قال C ذكر حديث أبي هريرة Bه قال كان أهل الجاهلية إذا هلك الرجل في البئر جعلوها عقله وإذا جرحته دبة جعلوها عقله وإذا وقع عليه معدن جعلوه عقله فسألوا رسول الله A عن ذلك فقال العخماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس قالوا وما الركاز قال الذهب الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقها والمراد بالعجماء الدابة لأنها بهيمة لا تنطق ألا ترى أن الذي لا يفصح يسمى أعجميا والجبار الهدر وفيه دليل أن فعل الدابة هدر لأنه غير صالح بأن يكون موجبا على صاحبها ولا ذمة لها في نفسها وفي بعض الروايات قال والرجل جبار والمراد أن الدابة إذا رمحت برجلها فلا ضمان فيه على السائق والقائد لأن ذلك لا يستطاع الإمتناع منه بخلاف ما لو كدمت الدابة أو ضربت باليد حيث يضمن لأن في وسع الراكب أن يمنعه بأن يرد لجامه وأما البئر والمعدن فجبار لأن سقوطه بعمل من يعامله فيكون كالجاني على نفسه وفيه دليل لنا على وجوب الخمس في المعدن فقد أوجب رسول الله A الخمس في الركاز ثم فسر الركاز بالمعدن وهو الذهب المخلوق في الأرض حين خلقت فإن الكنز موضوع العباد واسم الركاز يتناولهما لأن الركز هو الإثبات يقال ركز رمحه في الأرض وكل واحد منهما مثبت في الأرض خلقة أو وضعا وعن عامر C قال وجد رجل ألف درهم وخمسمائة درهم في قرية خربة فقال علي Bه سأقضي فيها قضاء بينا أن كنت وجدتها في قرية يؤدي خراجها قوم فهم أحق بها منك وإن كنت وجدتها في قرية ليس يؤدي خراجها أحد فخمسها لبيت المال وبقيتها لك وسنتمها لك فجعل الكل له وفيه دليل لأبي حنيفة ومحمد رحمهما لله على أن واجد الكنز في ملك الغير لا يملكه ولكن يردها على صاحب الخطة وهو أول مالك كان لهذه الأرض بعد ما افتتحت وفيه دليل وجوب الخمس في الكنز وإن للإمام أن يضع ذلك في الواحد إذا رآه محتاجا إليه وله أن يضع ذلك في بيت المال كما رواه عن علي Bه في الحديث الآخر قال إن كانت قرية خربت على عهد فارس فهم أحق به وإن كانت عادية خربت قبل ذلك فهو للذي وجده فوجدوها كذلك فأدخل خمسه بيت المال وأعطي الرجل بقيته .
وعن مسروق أن رجلا وجد كنزا بالمدائن فدفعه إلى عامله فأخذه كله فبلغ ذلك عائشة Bها فقالت بفيه الكثكث يعني التراب فهل لا أخذ أربعة أخماس المال ودفع إليه خمسة وهذا مثل في العرب معروف للجانب المخطئ في عمله وهو مراد عائشة Bها بما قالت يعني أنه خاب وخسر لخطئه فيما صنع في دفعه الكل إلى العامل فقد كان له أن يخفي مقدار حقه في ذلك ولا يدفع إلى العامل إلا قدر الخمس وعن جبلة بن حميد عن رجل منهم خرج في يوم مطير إلى دير خربة فوقعت فيه ثلمة فإذا استوقة أو جرة فيها أربعة آلاف مثقال ذهب قال فأتيت بها عليا Bه فقال أربعة أخماسها لك والخمس الباقي منه أقسمه في فقراء أهلك وهذا دليل على جواز وضع الخمس في قرابة الواحد وإن للإمام أن يفرض ذلك إليه كما له أن يفعله بنفسه لأن خمس الركاز في معنى خمس الغنيمة ووضع ذلك في قرابة الغانمين جائز إذا كانوا محتاجين إليه وعن الحارث الأزدي قال وجد رجل ركازا فاشتراه منه أبي بمائة شاة تبيع فلامته أمي وقالت اشتريته بثلثمائة أنفسها مائة وأولادها مائة وكفايتها مائة فندم الرجل فاستقا له فأبي أن يقيله فقال لك عشر شياه فأبى فقال لك عشرة أخرى فأبى فعالج الركاز فخرج منه قيمة ألف شاه فأتاه الآخر فقال خذ غنمك واعطني مالي فأبى عليه فقال لأضرنك فأتى عليا Bه فذكر ذلك له فقال علي Bه إذ خمس ما وجدت للذي وجد الركاز فانما هذا فإنما أخذ ثمن غنمه وفيه دليل على أن بيع المعدن بالعروض جائز وقوله بمائة شاة تبيع أي كل شاة يتبعها ولدها وهي حامل بأخرى وهذا معنى ملامها إياه حيث قالت اشتريتها بثلاثمائة والمراد بقولها وكفايتها حملها وقيل المراد لبنها وفيه دليل على أن المتصرف لا ينبغي له أن يبني تصرفه على رأي زوجته فإنه ندم بناء على رأيها ثم خرج له منه قيمة ألف شاة وهو معنى قوله A شاوروهن وخالفوهن .
وفيه دليل على أن خمس الركاز على الواجد دون المشتري وأن بيع الواجد قبل أداء الخمس جائز في الكل فيكون دليلا لنا على جواز بيع مال الزكاة بعد وجوب الزكاة فيه وفيه دليل على أنه لا ينبغي للمرء أن يقصد الإضرار بالغير فيكون ذلك سببا للحوق الضرر به كما ابتلى به هذا الرجل وهذا معنى ما يقال من حفر مهواة وقع فيها ويقال المحسن يجزي بإحسانه والمسيء ستلقيه مساويه وعن الشعبي قال لاخير في بيع تراب الصواغين وهو غرر مثل السمك في الماء وبه نأخذ فالمقصود ما في التراب من الذهب والفضة لا عين التراب فإنه ليس بمتقوم وما فيه ليس بمعلوم الوجود والصفة والقدر فكان هذا بيع الغرر ونهى رسول الله A عن بيع فيه غرر ولكن هذا إذا لم يعلم هل فيه شيء من الذهب والفضة أم لا فإن علم وجود ذلك فبيع شيء منه معين بالعروض جائز على ما بينه إن شاء الله وعن عبدالله بن عمر Bه قال سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله A عما يوجد في الطريق العام فقال صلوات الله عليه عرفها حولا فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك وفيه دليل على أن الملتقط عليه التعريف في اللقطة وبظاهره يستدل الشافعي ويقول له أن يتملكها بعد التعريف وإن كان غنيا ولكنا نقول مراده فاصرفها إلى حاجتك لأنه A علمه محتاجا وعندنا للفقير أن ينتفع باللقطة بعد التعريف قال فإن وجدها في الخرب العادي ففيها وفي الركاز الخمس والمراد بالركاز المعدن لأن عطفه على الكنز وإنما يعطف الشيء على غيره لا على نفسه وكل من احتفر من المعدن فعليه خمس ما وجد وله أربعة أخماسه لما روينا من الأثر قال وأكره أن تتقاسموا التراب ولا أجيزه وإن فعلوا حتى تخلص تقاسمونه على ما يخلص من ذلك لما بينا أن المقصود ما في التراب وحقهم في ذلك سواء وعند قسمة التراب لا يعلم مقدار ما يصل من المقصود إلى كل واحد منهم فهم في معنى قسمة الذهب والفضة مجازفة وذلك لا يجوز كما لا يجوز البيع فيه مجازفة بحنسة .
ولو اشترى معدن فضة بفضة لم يجز لأنه لا يدري أن ما في تراب المعدن من الفضة مثل الفضة الأخرى أو أقل أو أكثر والأخذ بالاحتياط في باب الربا واجب قال ابن مسعود Bه كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الحرام وقال A ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا وقد غلب الحرام الحلال وقال في الربا من لم يأكله أصابه من غباره وكذلك أن اشتراه بذهب أو فضة فلعل ما في التراب من الفضة مثل المنفصل فيكون الذهب ربا لأنه فضل خال عن العوض فالتراب ليس بمتقوم . وإن اشتراه بذهب جاز لأن ربا الفضل لا يجوز عند اختلاف الجنس وكان بالخيار إذا خلص ذلك منه ورأى ما فيه لأنه إنما كشف له الحال الآن ولا يتم رضاه إلا بذلك فكان الخيار إليه كمن اشترى شيئا لم يره . وكذلك لو اشتراه بعرض وكذلك تراب معدن من الذهب إذا اشتراه بذهب لم يجز وإن اشتراه بفضة أو عرض جاز لانعدام الربا بسبب اختلاف الجنس وإذا احتفر موضعا من المعدن ثم باع تلك الحفرة فإن بيعه باطل لأنه باع ما لا يملك فإن تلك الحفرة لم يملكها بمجرد الحفر لأن الملك إنما يثبت بالإحراز وهو لم يحرزه فإن احرازه فيما رفع من التراب دون الباقي في مكانه فهو كبيع صخرة من الجبل قبل أن يحرزها ويخرجها وتأويل حديث علي Bه أن الرجل كان أحرز بعضها فباع ذلك المحرز بمائة شاة وباع له الباقي ولهذا قال علي Bه أد خمس ما وجدت من الركاز يعني ما أحرزته وكذلك أن أعطاها رجلا على أن يعوضه منها عوضا فهو باطل لأنه ملك ما لا يملك واشتراط العوض عليه في إخراج المباح وذلك باطل فرجع في عوضه وما احتفر الرجل من الحفرة فأحرزه فهو له بالإحراز وعليه الخمس في ذلك وإن استأجر الرجل الأجير يعمل معه بتراب معدن معروف فهو جائز إذا كان يعلم أن فيه شيئا من الذهب والفضة لأن جهالة مقداره لا تفضي إلى المنازعة لما كان التراب معينا معروفا وله الخيار إذا رأى ما فيه كمن أجر نفسه بعوض لم يره فهو بالخيار إذا رآه .
وإن استأجره بوزن من التراب مسمى بغير عينه لم يجز لأن المقصود ما في التراب وذلك لا يصير معلوما بذكر وزن التراب فقد يكثر ذلك في البعض ويقل في البعض الآخر وينعدم في البعض وهذه الجهالة تفضي إلى المنازعة . وكذلك لو اشترى عرضا بوزن من التراب بغير عينه فهو باطل لما قلنا وإن كان لرجل على رجل دين فاعطاه به ترابا بعينه يدا بيد فإن كان الدين فضة فاعطاه تراب فضة لم يجز لتوهم الفضل فيما أعطاه وإن أعطاه تراب ذهب أو تراب جاز لاختلاف الجنس وهو بالخيار إذا رأى ما فيه . وإذا استقرض الرجل من الرجل تراب ذهب أو تراب فضة فإنما عليه مثل ما يخرج من ذلك التراب من الذهب والفضة بوزنه لأن المقصود ما فيه واستقراضه جائز فيكون مضمونا بالمثل والقول فيه قول المستقرض لأنه منكر للزيادة التي يدعيها المقرض وإن كان استقراض التراب على أن يعطيه ترابا مثله لم يجز معناه أن الشرط لا يجوز لأن في هذا الشرط زيادة أو نقصانا فيما استقرضه مما هو المقصود ومثل هذا الشرط في القرض باطل وكذلك لو اشتراه شراء فاسدا واستهلك التراب فعليه مثل ما فيه من ذهب أو فضة والقول في مقداره قول الضامن لأن العقد لا يتناول عين التراب لأنه ليس بمتقوم وإنما يتناول ما فيه وإن اشترى تراب فضة بتراب فضة أو تراب ذهب بتراب ذهب لم يجز تساويا أو تفاضلا لأن المعقود عليه ما في التراب وبالمساواة في وزن التراب لا تحصل المماثلة فيما هو المقصود وهو شرط جواز العقد وإن اشترى تراب ذهب بتراب فضة جاز كما يجوز بيع الذهب بالفضة مجازفة وكل واحد منهما بالخيار إذا رأى ما فيه لأن المقصود صار معلوما له الآن والله أعلم