قال : ولا ينبغي للإمام أن يقرأ سورة فيها سجدة في صلاة لا يجهر فيها بالقرآن لأنه لو فعل ذلك وسجد لها اشتبه على القوم فيظنون أنه غلط فقدم السجود على الركوع وفيه من الفتنة ما لا يخفى فإن قرأ بها سجد لها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة وسجد القوم معه لوجوب المتابعة عليهم وفي " حديث " أبي سعيد الخدري " رضي الله تعالى عنه قال : سجد رسول الله A في صلاة الظهر فظننا أنه قرأ الم تنزيل السجدة " قال : ويكبر لسجدة التلاوة إذا سجد وإذا رفع رأسه كما في سجدة الصلاة قال : ولا يسلم فيها لأن السلام للتحليل عن التحريمة وليس فيها تحريمة ولم يذكر ماذا يقول في سجوده والأصح أنه يقول في سجوده من التسبيح ما يقول في سجدة الصلاة وبعض المتأخرين استحسن أن يقول فيها سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا لقوله تعالى : " يخرون للأذقان سجدا " } الآية الإسراء : 107 واستحسن أيضا أن يقوم فيسجد لأن الخرور سقوط من القيام والقرآن ورد به فإن لم يفعل لم يضره .
قال : رجل قرأ آية السجدة خلف الإمام فسمعها الإمام والقوم فليس على أحد منهم أن يسجدها في الحال ولا بعد الفراغ من الصلاة عند " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رحمهما الله تعالى . وقال " محمد " C تعالى يسجدون إذا فرغوا من صلاتهم أما في الصلاة لا يسجدون لأنه لو سجدها التالي وتابعه الإمام انقلب المتبوع تابعا وإن لم يتابعه الإمام كان هو مخالفا لإمامه وإن سجدها الإمام وتابعه التالي كان هذا خلاف موضوع السجدة فإن التالي المعتد به إمام السامعين وأما بعد الفراغ " فمحمد " C تعالى يقول السبب الموجب للسجدة في حقهم قد وجد وهو التلاوة والسماع وحرمة الصلاة منعت الأداء فيها فيسجدون بعد الفراغ كما لو سمعوا من رجل ليس معهم في الصلاة وليس في هذا أكثر من أن المقتدي ممنوع من القراءة خلف الإمام وهذا لا يمنع وجوب السجدة بتلاوته كالجنب إذا تلاها .
ولهما حرفان : .
الأول أن الإمام يحمل عن المقتدي فرضا كما يحمل عنه موجب السهو ثم سهو المقتدي يتعطل فكذلك تلاوته .
والثاني أن هذه السجدة صلاتية لأن سببها تلاوة من يشاركهم في الصلاة والصلاتية إذا لم تؤد في الصلاة بعد الفراغ منها كما لو تلاها الإمام ولم يسجد في الصلاة بخلاف ما إذا سمعوا ممن ليس معهم في الصلاة لأنها ليست بصلاتية ألا ترى أن المقتدي إذا فتح على إمامه لم تفسد به الصلاة ومن ليس معه في الصلاة إذا فتح على المصلي فسدت صلاته وبه يتضح الفرق وليس هذا كقراءة الجنب لأنه غير ممنوع من قراءة .
صفحة [ 11 ] القرآن الموجب للسجدة وهو ما دون الآية بخلاف المقتدي ولأن الجنب ممنوع عن القراءة غير مولي عليه والمقتدي مولى عليه في القراءة والمولى عليه في التصرف لا يتعلق بتصرفه حكم . قال : وإذا سمعها من الإمام من ليس معهم في الصلاة فعليه أن يسجدها لتقرر السبب وهو السماع فإن دخل مع الإمام في صلاته فإن كان الإمام لم يسجدها بعد سجدها والداخل معه كما لو كان في صلاته عند القراءة وإن كان الإمام قد سجدها سقطت عن الرجل لأنه لا يمكنه أن يسجدها في الصلاة إذا يكون مخالفا لإمامه ولا يمكنه أن يسجدها بعد الفراغ لأنها صلاتية في حقه كما هي في حق الإمام فإنه شريك الإمام فيها والصلاتية لا تؤدى بعد الفراغ منها .
وفي الأصل بعد ذكر هذه المسألة قال : ألا ترى لو أن رجلا افتتح الصلاة مع الإمام وهو ينوي التطوع والإمام في الظهر ثم قطعها فعليه قضاؤها فإن دخل معه فيها ينوي صلاة أخرى تطوعا فصلاها معه لم يكن عليه قضاء شيء وهذه المسألة مبتدأة وهي على ثلاثة أوجه : .
إما أن ينوي قضاء الأولى أو لم يكن له نية أو نوى صلاة أخرى : .
ففي الوجهين الأولين عندنا سقط عنه ما لزمه بالإفساد وقال " زفر " رضي الله تعالى عنه لا يسقط لأن ما لزمه بالإفساد صار دينا كالمنذورة فلا بد أن يتأدى خلف الإمام حين يصلي صلاة أخرى ولكنا نقول لو أتمها حين شرع فيها لم يلزمه شيء آخر فكذلك إذا أتمها بالشروع الثاني لأنه ما التزم بالشروع إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام وقد أداها .
فإن كان قد نوى تطوعا آخر فقد قال ههنا ينوب عما لزمه بالإفساد وهو قول " أبي حنيفة " و " أبي يوسف " رضي الله تعالى عنهما وفي زيادات الزيادات قال : لا ينوب وهو قول " محمد " رضي الله تعالى عنه . ووجهه أنه لما نوى صلاة أخرى فقد أعرض عما كان دينا في ذمته بالإفساد فلا ينوب هذا المؤدى عنه بخلاف الأول وجه قولهما أنه ما التزم في المرتين إلا أداء هذه الصلاة مع الإمام وقد أداها قال : فإن قرأها المصلي وسمعها أيضا من أجنبي أجزأه سجدة واحدة وروى " ابن سماعة " عن " محمد " رحمهما الله تعالى أنه قال لا تجزئه لأن السماعية ليست بصلاتية والتي أداها صلاتية فلا تنوب عما ليست بصلاتية .
وجه ظاهر الرواية أنه أدى ما لزمه بالتلاوة وهو أقوى من السماعية لأن لها حرمتين حرمة التلاوة لها وحرمة الصلاة وللسماعية حرمة واحدة والقوي ينوب عن الضعيف ولو استويا ناب أحدهما عن الثاني فلأن ينوب القوي عن الضعيف كان أولى . قال : وإن تلاها في الصلاة وسجد ثم أحدث فذهب وتوضأ ثم عاد .
صفحة [ 12 ] إلى مكانه وبنى على صلاته ثم قرأ ذلك الأجنبي تلك السجدة فعلى هذا المصلي أن يسجدها إذا فرغ من صلاته لأن بذهابه ورجوعه تجدد له مجلس آخر مما لا يكون من صلاته والسماعية ليست في صلاته فيجعل في حقها كأنه لم يكن في الصلاة ومن ليس في الصلاة إذا سمع وسجد ثم ذهب فتوضأ ثم عاد وسمع فعليه سجدة أخرى قال : وإن قرأها في غير الصلاة وسجد ثم افتتح الصلاة في مكانه فقرأها فعليه سجدة أخرى لأن التي وجبت للتلاوة في الصلاة صلاتية فلا تنوب عنها المؤداة قبل الشروع في الصلاة لأنها أضعف .
وإن لم يكن سجد أولا حتى شرع في الصلاة في مكانه فقرأها فسجد أجزأته عنهما في ظاهر الرواية .
وفي رواية " ابن سماعة " عن " محمد " رحمهما الله تعالى وهو إحدى روايتي نوادر الصلاة لا تجزئه عن الأولى ووجهه أنه لا يمكن إدخال الثانية في الأولى لأنها أقوى ولا يمكن إدخال الأولى في الثانية لأنه خلاف موضوع التداخل فلا بد من اعتبار كل واحدة منهما على حدة الصلاتية تؤدى في الصلاة وغير الصلاتية وهي الأولى تؤدى بعد الفراغ منها .
ووجه ظاهر الرواية أن السبب واحد فإن المتلو آية واحدة والمكان واحد والمؤداة أكمل من الأولى لأن لها حرمتين ولو كانت مثل الأولى لنابت عنها فإذا كانت أكمل من الأولى فأولى أن تنوب عنها . قال : رجل قرأ آية السجدة فسجدها ثم قرأها ثانية بعد ما أطال القعود أجزأته السجدة الأولى لأنه لم يشتغل بين التلاوتين بعمل يقطع به المجلس وباتحاد المجلس يتحد السبب فإن أكل أو نام مضطجعا أو أخذ في بيع أو شراء أو عمل يعرف أنه قطع لما كان قبل ذلك ثم قرأ فعليه سجدة أخرى لأن المجلس يبتدل بهذه الأعمال ألا ترى أن القوم يجلسون لدرس العلوم فيكون مجلسهم مجلس الدرس ثم يشتغلون بالأكل فيصير مجلس الأكل ثم يقتتلون فيصير مجلسهم مجلس القتال وصار تبدل المجلس بهذه الأعمال كتبدله بالذهاب والرجوع . قال : وإن نام قاعدا أو أكل لقمة أو شرب شربة أو عمل عملا يسيرا ثم قرأها فليس عليه أخرى لأن بهذا القدر لا يتبدل المجلس والقياس فيهما سواء أنه لا يلزمه أخرى لبقائه في مكانة حقيقة ولكنا استحسنا إذا طال العمل اعتبارا بالمخيرة إذا عملت عملا كثيرا خرج الأمر من يدها وكان قطعا للمجلس بخلاف ما إذا أكلت لقمة أو شربت شربة . قال : وإن قرأ بعدها سورة طويلة ثم أعاد تلك السجدة لم يكن عليه أن يسجدها لأن مجلسه لم يتبدل بقراءة القرآن فإن قراءة القرآن من السجود فباتحاد المجلس يتحد السبب . قال .
صفحة [ 13 ] : وإن قرأها في الركعة الأولى وسجدها ثم أعادها في الثانية أو الثالثة لم يكن عليه سجود ولم يذكر ههنا اختلافا وقال في الجامع الكبير في القياس وهو قول " أبي يوسف " C تعالى الآخر عليه سجدة أخرى وفي الاستحسان وهو قوله الأول وقول " محمد " C تعالى عليه سجدة أخرى .
وجه ذلك أن للقراءة في كل ركعة حكما على حدة حتى يسقط به فرض القراءة فكانت الإعادة في الركعتين نظير الإعادة في الصلاتين .
وجه القياس أن المكان مكان واحد وحرمة الصلاة حرمة واحدة والمتلو آية واحدة فلا يجب إلا سجدة واحدة كما لو أعادها في الركعة الأولى وقد قررنا هذا الفصل فيما أمليناه من شرح الجامع قال : وإذا قرأ الإمام سجدة في ركعة وسجدها ثم أحدث في الركعة الثانية فقدم رجلا جاء ساعتئذ فقرأ تلك السجدة فعليه أن يسجدها لتقرر السبب في حقه وهو التلاوة ولم يوجد منه أداء قبل هذا وهو في هذه التلاوة مبتدئ وعلى القوم أن يسجدوا معه لأنهم التزموا متابعته .
وإذا سجد في الصلاة ثم سلم وتكلم ثم قرأها في مكانه فعليه أن يسجدها