قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي C إملاء الشفعة مإخوذة من الشفع هو ضد الوتر فيه من ضم عدد إلى عدد أو شيء إلى شيء ومنه شفاعة النبي A للمذنبين فإنه يضمهم بها إلى العابدين وكذلك الشفيع بأخذه يضم المأخوذ إلى ملكه فيسمى لذلك شفعة وزعم بعض أصحابنا رحمهم الله أن القياس يأبى ثبوت حق الشفعة لأنه يتملك على المشتري ملكا صحيحا له بغير رضاه وذلك لا يجوز فإنه من نوع الأكل بالباطل وتأيد هذا بقوله A لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ولأنه بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه على وجه يلحق الضرر بالمشتري في إبطال ملكه عليه وليس لأحد أن يدفع الضرر عن نفسه بالإضرار بغيره ولكنا نقول : تركنا هذا القياس بالأخبار المشهورة في الباب والأصح أن نقول الشفعة أصل في الشرع فلا يجوز أن يقال أنه مستحسن من القياس بل هو ثابت وقد دلت على ثبوته .
الأحاديث المشهورة عن رسول الله A وعن أصحابه رضوان الله عللايهم . من ذلك ما روى أن رسول الله A قال : ( الشفعة في كل شيء عقارا ) وربع ومن ذلك ما بدأ محمد ابن الحسن الكتاب به ورواه عن المسور بن مخرمة عن رافع بن خديج أن سعد بن مالك Bه عرض بيتا له على جار له فقال : خذه بأربعمائة أما أني قد أعطيت به ثمانمائة ولكني أعطيكه بأربعمائة لأني سمعت رسول الله A يقول : الجار أحق بصقبه وفيه دليل على أن من أراد بيع ملكه فإنه ينبغي له أن يعرضه على جاره لمراعاة حق المجاورة قال A ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ولأنه أقرب إلى حسن العشرة والتحرز عن الخصومة والمنازعة فلهذا فعله سعد رضي غالله عنه وحط عنه نصف الثمن لتحقيق هذا المعنى وقيل : لإتمام الإحسان وإن تمام الإحسان أن يحط الشطر لما روى أن الحسن بن علي Bه كان له دين على إنسان فطالب غريمه فقال : أحسن إلي يا ابن رسول الله A فقال : وهبت لك النصف فقيل له : النصف كثير فقال : وأين قوله تعالى : { واحسنوا إن الله يحب المحسنين } سمعت جدي رسول الله A يقول : من تمام الإحسان أن يحط الشطر .
فأما قوله A : ( الجار أحق بسقبه ) فقد روي هذا الحديث بالسين والمراد القرب وبالصاد والمراد الأخذ والانتزاع يعني لما جعله الشرع أحق بالأخذ بعد البيع فهو أحق بالعرض عليه قبل البيع أيضا وهو دليل لنا على أن الشفعة تستحق بالجوار فإنه ذكر اسما مشتقا من معنى والحكم متى علقب باسم مشتق فذلك المعنى هو الموجب للحكم خصوصا إذا كان مؤثرا فيه كما في قوله تعالى : { الزانية والزاني } وقوله تعالى : { والسارق والسارقة } وهذا المعنى مؤثر لأن الأخذ بالشفعة لدفع الضرر فإن الضرر مدفوع لقوله A : ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) وذلك يتحقق بالمجاورة يعني الضرر البادي إلى سوء المجاورة على الدوام من حيث إبعاد النار وإعلاء الجدار وإثارة الغبار ومنع ضوء النهار والشافعي يقول : المراد بالجار الشريك فقد يطلق اسم الجار على الشريك قال الأعشى : .
أيا جارتي بين فإنك طالق .
كذاك أمور الناس عاد وطارقه .
والمراد زوجته وهي شريكته في الفراش ولكنا نقول في هذا ترك الحقيقة إلى المجاز من غير دليل ثم الزوجة تسمى جارة لأنها مجاورة في الفراش تتصرف عنه لا لأنها تشاركه وفي الحديث ما يدل على بطلان هذا التأويل وأن سعدا Bه عرض بيتا له على جار له وروى الحديث فذلك دليل على أن جميع البيت كان له وإنه فهم من الحديث الجار دون الشريك حين استعمل الحديث فيه وعن الحسن في الشفعة لليتيم قال : وصيه بمنزلة أبيه إن شاء أخذ والغائب على شفعته وفيه دليل أن الشفعة تثبت للصغير وأن وليه يقوم مقامه في الأخذ له لأنه أخذ بطريق التجارة وفيه دفع الضرر عن اليتامى وتوفير المنفعة عليهم ولهذا المقصود أقام الشرع وليه مقامه وفيه دليل أن الشفعة تثبت للغائب لأن السبب المثبت لحقه قائم مع غيبته ولا تأثير للغيبة في إبطال حق تقرر سببه فإذا حضر وعلم به كان على شفعته لأن الحق بعد ما يثبت لا يسقط إلا بإسقاطه والرضا بسقوطه صريحا أو دلالة وبترك الطلب عند الجهل به والغيبة لا يتحقق هذا المعنى لانعدام تمكنه عن الطلب وعن أبي سعيد الخدري أن النبي A قال : الخليط أحق من الشفيع أحق من غيره والخليط هو الشريك في نفس المبيع والشفيع هو الشريك في حقوق المبيع كالشرب والطريق وقيل على عكس ذلك فقد روى بعض الرواة أن الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الشفيع فالشريك يكون في نفس المبيع والخليط يكون في حقوق المبيع سمى خليطا لاختلاط بينهما فيما يتأنى به الانتفاع مع تميز الملك .
والشفيع هو الجار وفيه دليل أن حق الشفعة على مراتب وإنس البعض مقدم على البعض بقوة سببه وهذا إنما يتأتي على مذهبنا فأما الشافعي فلا يوجب الشفعة إلا للشريك فلا يتأتى هذا الترتيب على مذهبه والحديث يدل عليه وعن عبدالملك بن مروان عن عطاء عن جابر Bهم عن النبي A أنه قال الجار أحق بصقبه ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقها واحدا وهذا من أقوى ما يستدل به فإنه لا شبهة في صحة هذا الحديث لأن عبدالملك بن مروان كان من أهل الخديث وعطاء بن أبي رباح أمان مطلق في الحديث وجابر Bه من كبار الصحابة رضوان الله عليهم فلا طعن في إسناد هذا الحديث ولا وجه بحمل الحديث على الشريك فإنه إذا حمل على الشريك كان هذا لغوا وإنما يكون مفيدا إذا كان المراد جارا هو شريك في الطريق قال : كان شيخنا الإمام يقول : العجب منهم يزعمون أنهم من أصحاب الحديث ثم يتركون العمل بمثل هذا الحديث مع شهرته فلا يبقى بعد هذا الحديث لهذا اللقب معنى سوى أنهم يتركون العمل بمثل هذا الحديث فلأجله سموا أصحاب الحديث لا لعلمهم بالحديث وعن الطلب بعد علمه وتمكنه من الطلب دليل الرضا منه بمجاورة الجار الحادث فيلتحق بالجار القديم باعتبار رضاه وذلك يبطل شفعته ضرورة وعليه دل قول رسول الله A الشفعة لمن واثبها أي لم يقعد عن طلبها وقال A : ( الشفعة كحل العقال ) فكنى بهذا عن سرعة سقوطها وعن شريح قال الشريك أحق من الخليط والخليط أحق من الجار والجار أحق من غيره وهو الصحيح علي التفسير الذي قلنا أن الشريك في نفس المبيع والخليط في حقوق المبيع وعن عمرو بن الشريد عن أبيه لشريد بن سويد Bهما قال : قال رسول الله A : ( الجار أحق بشفعته ) ما كان والشريد هذا ممن صحب رسول الله A في بعض أسفاره ثم روى عنه أنه قال : أتيت رسول الله A فاستنشد من أشعار الجاهلية فكلما أنشدت شيئا قال A : إيه حتى أنشدت مائة بيت وأهل الحدث يرون حديثه هذا في الشفعة أن النبي A سئل عن أرض بيعت ليس لأحد فيها شركة ولا قسم إلا الجوار فقال A : ( الجار أحق بشفعته ) .
ما كان فهذا يدل على أن المراد حقيقته لأنه نفي الشركة في السؤال وأثبت الجوار فقال ت : ( ما كان على أن المراد حقيقته لأنه نفي الشركة في السؤال وأثبت الجوار فقال A ما كان وله معنيان أحدهما أن المراد من كان فإن ما تذكر بمعنى من قال الله تعالى : { والسماء وما بناها } فهو دليل على أن الشفعة للذكر والأنثى والحر والمملوك والصغير والكبير والمسلم والذمي والثاني أن المراد بقوله ما كان أي ما كان أي يحتمل القسمة أو لا يحتمل القسمة فيكون دليلا لنا على الشافعي حيث يقول لا تثبت الشفعة إلا فيمل يحتمل القسمة وبظاهره ويستدل من أوجب الشفعة في بهض المنقولات كالسفن ونحوها وهو قول أصحاب الظواهر ولكن ما روينا من قوله A الشفعة فيكل ربع أو عقار تبين أن المراد بقوله ما كان العقار دون المنقول وعن شريح أنه قضى للنصراني بالشفعة وكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب Bه فأجازها وبهذا نأخذ دون ما رواه بعد هذا عن شريح أنه قال : لا شفعة ليهودي ولا لنصراني ولا لمجوسي ويقوله الثاني كان يأخذ ابن أبي ليلى فيقول الأخذ بالشفعة رفق شرعبي فلا يثبت لممن هو منكر لهذه الشريعة ولكنا نأخذ بما قضي به شريح فقد تأيد ذلك بإمضاء عمر Bه ثم أهل اذلذمة التزموا أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات والأخذ بالشفعة من المعاملات وهو مشروع لدفع الضرر والضرر مدفوع عنهم كما هو مدفوع عن المسلمين وعن الحسن Bه قال : قضى رسول الله A بالشفعة والجوار وفي بعض الروايات بالجوار وهو دليل لنا على استحقاق الشفعة بسبب الجوار فأما معنى اللفظ الآخر أن الجار كان منازعا قضى رسول الله A له بالجوار وبالشفعة فهو دليل على أن الجوار يستحق به الشفعة حتى سمع رسول الله A فيه الخصومة فقضي به وبالشفعة وعن الحسن قال : إذا اقتسم القوم الأرضين ورفعوا سربا بينهم فهم شفعاء وبه نأخذ فنقول الشركة في السرب تستحق به الشفعة لأنها شركة في حقوق المبيع فيثبت باعتباره حق الشفعة كالشركة في نفس المبيع لأن الحاجة إلى دفع الضرر البادئ لسوء المجاورة يتحقق في الموضعين جميعا وعن شرح قال : الشفعة بالأبواب فأقرب الأبواب إلى الدار أحق بالشفعة ولسنا نأخذ بهذا وإنما الشفعة عندنا للجار الملاصق .
فأما الجار المحاذي فلا شفعة له بالمجاورة سواء كان أقرب بابا أو أبعد وإنما يعتبر قرب الباب في التقديم في الشفعة على ما روى أن رجلا جاء إلى رسول الله A فقال : إن لي جارين فإلى أيهما أبر قال A إلى أقربهما . منك بابا وهذا لأن إطلاعه وإطلاع أولاده على ما يدخل منزله من النعمة أكثر فهو بالهدية أحق وهذا تأويل ما رأى أن النبي A كان يقول في الهدايا ابدؤوا بجارنا اليهودي فأما في الشفعة فالمعتبر هو القرب واتصال أحد الملكين بالآخر وذل في الجار الملاصق دون الجار المحاذي فإن بين الملكين طريقا نافذا وذكر عن علي وابن عباس Bهما قال : لا شفعة إلا لشريك لم يقاسم وهذا قول أهل المدينة وليس يأخذ به أهل الكوفة إلا أنه قد رجع إليه ابن أبي ليلى فإنه كان في الابتداء يقضي بالشفعة للجار حتى كتب إليه أبو العباس المهدي يأمره بأن لا يقضي بالشفعة إلا لشريك لم يقاسم فأخذ بذلك لأنه كان عاملا له ونحن أخذنا يقول عمر Bه : فقد أثبت الشفعة للجارحين قال لبني عذرة : أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود في حديث طويل وأخذنا بالآثار المشهورة عن رسول الله A فإن الحديث متى صح عنه كان حجة على كان صحابي رضوان الله عليهم ( والحاصل ) أن الشفعة عندنا على مراتب يقدم الشريك فيها في نفس المبيع ثم الشريك في حقوق المبيع بعده ثم الجار الملاصق بعدهما وعن ابن أبي ليلى والشافعي لا تجب الشفعة إلا للشريك في نفس المبيع لحديث أبي هريرة Bه أن النبي A قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعة الحدود وصرفت الطريق فلا شفعة وحديث أبي موسى Bه أن النبي A قال : ( الشفعة فيما لم يقسم ) وإدخال الألف واللام في الكلام للمعهود فإن لم يكن فللجنس وليس هنا معهود ينصرف إليه فكان للججنس فيقتضي أن جنس الشفعة فيما لم يقسم وفي رواية إنما الشفعة فيما لم يقسم وإنما التقرير المذكور ونفيه عما عداه قال الله تعالى : { إنما الله إله واحد } .
فهو تنصيص على نفي الشفعة بعد القسمة والمعنى فيه أنخ هذا تملك المال بغير رضا المتملم عليه فيختص به الشريك دون الجار كالتملك بالاستيلاء وملك أحد الجارين متميز عن ملك الآخر فلا يستحق أحدهما ملك الآخر بالشفعة كالجار المقابل وهذا لأن حق الأخذ بالشفعة لدفع الضرر مؤنة القسمة لأنه لو لم يأهذ طالبه المشتري بالقسمة فيلحقه بسببه مؤنة القسمة فالشرع مكنه من الأخذ بالشفعة ليدفع به ضرر مؤنة القسمة فيما لا طريق له لدفع ذلك إلا بأن يخرج عن ملكه بالأخذ بالاستيفاء والملك فيه وهذا لا يوجد في حق الجار ولهذا لا يوجب الشفعة فيما لا يحتمل القسمة لأنه لا يدفع بالأخذ مؤنة القسمة عن نفسه ولهذا لا يوجب الشفعة في المنقولات أيضا لأنه متمكن من دفع مؤنة القسمة هناك ببيع نصيبه والبيع والشراء في المنقول معتاد في كل وقت فأما العقار فيتخذ لاستيفاء الملك فيه وليبقى ميراثا بالعاقبة فهو يحتاج إلى الأخذ بالشفعة لدفع ضرر مؤنة المقاسمة عن نفسه وحجتنا في ذلك ما روينا من الإخبار ولا يعارضها ما رووا ففيها بيان أن للشريك شفعة ونحن نقول به وتخصيص الشيء بالذكر عندنا لا يدل على أن الحكم فيما عداه بخلافه ثم المراد بالشفعة بسبب الشركة فيما لم يقسم والمراد بيان أن مع الشريك الذي لم يقاسم لا مزاحمة لأحد في الشفعة الشفعة بل هو مقدم وبه نقول واللفظ المذكور في حديث أبي هريرة Bه فإذا وقعت الحدود وصرفت الطريق دليلنا أنه علق نفق الشفعة بالأمرين جميعا فذلك دليل على أنه إذا وقعت الخدود ولم تصرف الطريق بأن كان الطريق واحدا أن تجب الشفعة وعندكم لا تجب ثم معنى هذا اللفظ فلا شفعة بوقوع الحدود وصرف الطرق وكان الموضع موضع إشكال لأن في القسمة معنى المبادلة فربما يشكل أنه هلك يستحق بها الشفعة فبين رسول الله A أنه لا يستحق الشفعة بالقسمة والمعننى فيه أن متصل بالملك اتصال تأبيد وقرار فيثبت له حق الأخذ بالشفعة كالشريك وتحقيق هذا الكلام أن استحقاق الشفعة بالمجاورة دون الشركة فإن الشركة تتحقق في المنقولات ثم لا تجب الشفعة إلا في العقار فلا بد من معنى يظهر به الفرق بينهما وليس ذلك إلا أن الشركة في العقار تقضي إلى المجاورة لأنهما إذا اقتسما كانا جارين والشركة في المنقولات لا تفضي إلى المجاورة يستحق الشفعة فتحقيقه المجاورة أولى وهذا لأن المقصود دفع ضرر المتأذى بسوء المجاورة على الدوام ولهذا لا يثبت لجار السكني كالمستأجر أو المستعير لأن جواره ليس بمستدام .
ولهذا لا يثبت في المنقول وضرر والتأذي بسوء المجاورة على الدوام باتصال أحد الملكين بالآخر عى وجه لا يتأتى الفصل فيه والناس يتفاوتون في المجاورة حتى يرغب في مجاورة بعض الناس لحسن خلقه وعن جواره البعض لسوء خلقه فلمكان أنه يتأذى بالجار الحادث يثبت له حق الأخذ بالشفعة لا لدفع ضرر مؤنة المقاسمة فإن ذلك لا يحتاج إليه في المنقولات ولا شفعة فيما إذا باع أحد الشركاء نصيبه وهنا بالأخذ تزداد مؤنة المقاسمة على الباقين وإنما يندفع عنهم سوء مجاورة المشتري ولهذا لا تثبت للجار المقابل لأن سوء المجاورة لا يتحقق إذا لم يكن ملك أحدهما متصلا بملك الآخر ولا شركة بينهما في حقوق الملك على أنا نقول حق الأخذ بالشفعة له ليترفق به من حيث توسع الملك والمرافق وهذا في الجار الملاصق يتحقق لا مكان جعل إحدى الدارين من مرافق الدار الأخرى أولا يتحقق ذلك في الجار المقابل لعدم إمكان جعل إحدى الدارين من مرافق الدار الأخرى بطريق نافذ بينهما حتى إذا كانتا في سكة غير نافذة تثبت الشفعة للكل لا مكان جعل بعضها من مرافق البعض بأن تجعل الدور كلها دارا واحدة ولكن مع هذا الشريك مقدم عندنا لأن سبب الاستحقاق القرب والاتصال وذلك في حقه أقوى لوجود الاتصال بكل جزء من المبيع بجزء من ملكه ثم بعده للشريك في الطريق لزيادة الاتصال في حقه على الجار وقوة السبب توجب الترجيح ولأن الشريك يدفع بالأخذ ضرر سوء المجاورة ومؤنة المقاسمة عن نفسه وقد بيننا أن الحاجة إلى دفع ضرر مؤنة المقاسمة لا يصلح علة للاستحقاق فتكون علة للترجيح لأن الترجيح أبدا بما لا يكون علة الاستحقاق ألا ترى أن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب إذا اجتمعا يترجح الأخ لأب وأم في العصوبة بسبب قرابة الأمة والعصوبة لا تستحق بقرابة الأم ثم الترجيح يقع بها فلهذا مثله وتفسيره ما قلنا في منزل مشترك بين اثنين في دار هي في سكة غير نافذة إذا باع أحد الشريكين نصيبه من المنزل فالشريك في المنزل أحق بالشفعة فإذا سلم الشركاء في الدار أحق بالشفعة من الشركاء في السكة لأنهم أميز قربا للشركة بينهم في صحن الدار فإن سلموا فأهل السكة أحق بالشفعة في الشركة في الطريق فإن سلموا فالجار الملاصق وهذا الذي على ظهر هذا المنزل وباب داره في سكة أخرى وقد روى عن أبي يوسف أن مع وجود الشريك لا شفعة لأحد سواء سلم أو استوفى لأنهم محجوبون لحق الشريك وقد ثبت حقه سواء استوفي أو سلم .
ولكن في ظاهر الرواية الشريك مقدم وقد ثبت حق الجار مع الشريك لتقرر السب في حقه إلا أن حق الشريك كان مقدما فإذا سلم كان للجار أن يستوفي كحق غرماء الصحة مع غرماء المرض في التركة فإنه إذا استحق أسقط حقهم بالإبراء كانت التركة لغرماء المرض بديونهم لأن سبب استحقاقهم ثابت ولهذا قلنا : ينبغي للجار أن يطلب الشفعة إذا علم بالبيع مع الشريك تمكن من أخذه فإن لم يطلب بعد علمه حتى يسلم الشريك فلا حق له بعد ذلك وإن كان فناء منفرج من الطريق الأعظم راجعا عن الطريق أو زقاق أو درب غير نافذ فيه دور دار منها فأصحاب الدور شفعاء جميعا لأنهم شركاء في الفناء والطريق فإنه سلم هؤلاء الشفعة فالجار الملاصق أحق منه بالشفعة وقد قال بعض أصحابنا فناء الدار مملوك لصاحب الدار والأصح أنه حقه وليس بمملوك له لأن ملكه في الدار والدار ما أدير عليه الحائط والفناء اسم لصحن وراء ذلك يكون معد الإيقاف الدواب وكسر الحطب وغير ذلك فإن ان ذلك في سكة غير نافذة فهو حق أصحاب السكة بمنزلة الطريق الخاصة لهم أو ملك مشترك بينهم وفي هذه الشركة الجار الملاصق والمقابل سواء ولهذا كانت الشفعة عندنا على عدد رؤوس دون مقادير الأنصباء والدور . وقال الشافعي على مقدار النصب وبيانه في دار بين ثلاثة نفر لأحدهم نصفها ولآخر ثلثها ولآخر سدسها باع صاحب النصف نصيبه وطلب الآخر أن الشفعة قضى بالشفعة في المببع بينهما نصفين عندنا وعند الشافعي C أثلاثا بقدر ملكيهما وإن باع صاحب السدس ملكه وطلب الآخران الشفعة قضى بينهما أخماسا عنده وإن باع صاحب الثلث نصيبه قضي به بين الآخرين أرباعا عنده بقدر ملكيهما وعندنا يقضيي به نصفين فكذلك على أصلنا إذا بيعت دار ولها جاران أحدهما جار من ثلاث جوانب والآخر من جانب آخر واحدا وطلبا الشفعة فهي بينهما نصفين فالشافعي C استدل بحديث عمر Bه لما أجلى يهود من وادي القرى قال لبني عذرة : أنتم شفعاؤنا في أموال اليهود الحديث إلى أن جعل الوادي بين بني عذرة وبين الإمارة نصفين فقد اعتبر مقدار النصيب ولم يقسم بين المسلمين بالملك فيكون على قدر الملك كالأولاد والألبان والأثمار في الأشجار المشتركة بوضحه المنفعة أن التي تستحق بسبب الملك يعتبر بالغرم الذي يلحق المالك بسبب الملك وذلك بقدر الملك .
فإذا كان الحائط مشتركا بين اثنين أو ثلاثا وأشهد عليهما فيه فسقط وأصاب مالا أو نفسا كان الضمان عليهما أثلاثا بقدر الملك فهذا مثله وهذا على أصله مستقيم قإن حق الشفعة عنده لدفع الضرر مؤنة المقاسمة وحاجة صاحب الكثير إلى ذلك أكثر من حاجة صاحب القليل لأن مؤنة القسمة عنده على الشركاء بقدر الملك فكذلك ما شرع لدفع هذه المؤنة وجه قولنا أنهما استويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق وبيان ذلك أن سبب استحقاق الشفعة إما الجواز أو الشركة وقد استويا في أصل ذلك فإن صاحب القليل شريك كصاحب الكثير وجار الاتصال ملكه بالمبيع كصاحب الكثير ( ثم تحقيق هذا الكلام ) أن علة الاستحقاق أصل الملك لا قدر الملك . ألا ترى أن صاحب الكثير لو باع نصيبه كان لصاحب القليل أن يأخذ الكل بالشفعة كم لو باع صاحب القليل نصيبه كان لصاحب الكثير أن يأخذ جميع المبيع فملك كل جزء علة تامة لاستحقاق المبيع بالشفعة فإذا اجتمع في صاحب الكثير علل وفي حق صاحب القليل علة واحدة والمساواة لا تتحقق بين العلة الواحدة والعلل ألا ترى أن أحد المدعيي لو أقام شاهدين وأقام الآخر عشرة من الشهداء تثبت المعارضة والمشاركة بينهما . وكذلك لو أن رجلا جرح رجلا جراحة واحدة وجرحه آخر جراحات فمات من ذلك استويا في حكم ذلك القتل وهذا لأن الترجيح بقوة العلة لا بكثرة العلة وعند ظهور العلة الترجيح المرجوح مدفوع بالراجح وهنا لا يبطل حق صاحب القليل أصلا فعرفنا أنه لا ترجيح في جانبه من حيث قوة العلة وكثرة العلة لا توجب الترجيح لأن ما يصلح بانفراده علة لا يصلح مرجحا وملك كل جزء بانفراده علة فمن هذا الطريق تتحقق المساواة بينهما بخلاف الغرماء في التركة فإن حق كل واحد منهم في دينه في ذمة المديون ألا ترى أن عند الانفراد لا يستحق من التركة إلا قدر دينه فإذا ظهر التفاوت بينهما في مقدار الدين وعليه يترتب استحقاق التركة قلنا : كل واحد منهم يستحق بقدر دينه وكذلك الربح فإنه إنما يحصل بقدر المال ألا ترى أن عند الانفراد يحصل الربح لكل واحد منهما بقدر ماله وكذلك الولد واللبن والثمار فإنها متولدة من العين فإنما تتولد بقدر الملك والشافعي C غلط في اعتبا حكم العلة بالمتولد من العلة وقسمة الحكم على أجزاء العلة فأما الحائط المائل إذا مات من وقع عليه الحائط فإن جرحه الحابط فالضمان عليها نصفين لاستوائهما في العلة وإن مات بنقل الحائط فالضمان علهما أثلاثا لأن التساوي بينهما في العلة لم يوجد فإن نقل نصيل صاحب القليل لا يكون كنقل نصيب صاحب الكثير .
ولا يدخل على شيء مما ذكرنا الفارس مع الراجل في الغنيمة لأن تفصيل الفارس بفرسه حكم عرف شرعا بخلاف القياس مع أن الفرءئ بانفراده لا يكون علة للاستحقاق فيصلح مرجحا بعض الغنيمة وهنا ملك كل جزء علة كاملة لاستحقاق الجميع فلا تصل مرجحة ولا شفعة إلا في الأرضين والدور لأنها عرفت شرعا وقد نص الشرع على الشفعة في العقار خاصة لقوله A : الشفعة في كل عقار أو ربع والصغير كالكبير في استحقاق الشفعة إلا على قول ابن أبي ليلى فإنه كان يقول لا شفعة للصغير لأن وجوبها لدفع التأذي بسوء المجاورة وذلك من الكبير دون الصغير ولأن الصغير في الجوار تبع فهو في معنى المعير والمستأجر ولكنا نقول سبب الاستحقاق متحق في حق الصغير وهو الشركة أو الجوار من حيث اتصال حق ملكه بالمبيع على وجه التأبيد فيكون مساويا للكبير في الاستحقاق به أيضا ثم هو محتاج إلى الأخذ لدفع الضرر في الآتي عن نفسه وإن لم يكن محتاجا إلى ذلك في الحال وبمثل هذه الحاجة جاز للمولى تزويج الصغير والصغيرة فكذلك يثبت له حق الشفعة ثم يقوم بالطلب من يقوم مقامه شرعا في استيفاء حقوقه وهو أبوه ثم وصى أبيه ثم جده أبو أبيه ثم وصى الجد ثم وصي نصبه القاضي فإن لم يكن له أحد من هؤلاء فهو على شفعته إذا أدرك لأن الحق قد ثبت له ولا يتمكن من استيفائه قبل الإدراك لأن الاستيفاء يبنى على طلب ملزم ولا يكون طلبه ملزما قبل الإدراك فتركه الطلب قبل الإدراك لعدم تمكنه من ذلك لا يكون مسقطا حقه كالبائع إذا ترك الطلب لأنه لم يعلم به والغائب على شفعته إذا علم لهذا المعنى فإنه لا يتمكن من الطلب ما لم يعلم به وترك الطلب إنما يكون دليلا على الرضا أو التسليم بعد التمكن منه لا قبله والذكر والأنثى والحر والمملوك والمسلم والكافر في حق الشفعة سواء لأنه من المعاملات وإنما ينبني الاستحقاق على سبب متصور في حق هؤلاء وثبوت الحكم بثبوت سببه وإذا اشترى الرجل دارا وقبضها ونقد الثمن واختلف الشفيع والمشتري في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لأن الشفيع يتملك الدار على المشتري كما أن المشتري يتملكها على البائع .
ولو كان الاختلاف بين البائع والمشتري في الثمن كان القول قول البائع كما قال A : ( إذا اختلف المتبايعان فالقول ما يقوله البائع فكذلك المشتري مع الشفيع ولأن الشفيع يدعي على المشتري وجوب تسليم الدار إليه عند إحضار الألف والمشتري منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه أيهما أقام البينة قبلت بينته لأنه يؤيد دعواه بالحجة وليس في معارضة حجته سوى مجرد الدعوى من الآخر والدعوى لا تعارض الحجة ثم الشفيع إن أقام البينة فقد أثبت ما ادعى من وجوب تسليم الدار إليه عند أداء الألف والمشتري إن أقام البينة فقد أثبت زيادة في الثمن ببينته وإن أقاما جميعا فالبينة بينة الشفيع في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف : البينة بينة المشتري لأنه يثبت زيادة الثمتن ببينته والشفيع ينفي تلك الزيادة والمثبت للزيادة من البينتين أولى بالعمل بها كما لو اختلف البائع والمشتري في مقدار الثمن وأقاما البينة كانت بينة البائع أولى بالقبول لما فيها من إثبات الزيادة وكذلك لو اختلف البائع والمشتري والشفيع فقال البائع : ثلاثة آلاف وقال المشتري : ألفان وقال الشفيع : ألف وأقاموال البينة كانت بينة البائع أولى بالقبول وكذلك الوكيل بالشراء مع الموكل إذا اختلفا في مقدار اليمن وأقاما البينة كانت البينة بينة الوكيل لأنها تثبت الزيادة وأظههر من هذا كله المشتري من العدو مع المولى القديم إذا اختلفا في ثمن العبد المأسور وأقاما البينة كانت البينة بينة المشتري من العدو لما فيها من إثبات الزيادة ولأبي حنيفة طريقتان إحداهما : حكاها محمد عنه والأخرى حكاها أبو يوسف فالتي حكاها محمد أن المشتري صدر منه إقرار أن إحداهما له والآخر عليه فكان للشفيع أن يأخذ بما عليه كما لو أقر عند القاضي بالأمرين جميعا . وبيان ذلك أن الشفيع أثبت ببينته إقرار المشتري بالشراء بأرلف وهذا عليه والمشتري أثبت ببينته إقراره بالشراء بالغين وهذا له وبه فارق البائع مع المشتري لأن هناك كل واحد منهما صدر منه إقرار أن أحدهما ما أثبته ببينة وهو له والآخر ما أثبته صاحبه وهو عليه فاستويا من هذا الوجه فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة والأولى أن نقرر هذا الكلام من وجه آخر فنقول لا تنافي بين البينتين في حق الشفيع ألا ترى أنه لو اشترى مرتين مرة بألف ومرة بألفين كان للشفيع أن يأخذ بأيهما شاء فعرفتا أنه لا ينافي بينهما في حقه والاشتغال بالترجيح عند تعذر العمل بهما أولى .
فأما مع إمكان العمل بالبينتين فلا معنى للمصير إلى الترجيح فيجعل في حق الشفيع كان الشراءين جميعا ثابتا فله أن يأخذ بأيهما شاء وهو نظير المولى مع العبد إذا اختلفا فقال المولى : قلت لك إذا أديت إلى ألفين فأنت حر وقال العبد قلت لي : إذا أديت إلى ألفا فأنت حر وأقاما البينة فإن البينة بينة العبد بهذا الطريق وهو أنه لا منافاة بينهما في حقه فيجعل كان الكلامين صدرا من المولى ويعتق العبد بأداء أي المالين شاء بخلاف البائع مع المشتري إذا اختلفا لأن هناك العمل بالبينتين غير ممكن فالعقد الثاني في حقهما ناسخ للأول فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة إن اختلفوا جميعا لأنه ما دام الاختلاف قائما بين البائع والمشتري فلا معتبر باختلاف الشفيع وأما الوكيل مع الموكلي إذا اختلفا فقد روى ابن سماعة عن محمد أن البينة بينة الموكل لأن الوكيل صدر منه إقرار إن كما بينا في ظاهر الرواية فالوكيل مع الموكل كالبائع مع المشتري ولهذا يجري التحالف بينهما عند الاختلاف في الثمن وقد بينا العذر فيما إذا كان الاختلاف بين البائع والمشتري فأما المولى القديم مع المشتري من العدو إذا اختلفا فقد نص في السير الكبير على أن البينة بينة المولى القديم ولم يذكر فيه قول أبي يوسف لما بينهما من الوحشة حين نص السير ولئن سلمنا فهناك العمل بالبينتين غير ممكن في حق المولى القديم لأن الشراء الثاني ناسخ للأول فصرنا إلى الترجيح لهذا والطريقة التي حكاها أبو يوسف إن بينة الشفيع ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة والبينتان للإلزام فالملزم من البينتين يترجح كما في بينة العببد مع بينة المولى في مسألة التعليق .
وبيان هذا أنه إذا قبلت بينة الشفيع وجب على المشتري تسليم الدار إليه بألف شاء أو أبى وإذا قبلت بينة المشتري لا يجب على الشفيع شيء ولكنه يتخير بين أن يأخذ أو يترك وبه فارق بينة البائع والمشتري لأن كل واحدة من البينتين هناك ملزمة وكذلك بينة الوكيل مع الموكل كل واحدة منهما ملزمة فلهذا صرنا إلى الترجيح بالزيادة وفي مسألة المشتري مع العبد من العدو ويقول على هذه الطريقة البينة بينة المولى القديم لأنها ملزمة وبينة المشتري غير ملزمة وإذا أخذ الشفيع الدار من المشتري فعهدته وضمان ماله على المشتري لأنه يتملك الدار عليه ويدفع الثمن إليه فهو في حقه بمنزلة البائع مع المشتري فإن قيل حق الشفيع مقدم على حق المشتري شرعا فينبغي أن يجعل أخذ الشفيع من يده بمنزلة الاستحقاق عليه لأنه يأخذ بحق مقدم على حقه قلنا : نعم حقه مقدم ولكن ثبوت حقه بالسبب الذي يثبت به حق المشتري وهو الشراء إذ بأخذه لا يبطل ذلك السبب بخلاف الاستحقاق بدعوى الملك فإذا بقي السبب وتأكد بقبض المشتري لم يكن أن يجعل الشفيع متملكا على البائع لأنه لا ملك له ولا يد حتى قضي له بالشفعة فلا بد أن يجعل متملكا على المشتري مستحقا عليه يده فلهذا كانت عهدته على المشتري كما لو اشتراها ابتداء منه وإن أخذها ممن البائع ودفع الثمن إليه فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا . وقال ابن أبي ليلى : عهدته على البائع في الوجهين جميعا لأن الشفيع لما تقدم على المشتري قام مقامه ثم عهدة المشتري على البائع فكذلك عهده الشفيع وللشافعي قولان في أحد القولين ليس للشفيع أن يأخذ من البائع ولكن البائع يسلمه إلى المشتري وعهدته عليه لأنه يتملك على المشتري بعوض والمبيع قبل القبض عنده لا يحتمل التملك على المشتري بعضو عقارا كان أو منقولا وعلى القول الآخر يأخذ من يد البائع وعهدته على المشتري وإليه يدفع الثمن وهو رواية عن أبي يوسف لأن حق الشفعة يثبت بالشراء فكان من حقوق الشراء وما يكون من حقوق الشيء لا يكون ناسخا له وكيف يكون أخذ الشفيع ناسخا للبيع وهو مبطل حقه كما لو ظهر بطلان البيع من الأصل وإذا نفى الشراء كان الشفيع متملكا على المشتري فعهدته عليه كما لو أخذ من يده وعن أبي يوسف قال : إن كان المشتري نقد البائع الثمن فالشفيع يدفع الثمن إلى المشتري وعهدته عليه لأن البائع لا يتمكن من استيفاء الثمن مرتين وإن لم يكن المشتري نقد البائع الثمن فالشفيع يدفع الثمن إلى البائع ويسقط حق البائع من الثمن قبل المشتري وعهدة الشفيع على البائع فأما وجه ظاهر الرواية فهو أن حق الشفيع ثبت بالبيع قبل ملك المشتري ويده ألا ترى أنه لو قال : كنت بعت هذه الدار من فلان وقال فلان : ما اشتريت كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة لثبوت البيع بإقرار البائع وإن لم يثبت ملك المشتري لإنكاره فإذ ثبت تمكنه من الأخذ قبل ملك المشتري فقبل قبضه أول وإذا أخذ بالشفعة فات بأخذه الشفعة القبض المستحق بالعقد في حق المشتري ؟ ؟ .
وذلك يوجب انفساخ البيع كما لو هلك المبيع قبل القبض المستحق بالعقد في حق المشتري ؟ ؟ .
وذلك يوجب انفساخ البيع كما لو هلك المبيع قبل القبض ؟ ؟ .
وهذا لأن يد الشفيع لا يمكن جعلها نائبة عن يد المشتري لتقدم حقه على حق المشتري بخلاف ما إذا باعها المشتري من غيره لأن يد الثاني هناك يمكن جعلها نائبة عن يد الأول فلا يفوت قبض المشتري الأول معنى ثم أن حضر الشفيع والدار في يد المشتري فهو الخصم للشفيع يأخذه من يده ولا يشترط حضرة البائع لأن حكم العقد في حق البائع قد انتهى بالتسليم إلى المشتري وصار هو كأجنبي آخر فالشفيع بعد ذلك يستحق على المشتري ملكه ويده وكان هو الخصم وإن كانت الدار في يد البائع فلا بد من حضرة البائع والمشتري جميعا لخصومة الشفيع في الأخذ لأن الملك للمشتري واليد للبائع والشفيع يريد استحقاقها جميعا فيشترط حضورهما لذلك ولأنه لا بد من حضور البائع لأن الدار في يده والشفيع لا يأخذ بالشفعة من غير من في يده واحدة من يد البائع موجب انفساخ العقد بين البائع والمشتري وذلك لا يتم إلا بمحضر من المشتري فيشترط حضورهما لذلك وإذا أخذ الشفيع من المشتري الدار بالشفعة وأراد أن يكتب عليه كتب عليه نحو ما ذكره في الكتاب والمقصود من الكتاب التوثق والاحتياط فالسبيل أن يكتب على أحوط الوجوه ولهذا قال : يكتب على إقراره كتابا أنه كان اشتراها وإن هذا كان شفيعها فطلب أخذها بالشفعة فسلمها إليه لشفعته فيها وقبض منه الثمن ودفع إليه الدار وضمن له الدرك وأشهد عليه الشهود ويأخذ أيضا من المشتري كتاب الشراء الذي عنده فذلك أحوط له فإن أبى أن يعطيه فله ذلك لأن القابض ملكه ثم الاحتياط للشفيع أن يشهد على شهادة الشهود فيه حتى أذا جحد البائع البيع يتمكن هو من إثبات حقه بالحجة وإن أخذ الدار من البائع كتب أيضا عليه نحو ذلك وزاد فيه وقد سلم فلان بن فلان المشتري جميع ما في هذا الكتاب وأجازه وأقر أنه لا حق له في هذه الدار ولا في ثمنها وإن شاء كتب الكتاب عليهما بتسليم الدار بالشفعة إليه وقبض البائع الثمن برضاهما وضمان البائع الدرك لأنه في الأخذ من يد البائع يحتاج إلى حضرتهما وكل واحد منهما يصير مقضيا عليه من وجه فأما أن يكتب الكتاب عليهما أو على البائع ويذكر فيه تسليم المشتري أيضا ليكون ذلك أحوط للشفيع وإذا اشترى دارا بألف درهم إلى سنة وطلبها الشفيع إلى ذلك الأجل لم يكن له ذلك عندنا .
وقال زفر والشافعي له ذلك لأن الأجل صفة الدين يقال دين مؤجل ودين حال وللشفيع حق الأخذ بالثمن الذي يملك به المشتري بصفته كما لو اشتراه بألف زيوف ولكنا نقول : الأجل مدة يلحقه بالشرظ بالعقد شرطا فلا يثبت في حق الشفيع كالخيار وهذا لأن تأثير الأجل في تأخير المطالبة وبه تبين أنه ليس بصفة للمال لأن الثمن للبائع والأجل حق للمشتري على البائع فكيف يكون صفة للثمن ثم الناس يتفاوتون في ملاة الذمة فبرضا البائع يكون ماله في ذمة المشتري لا يكون رضا منه بكونه في ذمة الشفيع ولأن الشفيع يتملك بمثل ما يتملك به المشتري من المال فلا يثبت الأجل في حقه من غير ذكر كالمولى فإن اشترى شيئا بثمن مؤجل ثم ولاه غيره لا يثبت الأجل في حق المولى بدون الذكر إذا ثبت هذا فنقول : الشفيع بالخيار إن شاء أخذها بالثمن حالا وإن شاء انتظر حلول الأجل فإذا حل أخذها بالثمن حالا وإذا اختار الانتظار فعليه أن يطلب الشفعة في الحال حتى إذا لم يطلب لم يكن له أن يأخذها بعد حلول الأجل في قول أبي حنيفة ومحمد وذكر ابن أبي مالك أن أبا يوسف كان يقول هكذا أولا ثم رجع فقال له : أن يأخذها .
وجه ظاهر الرواية أن حقه في الشفعة قد ثبت بدليل أنه لو أخذه بثمن حال كان له ذلك والسكوت عن الطلب بعد ثبوت حقه يبطل شفعته ووجه قول أبي يوسف الآخر أن الطلب غير مقصود لعينه بل للآخذ وهو في الحال لا يتمكن من الأخذ على الوجه الذي يطلبه لأنه إنما يريد الأخذ بعد حلول الأجل أو بثمن مؤجل في الحال ولا يتمكن من ذلك فلا فائدة في طلبه في الحال وسكوته لأنه لم ير فيه فائدة لا لإعراضه عن الأخذ وإن اختار أخذها من يد المشتري ودفع إليه الثمن في الحال كان الثمن للبائع على المشتري إلى أجله لتقرر العقد بينهما وإذا كان للدار شفيعان فسلم أحدهما لم يكن للآخر إلا أن يأخذها كلها أو يدعها لأن مزاحمة المسلم قد زالت فكأنه لم يكن الشفيع في حقه إلا واحدا وليس للشفيع أن يأخذ البعض دون البعض لما في الأخذ من تفريق الصفقة والإضرار بالمشتري في تبعيض الملك عليه والشفيع بالأخذ يدفع الضرر عن نفسه فلا يتمكن من الأخذ على وجه يكون فيه إلحاق الضرر بغيره ثم حق كل واحد من الشفيعين ثابت في جميع المبيع لتكامل العلة في حق كل واحد منهما إلا أنهما إذا طلبا قضى القاضي لكل واحد منهما النصف للمزاحمة ونفى الضيق في المحل فإذا سلم أحدهما قبل القضاء بقي حق الآخر في الكل كما لو قتل رجلين عمدا فعفا عنه ولى أحدهما كان للآخر أن يقتص منه لهذا المعنى . وإذا كان البائع اثنين في صفقة واحدة والمشتري واحدا لم يكن للشفيع أن يأخذ بعضها دون بعض وإن كان البائع واحدا والمشتري اثنين فله أن يأخذ حصة أحدهما دون الآخر لأنه يأخذ ملك المشتري بالشفعة فإن كان المشتري واحدا لو تمكن من أخذ البعض تضرر به المشتري من حيث أنه يتبعض عليه الملك وإذا كان المشتري اثنين فإنما ملك كل واحد منهما النصف وليس في أخذ الشفيع نصيب أحدهما إضرارا بالآخر يوضحه إن أخذه لدفع ضرر الجار الحادث وبأخذ البعض عند اتحاد المشتري لا يندفع ضرر مجاورته فعرفنا أنه لم يقصد إلا الإضرار به . وإن كان المشتري اثنين فقد يكون أحدهما ممن ينتف بجواره والآخر ممن يتضرر بجواره فهو يقصد دفع ضرر جار السوء بأخذ نصيب أحدهما وروى الحسن عن أبي حنيفة قال : إذا كان البائع اثنين فأراد الشفيع الأخذ قبل قبض المشتري فله أن يأخذ نصيب أحد البائعين لأنه بالأخذ يتملك على البائع ولهذا كانت عهدته على البائع والملك في حق البائعين متفرق وبعد القبض إنما يتملك على المشتري والملك في حقه مجتمع وإن كان البائع واحدا والمشتري اثنين فقبل القبض ليس له أن يأخذ نصيب أحد المشتريين لاجتماع الملك في حق البائع وبعد القبض له ذلك ولكن هذا قوله الأول فأما قوله الآخر كما ذكر في الكتاب فإن المعتبر جانب المشتري قبل القبض وبعد القبض ويستوى إن كان اشتراه لنفسه أو لغيره فسره هشام عن محمد إن الواحد إذا اشترى دار الرجلين فليس للشفيع أن يأخذ نصيب أحد الأمرين ولو اشترى رجلان لواحد كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة النصف لأن المشتري اثنان والعاقد لغيره في باب الشراء بمنزلة العاقد لنفسه في أحكام العقد وإن كان البائع اثنين والمشتري واحدا فطلب نصيب أحد البائعين لم تبطل بذلك شفعته وله أن يأخذها كله مقسومة كانت أو غير مقسمومة لأنه ما أعرض عن الطلب ولكنه أظهر الطلب والرغبة ثم اشتغل بتقسيم لم يجعل الشرع له ذلك فيبطل تقسيمه ويبقى حقه في جميع الدار يأخذه إن شاء ولو أخبر الشفيع أن المشتري فلان فقال : قد س