قال Bه : ويكره للمرء ترك آية السجدة من سورة يقرؤها لأنه فية صورة الفرار عن السجدة وليس ذلك من أخلاق المؤمنين ولأنه في صورة هجر آية السجدة وليس شيء .
صفحة [ 4 ] من القرآن مهجورا ولأن القارئ مأمور باتباع التأليف قال الله تعالى : " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه " } القيامة : 18 أي تأليفه وبغير التأليف يكون مكروها وإذا قرأ آية السجدة من بين آي السورة فالأولى أن يقرأ معها آيات وإن اكتفى بقراءة آية السجدة لم يضره لأن قراءة آية السجدة من بين الآي كقراءة سورة من بين السور وذلك لا بأس به والمستحب أن يقرأ معها آيات ليكون أدل على المعنى والإعجاز ولأنه ربما يعتقد هو أو بعض السامعين منه زيادة فضيلة في آية السجدة ومن حيث إن قراءة الكل سواء فلهذا يستحب أن يقرأ معها آيات قال : ومن قرأ آية السجدة أو سمعها وجب عليه أن يسجدها عندنا وقال " الشافعي " رضي الله تعالى عنه يستحب له ذلك ولا يجب عليه " لحديث الأعرابي حين علمه رسول الله A الشرائع وقال : هل علي غيرها فقال : لا إلا أن تطوع " فلو كانت سجدة التلاوة واجبة لما ترك البيان بعد السؤال وعن " عمر " رضي الله تعالى عنه أنه تلا آية السجدة على المنبر وسجد ثم تلاها في الجمعة الثانية فنشز الناس للسجود فقال إنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء ولنا " حديث " أبي هريرة " رضي الله تعالى عنه أن النبي A قال : إذا تلا ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي فيقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فلم أسجد فلي النار " والأصل أن الحكيم متى حكى عن غير الحكيم ولم يعقبه بالنكير فذلك دليل على أنه صواب ففيه دليل على أن ابن آدم مأمور بالسجود والأمر للوجوب .
وعن " عثمان " و " علي " و " ابن عباس " رضي الله تعالى عنهم أنهم قالوا : السجدة على من تلاها السجدة على من سمعها على من جلس لها اختلفت ألفاظهم بهذه وعلى كلمة إيجاب ولأن الله تعالى وبخ تارك السجود بقوله " فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون " الإنشقاق : 20 - 21 والتوبيخ لا يكون إلا بترك الواجب وتأويل حديث " عمر " لم يكتب علينا التعجيل بها فأراد أن يبين للقوم التأخير عن حالة الوجوب وفي حديث الأعرابي بيان الواجبات ابتداء دون ما يجب بسبب من العبد ألا ترى أنه لم يذكر المنذورة قال : فإن قرأها أو سمعها وهو جنب أو على غير وضوء لم يجزئه التيمم إذا كان يقدر على الماء لأنه لا يفوته ولأنه باستعماله الماء يتوصل إلى أدائها بخلاف صلاة الجنازة والعيد قال : ومن سمعها من صبي أو كافر أو جنب أو حائض فعليه أن يسجد لأن المتلو قرآن من هؤلاء ولهذا منع الجنب والحائض من قراءته فتقرر السبب الموجب في حق السامع قال .
صفحة [ 5 ] : وليس على الحائض سجدة قرأت أو سمعت لأن السجدة ركن من الصلاة والحائض لا تلزمها الصلاة مع تقرر السبب وهو شهود الوقت فلا يلزمها السجدة أيضا بخلاف الجنب فإنه تلزمه الصلاة بسبب الوقت فتلزمه السجدة بالتلاوة أو السماع قال : ويستوي في حق التالي إذا تلاها بالفارسية أو بالعربية وفي حق السامع كذلك عند " أبي حنيفة " رضي الله تعالى عنه فهم أو لم يفهم بناء على أصله بالقراءة الفارسية وعندهما إن كان السامع يعلم أنه يقرأ القرآن فعليه سجود السجدة وإلا فلا وفي العربية عليه السجدة على كل حال ولكن يعذر بالتأخير ما لم يعلم قال : وإن قرأها ومعه قوم فسمعوها سجد وسجدوا معه ولم يرفعوا رؤوسهم قبله لأن التالي إمام السامعين هكذا قال " عمر " رضي الله تعالى عنه للتالي : كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا معك فكانوا في حكم المقتدين من وجه فلا يرفعون رؤوسهم قبله لهذا وإن فعلوا أجزأهم لأنه لا مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة ألا ترى أنه وأن تبين فساد سجدته بسبب لم تفسد عليهم قال : وليس عليه في قراءة سجدة واحدة أو سماعها مرة بعد أخرى في مجلس واحد قائما أو قاعدا أو مضطجعا أكثر من سجدة واحدة لما " روي : أن " جبريل " عليه السلام كان ينزل بالوحي فيقرأ آية السجدة على رسول الله A ثم يقرؤها رسول الله A على أصحابه ولا يسجد إلا مرة واحدة " ولأن مبنى السجدة على التداخل فإن التلاوة من الأصم والسماع من السميع موجبان لها ثم لو تلاها سميع لا يلزمه إلا سجدة واحدة وقد وجد في حقه التلاوة والسماع لأن السبب واحد وهو حرمة المتلو فالقراءة الثانية تكرار محض بسبب اتحاد المجلس فلا يتجدد به المسبب وهذا الحرف أصح من الأول فإنه لو تلاها وسجد ثم تلاها في مجلسه لم يلزمه أخرى والتداخل لا يكون بعد أداء الأول فدل أن الصحيح اتحاد السبب .
ولم يذكر الصلاة على رسول الله A إذا ذكره أو سمع ذكره في مجلس مرارا فالمتقدمون من أصحابنا يجعلون هذا قياس السجدة فيقولون : يكفيه أن يصلى عليه مرة واحدة لاتحاد السبب .
وبعض المتأخرين يقولون يصلى عليه في كل مرة لأنه حق " رسول الله A كما قال : لا تجفوني بعد موتي قيل وكيف تجفى يا رسول الله قال أن أذكر في موضع فلا يصلى علي " وحقوق العباد لا تتداخل ولهذا قالوا من عطس وحمد الله في مجلس ينبغي للسامع أن يشمته في كل مرة لأنه حق العاطس والأصح أنه إذا زاد على الثلاث .
صفحة [ 6 ] لا يشمته . وفي حديث " عمر " رضي الله تعالى عنه قال للعاطس بعد الثلاث : قم فانتثر فإنك مزكوم إلا أن يكون ذهب من ذلك المكان ثم رجع فقرأها فعليه سجدة أخرى لأنه تجدد له بالرجوع مجلس آخر وبتجدد المجلس يتجدد السبب للتلاوة حكما .
وعن " محمد " C قال هذا إذا بعد عن ذلك المكان فأما إذا كان قريبا منه لم يلزمه سجدة أخرى فكأنه تلاها في مكانه لحديث " أبي موسى الأشعري " - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يعلم الناس " بالبصرة " وكان يزحف إلى هذا تارة وإلى هذا تارة فيعلمهم آية السجدة ولا يسجد إلا مرة واحدة .
وإن قرأ آية أخرى وهو في مجلسه فعليه سجدة أخرى لأن السبب قد تجدد فإن السجدة الثانية غير الأولى .
ثم ذكر عدد سجود القرآن وهي : أربع عشرة سجدة عندنا .
وكان " ابن عباس " رضي الله تعالى عنه يقول عدد سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل عنده سجدة وكان يعد الأعراف والرعد والنحل وبني إسرائيل ومريم والحج الأولى منها والفرقان والنمل والم تنزيل وص وحم السجدة قال " سعيد بن جبير " وسألت " ابن عمر " Bهم فعدهن كما عدهن " ابن عباس " Bه إحدى عشرة سجدة وقال ليس في المفصل شيء منها وهكذا ذكر " الكرخي " Bه في الجامع الصغير له وليس في المفصل عنده سجدة والذي في سورة ص عنده سجدة شكر .
والاختلاف بين العلماء في مواضع منها في الحج عندنا سجدة التلاوة الأولى منهما وعند " الشافعي " Bه سجدتان الأولى والثانية " لحديث " مسرع بن هاعان " عن " عقبة بن عامر " قال رسول الله A : في الحج سجدتان أو قال فضلت الحج بسجدتين من لم يسجدهما فلا يقرأهما " وهو مروي عن " عمر " ومذهبنا مروي عن " ابن عباس " و " ابن عمر " Bهم قال سجدة التلاوة هي الأولى والثانية سجدة الصلاة وهو الظاهر فقد قرنها بالركوع فقال اركعوا واسجدوا والسجدة المقرونة بالركوع سجدة الصلاة وتأويل الحديث فضلت الحج بسجدتين إحداهما سجدة التلاوة والأخرى سجدة الصلاة .
ويختلفون في التي في سورة ص عندنا وهي سجدة التلاوة وعند " الشافعي " Bه سجدة الشكر وفائدة الاختلاف إذا تلاها في الصلاة عندنا يسجدها وعند " الشافعي " لا يسجدها واستدل بما " روى عن النبي A أنه تلا في خطبته سورة ص فنشز الناس للسجود فقال : علام نشزتم إنها توبة نبي " ولنا ما روي أن رجلا من الصحابة قال يا رسول الله رأيت فيما يرى النائم كأني أكتب سورة ص فلما انتهيت إلى .
صفحة [ 7 ] موضع السجدة سجد الدواة والقلم فقال E نحن أحق بها من الدواة والقلم فأمر حتى يكتب في مجلسه وسجدها معه أصحابه فإن قيل : في الحديث زيادة وهو أنه قال : سجدها " داود " توبة ونحن نسجدها شكرا قلنا هذا لا ينفي كونها سجدة تلاوة فما من عبادة يأتي بها العبد إلا وفيها معنى الشكر ومراده من هذا بيان سبب الوجوب أنه كان توبة " داوود " عليه السلام وإنما لم يسجدها في خطبته ليبين لهم أنه لا يجوز تأخيرها . وقد روى أنه سجدها في خطبته مرة وذلك دليل على الوجوب وعلى أنها سجدة تلاوة فقد قطع الخطبة لها .
ويختلفون في التي في حم السجدة في موضعها فقال " علي " رضي الله تعالى عنه آخر الآية الأولى عند قوله : { " إن كنتم إياه تعبدون " } فصلت : 37 وبه أخذ " الشافعي " رضي الله تعالى عنه .
وقال " ابن مسعود " رضي الله تعالى عنه عند آخر الآية الثانية عند قوله تعالى : " وهم لا يسأمون " } فصلت : 38 وبه أخذنا لأنه أقرب إلى الاحتياط فإنها إن كانت عند الآية الثانية لم يجز تعجيلها وإن كانت عند الأولى جاز تأخيرها إلى الآية الثانية .
ويختلفون في المفصل فعندنا فيه ثلاث سجدات .
وقال " مالك " رضي الله تعالى عنه ليس في المفصل سجدة واحدة لقول " ابن عباس " رضي الله تعالى عنهما ولنا حديث " علي " رضي الله تعالى عنه عزائم سجود القرآن أربعة التي في الم تنزيل وحم السجدة وفي النجم واقرأ باسم ربك و " عن " ابن مسعود " - رضي الله تعالى عنه - قال : رأيت رسول الله A قرأ سورة والنجم " بمكة " فسجد وسجد الناس معه المسلمون والمشركون إلا شيخا وضع كفا من التراب على جبهته وقال إن هذا يكفيني فلقيته قتل كافرا ببدر " و " عن " أبي هريرة " رضي الله تعالى عنه أن رسول الله A قرأ إذا السماء انشقت فسجد وسجد معه أصحابه " قال : فإن تلا آية السجدة راكبا أجزأه أن يومئ بها وقال بشر لا يجزئه لأنها واجبة فلا يجوز أداؤها على الدابة من غير عذر كالمنذورة فإن الراكب إذا نذر أن يصلي ركعتين لم يجز أن يؤديهما على الدابة من غير عذر ولنا أنه أداها كما التزمها فتلاوته على الدابة شروع فيما تجب به السجدة فكان نظير من شرع على الدابة في التطوع فكما تجوز هناك تجوزها هنا بخلاف النذر فإنه ليس بشروع في أداء الواجب فكان الوجوب بالنذر مطلقا فيقاس بما وجب بإيجاب الله تعالى قال : وإن تلاها على الدابة ثم ركب وأداها بالإيماء جاز إلا على قول " زفر " رضي الله تعالى عنه فإنه يقول لما نزل وجب عليه أداؤها على الأرض فكأنه تلاها على الأرض ولنا أنه لو أداها قبل .
صفحة [ 8 ] نزوله جاز فكذلك بعد ما نزل وركب لأنه يؤديها بالإيماء في الوجهين وهو نظير ما تقدم لو افتتح الصلاة في وقت مكروه قال ومن تلاها ماشيا لم يجز أن يومئ لها لأن السجدة ركن الصلاة فكما لا يصلي الماشي بالإيماء فكذلك لا يسجد بخلاف الراكب قال : وإذا قرأها في صلاته وهو في آخر السورة إلا آيات بقين بعدها فإن شاء ركع وإن شاء سجد لها هكذا روي عن " ابن عمر " رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا تلا آية السجدة في الصلاة ركع ولأن المقصود الخضوع والخشوع وذلك يحصل بالركوع كما يحصل بالسجود .
واختلف مشايخنا في أن الركوع ينوب عن سجدة التلاوة أم السجود بعده ؟ فمنهم من قال الركوع أقرب إلى موضع التلاوة فهو الذي ينوب عنها والأصح أن سجدة الصلاة تنوب عن سجدة التلاوة لأن المجانسة بينهما أظهر ولأن الركوع افتتاح للسجود ولهذا لا يلزمه الركوع في الصلاة إن كان عاجزا عن السجود وإنما ينوب ما هو الأصل قال : فإذا أراد أن يركع بها ختم السورة ثم ركع ونوى هكذا فسره " الحسن " عن " أبي حنيفة " رضي الله تعالى عنهما وإن أراد أن يسجد لها سجد عند الفراغ من آية السجدة ثم يقوم فيتلو بقية السورة ثم يركع إن شاء وإن شاء وصل إليها سورة أخرى فهو أحب إلي لأن الباقي من خاتمة السورة دون ثلاث آيات فالأولى إذا قام من سجوده أن يقرأ ثلاث آيات لكيلا يكون بانيا للركوع على السجود قال : وإن كانت السجدة عند ختم السورة فإن ركع لها فحسن وإن سجد لها ثم قام فلا بد أن يقرأ آيات من سورة أخرى ثم يركع لكيلا يكون بانيا للركوع على السجود .
قال : فإن لم يفعل ولكنه كما رفع رأسه ركع أجزأه ويكره ذلك وإن كانت السجدة في وسط السورة فينبغي أن يسجد لها ثم يقوم فيقرأ ما بقي ثم يركع وإن ركع في موضع السجدة أجزأه وإن ختم السورة ثم ركع لم يجزئه ذلك عن السجدة نواها أو لم ينوها لأنها صارت دينا عليه بفوات محل الأداء فلا ينوب الركوع عنها بخلاف ما إذا ركع عندها فإنها ما صارت دينا بعد لبقاء محلها . وبخلاف ما إذا كانت قريبة من خاتمة السورة فإنها ما صارت دينا بعد حين لم يقرأ بعدها ما يتم به سنة القراءة وهو نظير من أراد دخول " مكة " فعليه الإحرام فإن لم يحرم ثم خرج من عامه ذلك وأحرم بحجة الإسلام ناب عما يلزمه لدخول مكة أيضا وإن تحولت السنة ثم أحرم بحجة الإسلام لم يجزئه عما لزمه لدخول مكة لأنها صارت دينا عليه بتحول السنة 0 ومثل هذاالقياس محمود في مواضيع الفقه لأن كلا من الصلاة والحج عبادة محضى البرنامج .
قال : فإن أراد أن يركع بالسجدة بعينها فالقياس أن الركعة والسجدة في ذلك سواء وبالقياس .
( يتبع . . . )