( قال ) ( وإذا اشترى الرجل أرضا ونخلا بألف درهم والأرض تساوي ألفا والنخل يساوي ألفا فأثمر النخيل بعد ذلك في يد البائع مرة أو مرتين كل مرة تساوي الثمرة ألفا فأكله البائع كله ثم جاء المشتري يطلب بيعه ) فالأصل في تخريج هذه المسألة أن الثمار الحادثة زيادة في الأرض والنخل في قول أبي حنيفة ومحمد وهو قول أبي يوسف الأول - رحمهم الله - وفي قوله الآخر هو زيادة في النخل خاصة وجه قوله الآخر أن الثمار يخرجه النخيل دون الأرض فيكون زيادة فيهما يقسم الثمن على قيمة الأرض والنخل أولا ثم حصة النخيل تقسم على قيمتها وقيمة الثمار بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فولدت إحداهما قبل القبض ثم قبضهما فإنه يقسم الثمن على قيمة الجاريتين أولا ثم ما أصاب التي ولدت يقسم على قيمتها وقيمة ولدها يوم يقبض المشتري الولد لهذا المعنى أن الولد انفصل عنها فتكون زيادة فيها خاصة وجه قولهما : أن النخيل في هذا البيع بيع بدليل أنها تدخل في البيع من غير ذكر والبيع لا يقع له فتكون الثمار الحادثة زيادة في الأصل بمنزلة ما لو اشترى جارية فولدت ابنة قبل القبض ثم كبرت الابنة وولدت ولدا فيجعل الولد الثاني زيادة في الجارية حتى يقسم الثمن على قيمتها وقيمة الولدين لأن الابنة تابعة في العقد فلا يكون ولدها تبعا لها فهذا مثله والثمار في الصورة يخرجها النخيل وفي المعنى زيادة في الأرض لأن النخيل تتشرب بعروقها من الأرض .
ألا ترى أن بقوة الأرض تزداد الثمار جودة فعرفنا أن من حيث المعنى الأصل هو الأرض للثمار وللنخيل جميعا فلهذا يقسم الثمن على قيمة الكل قسمة واحدة ثم يعتبر في القسمة قيمة الثمار حين أكلها البائع لأنها عند ذلك صارت مقصودة فالزيادة الحادثة إنما تصير لها خاصة من الثمن إذا صارت مقصودة بالتناول ألا ترى أن المشتري إذا قبضها يعتبر في الانقسام قيمتها وقت القبض فكذا إذا أكلها البائع .
فإن كانت أثمرت مرة واحدة فأكلها البائع وقيمتها ألف درهم انقسم الثمن أثلاثا ثلثه بإزاء الأرض وثلثه بإزاء النخيل وثلثه بإزاء الثمار ويسقط عن المشتري حصة الثمار من الثمن ويأخذ الأرض والنخيل بثلثي الثمن وفي قول أبي يوسف الآخر : يقسم الثمن أولا على قيمة الأرض والنخيل نصفين ثم حصة النخيل تقسم على قيمتها وقيمة الثمار نصفين فسقط عن المشتري ربع الثمن ويأخذ الأرض والنخيل بثلاثة أرباع الثمن وإن كانت أثمرت النخيل مرتين أخذ المشتري الأرض والنخيل بنصف الثمن لأن القيم لما استوت فحصة ما تناول البائع من الثمار نصف الثمن الأول وقال أبو يوسف : يأخذ بثلثي الثمن لأن نصف الثمن بمقابلة الأرض والنصف الذي يقابله النخيل يقسم أثلاثا ثلثه يسقط عن المشتري بتناول البائع الثمار مرتين وثلث النصف حصة النخيل يتقرر على المشتري مع حصة الأرض فيأخذها بثلثي الثمن وإن كانت أثمرت ثلاث مرات أخذ الأرض والنخيل بخمسي الثمن وسقط عنه ثلاثة أخماس الثمن حصة الثمن ثلاث مرات وعند أبي يوسف يأخذ الأرض والنخيل بخمسة أثمان الثمن نصف الثمن حصة الأرض وربع النصف الآخر حصة النخل ويسقط عن المشتري ثلاثة أثمان الثمن .
وإن أثمرت أربع مرات فعند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - يأخذ الأرض والنخيل بثلث الثمن لأن الثمن ينقسم على ستة أسهم حصة الأرض والنخل سهمان وهو الثلث .
وعند أبي يوسف يأخذهما بثلاثة أخماس الثمن نصف الثمن حصة الأرض وخمس النصف الآخر حصة النخل فذلك ستة أجزاء من عشرة من جميع الثمن .
( وإن أثمرت خمس مرات أخذ الأرض والنخل عندهما سبع الثمن ) لأن القسمة على الأسباع عندهما فيسقط حصة الثمار خمسة أسباع الثمن ويأخذ الأرض والنخل بسبعة أجزاء من اثني عشر جزءا من الثمن حصة الأرض نصف الثمن وحصة النخل سدس النصف الباقي وفي جميع ذلك الخيار للمشتري : إن شاء أخذ الأرض والنخل وإن شاء فسخ البيع فيهما وهذا قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - فأما عند أبي حنيفة فلا خيار للمشتري في ذلك وإنما نص على الاختلاف في الباب الذي بعد هذا في الولد الحادث قبل القبض إذا أتلفه البائع ولا فرق بين الولد في الشاة وبين الثمار .
وجه قولهما : أن الزيادة الحادثة قبل القبض لما صارت مقصودة تتناول البائع وكان لها حصة من الثمن فالتحقت بالموجود عند العقد ولو كانت موجودة فأتلفها البائع ثبت الخيار للمشتري فيما بقي لتفرق الصفقة عليه قبل الثمار فكذلك هنا .
وأبو حنيفة يقول : المشتري عند القبض رضي بأخذ الأرض والنخيل بجميع الثمن فهو يأخذهما ببعض الثمن أرضي وثبوت الخيار لتمكن الخلل في رضا المشتري فإذا علمنا تمام الرضا منه هنا فلا معنى لإثبات الخيار له يوضحه : أن هذه الزيادة لو هلكت من غير صنع البائع أخذ المشتري الأرض والنخل بجميع الثمن ولا خيار له ولأن يلزم الأرض والنخل ببعض الثمن عند إتلاف البائع الثمار كان أولى بخلاف الموجود عند العقد فإنه لو هلك من غير صنع البائع يخير المشتري فكذلك بصنع البائع وبهذا يتبين أن تفريق الصفقة إنما يحصل بهلاك الموجود عند العقد لا بهلاك الحادث بعد القبض فإن كان في النخل ثمرة تساوي ألفا يوم اشترى الأرض والنخل وقد اشتراهما معا فإن الثمار لا تدخل في البيع إلا بالذكر لأنه يعرض الفضل فهو والموضوعة في الأرض سواء بخلاف النخيل فإنها تابعة للأرض كالبناء فيدخل في البيع من غير ذكر فإذا أكلها البائع ثم أثمرت بعد ذلك مرارا فأكله البائع فالأصل في تخريج هذه المسألة أن ثلث الثمن يسقط من المشتري . بأكل البائع الثمار الموجودة لأن الثمار الحادثة بعد ذلك ليست بزيادة في الثمار الموجودة وهي مقصودة لا تدخل في العقد إلا بالذكر فيقسم الثمن أولا على قيمة الأرض وعلى قيمة النخل وقيمة الثمار الموجودة وقت العقد وقد استوت القيم فتقسم أثلاثا ويسقط عن المشتري ثلث الثمن حصة الثمار الموجودة وأما ثلثا الثمن حصة الأرض والنخيل في هذه المسألة فبمنزلة جميع الثمن في المسألة الأولى في حكم الانقسام على قيمتها وقيمة ما أكل البائع من الثمار الحادثة على نحو ما خرجنا في المسألة الأولى .
( قال ) ( فإن كانت الثمرة التي حدثت بعد البيع لم يأكلها البائع ولكن أصابتها آفة من السماء فذهبت بها ونقصت تلك النخل فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بجميع الثمن وإن شاء تركها ) لأن الثمار الحادثة لما فاتت من غير صنع أحد لم يكن لها حصة من الثمن وصارت كأن لم تكن فنفي النقصان المتمكن فيتخير المشتري لأجل ذلك .
( وإن لم ينقص النخل لم يكن للمشتري في البيع خيار وهو لازم له بجميع الثمن ) لأن الثمار الحادثة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كأن لم تكن وأما الثمار الموجودة عند العقد فسواء هلكت بغير صنع أحد أو تناولها البائع سقط عن المشتري حصتها من الثمن لأنها كانت مقصودة بالعقد وقد فات القبض المستحق بهلاكها فينفسخ البيع فيها ويسقط عن المشتري حصتها من الثمن وله الخيار في أخذ الأرض والنخل سواء هلكت من صنع أحد أو تناولها البائع لتفرق الصفقة عليه قبل التمام بمنزلة ما لو اشترى جاريتين فهلكت إحداهما قبل القبض والله أعلم