قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي إملاء الصرف اسم لنوع بيع وهو مبادلة الأثمان بعضها ببعض والأموال أنواع ثلاثة : نوع منها في العقد ثمن على كل حال وهو الدراهم والدنانير صحبها حرف الباء أو لم يصحبها سواء كان ما يقابلها من جنسها أو من غير جنسها ونوع منها ما هو مبيع على كل حال وهو ما ليس من ذوات الأمثال من العروض كالثياب والدواب والمماليك ونوع هو ثمن من وجه مبيع من وجه كالمكيل والموزون فإنها إذا كانت معينة في العقد تكون مبيعه وإن لم تكن معينة فإن صحبها حرف الباء وقابلها مبيع فهو ثمن وإن لم يصحبها حرف الباء وقابلها ثمن فهي مبيع وهذا لأن الثمن ما يثبت دينا في الذمة قال الله تعالى وشروه بثمن بخس دراهم معدودة قال الفراء في معناه الثمن عند العرب ما يثبت دينا في الذمة والنقود لا تستحق بالعقد إلا دينا في الذمة ولهذا قلنا أنها لا تتعين بالتعين وكان ثمنها على كل حال والعروض لا تستحق بالعقد إلا عينا فكانت مبيعة والسلم في بعضها رخصة شرعية لا تخرج به من أن تكون مبيعة والمكيل والموزون يستحق عينا بالعقد تارة ودينا أخرى فيكون ثمنا في حال مبيعا في حال والثمن في العرف ما هو المعقود به وهو ما يصحبه الباء فإذا صحبه حرف الباء وكان دينا في الذمة وقابله مبيع عرفنا أنه ثمن وإذا كان عينا قابله ثمن كان مبيعا لأنه يجوز أن يكون مبيعا يحال بخلاف ما هو ثمن بكل حال ومن حكم الثمن أن وجوده في ملك العاقد عند العقد ليس بشرط لصحة العقد وإنما يشترط ذلك في المبيع وكذلك فوات التسليم فيما هو ثمن لا يبطل العقد بخلاف المبيع والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز بخلاف المبيع والأصل فيه حديث ابن عمر Bه حيث سأل رسول الله A فقال أني أبيع الإبل بالبقيع فربما أبيعه بالدنانير وآخذ مكانها الدراهم أو على عكس ذلك فقال A لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل وإذا ثبت جواز الاستبدال بالثمن قبل القبض ثبت أن فوات التسليم فيه لا يبطل العقد لأن في الاستبدال تفويت التسليم فيما استحق بالعقد وبهذا ثبت أن ملكه عند العقد ليس بشرط لأن اشتراط الملك عند العقد إما لتمليك العين والثمن دين في الذمة أو للقدرة على التسليم .
ولا أثر للعجز عن تسليم الثمن في العقد والحكم الذي يختص به الصرف من بين سائر البيوع وجوب قبض البدلين في المجلس وإنه لا يكون فيه شرط خيار أو أجل وذلك ثابت بالحديث الذي رويناه فإنه قال النبي A لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل أي مطالبة بالتسليم لوجود القبض قبل الافتراق ولأن هذا العقد اختص باسم فيختص بحكم يقتضيه ذلك الاسم وليس ذلك صرف ما في ملك كل واحد منهما إلى ملك صاحبه لأن البدل من الجانبين يجب ابتداء بهذا العقد لا أن يكون مملوكا لكل واحد منهما قبله ولأن ذلك ثابت في سائر البيوع عرفنا أنه يسمى صرفا لما فيه من صرف ما في يد كل واحد منهما إلى يد صاحبه ولم يسم به لوجوب التسليم مطلقا لأن ذلك يثبت في سائر البيوع عرفنا أنه إنما سمى به لاستحقاق قبض البدلين في المجلس ولأن هذا العقد مبادلة الثمن بالثمن والثمن يثبت بالعقد دينا في الذمة والدين بالدين حرام في الشرع نهى النبي A عن بيع الكالئ بالكالئ فما يحصل به التعيين وهو القبض لا بد منه في هذا العقد وكان ينبغي أن يشترط مقرونا بالعقد لأن حالة المجلس تقام مقام حالة العقد شرعا للتيسير وإذا وجد التعيين بالقبض في المجلس يجعل ذلك كالموجود عند العقد وليس أحد البدلين في ذلك بأولى من الآخر فشرطنا القبض فيهما لهذا المعنى ولسنا نعني بالمجلس موضع جلوسهما بل المعتبر وجود القبض قبل أن يتفرقا حتى لو قاما أو مشيا فرسخا ثم تقابضا قبل أن يتفرقا أي يفارق أحدهما صاحبه حال العقد وكذلك لو ناما في المجلس أو أغمى عليهما ثم تقابضا قبل الافتراق روى ذلك بشر عن أبي يوسف ولهذا لا يجوز شرط الخيار في هذا العقد لأن الخيار بعدم الملك فيكون أكثر تأثيرا من عدم القبض قبل الافتراق وبشرط الخيار يمتنع استحقاق ما به يحصل التعيين وهو القبض ما بقى الخيار وكذلك شرط الأجل ينعدم استحقاق القبض الذي يثبت به التعيين فلهذا كان مبطلا لهذا العقد وقد دل ما قلنا على الأخبار التي بدئ الكتاب بها فمنها حديث أبي سعيد الخدري Bه أن رسول الله قال المفضة بالعضة وزن بوزن يد بيد والفضل ربا إلى آخره وقد بدأ بهذا الحديث كتاب البيوع وبينا تمام شرحه في كتاب البيوع ومن ذلك حديث أنس بن مالك Bه قال أتى عمر بن الخطاب Bه بأناء خسرواني قد احكمت صنعته فبعثني به لا بيعه فاعطيت به وزنه وزيادة فذكرت ذلك لعمر Bه فقال أما الزيادة فلا وهذا الإناء كان من ذهب أو فضة .
وفيه دليل على أنه لا قيمة للصنعة في الذهب والفضة عند المقابلة بجنسها لأنه لم يجوز الاعتياض عنها وما كان مالا متقوما شرعا فالاعتياض عنه جائز فعرفنا أنه إنما لم يجوز لأنه لا قيمة للصنعة في هذه الحالة شرعا كما لا قيمة للصنعة في المعارف والملاهى شرعا وفيه دليل أن الذهب والفضة بالصنعة لا تخرج من أن تكون وزنية وإن اعتاد الناس بيعها بغير وزن بخلاف سائر الموزونات لأن صنعة الوزن فيها ثابتة بالنص فلا تتغير بالعرف بخلاف سائر الأشياء وإلى ذلك أشار ابن سيرين حين سئل عن بيع إناء من حديد بأناءين فقال قد كانوا يبيعون الدرع بالأدرع يعني أن مالا يعتاد الناس وزنه من هذا الجنس لا يكون موزونا ثم ذلك الإناء كان لبيت المال وإنما قصد عمر Bه ببيعه أن يصرف الثمن إلى حاجة المسلمين ثم وكل به أنس بن مالك Bه وفيه دليل على جواز التوكيل بالصرف وعن أبي جبلة قال سألت عبدالله بن عمر Bهما فقلت أنا نقدم أرض الشام ومعنى الورق الثقال النافقة وعندهم الورق الخفاف الكاسدة أفنبتاع ورقهم العشرة بتسعة ونصف فقال لا تفعل ولكن بع ورقك بذهب واشتر ورقهم بالذهب ولا تفارقه حتى تستوفي وإن وثب من سطح فثب معه وفيه دليل رجوع ابن عمر Bهما عن قوله في جواز التفاضل كما هو مذهب ابن عباس Bهما وأنه لا قيمة للجودة في النقود وإن المفتي إذا تبين جواب ما سئل عنه فلا بأس أن يبين للسائل الطريق الذي يحصل به مقصوده مع التحرز عن الحرام ولا يكون هذا مما هو مذموم من تعليم الحيل بل هو اقتداء برسول الله A حيث قال لعامل خيبر هلا بعت تمرك بسلعة ثم اشتريت بسلعتك هذا التمر وفيه دليل أن القليل من الفضل والكثير في كونه ربا سواء الظاهر قوله A والفضل ربا وإن التقابض قبل الافتراق في الصرف مستحق وإن القيام عن المجلس من غير افتراق لا يمنع بقاء العقد فإنه قال وإن وثب من سطح فثب معه للتحرز عن مفارقة أحدهما صاحبه قبل القبض .
وعليه دل حديث كليب بن وائل قال سألت ابن عمر Bهما عن الصرف فقال من هذا إلى هذه يعني من يدك إلى يده وإن استنظرك إلى خلف هذه السارية فلا تفعل وإنما كني بهذا اللفظ عن مفارقة أحدهما صاحبه قبل القبض لأن بالمفارقة يغيب عن بصره وبالاستتار بالسارية يغيب عن بصره أيضا فذكر ذلك على وجه الكتابة عن المفارقة لا أن يكون حقيقة السارية بينهما موجبا للافتراق فإن ابتداء العقد بينهما صحيح في هذه الحالة وكون السارية بينهما لا يعد افتراق عرفا وعن محمد بن سيرين أنه كان يكره أن يباع السيف المحلى بالفضة بالنقرة مخافة أن تكون الفضة التي أعطى أقل مما فيه ويكره أن يبيعه بالنسيئة ولا يرى بأسا بأن يبيعه بالذهب وبه نأخذ فنقول بيعه بالذهب جائز بالنقد لقوله A إذ اختلفت النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد ولا يجوز بيعه بالنسيئة سواء باعه بالذهب أو بالفضة لأن العقد في حصة الحلية صرف فاشتراط الأجل فيه مفسد ولا ينزع الحلية من السيف إلا بضرر ففساد العقد فيها يفسد في الكل دفعا للضرر أما بيعها بالفضة فعلى أربعة أوجه أن كان يعلم أن فضة الحلية أكثر فهو فاسد وكذلك أن كانت الحلية مثل النقد في الوزن لأن الجفن والحمائل فضل خال عن العوض فإن مقابلة الفضة بالفضة في البيع تكون بالإجزاء وأن كان يعلم أن الفضة في الحلية أقل جاز العقد على أن يجعل المثل بالمثل والباقي بازاء الجفن والحمائل عندنا خلافا للشافعي وإن كان لا يدري أيهما أقل فالبيع فاسد عندنا لعدم العلم بالمساواة عند العقد وتوهم الفضل وعند زفر هذا يجوز فإن الأصل الجواز والمفسد هو الفضل الخالي عن العوض فما لم يعلم به يكون العقد مملوكا بجوازه وقد بينا هذا في البيوع وعن أبي بصرة قال سألت ابن عمر Bهما عن الصرف قال لا بأس به يدا بيدو سألت ابن عباس Bهما فقال مثل ذلك فقعت في حلقة فيها أبو سعيد الخدري Bه فأمرني رجل فقال : سله عن الصرف فقلت أن هذا يأمرني أن أسألك عن الصرف فقال لي الفضل ربا فقال سله أمن قبل رأيه يقول أو شيء سمعه من رسول الله A فذكرت ذلك له فقال أبو سعيد Bه بل سمعته من رسول الله A أتاه رجل يكون في نخله برطب طيب فقال A من أين هذا فقال أعطيت صاعين من تمر ردئ وأخذت هذا فقال A أربيت فقال أن سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا فقال A أربيت سعر هذا في السوق كذا وسعر هذا كذا فقال A أربيت ثم قال صلوات الله عليه هلا بعته بسلعة ثم ابتعت بسلعتك تمرا فقال أبو سعيد Bه الفضل في التمر ربا والدراهم مثله .
فقال أبو بصرة فلقيت بعد ذلك ابن عمر Bهما فقال لا خير فيه وأمرت أبا الصهباء فسأل ابن عباس Bهما عن الصرف فقال لا خير فيه وفي هذا دليل رجوع ابن عمر ابن عباس Bهما عن فتواهما بجواز التفاضل وقد روى أن عليا Bه لما سمع هذه الفتوى عن ابن عباس Bهما فقال أنك رجل تائه وعن الشعبي قال حدثني بضعة عشر نفرا من أصحاب ابن عباس Bهما الخبر فالخبر أنه رجع عن فتواه فقال الفضل حرام وقال جابر بن زيد Bه ما خرج ابن عباس Bه من الدنيا حتى رجع عن قوله في الصرف والمتعة فعلم أن حرمة التفاضل مجمع عليه في الصدر الأول وإن قضاء القاضي بخلافه باطل وفيه دليل أنهم كانوا يسمعون حكما في حادثة فيلحقون بها ما في معناها فإن أبا سعيد Bه ذكر أنه سمعه من رسول الله A ثم روى الحديث في التمر وبين أن الدراهم مثله وفيه دليل على أن النصف في شيء يكون نصا فيما هو في معناه من كل وجه لأنه لو كان هذا قياسا فالقياس استنباط بالرأي وما كان يقول بل سمعته من رسول الله A وفيه دليل أنه لا بأس للمستفتي أن يطالب المفتي بالدليل إذا كان أهلا لذلك فإن أبا سعيد Bه لم ينكر عليه ذلك وأنه لا بأس للإنسان أن يأمر غيره بالاستفتاء وإن كان هو المحتاج إليه كما فعله هذا الرجل وإن كان احتشم أبا سعيد Bه فلم يسأله بنفسه كما روى أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يجلسون حول رسول الله A كأن على رؤوسهم الطير وكان يعجبهم أن يدخل أعرابي ليسأله ليستفيدوا بسؤاله أو علم هذا الرجل بقول ابن عمر وابن عباس Bهما ولم يعجبه أن يظهر الانكار عليهما فأمر غيره حتى سأل أبا سعيد الخدري Bه فيطالبه بالدليل ليتبين ما هو الصواب فيحصل المقصود من غير أن يستوحش أحد وهذا أقرب إلى حسن العشرة وعن شريح أن رجلا باع طوق ذهب مفضض بمائة دينار فاختصما إلى شريح Bه فأفسد البيع وهذا عندنا لأنه لم يكن يدري مقدار الذهب الذي في الطوق أو علم أنه مائة مثقال أو أكثر أما إذا علم أنه دون مائة مثقال فالبيع جائز على أن تكون الزيادة بمقابلة الفضلة إلا أن تكون الفضة تمويها فيه بحيث لا يستخلص فحينئذ لا يعتبر ذلك ولا يحصل بمقابلتها شيء فيكون بمقابلة الصنعة ولا قيمة للصنعة عند إتحاد الجنس .
وعن عبدالله بن أبي سلمة Bه أن النبي A بعث يوم خيبر سعد بن سعد بن ملك وسعدا آخر Bهما ليبيعا غنائم بذهب فباعاها كل أربعة مثاقيل ذهب تبرا بثلاث مثاقيل عينا فقال لهما رسول الله A أربيتما فردا وفيه دليل أن للإمام ولاية بيع الغنائم وقسمة الثمن بين الغانمين إذا رأى النظر فيه وإن له أن يوكل غيره في ذلك وإن التفاضل حرام في بيع الغنائم ومال بيت المال كغيرها وإن العقد الفاسد يستحق فسخه ورده لأن مباشرته معصية والإصرار على المعصية معصية فلهذا قال A أربيتما فردا ولم يعاتبهما على ما صنعا لأن نزول تحريم الربا كان يومئذ لم يكن اشتهر بعد فعذرهما بالجهل به وعن سليمان بن بشير قال أتاني الأسود بن يزيد فصرفت له الدراهم وافية بدنانير ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فيما أظن ثم جاءني فقال اشتر بها غلة فجعلت أطلب الرجل الذي صرفت عنده فقال لا عليك أن لا تجده وأن وجدته فلا أبالي وفيه دليل جواز التوكيل بالصرف وإن التفاضل حرام عند اتفاق الجنس لأنه كان مقصود الأسود أن يشتري بالدراهم الجياد الغلة وعلم أن الفضل حرام فأمره أن يشتري بها دنانير ثم أمره بأن يشتري بالدنانير الغلة وكان هذا الوكيل اشتغل بطلب ذلك الرجل لأنه ظهر عنده أمانته ومسامحته في المعاملة وبين له الأسود أنه كغيره فيما هو مقصودي فلا يتكلف في طلبه وعن أبان بن عباس عن أنس بن مالك Bه قال بعت جام فضة بورق بأقل من ثمنه فبلغ ذلك عمر Bه فقال ما حملك على ذلك قلت الحاجة قال رد الورق إلى أهلها وخذ أناءك وعارض به ففيه دليل حرمة الفضل وجوب الرد عن فساد العقد وإن بسبب الحاجة لا يحل الربا لأن الحاجة ترتفع من غير ارتكاب الحرام كما هداه عمر Bه بقوله وخذ أناءك وعارض به ولكنه عذره للحاجة ولم يؤد به وكان قصده بالسؤال في الإبتداء أن يعلم سبب اقدامه على هذا العقد حتى إذا باشره مع العلم به من غير حاجة أدبه عليه وقد كان مؤدبا يؤدب على ما هو دون ذلك .
وعن أبي رافع قال سألت عمر بن الخطاب Bه عن الصوغ أصوعه فأبيعه قال وزنا يوزن فقلت أني أبيعه وزنا بوزن ولكن آخذ فيه أجر عمل فقال أنما عملك لنفسك ولا تردد شيئا فإن رسول الله A نهانا أن نبيع الفضة إلا وزنا بوزن ثم قال يا أبا رافع أن الآخذ والمعطي والشاهد والكاتب شركاء وفيه دليل حرمة الفضل وأنه لا قيمة للصنعة فيما هو مال الربا فإن عمر Bه بين له أنه في الابتداء عمل لنفسه فلا يستوجب الأجر به على غيره ثم ما يأخذه من الزيادة عوضا عن الصنعة ولا قيمة للصنعة في البيع ثم بين شدة الحرمة في الربا بقوله الآخذ والمعطي والكاتب والشاهد فيه سواء أي في الماثم وهو نظير ما روى عن النبي A لعن الله في الخمر عشرة وقال A الراشي والمرتشي والرايش في النار ولعن الله من أعان الظلمة أو كتب لهم والأصل في الكل قوله ولا تعاونوا على الإثم والعدوان وعن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري Bه قال قال رسول الله A الذهب بالذهب الكفة بالكفة والفضة بالفضة الكفة بالكفة ولا خير فيما بينهما فقلت أني سمعت ابن عباس Bهما يقول ليس في يد بيد ربا فمشي أليه أبو سعيد Bه وأنا معه فقال له أسمعت من النبي A ما لم نسمع فقال لا فحدثه أبو سعيد Bه الحديث فقال ابن عباس Bهما لا أفتي به أبدا وفيه دليل على أن بيع الذهب والفضة بجنسهما إذا اعتدل البدلان في كفة الميزان جاز البيع وإن لم يعلم مقدار كل واحد منهما لتيقننا بالمماثلة وزنا والمماثلة إذا وزن أحدهما بصاحبه أظهر منه إذا وزن كل واحد منهما بالصنجات وفيه دليل رجوع عبدالله بن عباس Bهما عن فتواه في إباحة التفاضل وإن الحديث صحيح عن رسول الله A فقد انقاد لهم ابن عباس Bهما وهذا لأن أبا سعيد Bه كان من كبار الصحابة رضوان الله عليهم معروفا بينهم بالعدالة والورع وإنما مشي إلى ابن عباس Bهما بطريق الخشية لاظهار الشفقة وإن كان لو دعاه إلى نفسه لأتاه وهذا هو الاحسن للكبير في معاملة من هو أصغر منه وعن عمر Bه قال لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإني أخاف عليكم الربا وقد نقل هذا اللفظ بعينه عن رسول الله A فأني أخاف عليكم الإرباء .
وعن ابن مسعود Bه أنه كان يبيع بقايا بيت المال يدا بيد بفضل فخرج خرجة إلى عمر بن الخطاب Bه فسأله عن ذلك فقال هو ربا وكان ابن مسعود Bه استخلف على بيت المال عبدالله بن سخبرة الأسدي فلما قدم ابن مسعود Bه نهاه عن بيع الدراهم بالدراهم بينهما فضل وكان ابن مسعود Bه عامل عمر Bه بالكوفة على بيت المال فكان من مذهبه في الإبتداء أن اختلاف الصنعة كاختلاف النوع وكان يجعل البقاية مع الجيد نوعين فيجوز التفاضل بينهما عملا بقوله A إذا اختلفا النوعان فبيعوا كيف شئتم بعد أن يكون يدا بيد ثم سأل عمر Bه بين له أن الكل نوع واحد فإن الكل فضة وقال A الفضة بالفضة مثل بمثل يدا بيد والفضل ربا فرجع ابن مسعود إلى قوله لأنه بين له الحق في مقالته ومن هذا يقال عالم الكوفة كان يحتاج إلى عالم المدينة يراد به ابن مسعود Bهما وقد نقل نحو هذا عن علي بن أبي طالب Bه فإن أبا صالح السمان يقول سألت عليا Bه عن الدراهم تكون معي لا تنفق في حاجتي فأشترى بها دراهم تنفق في حاجتي واهضم منها قال لا ولكن بع دراهمك بدنانير ثم اشتر بالدنانير دراهم تنفق في حاجتك وفيه دليل على أن الجياد والزيوف نوع واحد فحرم التفاضل بينهما وهذا لأنه لا قيمة للجودة هنا مع قول رسول الله A جيدها ورديئها سواء فلا يجوز الاعتياض عنها وعن القاسم بن صفوان قال أكريت عبدالله بن عمر Bهما أبلا بدنانير فأتيته أتقاضاه وبين يديه دراهم فقال لمولى له انطلق معه إلى السوق فإذا قامت على سعر فإن أحب أن يأخذ وإلا فاشتر له دنانير فاعطها إياه فقلت يا أبا عبدالرحمن أيصلح هذا قال نعم لا بأس بهذا أنك ولدت وأنت صغير وفيه دليل جواز استبدال الآخر قبل القبض والآخر كالثمن وقد بينا أن ابن عمر Bه سأل رسول الله A عن استبدال الثمن قبل القبض فجوز له ذلك فلهذا جواز ابن عمر الاستبدال بالأجر ولكن بشرط أن يرضي به صاحب الحق ولكن لما أشكل علي صاحب الحق سأله بقوله أيصلح هذا فقال نعم أنك ولدت وأنت صغير أي جاهل لا تعلم حتى تعلم وهكذا حال كل واحد منا فإنه لا يعلم حتى يعلم فكانه ما زحه بهذه الكلمة وكنى بالصغر عن الجهل ثم ذكر حديث عبادة بن الصامت Bه في الربا عن رسول الله A في الأشياء الستة وقال في آخره إذا اشتريتم بعضه ببعض فاشتروه كيف شئتم يدا بيد يعني بذلك إذا اختلف النوعان .
وقال معاوية Bه ما بال أقوام يحدثون عن رسول الله A أحاديث لم نسمعها فقال عبادة Bه أشهد أني سمعت هذا من رسول الله A ثم أعاد الحديث ثم قال لأحدثن به وإن رغم أنف معاوية وكان معاوية Bه ممن يجوز التفاضل في الإبتداء ثم رجع إلى الحديث فلهذا قال ما قال : وقيل أنه أراد أن يستثبته في روايته ومعاوية Bه من رواة حديث الربا فيحتمل أن يكون مراده بقوله أحاديث لم نسمعها ما ذكره في آخر الحديث وإن اشتريتم بعضه ببعض فأكذ عبادة Bه روايته بيمينه فإن قوله أشهد بمعنى أحلف ثم قال لأحدثن به لأني أتيقن بسماعه من رسول الله A وقد أمرنا رسول الله A بالتبليغ فلا أدعه بقول معاوية Bه بل أحدث به وإن رغم أنف معاوية وعن أبي الأشعث الصنعاني قال خطبنا عبادة بن الصامت Bه بالشام فقال أيها الناس إنكم أحدثتم بيوعا لا يدري ما هي ألا وإن الذهب بالذهب وزنا بوزن تبره وعينه ألا وإن الفضة بالفضة تبرها وعينها سواء ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يدا بيد والفضة أكثر ولا يصلح نسيئة ألا وأن الحنطة بالحنطة مدين بمدين ألا وأن الشعير بالشعير مدين بمدين ولا بأس ببيع الشعير بالحنطة يدا بيد والشعير أكثرهما ولا يصلح نسيئة ثم ذكر في التمر والملح مثل ذلك ثم قال من زاد أو استزاد فقد أربي وفيه دليل أن الفاسد بيع فإنه قال إنكم أحدثتم بيوعا ومراده ما كانوا يباشرونه من عقود الربا وفيه دليل على أن ما يجري فيه الربا من الأشياء المكيلة نصف صاع لأن قوله مدين بمدين عبارة عن ذلك وفيه دليل أنه كما يحرم أخذ الربا يحرم إعطاؤه فالمستزيد آخذ والزائد معطي وقد سوى بينهما في الوعيد وعن عمر Bه أنه قال الذهب بالذهب مثل بمثل والورق بالورق مثل بمثل لا تفضلوا بعضها على بعض لا يباع منها غائب بنإجز فإني أخاف عليكم الرما والرما هو الربا وأن استنظرك إلى أن تدخل بيته فلا تنتظره ومعنى قوله لا يباع غائب بناجز أي نسيئة بنقد وفيه دليل الربا كما يثبت بالتفاوت في البدلين في القدر يثبت بتفاوتهما بالنقد والنسيئة وإن القبض قبل الافتراق لا بد منه في عقد الصرف وكنى عنه بقوله فإن استنظرك إلى أن يدخل بيته .
وعن الشعبي Bه قال لا بأس ببيع السيف المحلي بالدراهم لأن فيه حمائله وجفنه ونصله ومراده إذا كان وزن الحلية أقل من وزن الدراهم ليكون الفضل بإزاء الجفن والحمائل وعن الحسن أن أصحاب رسول الله A ورضى الله عنهم كانوا يتبايعون فيما بينهم السيف المحلى والمنطقة المفضضة وبه نأخذ فنقول يجوز بيع ذلك بالعروض وبالنقد بخلاف الجنس بشرط قبض حصة الحلية في المجلس وبالنقد من جنس الحلية بشرط أن يكون وزنه أكثر من وزن الحلية وعن إبراهيم قال الأقالة بيع وهكذا عن شريح معناه كالبيع في الحكم وبه نأخذ فنقول الإقالة في الصرف كالبيع يعني يشترط التقابض من الجانبين قبل الإفتراق كما في عقد الصرف وهو معنى قول علمائنا رحمهم الله أن الإقالة فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق غيرهما ووجوب التقابض في المجلس من حق الشرع فالإقالة فيه كالبيع وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال سمعت عمر Bه على المنبر يقول أيها الناس لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين فإن ذلك ربا العجلان ولكن من كان عنده سحق درهم فليخرج به إلى السوق وليقل من يبتاع سحق هذا الدرهم فليبتع به ما شاء والمراد بقوله فإن ذلك ربا العجلان أي ربا النقد وهو إشارة إلى أن الربا نوعان في النقد والنسيئة والمراد بقوله سحق درهم البقاية التي لا تنفق في حاجة يقال ثوب سحق أي خلق وفيه دليل أنه لا بأس بالشراء بالزيوف ولكن بعد بيان عينها لينتفي الغرر والتدليس كما ذكره عمر Bه وعن إبراهيم أنه لم يكن يرى بأسا باقتضاء الورق من الذهب والذهب من الورق بيعا كان أو قرضا أو كان بسعر يومه وبه نأخذ فيجوز الاستبدال بثمن المبيع وفي بدل القرض قبل القبض وذكر الطحاوي أن الاستبدال قبل القبض لا يجوز وكأنه ذهب بذلك إلى أنه لما كان لا يثبت فيه الأجل فهو بمنزلة ما لا يجوز الاستبدال به قبل القبض وبمنزلة دين لا يقبل الأجل كبدل الصرف وهو وهم منه فإن القرض إنما لا يقبل الأجل لأنه بمنزلة العارية وما يسترد في حكم عين المقبوض على ما نبينه في بابه والاستبدال بالمستعار قبل الاسترداد جائز وعن إبراهيم أنه كان يكره أن يشتري الرجل الثوب بدينار إلا درهم وبه نأخذ فإن الدرهم إنما يستثنى من الدينار بالقيمة وطريق معرفة القيمة الحزر والظن فكان المستثنى مجهولا وبجهالته يصير المستثنى منه مجهولا أيضا .
والبيع بثمن مجهول لا يجوز وإذا اشترى الرجل الدراهم بدراهم أجود منها ولا يصلح له إلا زونا بوزن جيدها ورديئها ومصوغها وتبرها وأبيضها وأسودها في ذلك سواء للأحاديث التي رويناها فقد ذكر فيها صاحب الشرع A مقابلة الفضة بالفضة واسم الفضة يتناول كل ذلك وكذلك الذهب بالذهب جيده ورديئه وتبره ومصوغه نافقه وغير نافقه في ذلك سواء لأنه لا قيمة للجودة والصنعة فيها عند مقابلتها بجنسها فوجود ذلك كعدمه ولا يجوز فيه شيء من الأجل لما بينا أن التقابض واجب في مجلس العقد وترك أحد البدلين في المجلس مبطل للعقد فالتأجيل مناف لما هو مقتضى هذا العقد واشتراط ما ينافي مقتضي العقد مبطل له وإذا اشتري فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء بأكثر منها ومع البيضاء ذهب أو ففلوس أو عروض فهو جائز عندنا وعند الشافعي C لا يجوز لأن الانقسام على مذهبه باعتبار القيمة فيضيب البيضاء أكثر من وزنها من الفضة السوداء وعندنا يجعل من السوداء بازاء البيضاء مثل وزنها والباقي بإزاء ما زاد ترجيحا لجهة الجواز على جهة الفساد وقد قررنا هذا الفصل في البيوع وعلى هذا لو اشتري منطقة أو سيفا محلى بدراهم أكثر منها وزنا يجوز عندنا ولا يجوز عند الشافعي واستدل فيه بحديث فضالة بن عبيد قال أصبت قلادة يوم خيبر فيها خرز وذهب فبعتها باثنى عشر دينارا ثم سألت رسول الله A فقال لا حتى يفصل وتأويل ذلك عندنا إذا كان يعلم أيهما أكثر وزنا أو يعلم أن وزن الذهب الذي في القلادة أكثر أو مثل المنفصل وفي هذه الوجوه عندنا لا يجوز العقد وإذا اشترى لجاما مموها بفضة بدراهم بأهل مما فيه أو أكثر فهو جائز لأن التمويه لون الفضة وليس بعين الفضة ألا ترى أنه لا يتخلص منه شيء فلا يجري الربا باعتباره وعلى هذا لو اشترى دارا مموهة بالذهب بثمن مؤجل فإنه يجوز وأن كان بسقوفها من التمويه بالذهب أكثر من الفضة أو الذهب لأنه لا يتخلص منه شيء فلا يعتبر ذلك في حكم الربا ولا في وجوب التقابض في المجلس وإذا اشترى الرجل عشرة دراهم بدينار من رجل فانتقد أحدهما وأخذ الآخر رهنا بحقه فيه فهلك الرهن قبل الإفتراق فهو جائز والرهن بما فيه لأن عقد الرهن يثبت يد الاستيفاء ويتم ذلك بهلاك الرهن من المالية دون العين حتى كانت العين هالكة على ملك الراهن فيجعل استيفاؤه قبل الافتراق بهلاك الرهن بمنزلة الاستيفاء حقيقة وقد بينا في السلم الاختلاف في الرهن والكفالة برأس المال فهو كذلك يبدل في الصرف .
وإذا كان حلى ذهب فيه لؤلؤ وجوهر لا يستطيع أن يخلصه منه إلا بضرر فاشتراه رجل بدينار لم يجز حتى يعلم أن الدينار فيه أكثر مما فيه من الذهب وعلى قول زفر إذا لم يعلم أيهما أكثر فالعقد جائز أيضا وقد بينا نظيره في السيف المحلى فإن باعه بدينار نسيئة لم يجزفان في حصة الحلية العقد صرف فيفسد شرط الأجل واللؤلؤ والجوهر لا يمكن تخليصه وتسليمه إلا بضرر فإذا فسد العقد في بعضه فسد في كله ولا يجوز شراء الفضة بالفضة مجازفة لا يعرف وزنها أو وزن أحدهما لقوله A الفضة بالفضة مثل بمثل والمراد المماثلة في الوزن فأما أن يكون المراد أن يكون مثلا بمثلا عند الله أو عند المتعاقدين ونحن نعلم أن الأول ليس بمراد فالأحكام لا تبني على ما لا طريق لنا إلى معرفته عرفنا أن المراد العلم بالمماثلة عند المتعاقدين فصار هذا شرط جواز العقد وما هو شرط جواز العقد إذا لم يقترن بالعقد يفسد العقد فإن وزنا بعد العقد وكانا متساويين فإن كانا بعد في مجلس العقد فجواز العقد استحسانا لأن مجلس العقد جعل كحالة العقد ألا ترى أن انعدام الدينية في البدلين شرط جواز العقدتم إذا انعدم ذلك بالتقابض في المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة وإن وزنا بعد الافتراق عن المجلس جعل كالمقترن بالعقد فكذلك العلم بالمماثلة فالعقد فاسد عندنا وقال زفر أن كانا متساويين فالعقد جائز لأنه قد تبين أن شرط الجواز وهي المماثلة كانت موجودة وعلى المتعاقين بوجود شرط جواز العقد ليس بشرط لصحة العقد كما لو تزوج امرأة بمحضر من الشاهدين ولا يعلم بهما المتعاقدان ولكنا نقول قد بينا أن العلم بالمماثلة شرط الجواز هنا وذلك لا يحصل إلا بالوزن فيصير الوزن الذي هو فعل المتعاقدين من شرط جواز العقد كالإيجاب والقبول شرط انعقاد العقد فكما يفصل هناك بين المجلس وما بعده فكذلك يفصل هنا ثم الفصل موهوم والموهوم فيما يبني على الاحتياط كالمتحقق وتأثير الفضل في إفساد العقد كتأثير عدم القبض وأقوى فكما أن ترك القبض حتى افترقا مفسد لهذا العقد فكذلك توهم الفضل بترك الوزن حتى افترقا يكون مفسدا وإن اشترى سيفا محلى بفضة بدراهم بأكثر مما فيه ثم تفرقا قبل التقابض فسد البيع كله .
لأنه شيء واحد لا يتبعض معناه أن العقد فسد في حصة الحلية بترك التقابض ولا يمكن إبقاؤه صحيحا في حصة الجفن والحمائل كما لا يجوز ابتداء البيع في الجفن والحمايل والنصل دون الفضة فإن قبض السيف ونقد من الثمن حصة الحلية في المجلس جاز لأن قبض حصة الحلية في المجلس مستحق وقبض حصة الجفن والحمايل غير مستحق فيصرف المقبوض إلى ما كان القبض فيه مستحقا لأن ما ليس بمستحق لا يعارض المستحق وإذا انصرف إليه فإنما وجد الافتراق بعد التقابض فيما هو صرف وكذلك أن أجر البقية إلى أجل معلوم فهو جائز لأنه ثمن مبيع لا يشترط فيه القبض في المجلس فيصح التأجيل فيه وإذا اشترى عشرة دراهم بدينار فتقابضا ثم وجد فيها درهما ستوقا أو رصاصا فإن كانا لم يتفرقا استبدله لأن المقبوض ليس من جنس حقه فكانه لم يقبضه أصلا وتأخير القبض إلى آخر المجلس لا يصير وإن كانا قد افترقا فليس له أن يتجوز به لأن الستوق والرصاص ليسا من جنس الدراهم فيكون مستبدلا به لا مستوفيا ولكن يرده وكان شريكا في الدينار بحصته لانه تبين أنه كان قبض في المجلس تسعة دراهم ولم يقبض درهما حتى افترقا طعن عيسى في هذا اللفظ فقال قوله كان شريكا في الدينار بحصته غلط والصحيح أنه شريك في مثل ذلك الدينار بالعشر لأن النقود عندنا لا تتعين في العقود والفسوخ ألا ترى أنهما بعد التقابض لو تفاسخا العقد لم يجب على واحد منهما رد المقبوض من النقد بعينه ولكن أن شاء رده وإن شاء رد مثلة فكذلك هنا لا يصير شريكا في عين ذلك الدينار وإنما له عشر الدينار دينا في ذمته إلا أن يتراضيا على أن يرد عليه عشر ذلك الدينار ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لأن بالافتراق قبل القبض يفسد العقد من الأصل لوجود شرط الفساد وهو الدينية لأن الدين بالدين حرام ولكن إذا وجد القبض في المجلس جعل كالموجود عند العقد فإذا لم يوجد كان العقد فاسدا من أصله فتبين أن حصته من الدينار مقبوضة بحكم عقد فاسد فيجب رده بعينه لأن وجوب الرد من حكم القبض هنا لا من حكم العقد والنقود تتعين بالقبض كما في القبض بحكم الهبة وإذا اشترى الرجل من الرجل ألف درهم بمائة دينار وليس عند كل واحد منهما درهم ولا دينار ثم استقرض كل واحد منهما مثل ما سمى ودفعه إلى صاحبه قبل أن يتفرقا جاز لان كل واحد منهما يلتزم المسمى في ذمته بالعقد وذمته صالحة للإلتزام قصح العقد ثم الشرط التقابض قبل الإفتراق وقد وجد .
قال ولا يشبه هذا العروض والحيوان وحقيقة المعنى في الفرق أن السلع مستحقة بالعقد مبيعا وحكم البيع في المبيع وجوب الملك والتسليم فما لم يكن موجودا في ملكه لا يمكن إثبات حكم البيع فيه واضافة السبب إلى محل لا يفيد حكمه لا يجوز وأما النقود ثمنا وحكم العقد في الثمن وجوبه ووجوده به معا وذلك متحقق بالذمة الصالحة للإلتزام وإن لم يكن موجودا في ملكه عينا فلهذا كان العقد صحيحاقال وليس هذا مثل بيع الرجل ما ليس عنده لأن الدراهم والدنانير ثمن وهو أشارة إلى ما بينا وفيه بيان أيضا أن المنهى عنه بيع ما ليس عند الإنسان فالبيع محله المبيع وذلك في السلع دون الإثمان فلذلك جوزنا الشراء بثمن ليس عنده وكل واحد من المتعاقدين بهذه الصفة وكذلك شراء تبر الذهب بتبر الفضة أو تبر الفضة بتبر الذهب وليس ذلك عند واحد منهما ثم استقرضه كل واحد منهما ودفعه إلى صاحبه فهو جائز لأن الذهب والفضة ثمن بأصل الخلفة فالتبر والمضروب في كونه ثمنا سواء وهذا إذا كان التبر يروج بين الناس رواج النقود وقد بينا الكلام في الشركة بالتبر في كتاب الشركة ولو اشترى إناء مصوغا أو قلب فضة بذهب أو بفضة تبر ثم استحق الإناء أو القلب بطل البيع وأن كانا في المجلس بخلاف الدراهم والدنانير فإنها إذا استحقت قبل الفرقة فعليه أن يعطي مشتريها مثلها ولا يبطل الصرف لأن القلب يتعين بالتعيين والدراهم والدنانير لا تتعين فباستحقاق المقبوض من الدراهم والدنانير ينعدم القبض وترك القبض إلى آخر المجلس لا يضر أما استحقاق القبض فينعدم بتسليم المعقود عليه وذلك مبطل للعقد ألا ترى أن حكم العقد في القلب وجوب الملك ولهذا يشترط وجوده في ملك العاقد عند العقد وقدرته على التسليم فعرفنا أنه مبيع فباستحقاقه يبطل البيع بخلاف النقود على ما نبينه وهذا إذا لم يجز المستحق العقد أما إذا أجازه جاز العقد لأن الإجازة في الانتهاء كالإذن في الابتداء وعن أبي يوسف قال أن قال المستحق أثبت ملكي لا جيز العقد فله أن يجيزه وإن لم يقل ذلك فاستحقاقه إبطال منه للبيع لأنه يطلب من القاضي أن يقضي له بملك متقرر وذلك مناف لسبب الإزالة فليس له أن يجيز العقد بعد ذلك والنقود لا تتعين في عقود المعارضات بالتعيين عندنا .
ويتعين عند زفر والشافعي حتى لو اشترى شيئا بدراهم معينة فحبسها وأعطى البائع مثلها فليس له أن يأتي ذلك عندنا ولو هلكت تلك الدراهم أو استحقت لا يبطل البيع عندنا ويبطل عند زفر والشافعي رحمهما الله لأن هذا تصرف صدر من أهله في محله فيصح به التعين كما في السلع وهذا بدل في عقد معارضة فيتعين بالتعيين كالمبيع وبيان الوصف أن النقود تملك أعيانها وموجب عقد المعاوضة الملك فيما يملك عينه من المال فيكون محلا لموجب العقد وكان هذا التعيين مصادفا محله والدليل عليه أن النقود تتعين بالقبض حتى أن الغاصب لو أراد حبس الدراهم المغصوبة ورد مثلها لم يكن له ذلك في الهبة تتعين حتى يكون للواهب الرجوع في عينها وفي الصدقة والوصية كذلك وكذلك في عقود المعاوضات وهذا لأن في التعيين فائدة لهما أما للبائع فلانة إذا ملك العين كان أحق به من سائر غرماء المشتري بعد موته ولا يملك المشتري ابطال حقه بالتصرف فيه وربما يكون ذلك من كسب حلال فيرغب فيه ما لا يرغب في غير وأما منفعة المشتري فمن حيث أنه لا يطالب بشيء آخر إذا هلكت تلك العين في يده وإن تكون ذمته خالية عن الدين وبهذا الطريق تتعين الدراهم في الوكالة حتى لو دفع إليه الدراهم ليشتري بها شيئا فهلكت بطلت الوكالة ويتعين في النذر أيضا والدليل على أنها تتعين في البيع أن الغاصب إذا اشترى بالدراهم المغصوبة بعينها طعاما ونقدها لا يباح له تباح له تناولها ولو لم تتعين لحل له ذلك كما لو اشترى بدراهم مطلقة ثم نقد تلك الدراهم وقال في الجامع إذا قال إن بعت هذا العبد بهذا الألف وبهذا الكر فيهما صدقة فباعه بهما يلزمه التصدق بالكر فلو لم تتعين تلك الدراهم لما لزمه التصدق كما لو باعه بألف مرسلة وبذلك الكر ولا جل هذه المسألة كان الكرخي يقول النقود تتعين في العقود جوازا لا استحقاقا حتى لا يملك عينها بالعقد ولهذا لا يلزمه التصدق بالدراهم وتعتبر بعينها حتى يتصدق بالكر وحجتنا في ذلك أن الاستبدال بالنقود قبل القبض يجوز وأن عينت ولو تعينت حتى ملك عينها لصار قبضها مستحقا وفي الاستبدال تفويت القبض المستحق بالعقد فلا يجوز ذلك كما في السلع ولو كان العقد يبطل بهلاكها بعد التعيين لم يجز الصرف فيها قبل القبض لبقاء الغرر في الملك المطلق للتصرف كما في السلع فإن منع الشافعي هذا الفصل يستدل بحديث ابن عمر Bهما حيث قال لرسول الله A أنا نبيع الإبل بالبقيع فربما نبيعها بالدراهم ونأخذ مكانها دنانير فقال A لا بأس إذا افترقتما وليس بينكما عمل .
ولم يستفسره أنهم يبيعون بالدراهم المعينة أو غير المعينة وفيه طريقان من حيث المعنى أحدهما أن تعيين النقد غير مقيد فيما هو المقصود بالعقد فيكون لغوا كتعيين الصنجات والمكيال وهذا لأنه إنما يراعى في العقد ما يكون مفيد ألا ترى أن أصل العقد إذا لم يكن مقيدا لا يعتبر فكذلك الشرط في العقد وبيان الوصف أن التعيين لا يفيد جواز العقد فإن العقد جائز بتسمية الدراهم المطلقة من غير تعيين والمقصود بالعقد الربح وذلك بقدر الدراهم لا بعينها وليس في غير الدراهم والدنانير مقصود إنما المقصود المالية وما وراء ذلك هي والإحجار سواء والمالية باعتبار الرواج في الأسواق ومثلها وعينها لا يختلف في هذا المعنى فعرفنا أن التعيين غير مفيد فيما هو المطلوب بالعقد وبه فارق المكيل والموزون فالتعيين هناك مفيد لجواز العقد لان بدون التعيين لا يجوز العقد إلا بذكر الوصف وربما يعجز عن إعلام الوصف فيسقط ذلك عن نفسه بالتعيين ولأن أعيانها مقصودة وهو تتفاوت في الربع فكان تعيينها مقيدا في الجملة أما ما ذكر من الفوائد فليس من مقاصد العقد وإنما يطلب فائدة التعيين فيما هو المقصود بالعقد فيما هو المقصود وهو ملك المال الدين أكمل من العين لأن بدون التعيين لا ينتقد العقص وبالتعيين وينتقض فإنه إذا استحق المعنى أو هلك بطل ملكه فيه وإذا ثبت دينا في الذمة لا يتصور هلاكه ولا بطلان الملك فيه بالاستحقاق والطريق الآخر وهو أن التعيين لو اعتبر في النقد يبطل به العقد وبالإجماع العقد صحيح فعرفنا أن التعيين لغو وبيان هذا من وجهين أحدهما وهو أن النقود لا تستحق في عقود المعاوضات إلا ثمنا والثمن ما يكون في الذمة كما قاله الفراء فإذا اعتبر ثبوت التعيين امتنع ثبوت المسمى في الذمة ثمنا وذلك ينافي موجب العقد فيكون مبطلا للعقد والثاني وهو أن حكم العقد في الثمن وجوبه ووجوده معا بالعقد بخلاف السلع فحكم العقد ف