قال C رجل غصب رجلا قلب فضة أو ذهب فاستهلكه فعليه قيمته مصوغا من خلاف جنسه عندنا وعند الشافعي عليه قيمته من جنسه بالغة ما بلغت لأن من أصله أن للجودة والصنعة في الذهب والفضة قيمة وإن قوبلت بجنسها وعندنا لا قيمة للجودة والصنعة عند مقابلتها بجنسها فلو ضمن قيمتها من جنسها بالغة ما بلغت أدى إلى الربا وإن ضمن مثل وزنها ففيه إبطال حقه في الصنعة فلمراعاة الجانبين قلنا يعتبر قيمتها من خلاف جنسها وعند الشافعي C يضمن قيمتها من جنسها بالغة ما بلغت لأن للصنعة عنده قيمة وإن قوبلت بجنسها والربا إنما يكون شرطا في العقد فأما في ضمان المغصوب والمستهلكات فلا يتمكن الربا بناء على أصله أن ضمان الغصب لا يوجب الملك في المضمون وعندنا يوجب الملك وقد تقدم بيان الأصلين في كتاب البيوع والغصب والقول في الوزن والقيمة قول الغاصب مع يمينه لأنه منكر للزيادة والطالب مدع لذلك فعليه البينة وكذلك الرجل يكسر إناء فضة أو ذهب لرجل فعليه قيمة من خلاف جنسه سواء قل النقصان بالكسر أو كثر لأن إيجاب ضمان النقصان عليه متعذر فإن الوزن باق بعد الكسر ولا قيمة للصنعة بانفرادها ولو رجع بضمان النقصان كان آخذا عين ماله وزنا مع زيادة وتلك الزيادة ربا فلمراعاة حقه في الصنعة قلنا يضمنه القيمة من خلاف جنسه ويدفع المكسور إليه بالضمان وإن شاء أمسك المكسور ولم يرجع بشيء لأن شرط التضمين تضمين المكسور إليه فإذا أتى ذلك كان مبرئا له بخلاف الثوب إذا أحرقه فهناك بالحرق اليسير يضمنه النقصان فقط وفي الحرق الفاحش له أن يمسك الثوب ويضمنه النقصان لأن الثوب ليس بمال الربا فكانت الصنعة فيه متقومة فايجاب ضمان النقصان فيه لا يؤدي إلى الربا فإن قضي القاضي عليه بالقيمة وافترقا قبل أن يقبضها فذلك لا يضر عندنا وعلى قول زفر C يبطل قضاء القاضي بافتراقهما قبل القبض لأن ما جرى بينهما صرف فإن تمليك الفضة المكسوة بالذهب والتقابض في المجلس شرط في الصرف ولأجله يثبت حكم الربا فيه حتى لا يقوم بجنسه فكذلك يثبت حكم التقابض وبأن كان يجبر عليه في الحكم لا ينعدم معنى الصرف فيه في حكم التقابض في المجلس كمن اشترى دارا بعبد وفي الدار صفائح من ذهب ثم حضر الشفيع وقضى القاضي له بالشفعة بقيمة العبد يشترط قبض حصة الصفائح في المجلس لأن العقد فيه صرف وحجتنا في ذلك أن استرداد القيمة عن تعذر رد العين كاسترداد العين فإن القيمة سميت قيمة لقيامها مقام العين ولو قضى القاضي على الغاصب برد عين القلب لا يشترط القبض في المجلس فكذلك إذا قضى برد القيمة عند تعذر رد العين وهذا لان الغصب ليس بسبب موجب للملك وإنما هو موجب للضمان ثم ثبوت الملك في المضمون شرطا لتقرر حقه في القيمة وشرط الشيء يتبعه وإذا كان باعتبار ما هو الأصل لا يجب التقابض فكذلك باعتبار البيع بخلاف البيع فإنه سبب الملك في البدلين وهو نظير ما لو قال لغيره أعتق عبدك عني على ألف درهم فقال اعتقت لا يشترط القبول فيه وإن كان ذلك شرطا في البيع أن كان مقصودا .
لأن اندراج البيع هنا بطريق إنه شرط للعتق وبه فارق الشفعة فالشفيع يتملك الدار ابتداء بما يعطى من قيمة العبد بدل الدار في حقه فلو جود المبادلة مقصودا شرطنا قبض حصة الصفائح في المجلس يوضح ما قلنا أن اشتراط القبض في الصرف للتعيين من حيث أن كل واحد من العوضين فيه يجوز أن يكون غير معين في الابتداء وهذا لا يوجد في الغصب فالغصب والاستهلاك لا يردان إلا على معين فلا معنى لاشتراط القبض هنا للتعيين ومعنى المبادلة فيه غير مقصودة . يوضحه إنه لو انتقض القضاء بالافتراق عن المجلس احتاج القاضي إلى إعادته بعينه من ساعته فيكون اشتغالا بمالا يفيد وكذلك أن اصطلحا على القيمة فهو على الخلاف لأنهما فعلا بدون القاضي عين ما يأمر به القاضي أو رفعا الأمر إليه ولو أجل القيمة عنه شهرا جاز ذلك أيضا عندنا خلافا لزفر وقد بينا هذا الخلاف في التأجيل في الغصوب والمستهلكات أنه يلزمه عندنا خلافا لزفر فعنده هذا التأجيل باطل لمعنيين أحدهما أن قبض القيمة في المجلس عنده واجب والثاني أن يدل المغصوب والمستهلك عنده كبدل القرض فلا يثبت فيه الأجل وعندنا قبض القيمة في المجلس ليس بواجب والقيمة دين حقيقة وحكما فبالتأجيل يلزم كالثمن في البيع وإذا استهلك أناء من نحاس أو حديد أو رصاص كان ضامنا لقيمته دراهم أو دنانير لأن الإناء ليس من ذوات الأمثال بخلاف تبر الحديد والنحاس فهو موزون من ذوات الأمثال فيكون مضمونا بالمثل على المستهلك وفي الآنية يقضي القاضي بالقيمة أن شاء من الدراهم وإن شاء من الدنانير لأن الأشياء بهما تقوم وبأيهما قوم هنا لا يؤدي إلى الربا ولكنه ينظر إن كان يباع ذلك بالدراهم يقضي بقيمته دراهم وإن كان بالدنانير فبالدنانيرة وكذلك السيف والسلاح وكذلك لو كسره أو هشمه هشما يفسد فإن كان هشما لا يفسده ضمنه النقصان إن كان لا يباع وزنا لأنه ليس بمال الربا حتى يجوز بيع الواحد منه بالاثنين يدا بيد مكان كالثوب وقد بينا الفرق بين هذا أو الأواني المتخذة من الذهب والفضة أن بالصنعة هناك لا تخرج من أن تكون موزونة باعتبار النص فيهما والمعتبر فيما سواهما العرف وإذا كسر إناء فضة لرجل واستهلكه صاحبه قبل أن يعطيه إياه فلا شيء لصاحبه على الذي كسره .
لأن شرط التضمين تسليم المكسور إليه وقد فوته بالاستهلاك ولو غصب إناء فضة فكسره وصاغه شيئا آخر فللمغصوب منه أن يأخذه عند أبي حنيفة وعندهما لا يأخذه ولكن يضمنه قيمة الأول مصوغا وقد بينا المسألة في كتاب الغصب وإن غصبه دراهم أو دنانير فأذا بها كان لصاحبها أن يأخذها إن شاء وإن شاء ضمن الغاصب مثل ما غصبه لأنه بالأذابة ما أحدث فيها صنعة وإنما فوت الصنعة وبه لا يملك المغصوب كما لو قطع الثوب ولم يخطه وإذا غصب درهما فالقاه في دراهم له فعليه مثله لأنه خلط المغصوب بماله خلطا يتعذر على صاحبه الوصول إلى عينه فيكون مستهلكا ضامنا لمثله والمخلوط يصير مملوكا له عند أبي حنيفة وعندهما لصاحبه الخيار بين التضمين والشركة وكذلك الخلاف في كل ما يخلط وقد بيناه في الغصب وإن غصب فضة وسبكها في فضة له حتى اختلطا فعليه مثل ما غصب وكذلك لو غصب دراهم لرجل ودراهم لآخر فخلطهما خلطا لا يمكن تمييزه أو سبك ذلك كله فهو ضامن لمال كل واحد منهما والمخلوط له بالضمان وعندهما لكل واحد منهما الخيار بين التضمين والشركة ولو غصب دراهم أو دنانير فجعلها عروة في قلادة فهذا استهلاك وعلى الغاصب مثلها لأنه صيرها وصفا من أوصاف ملكه حتى يدخل في بيع ملكه من غير ذكر وقد غصبها مقصودا بنفسه فإذا صار ذلك مستهلكا بفعله وجب عليه ضمان المثل فهو نظير الساحة إذا أدخلها الغاصب في بنائه وإذا رد الغاصب أجود مما غصب أو أردأ منه ورضى به المغصوب منه جاز لأنه أبراه من صفة الجودة حين رضي بالأردأ ولو أبرأه عن بعض القدر جاز فكذلك عن الصفة وفي الأجود أحسن الغاصب في قضاء عليه وذلك مندوب إليه كما لو أرجح ولا يشترط رضا المغصوب منه بالأجود إلا على قول زفر وقد بيناه في البيوع وإن غصبه ألف درهم ثم اشتراها منه بمائة دينار ونقده الدنانير والدراهم قائمة في منزلة الغاصب أو مستهلكة فهو سواء وهو جائز أما بعد الاستهلاك فإنه قابض لبدل الدنانير بذمته وفي حال قيام العين وهو قابض لها بيده لأنها مضمونة في يده بنفسها وهذا القبض ينوب عن قبض الشراء وكذلك لو كان الذي غصبه إناء فضة وكذلك لو صالحه عنه على مثل وزنه من جنسه وأعطاه جاز .
وكذلك لو كان الإناء مستهلكا لأن ما أشرنا إليه من المعنى يعم المفصول فإن صالحه من الفضة على ذهب بتأخير أو على فضة مثلها بتأخير كان جائزا عندنا خلافا لزفر وقد بينا أنه لا فرق بين قضاء القاضي بالقيمة عليه وبين تراضيهما عليه بالصلح وهذا لأن المغصوب في حكم المستهلك إذا كان لا يتوصل إلى عينه فما يقع الصلح عليه يكون بدل المغصوب المستهلك وليس هذا كالشيء القائم بعينه يبيعه إياه يعني لو كان قائما بعينه قد أظهره فباعه منه كان هذا صرفا ولا يجوز إلا يدا بيد لأن حقه في استرداد العين إذا كان قائما بعينه فيبيعه منه بخلاف الجنس يكون معاوضة مبتدأ وإن كان الإناء غائبا عنه فقال اشتريته منك بنسيئة فإني أكره ذلك إذا وقع عليه اسم البيع كرهت منه ما أكره من الصرف لأن البيع مبادلة مال بما قائم فلفظهما دليل على كون الإناء قائما فلا يختلف الجواب بكونه حاضرا أو غائبا والقياس في الصلح هكذا إلا إني استحسن في الصلح إذا كان الإناء مغيبا عنه لأنه ليس في نفس الصلح ما يدل على قيامة وما لا يتوصل إلى عينه فهو مستهلك حكما أما إذا كان ظاهرا أو هو مقر به فأني أكره الصلح والبيع في ذلك إلا على ما يجوز في الصرف فإن ما يجري بينهما صرف بزعمهما فيؤاخذان بأحكام الصرف فيه والله أعلم