال في الحال بسبب الأجل ولهذا لو رجع شهود التأجيل ضمنوا كما تضمن شهود الأبراء فعلى ذلك الأصل تنبني هذه المسألة وقد قررنا هذا الكلام فيما أمليناه من شرح الجامع في هذه لمسألة بعينها وأما الشفيع فالأجل لا يثبت في حقه ولكنه بالخيار إن شاء عجل المال .
كله وأخذ الدار كله وإن شاء كف حتى يحل المال وقد بينا هذا في الصحيح ببيع داره بثمن مؤجل أن الأجل لا يثبت في حق الشفيع فهو مثله في حق المريض وإذا باع المريض دارا أو حابى فيها ثم برأ من مرضه والشفيع وارثه فإن لم يكن علم بالبيع حتى الأن فله أن يأخذها بالشفعة لأن المرض إذا تعقبه برأ فهو بمنزلة حال الصحة وإن كان قد علم بالبيع وقد بطلت الشفعة حتى برأ من مرضه فلا شفعة له لأن السبب الموجب للشفعة له البيع وقد سكت عن الطلب بعدما علم بالسبب فتبطل شفعته به وإن لم يكن متمكنا من الأخذ عند ذلك كالجار إذا سكت عن الطلب بعد علمه بالبيع لمكان الشريك ثم سلم الشريك لم يكن له أن يأخذ بالشفعة فهذا مثله والله علم بالصواب