( قال C أعلم بأن الموهوب لا يستحق الشفعة إلا على قول ابن أبي ليلى ) فإنه يقول يستحق بالشفعة إذا كان مما لا يقسم ويأخذ الشفيع بقيمة نفسه إن لم يعوض الموهوب له الواهب وإن عوضه فبقيمة العوض وكذلك إذا عوض الغير من هبته شقصا من غير شرط وفي استحقاقه بالشفعة خلاف على ما بينا هو يقول ثبوت حق الشفعة لحاجته إلى دفع ضرر البادي بسوء مجاورة الجار الحادث وذلك لا يختلف باختلاف سبب الملك فتجب له الشفعة متى تجدد الملك للجار الحادث بأي سبب كان من هبة أو صدقة أو وصية إلا الميراث فالملك لا يتجدد به وإنما يبقي الوارث ما كان ثابتا للمورث ثم يدفع الضرر عن نفسه بالأخذ على وجه لا يلحق الضرر بالمتملك فإن كان المتملك دفع بمقابلته عوضا فعليه قيمة ذلك العوض وإن لم يدفع بمقابلته عوضا فعليه قيمة ما يأخذ لأن الضرر بذلك يندفع عنه ولكنا نقول حق الشفعة إنما يثبت له إذا تمكن من الأخذ بمثل السبب الذي به يملك المتملك فأما إذا عجز عن ذلك لا يثبت له حق الشفعة كالميراث وفي الهبة لا يقدر على أن يأخذ بمثل ذلك السبب لأن الموهوب له يملكه بطريق التبرع وإنما يأخذها الشفيع بطريق المعاوضة فيكون هذا إن شاء سبب آخر ويحق الشفعة لا تثبت هذه الولاية يوضحه أن الشرع قد الشفيع على المشتري في حكم السبب الذي باشره وذلك يتأتى في المعاوضات ولا يتأتى في التبرع لأن الملك الذي يثبت للشفيع لا يكون حكم التبرع ولأن الشفيع في المعاوضة كان أحق بالعرض عليه قبل البيع فإذا لم يفعل ذلك البائع جعله الشرع أحذ بالأخذ ليندفع ليندفع الضرر عنه وهذا لا يوجد في التبرع فإن من أراد أن يهب ملكه من إنسان فليس عليه أن يعرض بيعه أولا على جاره ولا أن يهبه من جاره فلهذا لا يستحق الشفعة بهذا السبب فإن وهب لرجل دارا على أن يهبه الآخر ألف درهم شرطا فلا شفعة للشفيع فيه ما لم يتقابضا وبعض التقابض يجب للشفيع فيه الشفعة وعلى قول زفر تجب الشفعة قبل التقابض وهو بناء على ما بينا في كتاب الهبة إن الهبة بشرط العوض عنده بيع ابتداء وانتهاء وعندنا ابتداء وهو بمنزلة البيع إذا اتصل به القبض من الجانبين فأما الوصية على هذا الشرط إذا قبل الموصي له ثم مات الموصي فهو بيع لازم له وإن لم يقبض لأن الملك في الوصية بعد القبول يحصل بالموت ألا ترى أنه لو كان بغير شرط العوض يملك قبل القبض فكذلك إذا كان بشرط العوض فهو على وجهين إن قال قد أوصيت بداري بيعا لفلان بألف درهم ومات الموصي فقال الموصي له قد قبلت فللشفيع الشفعة وإن قال أوصيت له بأن يوهب له على عوض ألف درهم فهذا وما لو باشر الهبة بنفسه بشرط العوض سواء في الحكم وإن وهب نصيبا من دار مسمى بشرط العوض وتقابضا لم يجز ولم يكن فيه الشفعة عندنا لأنه بر ابتداء والشيوع في العوض فيما يقسم وإن وهب دار الرجل على ان ابراءه من دين له عليه ولم يسمه وقبض كان للشفيع فيها الشفعة لأن المديون قابض للدين بدينه فبقبض الدار تتم المعاوضة بينهما فيجب للشفيع فيها الشفعه والقول في مقدار العوض قول الذي عوض لأن الشفيع يملك الدار عليه وقد بينا أن القول في مقدار العوض قول الذي عوض لأن الشفيع يملك الدار عليه وقد بينا أن القول في مقدار الثمن قوله وكذلك لو وهبها بشرط الإبراء مما يدعي في هذه الدار الآخرى وقبضها فهو مثل ذلك في الاستحقاق بالشفعة لأن التملك فيها تم بجهة المعاوضة وإذا وهب الرجل دار ابنه الصغير لرجل على عوض مثل قيمتها وتقابضا فهو جائز وللشفيع فيها الشفعة في قول أبي يوسف الأول وهو قول محمد وفي قول أبي يوسف الآخر لا يجوز ولا شفعة فيها وكذلك الوصي والعبد والمأذون والمكاتب والمضارب في قول أبي يوسف الأول كل من يملك البيع يملك الهبة بشرط العوض إذا لم يكن فيه محاباة وهو قول محمد وفي قوله الآخر كل من لا تجوز هبته بغير عوض لا تجوز هبته بشرط العوض وجه قوله الأول أن هذا تمليك مال بمال يعادله شرطا فيصح من الأب والوصي كما لو كان بلفظ البيع أو بلفظ التمليك وتحقيقه أن حق الصبي في المال لا في اللفظ وتصرف الأب والوصي مقيد شرعا بالأحسن والإصلح لليتيم وذلك في أن يتوفر عليه المالية لا في لفظ المعاوضة ألا ترى أن البيع منهما لما لم يجز بالتعاطي من غير لفظ فإن أسقط اعتبار اللفظ قلنا توفير المالية عليه في الهبة بشرط العوض كما في البيع بل أظهر لأن في الهبة بشرط العوض لا يزول المال عن ملكه ما لم يصل العوض إلى يد ثانية وبالبيع تزول العين عن ملكه قبل وصول العوض إليه وبهذا التحقيق يظهر أن الهبة بشرط العوض من الأب والوصي بمنزلة الكتابة وهما يملكان الكتابة في غير الصبي بخلاف العتق على مال فالملك هنا يزول بنفس القبول والبدل في ذمة مفلسه لا يدري أيصل .
إليه أم لا بمنزلة التأدي وجه قوله الآخر أن الهبة عقد تبرع وليس للأب ولوصي ولاية التبرع في مقال اليتيم فباشتراط العوض لا تثبت له هذه الولاية كالعتق فإنه لو اعتق عبده بمال هو أضعاف قيمته وتبرع إنسان بادائه لم يجزو به يبطل ما اعتبر محمد من توفير المالية عليه وتحقيق هذا الكلا أنه لما لم يكن من أهل التبرع وهذا العقد عقد تبرع باعتبار أصله فهو عقد صدر من غير أهله وكما يلغوا السبب إذا حصل في غير محله فكذلك إذا صدر من غير أهله وحكم المعاوضة ينبني على صحة السبب عند اتصال القبض به من الجانبين فإذا لم يصح أصل السبب لما قلنا لا ينقلب بالتقابض بيعا صحيحا ألا ترى أنه لو حصل ذلك في مشاع يحتمل القسمة لا يصير بيعا صحيحا بالتقابض فكذلك إذا حصل ممن لا يمكن الهبة بغير عوض لا يصير بيعا صحيحا بالتقابض فلا تجب فيه الشفعة والله أعلم