قال C ( وإذا اشترى دارا بعبد بعينه فللشفيع أن يأخذها بالشفعة بقيمة العبد عندنا وقال أهل المدينة يأخذها بقيمة الدار ) لأن المبيع مضمون بنفسه أو بما يقابله من المسمى وقد تعذر هنا إيجاب المسمى في حق الشفيع لأنه لا مثل له من جنسه فوجب المصير إلى الضمان الأصلي وهو قيمة نفسه ولأن دفع الضرر من الجانبين واجب وإنما يندفع الضرر عن المشتري بوصول قيمة ملكه إليه وملكه عند الأخذ رقبة الدار وحجتنا في ذلك أن الشفيع يتملك بمثل ما يملك به المشتري والمثل أما أن يكون من حيث الصورة أو في معنى المالية فإذا كان الثمن مما له مثل من جنسه يأخذه بمثله صورة وإن كان مما لا مثل له من جنسه يأخذه بمثله في صفة المالية وهو القيمة كالغاصب عند تعذر رد العين برد المثل فيما له مثل والقيمة فيما لا مثل له توضيحه أنه إن أخذها من المشتري فقد صار متقدما عليه في تملكها بهذا السبب وفي معنى التلف على المشتري ما غرم فإنما يأخذها بما غرم من الثمن وإن أخذها من البائع فقد صار متلفا حقه فيما استوجب قبل المشتري من الثمن ولو أتلف ذلك حقيقة ضمن المثل فيما له مثل والقيمة فيما لا مثل له فكذلك هنا فإن مات العبد قبل أن يقبضه البائع انتقض الشراء لفوات القبض المستحق بالعقد فإن العبد معقود عليه وقد هلك قبل التسليم وللشفيع أن يأخذها بقيمة العبد عندنا وقال زفر ليس له أن يأخذها بالشفعة لأن العقد انتقض من الأصل بهلاك العبد قبل التسليم فيكون بمنزلة ما لو انتقض من استحقاقه وهذا لأنه لو كان العقد فاسدا في الابتداء لم يجب فيها للشفيع الشفعة فكذلك إذا فسد بهلاك المعقود عليه قبل التسليم ولأن المقصود بالأخذ دفع ضرر الجار الحادث وقد اندفع ضرره حين بطل البيع وحجتنا في ذلك أن بدل الدار في حق الشفيع قيمة العبد وهو قادر على أخذها به بعد هلاك العبد كما قبله وليس في هلاك العبد إلا انفساخ البيع بين البائع والمشتري وذلك لا يمنع بقاء حق الشفيع على ما بينا أنه يتمكن من أخذها من البائع وأن يضمن ذلك فسخ البيع بينه وبين المشتري وهذا لأن البيع مثبت حق الشفيع وبقاؤه ليس بشرط لبقاء حق الشفيع ألا ترى أنهما لو تقابلا لا يبطل به حق الشفيع وهذا بخلاف الاستحقاق فإنه يتبين به أن أصل البيع لم يكن صحيحا وأن حقه لم يثبت وكذلك إذا تبين فساد البيع من أصله فأما ههنا بهلاك العبد لا يتبين أن حق الشفيع لم يكن ثابتا ولا يتعذر عليه الأخذ بما هو البدل في حقه وكذلك أن أبطل البائع البيع بعيب وجده بالعبد وإن لم يكن شيء من ذلك وأخذ الشفيع بالدار من البائع أخذها بقيمة العبد لصاحبه لا سبيل للبائع عليه لأن العقد قد انفسخ بين البائع والمشتري بأخذ الشفيع من يد البائع فيبقى العبد على ملكه لأن خروجه عن ملكه كان بحكم البيع ولأن بدل الدار وهو قيمة العبد قد سلم للبائع من جهة الشفيع فلا يبطل حقه في بدل آخر فإنه لا يستوجب بدلين عن ملك واحد وإن أخذها من المشتري بقيمة العبد بقضاء أو بغير قضاء ثم مات العبد قبل القبض أو دخله عيب فإن القيمة للبائع وعلى قول زفر ان كان أخذها بقضاء القاضي فالدار ترد على البائع وقيمة العبد على الشفيع وإن كان أخذها بغير قضاء فعلى المشتري قيمة الدار للبائع لأن بموت العبد قبل القبض انفسخ العقد بين البائع والمشتري فبقيت الدار في يد المشتري بحكم عقد فاسد وقد تعذر عليه رد عينها حين أخرجها من ملكه باختياره فيلزمه قيمتها كالمشتراة شراء فاسدا ولكنا نقول لما مات العبد قبل القبض وجب على المشتري رد الدار على البائع وقد تعذر ردها فيجب رد مثلها ومثلها بحكم العقد قيمة العبد يوضحه أن حق البائع بالعقد كان في العبد أو في قيمته بدليل أن الشفيع يأخذها من البائع بقيمته وقد قدر المشتري على تسليم القيمة التي هي حقه عند أخذ الشفيع فلا يلزمه شيء آخر وهذا لأن دفع الضرر عن المشتري واجب وربما تكون الدار قيمتها عشرة آلاف وقيمة العبد ألف فإنما سلم للمشتري مقدار الألف درهم فإذا لزمه للبائع عشرة ألف كان عليه في ذلك من الضرر ما لا يخفى وتسليمها بالشفعة إلى الشفيع لا يكون بمنزلة البيع منه ألا ترى أنه فعل بدون القاضي غير ما يأمر به القاضي لو رفع الأمر إليه فكما لا يجعل بيعا مبتدأ إذا أخذ ما كان واجبا له من الشفعة بقضاء القاضي فكذلك إذا أخذ بغير قضاء ولو استحق العبد بطلب الشفعة لأن بالاستحقاق يتبين بطلان البيع من الأصل ويأخذ البائع الدار من الشفيع إن كان المشتري دفعها إليه بقضاء قاض وإن كان دفعها بغير قضاء قاض فقضاء قاض بقيمة العبد وسماها وقبضها الشفيع فهذا بمنزلة البيع فيما بينهما وهي جائزة للشفيع بتلك القيمة لأن بدل المستحق يملك بالقبض وتصرف المشتري فيه باعتبار ملكه نافذ وقد بينا أن في الموضع الذي لا تكون الشفعة واجبة يجعل التسليم بغير قضاء بمنزلة المبيع .
المبتدأ بخلاف ما تقدم فقد كانت الشفعة هناك واجبة حين أخذها الشفيع فلهذا جعلنا القضاء وغير القضاء هناك سواء وفرقنا بينهما هنا ثم على المشتري للبائع قيمة الدار لأنه لما استحق العبد وجب عليه رد ما قبض من الدار وقد تعذر ردها باخراجه إياها عن ملكه باختياره فيلزمه قيمتها وكذلك لو كان المشتري باع الدار ووهبها وقبضها الموهوب له أو تزوج عليها ثم استحق العبد ضمن قيمة الدار لأنه كان مالكا للدار حين التصرف فنفذ تصرفه ثم لزمه رد عينها حين استحق العبد وقد تعذر عليه ذلك فيلزمه رد قيمتها وإذا اشترى دارا بعرض بعينه وتقابضا فاختلف الشفيع والمشتري في قيمة العرض فإن كان قائما بعينه يقوم في الحال فيتبين بقيمته في الحال قيمته عند العقد وإن كان هالكا فالقول فيها قول المشتري لأنهما اختلفا في مقدار ما يلزم الشفيع من الثمن وإن أقاما البينة فعلى طريقة أبي يوسف عن أبي حنيفة البينة بينة الشفيع لأنها ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة وعلى قياس طريقة محمد عن أبي حنيفة البينة بينة المشتري في هذه المسألة وهو قول أبي يوسف ومحمد لأن ما صدر من المشتري ههنا اقراران وهذا نظير ما إذا اختلفا في قيمة البناء الذي أحرقه المشتري وإن اشتراها بشيء مما يكال أو يوزن أخذها الشفيع بمثله من جنسه لأن الشفيع يأخذ بمثل الثمن الأول وللمكيل والموزون مثل من جنسه كما في ضمان الإتلاف وإن اشترى دارا بعبد ثم وجد بالعبد عيبا فرده أخذها الشفيع بقيمة العبد صحيحا لأن العبد دخل في العقد بصفة السلامة وإنما يقوم في حق الشفيع على الوجه الذي صار مستحقا بالعقد ولو اشترى عبدا بدار فهذا وشراء الدار بالعبد سواء لأن كل واحد منهما معقود عليه فلا فرق بين أن يضيف العقد إلى العبد أو إلى الدار وإذا اشترى بناء دار على أن يعلقه فلا شفعة فيه من قبل أنه لم يشتر معه الأرض والبناء بدون الأرض منقولا ولا يستحق المنقول بالشفعة وهذا لأن حق الشفيع يثبت لدفع الضرر البادي بسوء المجاورة على الدوام وذلك لا يتحقق في شراء البناء بدون الأرض فإن اتصال أحد الملكين بالآخر لا يكون اتصال تأييد وقرار والدليل عليه أنه إنما يستحق بالشفعة ما يستحق به الشفعة وبملك البناء بدون الأرض لا يستحق بالشفعة فأما من له بناء على أرض موقوفة إذا بيعت دار بحسبه لا يستحق الشفعة فكذلك لا يستحق البناء بالشفعة إلا تبعا للأرض وكذلك لو اشترى نصيب البائع من البناء وهو النصف فلا شفعة في هذا والبيع فيه فاسد لأنه يريد أن ينقضه والشريك يتضرر به فإن قسمته لا تتأتى ما لم ينقض الكل وفيه من الضرر على الشريك ما لا يخفي وكذلك لو كان البناء كله لإنسان فباع نصفه لأنه لا يقدر على التسليم إلا بضرر يلحقه فيما ليس بمبيع وذلك مفسد للبيع كما لو باع جذعا في سقف وإذا أراد أن يشتري دارا بخادم فخاف عليها الشفيع وقيمة الخادم ألف درهم فباع الخادم بألفين من رب الدار ثم اشترى الدار بالألفين لم يأخذها الشفيع إلا بالألفين لأن المشتري يملك الدر بألفين فبذلك يأخذها الشفيع إن شاء .
( وهذا نوع حيلة ) لتقليل رغبة الشفيع في الأخذ لسبب كثرة الثمن ومن ذلك أن يشتري الدار بالفين ثم يعطيه بها خمسين دينارا أو يعطيه ألف درهم وثوبا لا يساوي الألف فلا يتمكن الشفيع من أخذها إلا بالفين وقل ما يرغب في ذلك إذا كان ثمنها ألف درهم ومن هذا النوع يحتال لتقليل رغبه الجار بإن تباع عشر الدار أولا بتسعة أعشار الثمن ثم تسعة أعشارها بعشر الثمن فلا يرغب الجار في أخذ العشر لكثرة الثمن ولا حق له فيما بقي لأن المشتري صار شريكا والشريك مقدم على الجار ومن الحيلة لابطال حقه أن يتصدق البائع بقطعة من الدار صغيرة وطريقها إلى باب الدار عليه فيسلمها إليه ثم يشتري منه بقية الدار فلا شفعة للجار لأن المشتري شريك في الطريق وهو مقدم على الجار أو يهب منه قدر ذراع من الجانب الذي هو متصل بملك الجار ثم يبيع ما بقى منه فلا يجب للجار شفعة لأن ملكه لا يلازق المبيع أو يوكل الشفيع ببيعها فإذا باعها لم يكن له فيها شفعة أو يبيعها بشرط الخيار ثلاثة أيام للشفيع ليقبل أسقاط الخيار وإذا سقط الخيار بطلت شفعته أو يبيعها بشرط أن يضمن الشفيع الدرك فإذا ضمن بطلت شفعته أو يقول المشتري للشفيع أنا أبيعها منك بأقل من هذا الثمن فإذا رضى بذلك وساومه بطلت شفعته والاشتغال بهذه الحيل لا بطال حق الشفيع لا بأس به أما قبل وجوب الشفعة فلا إشكال فيه وكذلك بعد الوجوب إذا لم يكن قصد المشتري الإضرار به وإنما كان قصده الدفع عن ملك نفسه وقيل هذا قول أبي يوسف فأما عند محمد يكره ذلك على قياس اختلافهم في الاحتيال لاسقاط الإبراء وللمنع من وجوب الزكاة وقد بينا ذلك في البيوع والزكاة وإن اشترى دارا بعبد فاستحقه مستحق وأجاز الشراء كان للشفيع الشفعة لأن الإجازة في الانتهاء كالأذن في الابتداء ولو وجد العبد حرا فلا شفعة فيها لأن البيع كان باطلا والحر ليس بمال متقوم والبيع مبادلة مال بمال فانعدام المالية في أحد البدلين يمنع انعقاد العقد وإذا اشترى دارا بدار ولكل واحد الأخرى منهما شفيع فلكل شفيع أن يأخذ الدار بقيمة الآخرى لأنه لا مثل للدار من جنسها فيكون الواجب على كل شفيع بمقابلة ما يأخذ قيمة الدار الآخر فإن كان أحد الرجلين شفيعا أيضا يعني أحد المشتريين أخذ الشفيع نصف الدار بنصف القيمة لأن إقدامه على الشراء لا يسقط شفعته بل ذلك منه بمنزلة الأخذ بالشفعة فلا يكون للشفيع الآخر أن يأخذ منه إلا مقدار حصته وإذا اشترى بيتا من دار علوه لآخر وطريق البيت الذي اشترى في دار أخرى فإنما الشفعة للذي في داره الطريق لأنه شريك في البقعة بالطريق والشريك مقدم على الجار وصاحب العلو إنما له الشفعة بالجوار فإن سلم صاحب الدار فحنئذ لصاحب العلو الشفعة بالجوار وعن أبي يوسف في الأمالي إن هذا استحسان وفي القياس لا شفعة لصاحب العلو وكذلك إذا بيع العلو فلا شفعة لصاحب السفل في القياس ولا لصاحب علو آخر بجنبه لأن العلو بناء وقد بينا أن بالبناء لا يستحق بالشفعة إذا لم يكن معه أرض والأرض وسقف السفل كله لصاحب السفل ووجه الاستحسان أن لصاحب العلو حق قرار البناء وبه يستحق اتصال أحد الملكين بالآخر على وجه التأييد والقرار فكانا بمنزلة جارين بخلاف ملك البناء على الأرض الموقوفة فإن الاتصال هناك غير متأيد ألا ترى أن عند انقضاء مدة الإجارة يؤمر برفع البناء وهنا ليس لصاحب السفل أن يكلف صاحب العلو رفع البناء بحال واتصال أحد الملكين بالآخر بهذه الصفة يثبت للشفيع الشفعة والله أعلم