( قال ) ( وإذا وطئ الرجل أمة ثم اشترى أختها كان له أن يطأ الأولى وليس له أن يطأ الثانية ) لأنه إذا وطئ الثانية يصير جامعا بين الأختين وطئا بملك اليمين وذلك لا يحل لظاهر قوله تعالى { وأن تجمعوا بين الأختين } ( النساء : 23 ) وكان في هذا الفصل اختلاف بين عثمان وعلي - Bهما - فكان عثمان - Bه - يقول أحلتهما آية يعني قوله تعالى { أو ما ملكت أيمانكم } ( النساء : 24 ) وحرمتهما آية يعني قوله تعالى { وأن تجمعوا بين الآختين } فكان يتوقف فيه وكان علي - Bه - يرجح آية التحريم لأنه إن كان المراد الجمع بينهما وطأ فهو نص خاص وإن كان المراد الجمع بينهما نكاحا فالنكاح سبب مشروع للوطء فحرمة الجمع بينهما نكاحا دليل على حرمة الجمع بينهما وطئا وأخذنا بقول علي - Bه - احتياطا لتغليب الحرمة على الحل والإباحة ولذا قال - A - ( ما اجتمع الحلال والحرام في شيء إلا غلب الحرام الحلال ) .
( وإن لم يكن وطئ الأولى حتى اشترى الثانية أو اشتراهما معا فله أن يطأ أيتهما شاء ) لأن كل واحدة منهما مملوكة له وبوطء إحداهما لا يصير مرتكبا لما هو المحرم وهو الجمع بينهما وطئا فله أن يطأ أيتهما شاء .
( فإن وطئ إحداهما لم يكن له أن يطأ الأخرى ) لأنه لو وطئ الأخرى صار جامعا بينهما وطئا فإن وطئهما جميعا أو قبلهما أو نظر إلى فرجيهما بشهوة فقد أساء بارتكاب الجمع المحرم فكما يحرم الجمع بينهما في دواعي الوطء والتقبيل والنظر إلى الفرج بشهوة من جملة الدواعي كالنكاح ولهذا تثبت به حرمة المصاهرة كما تثبت بالوطء ثم ليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم على نفسه إحداهما ببيع أو نكاح أو تبرع لأنه إذا أراد أن يطأ إحداهما والآخرة موطوءته ولهذا لو كانت موطوءته على الخصوص لم يكن له أن يطأ أختها بالملك حتى يحرمها على نفسه فكذلك هذا الحكم بعد ما وطئهما .
( فإن زوج إحداهما فله أن يطأ الباقية منهما ) لأن المنكوحة صارت فراشا للزوج وبثبوت الفراش الصحيح للزوج ينعدم أثر وطء المولى حكما ولهذا لو جاءت بالولد بعد ذلك لا يثبت النسب من المولى وإن ادعاه فيكون هذا بمنزلة الطلاق قبل الدخول ولو طلق إحدى الأختين قبل الدخول كان له أن يتزوج بالأخرى من ساعته فهنا أيضا له أن يجامع الأخرى غير أني لا أحب له أن يجامعها حتى تحيض أختها حيضة لقوله A - ( لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجمع ماءه في رحم أختين ) وكذلك الزوج يستحب له أن لا يقرب التي تزوج حتى تحيض حيضة لقوله - A - ( لا ينبغي لرجلين يؤمنان بالله واليوم الآخر أن يجتمعا على امرأة في طهر واحد ) فإن طلقها الزوج وانقضت عدتها لم ينبغ للمولى أن يطأ واحدة منهما حتى يزوج إحداهما أو يبيع لأن حق الزوج يسقط عنها بالطلاق ولم يبق له أثر بعد انقضاء العدة فعاد الحكم الذي كان قبل التزويج وكذلك لو باع إحداهما وسلم ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم إحداهما على نفسه هكذا روي عن ابن عمر - Bهما - وهذا لأنهما اجتمعا في ملكه وكل واحدة منهما موطوءته فكانت هذه الحالة كحاله قبل البيع في المنع .
( قال ) ( وإذا ارتدت إحداهما عن الإسلام والعياذ بالله لم يحل له أن يطأ الأخرى ) لأن المرتدة في ملكه بعد ولم يثبت فيها حل لغيره وحرمتها عليه بالردة كحرمتها بالحيض وكذلك الرهن والإجارة والتدبير فمباشرته في إحداهما لا يخرجها عن ملكه ولا يحرمها عليه ولا يحل له أن يطأ الأخرى باعتباره وكذلك إن لحق إحداهما دين أو جناية فإنها لم تخرج من ملكه ما لم تدفع أو تبع فإذا دفعت أو بيعت في الدين فقد خرجت من ملكه وحل له وطء الأخرى عند ذلك .
( قال ) ( ولو كاتب إحداهما أو أعتق بعضها فقضى عليها بالسعاية أو لم يقض حل له أن يطأ الأخرى أما في معتقة البعض فهو غير مشكل ) لأن ملكه زال عنها بقدر ما أعتق وزوال ملكه عن بعضها في حكم الحرمة كزوال ملكه عن جميعها وفي الكتابة الجواب مشكل فقد ذكرنا في الباب المتقدم أنها بالكتابة لا تخرج عن ملك المولى حتى لا يلزمه استبراء جديد بعد العجز ولم يحل فرجها لغيره وكان ينبغي أن لا يحل له وطء الأخرى ولكن قال ملك المولى يزول بالكتابة ولهذا يلزمه العقد بوطئها وجعل وطؤه إياها وطئا في غير ملك حتى لا ينفك عن عقوبة أو غرامة وقد سقطت العقوبة فتجب الغرامة فيجعل زوال ملك الحل عنها بالكتابة كزواله بتزويجها أو ببيع بعضها فيحل له أن يطأ الأخرى وكذلك ولو وهب إحداهما أو وهب شقصا منها وسلم فهو والبيع سواء وكذلك لو أسرها العدو وأحرزوها بدارهم لأنهم ملكوها بالاحراز .
( ولو أبقت إليهم لم يحل له وطء الباقية في قول أبي حنيفة ) لأنهم لم يملكوا الآبق بالأخذ فهي باقية على ملكه وعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - إذا أخذوها ملكوها بالاحراز فيحل له وطء الأخرى .
( قال ) ( ولو زوج إحداهما نكاحا فاسدا فوطئها زوجها ثم فرق بينهما فله أن يطأ أختها ) لأن العدة وجبت على التي زوجها والعدة بمنزلة النكاح في حرمتها بها على المولى فيحل له أن يطأ أختها وإن كانت عند الزوج لم يفرق بينهما ولم يدخل بها أو فرق بينهما قبل الدخول لم يكن له أن يقرب الأخت لأن النكاح الفاسد لا يحرمها على المولى ولا يثبت للزوج عليها فراش فوجوده وعدمه سواء . وإن باع إحداهما بيعا فاسدا وقبضها المشتري حل له وطء الأخرى لأن المشتري ملكها بالقبض وإن كان لا يحل له وطؤها لفساد البيع وبخروج إحداهما عن ملكه يحل له وطء الأخرى لأن المشتري ملكها بالقبض فإن ترادا البيع فليس له أن يطأ واحدة منهما حتى يحرم إحداهما عليه فإن باع التي لم يبع لم يقرب التي ردت عليه حتى يستبرئها بحيضة لخروجها عن يده وملكه بالتسليم بحكم البيع الفاسد .
( قال ) ( وإذا تزوج أخت جاريته التي وطئها لم يقرب واحدة منهما حتى يملك فرج أمته غيره ) لأن التي تزوجها صارت فراشا له بنفس النكاح حتى لو جاءت بالولد يثبت النسب منه فكانت كالموطوءة حكما فلهذا لا يقرب أمته ولا يقرب المنكوحة لأنه وطئ أختها بالملك فيصير بهذا الفعل جامعا بين الأختين وطئا وذلك حرام وقال مالك : له أن يطأ أمته كما كان يطؤها قبل النكاح وجعل نكاحه أختها بمنزلة شرائه أختها والفرق بينهما ما ذكرنا فإنها بنفس الشراء ما صارت فراشا له حتى لو جاءت بالولد لا يثبت النسب ( ولو اشترى أخت امرأته وهي أمه كان له أن يطأ الأولى وهي المنكوحة ) لأن الثانية بنفس الشراء ما صارت فراشا له ويستوي إن كان وطئ المنكوحة أو لم يطأها لأن بالنكاح صارت فراشا له والتحقت بالموطوءة .
( ولو اشترى عمة أمته التي وطئها أو خالتها أو بنت أختها أو بنت أخيها من نسب أو رضاع فهو بمنزلة شراء الأخت ) لأن الجمع بين هاتين في النكاح حرام فكذلك يحرم الجمع بينهما وطئا بملك اليمين .
( قال ) ( وإذا اشترى جارية وقبضها وعليها عدة من زوج من طلاق أو وفاة يوم أو أكثر من ذلك فليس عليه بعد مضي تلك المدة استبراء استحسانا ) لأن العدة من حقوق النكاح فتعمل عمل أصل النكاح في المنع من وجوب الاستبراء ولو كانت منكوحة عند القبض بالشراء لم يجب على المشتري فيها استبراء فكذلك إذا كانت معتدة ألا ترى أنها لو كانت حاملا فولدت بعدما قبضها المشتري لم يلزمه استبراء آخر فكذلك إذا انقضت عدتها بغير ولد .
( قال ) ( وإذا اشترى جارية لها زوج وقبضها ثم طلقها الزوج قبل أن يدخل بها وقد كان البائع وطئها قبل أن يزوجها لم ينبغ للمشتري أن يقربها حتى تحيض حيضة استحسانا ) لأنه لو قربها أدى إلى اجتماع الرجلين على امرأة واحدة في طهر واحد وقيل هنا الاستبراء مستحب لا واجب كما يستحب للزوج أن يستبرئها قبل أن يطأها إذا علم أن المولى وطئها في هذا الطهر فكذلك حال المشتري بعد طلاق الزوج مثله وقيل بل في حق المشتري الاستبراء واجب وهو إحدى الروايتين في أن الطلاق قبل الدخول يوجب الاستبراء على المشتري فإن كانت قد حاضت حيضة بعد وطء البائع فلا بأس بأن يقربها المشتري ولا يستبرئها فبهذا تبين أن المنع في الفصل الأول لكيلا يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد لا لوجوب الاستبراء على المشتري عند الطلاق .
( قال ) ( وإذا اشترى المكاتب جارية وقبضها فحاضت عنده ثم عتق حل له أن يطأها ) لأن المكاتب في حكم ملك التصرف بمنزلة الحر وبالشراء يثبت له حق الملك فتأكد ذلك بالعتق وبالحيضة التي توجد في يده بعد ذلك يتبين له فراغ رحمها من ماء الغير فيحتسب بها من استبرائه .
( قال ) ( ألا ترى أن مولاه إذا اشتراها منه قبل أن يعتق كان عليه أن يستبرئها بحيضة يعني أن المولى في كسب مكاتبه كالأجنبي والمعتبر ملك المكاتب فيها قبل العجز لا ملك المولى فإن عجز المكاتب لم يطأها المولى حتى يستبرئها بحيضة ) لأن المولى إنما ملكها بعد عجز المكاتب وهذا لأن ملك الحل بمنزلة ملك التصرف والمكاتب هو المستبد بالتصرف في ملكه قبل العجز وإنما يملك المولى التصرف بعد عجز المكاتب فيلزمه استبراء جديد ألا ترى أن المشتراة قبل القبض إذا حاضت ثم قبضها يلزمه استبراء جديد وإن كان هو قبل القبض مالكا رقبتها فهذا أولى .
( فإن كانت أم المكاتب أو ابنته لم يكن على المولى أن يستبرئها ) لأنها تتكاتب عليه وكل من دخل في كتابته فهو مملوك المولى حتى ينفذ عتقه فيه كما ينفذ في المكاتبة فكما أن المكاتبة إذا عجزت لا يجب على المولى أن يستبرئها فكذلك لا يجب عليه الاستبراء متى صارت مكاتبة معه .
( ولو كانت أخت المكاتب أو ذات رحم محرم منه فكذلك الجواب عند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله ) لأنها قد تكاتبت عليه وعند أبي حنيفة لا يتكاتب ما سوى الوالدين والمولودين فيجب على المولى فيها الاستبراء بعد العجز كما في الأجنبية ألا ترى أن المولى لو أعتقها لم ينفذ عتقه فيها عنده ولا يمتنع عليه بيعها .
( قال ) ( ولو اشترى النصراني جارية فليس عليه أن يستبرئها ) لأن ما فيه من الشرك أعظم من ترك الاستبراء معناه أن وجوب الاستبراء لحق الشرع والكافر لا يخاطب بما هو أهم من الاستبراء كالعبادات .
( فإن أسلم قبل أن يطأها وقبل أن تحيض حيضة ففي القياس ليس عليه أن يستبرئها ) لأن أوان وجوب الاستبراء عند القبض ولم يلزمه عند ذلك فلا يجب من بعد كما لو كانت منكوحة أو معتدة حين قبضها وفي الاستحسان عليه أن يستبرئها بحيضة لأن وقت الاستبراء من حين يقبضها إلى أن تحيض حيضة فإذا أسلم وقد بقي شيء من وقت الاستبراء يجعل ذلك لوجود الإسلام في أول الوقت كالكافر إذا أسلم في آخر وقت الصلاة يلزمه تلك الصلاة لهذا المعنى .
( فإن وطئها قبل إسلامه ثم أسلم لم يكن عليه أن يستبرئها ) لأن وقت الاستبراء ما قبل الوطء لأنه يستبرئ رحمها من ماء غيره لا من ماء نفسه وبعد الوطء لو استبرأها إنما يستبرئها من ماء نفسه .
( قال ) ( وإذا اشترى جارية مجوسية فحاضت عنده حيضة ثم أسلمت حل له أن يطأها ) لأن تلك الحيضة وجدت بعد تمام الملك له فيها فيجتزئ بها من الاستبراء وكذلك إن كانت محرمة فحاضت في إحرامها ثم حلت .
( قال ) ( وإذا اشترى جارية هي أخت البائع من الرضاع أو كانت حراما عليه بوجه من الوجوه فعلى المشتري أن يستبرئها ) لأنه حدث له فيها ملك الحل بسبب ملك الرقبة فهو كما لو اشتراها من امرأة .
( قال ) ( وإن اشترى جارية فلم يقبضها حتى ردها بخيار أو عيب فليس على البائع أن يستبرئها ) لأنها لم تخرج من ضمان ملكه حين عادت إليه والله أعلم