( قال ) ( وإذا رأى الرجل عند رجل جارية فساومه عليها ولم يشترها ثم رآها بعد ذلك متنقبة فاشتراها بثمن مسمى ولم يعلم أنها تلك الجارية ولم يقع بينهما منطق يستدل به أنه قد عرفها فهو بالخيار إذا كشفت نقابها وهذا بمنزلة من اشترى شيئا لم يره ) لأن الرؤية السابقة لم تفد له العلم بأوصاف المعقود عليه لما لم يعلم أنها تلك الجارية وثبوت خيار الرؤية للجهل بأوصاف المعقود عليه فإنما يسقط خياره برؤية تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فما لم يفده بأوصاف المعقود عليه فوجوده كعدمه أرأيت لو رآها عنده ثم رآها متنقبة عند آخر ولا يعلم أنها تلك الجارية فاشتراها أما كان له الخيار إذا كشفت نقابها فكذلك إذا اشتراها من الأول .
( قال ) ( ولو نظر إلى جراب هروى فقلبه ثم إن صاحب الجراب قطع منه ثوبا ثم أخبره أنه قطع منه ثوبا ولم يره إياه ثانية حتى اشتراه فهو بالخيار إذا رآه ) لأن الثياب عدد متفاوت ولذا لا يجوز شراء ثوب من الجراب بغير عينه فإذا لم يكن ما قطع منه معلوما عند المشتري لم يكن ما يتناوله العقد أيضا معلوم الوصف عنده فثبت له الخيار عند الرؤية ألا ترى أنه لو اشترى الجراب إلا ثوبا منها بغير عينه لم يجز الشراء فكذلك إذا كان لا يعلم ما قطع البائع منها بعد رؤيته فلعله قطع أجودها والمشتري يظن أنه قطع أردأها فلهذا كان له الخيار إذا رآه .
( قال ) ( ولو عرض رجل على رجل ثوبين فلم يشترهما ثم لف أحدهما في منديل ثم اشتراه منه ولم يره ولم يعلم أيهما هو فهو بالخيار إذا رآه ) لأن الرؤية المتقدمة لا تفيده العلم بأوصاف المعقود عليه فلعل المشتري يظن أنه أجودهما وهو أردؤهما ولو أتاه بالثوبين جميعا وقد لف كل واحد منهما في منديل فقال هذان الثوبان اللذان قد عرضت عليك أمس فقال أخذت هذا لأحدهما بعشرين درهما وهذا بعشرة في صفقتين أو صفقة ولم يرهما في هذه المدة فأوجبهما له فهو بالخيار لأنه لما خالف بينهما في الثمن فما هو المقصود لا يحصل له ما لم يعلم بأوصاف كل واحد منهما بعينه لجواز أن يظن أن الذي اشتراه بعشرين درهما أجودهما والذي اشتراه بعشرة أردؤهما والحال بخلاف ذلك فربما يهلك أحدهما أو يجد به عيبا يحتاج إلى رده فلا يندفع الغبن عنه ما لم يعرف كل واحد منهما بعينه .
( ولو قال قد أخذت كل واحد منهما بعشرة أو بعشرين جاز ذلك ولا خيار له ) لأنه أخذهما صفقة واحدة ولم يفصل أحدهما في الثمن وقد كانا معلومي الوصف عنده بالرؤية المتقدمة فلأجله لا يثبت له خيار الرؤية فيهما .
( قال ) ( رجل اشترى ثوبا ولم يره حتى رهنه أو أجره يوما أو باعه والمشتري بالخيار فهذا اختيار منه له وليس له أن يرده ) لأنه أوجب للغير فيه حقا لازما وذلك بعجزه عن الرد فإن البيع بشرط الخيار للمشتري لازم في جانب البائع واكتسابه ما يعجزه عن الرد مسقط لخياره حكما كما لو كان المبيع عبدا فدبره أو باعه .
( والبائع بالخيار فنقض البيع كان له أن يرده ) لأن خيار البائع يمنع زوال ملكه والبيع بهذه الصفة لا يعجزه عن الرد فلا يكون مسقطا لخياره وروى الحسن عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه يسقط خياره بهذا البيع وقيل تلك الرواية أصح لأن البيع بشرط الخيار للبائع أقوى في إسقاط الخيار من العرض على المبيع ولو عرضه على البيع سقط خياره فإذا باعه بشرط الخيار أولى ووجه ظاهر الرواية أن البيع تصرف من جهة القول فإذا كان بحيث لا يعجزه عن الرد لا يكون إسقاطا لخياره حكما ولكنه بمنزلة إسقاط خيار الرؤية بالقول قصدا وذلك لا يصح قبل الرؤية فكذلك إيجاب البيع بشرط الخيار له .
( قال ) ( ولو اشترى عبدا لم يره فكاتبه ثم عجز فرآه لم يكن له أن يرده بالخيار وكذلك خيار الشرط في ذلك ) لأن عقد اكتساب لازم في جانب المولى وهو يعجزه عن الرد بحكم الخيار فمباشرته تتضمن سقوط خياره حكما فخيار الشرط والرؤية في ذلك سواء .
( ولو حم العبد ثم ذهبت الحمى عنه كان له أن يرده بخيار الرؤية والشرط ) لأن الحمى عنده بمنزلة عيب حادث وذلك غير مسقط لخياره وإنما يمنعه عن الرد بغير رضا البائع لدفع الضرر عن البائع فإذا أقلعت الحمى عنه فقد زال معنى الضرر فكان هو على خياره في الرد بخلاف ما تقدم فإن عجزه عن الرد هناك لإيجابه حقا لازما للغير فيه وذلك مسقط لخياره حكما .
( ولو أشهد على نقض البيع في الثلاثة بحضرة البائع والعبد محموم وله خيار الشرط ثم ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة ولم يحدث ردا حتى مضت الثلاثة الأيام كان له أن يرده بذلك الرد ) لأن نقضه البيع بحضرة البائع صحيح في حقه وإنما امتنع ثبوت حكمه في حق البائع لدفع الضرر عنه فإذا ذهبت الحمى قبل مضي الثلاثة فقد انعدم معنى الضرر فتم البيع في حق البائع أيضا فلهذا كان له أن يرده بعد مضي الأيام الثلاثة وهذا لأن الحمى حين ذهبت مع بقاء مدة الخيار تجعل المشتري كالمجدد للفسخ في هذه الحالة لأنه مصر على الفسخ الذي كان منه كأنه جدده بعد زوال المانع .
( ولو تمادت به الحمى عشرة أيام ليس له بذلك الرد ولا بغيره ) لأن مدة الخيار ذهبت والمانع قائم فبطل حكم الرد لاستغراق المانع في جميع المدة ولأنه حين أقلعت الحمى عنه يصير كالمجدد للفسخ وهو لا يملك الرد به بعد مضي مدة الخيار وإنما يملك ذلك في مدة الخيار .
( ولو خاصمه في الثلاثة إلى القاضي فرده المشتري وأبى البائع أن يقبله وهو محموم فإن القاضي يجيز البيع ويبطل الرد ) لأنه يرده بعيب حادث عنده وإنما كان تمكنه من الرد بحكم الخيار له لدفع الضرر عن نفسه لا لإلحاق الضرر بالبائع .
( فإذا أدى ذلك إلى الاضرار بالبائع أبطل القاضي رده ولزمه البيع بقضاء القاضي فإن صح العقد في الثلاث لم يكن له أن يرده ) لأن إلزام القاضي إياه أقوى من التزامه إسقاط الخيار .
( ولو أسقط خياره لم يكن له أن يرده بعد ذلك فإذا ألزمه القاضي كان أولى وكذلك هذا في خيار الرؤية ) لأن قضاء القاضي ببطلان رده مسقط لخياره حكما وذلك حاصل قبل الرؤية وهذا بخلاف الرجوع في الهبة فإن الموهوب له إذا بنى في الدار الموهوبة ثم رجع الواهب فأبطل القاضي رجوعه ثم رفع الموهوب له بناءه كان للواهب أن يرجع فيها لأن حق الواهب في الرجوع لا يحتمل الإسقاط حتى لو أسقطه بنفسه . كان إسقاطه باطلا فالقاضي إنما يمنع رجوعه بقضائه لأجل البناء لا أن يسقط حقه في الرجوع فإذا زال المانع كان له أن يرجع وهنا القاضي مسقط لخياره لأن خياره محتمل للسقوط فبعدما سقط خياره بقضاء القاضي لا يمكن من الرد بحكمه .
( قال ) ( ولو أشهد على رده في الثلاثة بحضرة البائع وهو صحيح ثم حم قبل أن يقبضه البائع ثم أقلعت عنه الحمى وعاد إلى الصحة في الثلاثة أو بعدها فهو لازم للبائع ولا خيار له فيه ) لأن المشتري فسخ البيع وهو صحيح فعاد فسخه إلى ذلك البائع ثم بحدوث العيب في ضمان المشتري يثبت للبائع الخيار فإذا أقلعت الحمى فقد زال ذلك العيب وسقط ما كان من الخيار للبائع كما لو حدث بالمبيع عيب في يد البائع ثم زال العيب قبل أن يقبضه المشتري كان لازما للمشتري ولا خيار له فيه فهذا مثله وكذلك خيار الرؤية .
( ولو خاصمه والحمى به فأبطل القاضي الرد وألزم المشتري العبد فليس له أن يرده بعد ذلك ) لأن ذلك الفسخ بطل بقضاء القاضي بمنزلة البيع إذا أبطله القاضي للعيب الحادث عند البائع ثم زال العيب .
( قال ) ( ولو جرح العبد عند المشتري جرحا له أرش أو جرحه هو أو كانت أمة فوطئها هو أو غيره لم يكن له أن يردها بخيار الرؤية ولا بخيار الشرط أما إذا جرحها هو فلأن إقدامه على ذلك الفعل اكتساب منه للسبب المسقط لخياره ) لأنه يعجزه عن ردها كما قبضها وإن جرحها غيره فلما حدث من الزيادة المنفصلة وهو الأرش وكذلك إن وطئها غيره فإن وطئها هو فإقدامه على الوطء يكون رضا منه بتقرر ملكه فيها وذلك مسقط لخياره وكذلك إذا ولدت ولدا فمات ولدها أو لم يمت لم يكن له أن يردها بخيار الرؤية ولا بخيار الشرط أما إذا بقي الولد فللزيادة المنفصلة وأما إذا مات الولد فللنقصان الحادث في يده بالولادة .
( ولو كانت دابة أو شاة فولدت لم يكن له أن يردها لا بخيار الشرط ولا بخيار الرؤية للزيادة المنفصلة وكذلك لو قتل ولدها هو أو غيره ) لأنه بالقتل حابس للزيادة فكأنها قائمة في يده وإذا كان القاتل غيره فقد وجب على القاتل قيمة الولد وبقاء قيمته في يده كبقاء عينه .
( ولو مات موتا كان له أن يردها ) لأن الزيادة لما هلكت بغير صنع أحد صارت كأن لم تكن والولادة لا تمكن عيبا فيها فإن الولادة في البهائم لا تكون نقصانا فلهذا كان له أن يردها .
( قال ) ( ولو أن البائع جرحها عند المشتري أو قتلها وجب البيع على المشتري وعلى البائع القيمة في خيار الشرط والرؤية ) أما في القتل فلأن المشتري عجز عن ردها بعد ما قتلت وقد صار البائع منها كأجنبي آخر فكما أنه لو قتلها أجنبي آخر يسقط خيار المشتري ويكون له على القاتل قيمتها فكذلك إذا قتلها البائع وأما إذا جرحها البائع عند المشتري فكذلك الجواب في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وهو قول أبي يوسف الأول وهو القياس وفي قول أبي يوسف الآخر : للمشتري أن يردها بخياره ذكر قوله في كتاب الشرب وذكر محمد بن سماعة في نوادره في خيار الشرط والرؤية وخيار العيب جميعا وجه قوله : إن الخيار مستحق للمشتري على البائع ومن عليه الحق لا يملك اكتساب سبب إسقاط الحق المستحق عليه إلا بطريق الإبقاء يوضحه : أن حدوث العيب في يد المشتري إنما يمنع الرد لدفع الضرر عن البائع ولا يتحقق ذلك في جناية البائع عليه لأنه راض بفعله ولأنه يجعل مستردا لذلك الجزء لجنايته ولما بقي برد المشتري عليه فيعود إليه حكما كما خرج من يده بخلاف ما إذا كان الجاني غيره وجه قولهما : أن البيع لازم في جانب البائع وهو بعد التسليم فيها كأجنبي آخر بدليل مسألة القتل ولو كان الجاني أجنبيا آخر فوجد الأرش لم يتمكن المشتري بعد ذلك من ردها فكذلك إذا كان هو البائع ولا يملك إسقاط خيار المشتري فالأجنبي لا يملك إسقاط خياره والبائع إنما رضي بالنقصان الحادث بجنايته في ملك المشتري فلا يكون راضيا به في ملك نفسه .
( ولو جعل جنايته استردادا في ذلك الجزء لكان قتله استردادا في الكل ) وهذا لأن البيع لازم من جهته لا يتمكن هو من الاسترداد .
( ولو استودعها المشتري البائع بعد ما قبضها فماتت عند البائع قبل أن يرضى المشتري ففي خيار الرؤية هي من مال المشتري وعليه الثمن ) لأنها مملوكة للمشتري أمانة في يد البائع فهلاكها في يد الأمين كهلاكها في يد المشتري وفي خيار الشرط كذلك الجواب عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لأن خيار الشرط عندهما لا يمنع ملك المشتري وعند أبي حنيفة في القياس كذلك لأن البيع لازم في جانب البائع والمبيع خارج من ملكه فإيداع المشتري إياه كإيداعه أجنبيا آخر .
( فإذا هلك في يده هلك من مال المشتري وفي الاستحسان يهلك من مال البائع ) لأن خيار المشتري يمنع ملكه عند أبي حنيفة فتسليمه إياها إلى البائع لا يكون إيداعا فيه ملك نفسه ولكنه فسخ للقبض فكأنها هلكت في يد البائع قبل أن يقبضها المشتري فيهلك من مال البائع