( قال C قال قد بينا في النكاح أن المهور لا تستحق بالشفعة عندنا وتستحق عند الشافعي والحاصل عندنا أن الشفعة تختص بمقابلة مال بمال مطلقا لأن الشفيع لايتمكن من الأخذ إلا بمثل السبب الذي يملك به الجار الحادث وأخذه لا يكون إلا مبادلة مال بمال مطلقا وعلى هذا الأصل لا شفعة في المجعول بدلا في الخلع والصلح في القصاص في نفس أو عضو لأن الشفيع لا يتمكن من الأخذ بمثل ذلك السبب ولا يمكن إقامته مقام المتملك في حكم ذلك السبب فهو نظير الموهوب لا يستحق بالشفعة وكذلك لو استأجر ابلا بدار لأن الأجرة غير مملوكة بازاء مال مطلقا لأن الشفعة ليست بمال في الحقيقة وإنما يجعل لها حكم المالية في جواز العقد عليها للحاجة ثم قد بينا في كتاب النكاح ما إذا تزوج امرأة على دار على أن ردت عليها ألفا وذكرنا إن عند أبي يوسف ومحمد تجب الشفعة في حصة الألف بمنزلة ما لو أفرد كل واحد من العقدين وعند أبي حنيفة لا تجب الشفعة في شيء لأن البيع هنا بيع للنكاح ( وإذا تعذر إيجاب ) الشفعة فيما هو الأصل لا يوجب فيما هو بيع ولو تزوج امرأة بغير مهر ثم فرض لها داره أو صالحها على أن يجعلها مهرا لها أو أعطاها إياها مهرا لم يكن فيها شفعة لأن هذا منه تعيين لمهر المثل ومهر المثل مملوك لها بمقابلة ما ليس بمال فلا يستحق بالشفعة ولأن أكثر ما فيه أن يجعل المفروض بعد العقد كالمسمى في العقد وهذا بخلاف ما لو باعها بمهر مثلها دارا لأن البيع اسم خاص لمبادلة مال بمال ففي لفظ البيع دليل على أنه ملكها الدار عوضا عن مهر المثل وكذلك أن صالحها من مهرها على الدار أو مما وجب لها من المهر علي الدار فللشفيع فيها الشفعة لأن في لفظهما ما يدل على أنهما لم يقصدا تعيين مهر المثل بالدار فإنه ملكها ذلك عوضا عن المهر الذي استوجب عليه والذي استوجب عليه من المهر مال فكان مبادلة مال بمال وكذلك لو تزوجها على مهر مسمى فباعها به هذه الدار أخذها الشفيع بالشفعة وكذلك لو فرض القاضي لها مهرا ثم اشترى به الدار أخذها الشفيع بالشفعة بخلاف ما لو أعطاها الدار مهرا فإن هناك لو طلقها قبل الدخول وجب عليها أن ترد الدار وتطالبه بالمتعة وهنا لو طلقها قبل الدخول لم يلزمها رد شيء من الدار على الزرج وإنما يلزمها من الدار ما فرض القاضي مهرا لها يحسب من ذلك مقدار المتعة ويعطيه الفضل على ذلك وفي المسمى في العقد يعطيه نصف المسمى وإذا صالح من دم عمد على دار على أن يرد عليه صاحب الدم ألف درهم فلا شفعة في الدار في قول أبي حنيفة لأن الأصل فيه الصلح وما يقابل من دم العمد بالدار لا يستحق بالشفعة فكذلك ما يتبعه وعند أبي يوسف ومحمد يأخذ منها جزءا من إحدى عشر جزء بألف درهم لأن الدار تقسم على الألف وعلى دم العمد وقيمة الدية ألا ترى أنه إذا تعذر استيفياء القود يجب المصير إلى الدية والدية عشرة آلاف فإذا جعلت كل ألف جزءا كانت حصة الدم من الدار عشرة أجزاء من إحدى عشر جزءا وحصة الألف جزء من احدى عشر جزءا فيأخذ الشفيع ذلك بالشفعة وكذلك الصلح من شجاج العمد التي فيها القود وإن صالحه من موضحتين أحداهما عمد والآخرى خطأ على دار فلا شفعة فيها في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف ومحمد يأخذ الشفيع نصفها بخمسمائة لأن موجب موضحة الخطأ خمسمائة درهم وموجب العمد القود فإذا صالح عنهما على دار كان نصفها بدلا عن القود ونصفها بدلا عن الخمسمائة وأبو حنيفة يقول المقصود بهذا الصلح القود لأن المال لا يعارض النفس ألا ترى أن موجب موضحة العمد وهو القود على صاحب الدار خاصة وإن موجب الخطأ عليه وعلى عواقله وإذا لم تجب الشفعة فيما هو الأصل لا تجب في البيع أيضا أما لأنه صار شريكا بما هو الأصل أو قياس على المضارب إذا باع دارا من مال المضاربة ورب المال شفيعها بدار له وفي المال ربح فإنه لا يأخذ بالشفعة نصيب المضارب من الربح لأن الشفعة لم تجب له فيما هو الأصل باعتبار أن البيع كان له فلا تجب الشفعة في البيع أيضا وأن صالح من كفاله بنفس رجل على دار فلا شفعة فيها لأن هذا الصلح باطل فإنه بإسقاط حقه عن الكفالة بالنفس لا يملك الكفيل شيئا فلا يستحق عليه عوضا وإن كان هذا الصلح صحيحا لم يجب فيها الشفعة لأن الدار ملكت بإزاء ما ليس بمال فالكفالة بالنفس ليست بمال وسواء كانت الكفالة بنفس رجل في قصاص واحد أو مال ففي حكم الشفعة وبطلان الصلح في الكل سواء ولو صالحه من المال الذي يطلب به فإن قال على أن يبرأ فلان من المال كله فهو جائز وللشفيع فيها الشفعة لأن صلح الأجنبي عن الدين على ملكه صحيح كصلح المديون ولو كان المديون هو الذي صالح على ذلك جاز الصلح ووجب للشفيع فيها الشفعة فكذلك إذا فعله أجنبي هو كفيل .
بالنفس وإن قال أقبضتكها عنه فالصلح باطل لأنه ملكه الدار بمقدار قيمتها من الدين فقضاء الدين بالدار يكون بهذه الصفة وذلك مجهول لأنه يعلم أنه جميع الدين أو بعضه فكان الصلح فاسدا ولا شفعة في العوض في الصلح الفاسد كما لا شفعة في البيع الفاسد وإذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة على دار فطلبها الشفيع بالشفعة فسلمها الأب له بثمن مسمى معلوم بمهر مثلها أو بقيمة الدار فهذا بيع وللشفيع فيها الشفعة لأن الصداق لا يستحق بالشفعة والتسليم فيه إلى الشفيع سمحا بغير قضاء بمنزلة الشفيع المبتدأ وللأب ولاية البيع في دار ابنته الصغيرة وهو بيع صحيح لأن الثمن فيه مسمى معلوم وكذلك لو كانت الابنة كبيرة فسلمت فهو بيع وللشفيع فيها الشفعة ولا شفعة في البيع الفاسد أن قبضها المشتري أو لم يقبضها أما قبل القبض فلبقاء ملك البائع فيها وأما بعد القبض فلبقاء حقه في استرادها ووجوب الشفعة بغير انقطاع حق البائع عن الدار فإن كان قد قبضها فبيعت دار إلى جنبها فللمشتري أن يأخذها بالشفعة لأن ملكها بالقبض فهو جار للدار المبيعة حين بيعت بملك هذه الدار وقيام حق البائع في الاسترداد لا يمنع وجوب هذه الشفعة لها كقيام حق المرتهن في الدار المرهونة لا يمنع وجوب الشفعة للراهن إذا بيعت دار بجنبها فإن لم يأخذها حتى رد هذه الدار بطلت شفعته في تلك الدار لأنه زال جواره قبل أن يأخذها بالشفعة وقيام السبب له إلى وقت الأخذ بالشفعة شرط للقضاء له بالأخذ ولا شفعة للبائع فيها لأنه لم يكن جارا حين بيعت هذه الدار وهو بمنزلة مالو باع الشفيع داره التي يطلب بها الشفعة قبل أن يخاصم بالشفعة فإنه لا يستحق المبيع بالشفعة لأنه زال جواره ولا المشتري منه لأن جواره حادث بعد ملكه الدار وإذا اشترى دارا شراءا فاسدا وقبضها وبناها فللبائع قبمتها وينقطع حقه في الاسترداد عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد لا ينقطع حقه في الاسترداد ولكن يهدم بناء المشتري فيرد الدار على البائع لأنه بنى في بقعة غيره أحق بتملكها منه فينقض بناءه للرد على صاحب الحق كالمشتري إذا بنى في الشقص المشفوع وهذا لأن البناء بيع لحق الثابت في الأصل بصفة التأكيد لا يبطل بمعنى في البيع ثم حق البائع في الاسترداد أقوى من حق الشفيع ألا ترى أنه لا يبطل بالسكوت ولايسقط بإسقاط البائع وإن ذلك مستحق له وعليه شرعا ثم بناء المشتري في ملكه ينقض لحق الشفيع مع ضعفه فلأن ينقض بحق البائع في الاسترداد كان أولى أرأيت لو هدم المشتري بناءه ألم يكن للبائع أن يسترده وهذا لاوجه لمنعه فالمشتري إذا وجد بها عيبا بعدما رفع بناءه كان له أن يردها بالعيب فلأن يردها بفساد الببيع كان أولى وهذا بخلاف حق الواهب في الرجوع فهو حق ضعيف فيسقط بمعنى في البيع كما يسقط بحدوث الزيادة المتصلة وبموت أحدهما وأبو حنيفة يقول بنى في ملك نفسه بتسليط من له الحق فلا ينقض بناؤه لحقه كالموهوب له يبني في الدار الموهوبة وبيان الوصف أن الحق في الاسترداد للبائع فهو الذي سلط المشتري عل هذا البناء بإيجاب الملك له فيها والبيع وإن فسد شرعا فالتسليط من البائع بقي معتبرا في حقه والدليل عليه أن سائر تصرفات المشتري من البيع والهبة والصدقة لا تنقض لحق البائع في الاسترداد وما كان ذلك إلا باعتبار تسليطه إياه على ذلك وبه فارق الشفيع فإنه لم يوجد منه تسليط المشتري على التصرف ولهذا ينقض سائر تصرفات المشتري لحق الشفيع فكذلك ينقض بناؤه وإذا عرفنا هذا فنقول عندهما لا يجب للشفيع فيها الشفعة لبقاء حق البائع في الاسترداد وعند أبي حنيفة يجب للشفيع فيها الشفعة لأن حق البائع في الاسترداد قد انقطع فيأخذها الشفيع بقيمتها وينقض بناء المشتري لحق الشفيع وهما بهذا الحرف يستدلان على أبي حنيفة فيقولان لإقرار لهذا البناء بالاتفاق بل رفعه مستحق أما لحق البائع أو لحق الشفيع وأبو حنيفة يقول لهذا البناء قرار في حق البائع فإنه حصل بتسليطه فينقطع به حق البائع في الاسترداد ولكن لاقرار له في حق الشفيع فيكون له أن ينقضه للأخذ بالشفعة وهو بمنزلة تصرف آخر من المشتري فيها كالبيع والهبة والصدقة فإنه يقطع حق البائع في الاسترداد ثم ينقض ذلك التصرف لحق الشفيع يقول فإن باعها المشتري بيعا صحيحا فللشفيع الخيار أن شاء أخذها بالبيع الثاني بالثمن المسمى وإن شاء أبطل البيع الثاني وأخذها بالبيع الأول بالقيمة لاجتماع سببين فيها لثبوت حق الأخذ له فيأخذ بأي السببين شاء وهما يفرقان بين هذا وبين البناء ويقولان تصرف المشتري هنا حصل في غير ما هو مملوك له بالعقد الفاسد وفي البناء حقه في البيع لأن البيع بيع للأصل وفي هذا القول اشكال فالشفيع إذا نقض البيع .
الثاني فقد صار ذلك كان لم يكن وقيل البيع الثاني يرد على البائع الأول ولا شفعة فيها فكذا بعدما انتقض البيع الثاني من الأصل ولكنا الجواب عنه أن البيع الثاني من الأصل الثاني صحيح مزيل لملك المشتري وإنما ينقض لحق الشفيع فيما يكون من مقتضيات حق الشفيع لا يصلح أن يكون مبطلا حقه الأخذ في بالشفعة و ) إن اشتراها شراءا فاسدا ولم يقبضها حتى بيعت دار إلى جنبها فللبائع أن يأخذ هذه الدار بالشفعة لأن الأول في ملكه بعد فيكون جارا بملكه الدار الآخر فإن سلمها إلى المشتري بطلت شفعته لأنه أزال جواره باختياره قبل الأخذ بالشفعة ولا شفعة فيها للمشتري لأن جواره محدث بعد بيع تلك الدار وإن اشتراها بخمر أو خنزير والمتعاقدان مسلمان أو أحدهما وشفيعها نصراني فلا شفعة فيه لأن البيع فاسد والخمر والخنزير ليس بمال متقوم في حق المسلم منهما وفي البيع الفاسد لا تجب الشفعة لمسلم ولا كافر وإن اشتراها كافر من كافر وشفيعها مسلم فالبيع صحيح لأن الخمر والخنزير في حقهم مال متقوم كالبعير والشاة في حق المسلمين فإن كان شفيعها نصراني أخذها بمثل الخمر المشترى بها أو بقيمة الخنزير لأن الخمر من ذوات الأمثال فيأخذها الشفيع بمثل ما يملك به المشتري صورة ومعنى وفي الخنزير يأخذها بقيمته ولو كان الشفيع مسلما أخذها بقيمة الخمر والخنزيز لأن المسلم عاجز عن تمليك الخمر قصدا فعليه قيمتها وهو معتبر بالاستهلاك فإن خمر النصراني عند الاستهلاك مضمون على النصراني بالمثل وعلى المسلم بالقيمة فكذلك في حق الشفيع وطريق معرفة القيمة والرجوع فيها إلى من أسلم من أهل الذمة أو من تاب من فسقة المسلمين فإن وقع الاختلاف في ذلك فالقول قول المشتري بمنزلة ما إذا اختلف الشفيع والمشتري في مقدار الثمن وإذا اشترى أرضا شراءا فاسدا فزرعها وغرس فيها الشجر فنقضها ذلك ثم جاء الشفيع والبائع فللشفيع أن يأخذها بقيمتها في قياس قول أبي حنيفة لأن الغرس كالبناء فكما لا ينقض بناء المشتري لحق البائع عنده فكذلك لا تقلع أشجاره وإذا انقطع حق البائع في الاسترداد وجب للشفيع فيها الشفعة بقيمتها إلا أنه يطرح عنه من ذلك بقدر ما نقض الأرض من عمل المشتري لأنه في معنى المتلف لجزء منها وقد بينا أن لما يتلفه المشتري حصة من الثمن في حق الشفيع يطرح عنه بقدره كالبناء إذا أحرقه وعند أبي يوسف ومحمد يقلع الشجر كما يهدم البناء ويرد على البائع ولا شفعة فيها وكذلك أن اتخذها مسجدا ثم خاصمه البائع فيها فله القيمة في قياس قول أبي حنيفة لأن تصرف المشتري بتسليط البائع فلا ينقض لحقه وعندهما يرد على البائع كما لو بنى فيها المشتري بناء آخر وذكر هلال في كتاب الوقف أن حق البائع في القيمة عندهم جميعا لأن المسجد يتحرر عن حق العباد ويصير خالصا A تعالى فهو نظير العتق في العبد الذي اشتراه شراءا فاسدا ثم هذا تصرف من المشتري في عين ما يملكه بالعقد الفاسد ولو تصرف فيه بنقل الملك إلى غيره لم ينقض تصرفه لحق البائع في الاسترداد فإذا تصرف فيه بإبطال الملك أولى فإن باع نصفها بيعا صحيحا يرد النصف الثاني على البائع اعتبارا للبعض بالكل ويأخذ الشفيع النصف الآخر بالثمن الآخر هكذا قال والصحيح أنه يتخير بين أن يأخذ النصف بنصف القيمة بحكم البيع الأول لما انقطع حق البائع في الاسترداد فيه وبين أن يأخذه بالبيع الثاني بالثمن المسمى اعتبارا للبعض بالكل وإذا أخذه بالثمن الآخر يصدق المشتري بفضل نصف الثمن على نصف القيمة فإنه إنما يغرم للبائع نصف القيمة فالفضل حصل له بكسب خبيث فيؤمر بالتصدق به والله أعلم