( قال ) ( وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم حالة فليس للمشتري أن يقبض العبد حتى يعطي الثمن عندنا ) وهو أحد أقاويل الشافعي .
وقال في قول : على البائع تسليم المبيع أولا لأن ملك المشتري ثبت بالعقد في العين وملك البائع دينا في ذمة المشتري والملك في العين أقوى ووجوب التسليم بحكم الملك .
وفي قول آخر : يسلم كل واحد منهما بيد ويقبض بيد لأن قبضه لمعاوضة التسوية فكما اقترن ثبوت الملك لأحدهما بثبوت الملك للآخر فكذلك القبض كما في بيع المقابضة .
ولكنا نقول : قصة المعاوضة التسوية وقد عين البائع حق المشتري في المبيع فعلى البائع أن يعين حق البائع في الثمن ولا يتعين الثمن إلا بالقبض فلهذا كان أول التسليمين على المشتري بخلاف بيع المقابضة فهناك حق كل واحد منهما متعين وهذا هو الجواب عن قوله أن ملك المشتري أقوى فإنا إنما نوجب عليه تسليم الثمن أولا لهذا المعنى وهو أنه لما يقوى ملكه في المبيع فعليه أن يسوي جانب البائع في ملك الثمن بجانب نفسه ولا يكون ذلك إلا بالتسليم وكذلك نقده الثمن إلا درهما لأن سقوط حق البائع في الجنس متعلق بوصول الثمن إليه فما لم يصل إليه جميع الثمن لا يتم الشرط ويبقى حق البائع في الحبس إلا أن يكون الثمن مؤجلا فحينئذ ليس للبائع أن يحبس المبيع قبل حلول الأجل ولا بعده لأن قبل حلول الأجل ليس له أن يطالب بالثمن وإنما يحبس المبيع بما له أن يطالبه من الثمن وأما بعد حلول الأجل فلأن حق الحبس لم يثبت له بأصل العقد فلا يثبت بعد ذلك تبعا بهذا الحق ما كان له من استحقاق اليد قبل البيع فإذا لم يبق ذلك بعد العقد لا يثبت ابتداء بحلول الأجل وذكر هاشم عن محمد - رحمهما الله - في نوادره أنه إذا أجله في الثمن شهرا ثم لم يسلم البائع المبيع إلى المشتري حتى مضى شهر فعلى قول أبي حنيفة : إن كان الأجل شهرا بعينه فيمضيه بحل الثمن وإن كان شهرا بغير عينه فعلى البائع أن يسلم المبيع وليس له أن يطالب بالثمن حتى يمضي شهر بعد التسليم وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - له أن يطالب بالثمن في الوجهين جميعا لأن مطلق الشهر في الأجل ينصرف إلى الشهر الذي يعقب العقد عيناه أو لم يعيناه كما في الإجارات والأيمان هذا هو القياس الظاهر وما ذهب إليه أبو حنيفة نوع استحسان بناء على مقصودهما فالمقصود أن يتصرف المشتري في المبيع في الشهر ويؤدي الثمن عند مضيه ويستفصل لنفسه ولا يحصل هذا المقصود إذا لم يسلم المبيع إليه فلهذا قال في الشهر المطلق يكون ابتداؤه من حين يسلم إليه المبيع فإن نقد المشتري الثمن وهو حال ولم يقبض المبيع حتى وجد البائع الدراهم زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فللبائع أن يمنع المشتري من قبض العبد حتى يعطيه الثمن مثل شرطه لأن الرد بهذه الأسباب ينقض القبض من الأصل فيلتحق بما لم ينقد الثمن وكذلك لو وجد بعض الثمن بهذه الصفة وإن كان ذلك درهما واحدا لأن القبض قد انتقض في ذلك المردود فكأنه لم يقبض ذلك القدر وإن كان المشتري قبض العبد من البائع بإذنه ثم إن البائع وجد الثمن أو بعضه على ما وصفنا فإن كان الذي وجد ستوقا أو رصاصا كان له أن يأخذ العبد حتى يدفع إليه المشتري مكان الذي وجد من ذلك جيادا على ما شرطه لأن المقبوض ليس من جنس الدراهم حتى لو تجوز به في الصرف والسلم لم يجز وإنما لم يسلم البائع المبيع إليه على أن المقبوض ثمن فإذا تبين أنه لم يكن ثمنا لم يكن هو راضيا بالتسليم فكان المشتري قبضه بغير إذنه وكذلك إن استحق المقبوض من يده لأن المستحق وإن كان من جنس الدراهم ولكن البائع إنما رضي بالتسليم بشرط أن يسلم له المقبوض فإذا لم يسلم كان هو على حقه في الحبس وإن كان وجد الثمن أو بعضه زيوفا أو نبهرجة استبدلها من المشتري لأن المستحق له بمطلق التسمية الدراهم الجياد فإن المعاملات عرفا بين الناس بالجياد وبمطلق عقد المعاوضة تستحق صفة السلامة عن العيب والزيافة عيب في الدراهم فكان له أن يستبدل الزيوف بالجياد وليس له أن يسترد العبد فيحبسه بالثمن عندنا .
وقال زفر : له ذلك وهو رواية عن أبي يوسف لأنه إنما سلم المبيع على أن المقبوض من الثمن حقه وقد تبين أنه لم يكن حقا له لأن حقه في الجياد . والمقبوض زيوف والثمن دين في الذمة فيختلف باختلاف الأوصاف وإذا لم يكن المقبوض حقه لم يتم رضاه بالتسليم فهو والستوق سواء يوضحه : أن الرد بعيب الزيافة ينقض القبض من الأصل ولهذا ينفرد به الراد ويرجع بموجب العقد لا بموجب تسليم الثمن مرتين فلا يتمكن من الرجوع بموجب العقد ما لم ينتقض القبض من الأصل وإذا انتقض عاد حقه في المجلس كما كان قبل استيفاء الثمن . وجه قولنا : أنه سلم المبيع قبل قبض الثمن فصح تسليمه وبعد صحة التسليم لا يعود حق البائع في الحبس لأن من ضرورة صحة التسليم سقوط حقه في الحبس والمسقط يكون مثلا شيئا لا يتصور عوده .
لهذا قلنا : لو أعار المبيع من المشتري أو أودعه منه سقط حقه في الحبس وكذلك لو أجله في الثمن سقط حقه في الحبس ثم لا يعود بحلول الأجل وبيان الوصف أن الزيوف والنبهرجة من جنس الدراهم إلا أن بها عيبا والعيب بالشيء لا يبدل جنسه ولهذا لو تجوز به في الصرف والسلم جاز وكان مستوفيا لا مستبدلا فكان البائع بقبضها قابضا للثمن وتسليم المبيع بعد قبض الثمن صحيح ثم بالرد ينتقض قبضه من الأصل كما قال ولكن في الحكم الذي يحتمل النقض بعد الثبوت دون ما لا يحتمل ذلك ألا ترى أن المولى إذا قبض بدل الكتابة فوجده زيوفا فرده لا يبطل العتق وكذلك لو حلف لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه فاستوفى حقه ثم وجد المقبوض زيوفا فرده لا يبطل به حكم البر في اليمين فقد بينا أن حق البائع في الحبس بعد ما سقط لا يتصور عوده فلا يعود بانتقاض القبض بالرد أيضا بخلاف الستوق والرصاص فهناك يتبين أنه لم يقبض الثمن وإن تسليمه لم يكن صحيحا وبخلاف المستحق لأن قبض المستحق موقوف على إجازة المستحق فالتسليم الذي ينبني عليه يكون موقوفا أيضا . ولا يكون صحيحا مطلقا وإن لم يرتجع البائع من المشتري العبد ولم يجد في الثمن شيئا مما ذكرنا حتى باع المشتري العبد أو وهبه وسلمه أو رهنه وسلمه أو أجره ثم وجد البائع في الثمن بعض ما ذكرنا فجميع ما صنع المشتري في العبد جائز لا يقدر البائع على رده ولا سبيل له على العبد لأن المشتري تصرف فيه بعد القبض وإنما تصرف فيه بتسليط البائع فالبيع والتسليم تسليط له على التصرف ألا ترى أن في البيع الفاسد لا يتمكن البائع من نقض تصرفه فما حصل بتسليط صحيح كان أولى ولو كان المشتري قبض العبد بغير إذنه ثم صنع فيه بعض ما ذكرنا ثم وجد البائع بعض الثمن على ما ذكرنا كان له أن ينقض جميع ما صنع المشتري فيه ويسترده حتى يوفيه المشتري الثمن لأن تصرف المشتري حصل لا بتسليط من البائع فالقبض منه كان بغير إذن وذلك لا يسقط حق البائع في الحبس ولما ظهر أن الثمن كان على وما وصفنا فقد ظهر أن حق البائع باق في الحبس لم يسقط حكما بوصول حقه ولا أسقطه باختياره بتسليم المبيع إلى المشتري فكان له أن ينقض جميع ما تصرف فيه المشتري إذا كان محتملا للقبض بأن كان البائع لما علم بقبض المشتري العبد سلم ذلك ورضي به والمسألة على حالها كان هذا مثل إذنه له في القبض لأنه أجاز قبضه في الانتهاء وتأثير إجازته في إسقاط حقه كتأثير إذنه في الابتداء .
( قال ) ( ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فرهنه بها عبدا يساوي ألفا فقبضه المرتهن ثم قضاه لراهن دراهمه ولم يقبض الرهن حتى وجد المرتهن الدراهم أو بعضها زيوفا أو نبهرجة أو ستوقا أو رصاصا أو استحقت من يده فاعلم أن الجواب في الرهن في جميع ما ذكرنا كالجواب في البيع ) لأن المرهون محبوس بالدين كما أن المبيع محبوس بالثمن إلا في خصلة واحدة وهي ما إذا وجد المرتهن المقبوض زيوفا فرده وقد كان الراهن قبض الرهن بإذنه فللمرتهن أن يسترده ويحبسه بالدين بخلاف البيع وزفر يستدل في الخلافية به والفرق أن تسليم المرتهن العين إلى الراهن ليس بمسقط حقه في الحبس وإن كان صحيحا في نفسه ألا ترى أنه لو سلم المرهون إلى الراهن على طريق العارية أو الوديعة كان له أن يسترده فكذلك إذا سلمه بعد قبض الزيوف فإنما المسقط لحقه كمال وصول حقه إليه ولم يوجد بخلاف المبيع فالتسليم الصحيح من البائع مسقط حقه في الحبس وهذا لأن الثابت للمرتهن بعقد الرهن بدل الاستيفاء فيبقى حقه ما لم يستوف حقه وقد تبين أنه لم يستوف حقه ألا ترى أن مع التأجيل في الدين يكون له أن يحبس الرهن فأما في البيع فحق الحبس للبائع باعتبار توجه المطالبة له بالثمن حتى لو أجله في الثمن لم يبق حقه في الحبس وبعد قبض الزيوف ليس له حق المطالبة بالثمن ما لم يرد المقبوض فلهذا سقط حقه في الحبس إذا سلم المبيع قبل أن يرد المقبوض .
( قال ) ( وإذا اشترى الرجل من الرجل عبدا بألف درهم فلم يقبضه حتى وكل رجلا يقبضه فقبضه الوكيل بغير أمر البائع ولم ينقد البائع الثمن فهلك العبد في يد الوكيل فللبائع أن يضمن الوكيل قيمة العبد فيكون في يده حتى يعطيه المشتري الثمن ) لأن بالبيع المبيع صار مملوكا للمشتري ولكنه محبوس في يد البائع ما لم يصل إليه الثمن فقبض الوكيل في حق البائع جناية بمنزلة الغصب ولو غصبه منه غاصب فهلك في يده كان للبائع أن يضمنه القيمة وهذا نظير المرهون إذا قبضه وكيل الراهن بغير رضا المرتهن فهلك في يده يكون ضامنا حقا للمرتهن وهذا بخلاف ما لو كان المشتري قبضه بنفسه فهلك عنده فإنه لا يكون ضامنا للقيمة لأن قبض المشتري يقرر عليه ضمان الثمن فلا يوجب عليه ضمان القيمة إذ لا يجوز أن يجتمع الضمانان على واحد بسبب قبض واحد فأما قبض الوكيل فلا يوجب عليه ضمان الثمن فيكون موجبا ضمان القيمة لحق البائع ثم استرداد البائع القيمة منه كاسترداد العبد لو كان باقيا إذ القيمة تقوم مقام العين وإنما سميت قيمة لقيامها مقام العين فإذا أعطاه الثمن رجعت القيمة إلى الوكيل لأن الوكيل في حق المشتري كان أمينا ممتثلا لأمره وإنما كان ضمان القيمة عليه لحق البائع فإذا سقط حقه رجعت القيمة إلى الوكيل كما لو أوفى المشتري الثمن قبل أن يضمن البائع الوكيل .
( ولو نويت القيمة عند البائع سقط الثمن عن المشتري ) لأن استرداد القيمة كاسترداد العين ولو استرد العين فهلك عنده انفسخ البيع وسقط الثمن فكذلك إذا استرد القيمة ثم يتبع الوكيل المشتري في القيمة لأنه في القبض كان عاملا له بأمره وقد لحقه فيه ضمان فيرجع به عليه .
( ولو كان المشتري أعتق المبيع قبل القبض لم يكن عليه ضمان القيمة ) لأن إعتاقه إياه بمنزلة القبض ولو قبضه فهلك في يده لم يكن عليه ضمان القيمة فكذلك إذا أعتقه ولو كان الوكيل هو الذي قبض العبد بإذن المشتري ثم أعتقه المشتري فهذا وموت العبد في يد الوكيل سواء في حق البائع لأنه تعذر عليه استرداده بهذا السبب فهو كتعذر الاسترداد بالموت في يده وهذا لأن أمر المشتري الوكيل بالقبض غير معتبر في حقه لأنه لا يملك قبضه بنفسه لحق البائع في الحبس فكذلك لا يملك أن يأمر غيره به .
( قال ) ( ولو أن المشتري أمر رجلا بعتق العبد وهو في يد البائع فأعتقه المأمور ففي قول أبي يوسف الأول هذا وأمره بالقبض سواء في جميع ما ذكرنا من التفريع ) لأن إعتاق المبيع بمنزلة القبض فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ألا ترى أن المشتري لو باشره بنفسه كان ذلك بمنزلة قبضه فكذلك إذا وكل الغير به فهو والوكيل بالقبض سواء ثم رجع وقال : لا ضمان على الوكيل في هذا الفصل ولكن يرجع البائع على المشتري بالثمن وهو قول محمد وهو رواية عن أبي حنيفة ووجه ذلك : أن الوكيل بالإعتاق معبر عن المشتري فيكون ذلك كإعتاق المشتري بنفسه وذلك يقرر عليه الثمن فلا يوجب ضمان القيمة كما لو أعتقه بنفسه وتقرير هذا أنه بكلمة الإعتاق إذا جعله مقصورا عليه لا يحصل به الإتلاف ولا يبطل به حق البائع وإنما يحصل به الإتلاف إذا انتقلت عبارته إلى المشتري .
ألا ترى أنه لو أعتقه بغير إذن المشتري كان إعتاقه باطلا ولا يجب على المعتق له ضمان وإذا نقلنا عبارته إلى المشتري كان هذا مقررا للثمن عليه فلا يكون موجبا ضمان القيمة فأما القبض ففعل محسوس يوجب الحكم على القابض إذا جعل مقصورا عليه .
ألا ترى أنه لو قبضه بغير إذن المشتري كان موجبا عليه ضمانه فكذلك إذا قبضه بإذنه لأنه لا معتبر بإذنه في حق البائع وإذا اقتصر حكم القبض على القابض في حق البائع كان هو ضامنا للقيمة ولو أعتق المشتري المبيع قبل القبض وهو معسر فليس للبائع أن يستسعي العبد في شيء رجع أبو يوسف عن هذا . وقال : له أن يستسعي العبد في الأقل من قميته ومن الثمن وذكر هذا القول في نوادر هشام وجعله قياس المرهون إذا أعتقه الراهن . وهو معسر ووجه الفرق بينهما على ظاهر الرواية أن بعقد الرهن يتثبت للمرتهن حق الاستيفاء من مالية الرهن وتلك المالية احتبست عند العبد بإعتاق الراهن إياه فكان له أن يستسعي العبد إذا تعذر عليه الوصول إلى حقه لعسرة الراهن فأما البائع فما كان له حق استيفاء الثمن من مالية المبيع ولكن كان له ملك العين واليد فأزال ملك العين بالبيع وبقي له اليد إلى أن يصل إليه الثمن وبإعتاق المشتري العبد فات محله ومجرد اليد ليس يقوم على العبد فلا يستسعيه لأجل ذلك يوضحه : أن حق البائع في الحبس ضعيف ولهذا يسقط بإعارة المبيع من المشتري بخلاف حق المرتهن ثم يعود تصرف المشتري بتسليط البائع إياه على ذلك فيمتنع هذا التسليط بثبوت حقه في استسعاء العبد بخلاف تصرف الراهن في المرهون فإن لم يعتقه المشتري ولكنه أفلس بالثمن فإن لم يكن البائع سلم المبيع إليه فله أن يحبسه إلى أن يستوفي الثمن وإن كان سلم المبيع إليه فله أن يسترده ولكنه أسوة غرماء المشتري فيه وليس له أن يفسخ البيع عندنا .
( فإذا لم يلزمه ضمان القيمة سقط عنه من الثمن حصة ما أتلفه بجنايته ) لأن ذلك صار مقصودا بالتناول فيقابله حصة من الثمن وقد فات القبض المستحق فيه باستهلاك البائع فينفسخ العقد فيه في ذلك القدر وإن كانت يد العبد شلت من غير فعل أحد كان المشتري بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه لتغير المعقود عليه في ضمان البائع فإن اختار الأخذ فعليه جميع الثمن هنا بخلاف الأول .
( فإذا لم يلزمه ضمان القيمة سقط عنه من الثمن حصة ما أتلفه بجنايته ) لأن ذلك صار مقصودا بالتناول فيقابله حصة من الثمن وقد فات القبض المستحق فيه باستهلاك البائع فينفسخ العقد فيه في ذلك القدر وإن كانت يد العبد شلت من غير فعل أحد كان المشتري بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء تركه لتغير المعقود عليه في ضمان البائع فإن اختار الأخذ فعليه جميع الثمن هنا بخلاف الأول .
والشافعي يسوي بينهما فيقول في الموضعين جميعا على البائع ضمان نصف القيمة لأن المبيع في ضمانه قبل التسليم فلا فرق بين أن يفوت جزء منه بفعل الضامن أو بغير فعله كالمغصوب وقاس بما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما قبل القبض بفعل البائع أو بغير فعله كان الجواب في ذلك سواء فهذا مثله .
( ويرجع المشتري على الأجنبي بثمن القيمة وثلثي ثمنها ) لأن التالف بجناية الأجنبي نصف العشرين وهو عشرة وذلك ثمن العبد وثلثا ثمنه فيرجع المشتري عليه بثمن القيمة وثلثي ثمن القيمة .
وقال الشافعي : إذا أفلس المشتري بالثمن فللبائع أن يفسخ البيع وهو أحق بالمبيع إن كان سلمه بفسخ العقد ويعيده إلى ملكه ويؤيده حديث أبي هريرة - Bه - أن النبي - A - قال : ( أيما رجل أفلس بالثمن فوجد رجل متاعه عنده بعينه فهو أحق به ) والمعنى فيه أن البيع عقد معاوضة فمطلقه يقتضي التسوية بين المتعاقدين ثم لو تعذر على المشتري قبض المبيع بالإباق ثبت للمشتري حق الفسخ فكذلك إذا تعذر على البائع قبض الثمن لإفلاس المشتري وكما أن المالية في الآبق كالثاوي حكما فكذلك الدين في ذمة المفلس بمنزلة الثاوي حكما لاستبداد طريق الوصول إليه ولا فرق بين المبيع والثمن إلا من حيث إن الثمن دين والمبيع عين وكما أن تعذر القبض في العين يثبت حق الحبس فكذلك تعذر القبض في الدين ألا ترى أن المسلم فيه دين فإذا تعذر قبضه بانقطاعه من أيدي الناس يثبت لرب السلم حق الفسخ فكذلك الثمن ولا فرق بينهما سوى أن الثمن مفقود والمسلم به والمسلم فيه معقود عليه ولكن حق الفسخ يثبت بتعذر قبض المعقود به كما ثبت بتعذر قبض المعقود عليه ألا ترى أن المكاتب إذا عجز عن أداء بدل الكتابة تمكن المولى من فسخ العقد وبدل الكتابة معقود به كالثمن والدليل عليه أن هلاك الثمن قبل القبض يوجب انفساخ العقد كهلاك المبيع فإن من اشترى بفلوس شيئا فكسدت قبل القبض بطل العقد لأن الثمن فلوس رائجة فإذا كسدت الفلوس فقد هلك الثمن وما ينقص العقد بهلاك إذا تعذر قبضه ثبت للعاقد حق الفسخ كالمبيع .
وحجتنا في ذلك قوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ( البقرة : 280 ) والمشتري حين أفلس بالثمن قد استحق النظرة شرعا ولو أجله البائع لم يكن له أن يفسخ العقد قبل مضي الأجل فإذا صار منظرا بإنظار الله تعالى أولى . أن يتمكن البائع من فسخ العقد وأما الحديث الذي استدلوا به فقد ذكر الخصاص بإسناده أن النبي - A - قال : ( أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده متاعه . فهو في ماله بين غرمائه ) أو قال : ( فهو أسوة غرمائه فيه ) وتأويل الرواية الأخرى : أن المشتري كان قد قبضه بغير إذن البائع أو مع شرط الخيار للبائع وبه نقول : إن في هذا الموضع للبائع حق الاسترداد والمعنى فيه إن لم يتعين على البائع شرط عقده فلا يتمكن من فسخ العقد كما لو كان المشتري مليا وبيان ذلك أن موجب العقد ملك اليمين فإن اليمين يجب بالعقد ويملك به وإنما يملك بالعقد دينا في الذمة وبقاء الدين ببقاء محله والذمة بعد الإفلاس على ما كانت عليه قبل الإفلاس محل صالح لوجوب الدين عليه فأما حق الاستيفاء فثابت للبائع بسبب ملكه لا بحكم العقد ألا ترى أنه يجوز إسقاطه بالإبراء وبالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز إسقاطه بالاستبدال وقبض البدل إذا صار مستحقا بالبيع لا يجوز إسقاطه بالاستبدال كما في البيع عينا كان أو دينا فعرفنا أن حق قبض الثمن له بحكم الملك لا أن يكون موجب العقد فبتعذره لا يتغير شرط العقد والدليل على هذا أن قدرة المشتري على تسليم الثمن عند العقد ليس بشرط لجواز العقد فلو كان تسليم الثمن يستحق بالعقد لكانت القدرة على تسليمه شرطا لجواز العقد كما في جانب المبيع فإنه إذا كان عينا لا يجوز العقد إلا أن يكون مقدور التسليم للبائع وإن كان دينا كالتسليم لا يجوز العقد إلا على وجه تثبت القدرة على التسليم به للعاقد وهو الأجل ولما جاز الشراء بالدرهم حالا وإن لم يكن في ملكه عرفنا أن وجوب تسليم الثمن ليس من حكم العقد وبهذا الحرف يستدل في المسألة ابتداء فإن العجز عن تسليم الثمن إذا طرأ بالافلاس لا يكون أقوى من العجز عن تسليم الثمن إذا اقترن بالعقد والمفلس إذا اشترى شيئا والبائع يعلم أنه مفلس صح العقد ولزم فبالافلاس الطارئ لأن لا ترتفع صفة اللزوم أولى بخلاف جانب المبيع فهناك ابتداء العقد مع العجز عن التسليم لإباق العبد لا يجوز فإن رضي به المشتري فكذلك إذا طرأ العجز فإنه يثبت للمشتري حق الفسخ .
فإن قيل : كيف يستقيم هذا وقد قلتم إن التسليمين على المشتري فلو لم يكن تسليم الثمن مستحقا بالعقد لم يتأخر حقه في قبض المبيع إلا أن يؤدي الثمن .
قلنا : وجوب أول التسليمين عليه لتحقيق معنى التسوية بينهما لأن ذلك موجب العقد على ما قررنا أن العقد عقد تمليك فيقتضي التسوية بين المتعاقدين في الملك وقد حصل الملك لكل واحد منهما بالعقد إلا أن الملك في العين أكمل منه في الدين فعلى المشتري تسليم الثمن أولا ليتقوى به ملك البائع فكان ذلك من حكم الملك لا أن يكون موجب العقد ولئن سلمنا أنه من حكم العقد لاقتضى التسوية ولكن هذا المعنى قد انعدم بتسليم البائع لما بيع طوعا فهو كما لو انعدم بالتأجيل في الثمن فلا يبقى له بعد ذلك حق فسخ البيع وإن تعذر عليه استيفاء الثمن لإفلاس المشتري وهذا بخلاف الفلوس إذا كسدت لأنه تغير هناك موجب العقد فيتغير فموجب العقد ملك فلوس هي ثمن وبعد الكساد لا يبقى له في ذمة المشتري فلوس بهذه الصفة فأما بعد إفلاس المشتري فيبقى الثمن في ذمته مملوكا للبائع كما استحقه بالعقد وهذا بخلاف الكتابة لأن هناك يعجز المكاتب بغير موجب العقد فموجب ملك المولى بدل الكتابة عند حلول الأجل ولا يملكه إلا بالقبض لأن المكاتب عبد له والمولى لا يستوجب دينا في ذمة عبده ولهذا لو كفل له إنسان ببدل الكتابة عن المكاتب لم تصح الكفالة وللمكاتب أن يعجز نفسه فإذا لم يكن له ذلك دينا حقيقة قلنا الملك للمولى إنما يثبت بالقبض وإذا عجز المكاتب عن الأداء فقد تغير ما هو موجب العقد عليه فلهذا يمكن من فسخ العقد وهنا بإفلاس المشتري لا يتغير ملك البائع في الثمن فإنه مملوك دينا في ذمة المشتري ولسنا نسلم أن الدين في ذمة المفلس ثاو فإن المديون إذا كان مقرا بالدين فهو قائم حقيقة وحكما مفلسا كان أو مليا ولهذا قال أبو حنيفة يجب على صاحب الدين الزكاة بمعنى إذا قبضه فإذا لم يتغير موجب العقد لا يتمكن من فسخ العقد والله أعلم