صفحة [ 2 ] .
قال : وإن استطاع الرجل الخروج من السفينة للصلاة فالأولى له أن يخرج ويصلي قائما على الأرض ليكون أبعد عن الخلاف وإن صلى فيها قاعدا وهو يقدر على القيام أو على الخروج أجزأه عند " أبي حنيفة " رضي الله تعالى عنه استحسانا ولا يجزئه عندهما وهو القياس ووجهه هو أن السفينة في حقه كالبيت حتى لا يصلى فيها بالإيماء تطوعا مع القدرة على الركوع والسجود فكما إذا ترك القيام في البيت مع قدرته عليه لا يجزئه في أداء المكتوبة فكذلك في السفينة لأن سقوط القيام في المكتوبة للعجز أو للمشقة وقد زال ذلك بقدرته على القيام أو على الخروج .
وجه الاستحسان أن الغالب في حال راكب السفينة دوران رأسه إذا قام والحكم ينبني على العام الغالب دون الشاذ النادر ألا ترى أن نوم المضطجع جعل حدثا على الغالب ممن حاله أن يخرج منه لزوال الاستمساك وسكوت البكر رضا لأجل الحياء بناء على الغالب من حال البكر والشاذ يلحق بالعام الغالب فهذا مثله في حديث " ابن سيرين " رضي الله تعالى عنه قال : صلينا مع " أنس بن مالك " رضي الله تعالى عنه في السفينة قعودا ولو شئنا لخرجنا إلى الحد وقال " مجاهد " C صلينا مع " جنادة بن أبي أمية " قعودا في السفينة ولو شئنا لقمنا فدل على الجواز قال : ولا يجوز للمسافر أن يتطوع في السفينة بالإيماء بخلاف راكب الدابة فإن الجواز له بالإيماء هناك لورود النص به وهذا ليس في معناه لأن راكب الدابة ليس له موضع قرار على الأرض وراكب السفينة له فيها موضع قرار على الأرض فالسفينة في حقه كالبيت ألا ترى أنه لا يجريها بل هي تجري به قال الله تعالى : " وهي تجري بهم في موج كالجبال " هود : 42 وراكب الدابة يجريها حتى يملك إيقافها .
صفحة [ 3 ] متى شاء ولهذا جوزنا الصلاة على الدابة حيث كان وجهه وفي السفينة يلزمه التوجه إلى القبلة عند افتتاح الصلاة وكذلك كلما دارت السفينة يتوجه إليها لأنها في حقه كالبيت فيلزمه التوجه إلى القبلة لأداء الصلاة فيها ولا يصير مقيما بنية الإقامة وصاحب السفينة وغيره في هذا سواء لأن نية الإقامة حصلت في غير موضعها إلا أن تكون قريبة من قريته فحينئذ هو مقيم فيها في موضع إقامته فأما إذا كان مسافرا فيها فلا يصير مقيما بنية الإقامة قال : ولا يجوز أن يأتم رجل من أهل السفينة بإمام في سفينة أخرى لأن بينهما طائفة من النهر إلا أن يكونا مقرونين فحينئذ يصح الاقتداء لأنه ليس بينهما ما يمنع صحة الاقتداء فكأنهما في سفينة واحدة لأن السفينتين المقرونتين في معنى ألواح سفينة واحدة وكذلك أن اقتدى من على الحد بإمام في سفينة لم يجز اقتداؤه إذا كان بينهما طريق أو طائفة من النهر وقد بينا هذا فيما سبق قال : ومن وقف على الأطلال يقتدي بالإمام في السفينة صح اقتداؤه إلا أن يكون أمام الإمام لأن السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت صحيح إذا لم يكن أمام الإمام قال : ومن خاف فوت شيء من ماله وسعه أن يقطع صلاته ويستوثق من ماله وكذلك إذا انقلبت سفينته أو رأى سارقا يسرق شيئا من متاعه لأن حرمة المال كحرمة النفس فكما يسعه أن يقطع صلاته إذا خاف على نفسه من عدو أو سبع فكذلك إذا خاف على شيء من ماله ولم يفصل في الكتاب بين القليل والكثير وأكثر مشايخنا رحمهم الله قدروا ذلك بالدرهم فصاعدا وقالوا ما دون الدرهم حقير فلا يقطع الصلاة لأجله . قال " الحسن " C تعالى : لعن الله الدانق ومن دنق الدانق . وإنما يقطع صلاته إذا احتاج إلى عمل كثير فأما إذا لم يحتج إلى شيء وعمل كثير بنى على صلاته لحديث " أبي برزة الأسلمي " C تعالى أنه كان يصلي في بعض المغازي فانسل قياد الفرس من يده فمشى أمامه حتى أخذ قياد فرسه ثم رجع القهقري وأتم صلاته وتأويل هذا أنه لم يحتج إلى عمل كثير والله سبحانه وتعالى أعلم